أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرزاق دحنون - ثمن السُّكر الذي تأكلون














المزيد.....

ثمن السُّكر الذي تأكلون


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6082 - 2018 / 12 / 13 - 12:55
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


هرب "كنديد" من محاكم التفتيش في أوروبا إلى براغواي في أمريكا اللاتينية, هناك يملك رجال الدين كل شيء, والشعب لا يملك شيئاً. ويأتي إلى مستعمرة هولندية, ويجد عبداً زنجياً بيد واحدة, ورجل واحدة, وقطعة من قماش تستر عورته, فشكى له العبد: عندما نشتغل في قصب السُّكر ويعلق اصبع من أصابعنا في طاحونة القصب يقطعون يدنا, وعندما نحاول الهرب يقطعون رجلنا. هذا هو الثمن الذي تأكلون به السُّكر في أوروبا.
1
لا نجد كاتباً يناقش التشاؤم بسرور مثل فولتير في روايته "كنديد" مع علمه أن هذا العالم عذاب وألم. ومن النادر أن نجد رواية بمثل هذا الفن البسيط الممتع. لقد كتبها في ثلاثة أيام عام 1756 وكانت ريشة الكتابة تجري وتضحك بين أصابعه, على حدِّ تعبير أناتولي فرانس, والذي قال: قد تكون أجمل رواية في الأدب كله. لماذا كتب فولتير هذه الرواية؟ جاءت الأخبار في شهر نوفمبر من عام 1755 عن وقوع زلزال مرعب في لشبونة ذهب ضحيته ثلاثون ألفاً من السكان. لقد وقع هذا الزلزال في يوم القديسين, وامتلأت الكنائس بالمصلين. لقد تأثر فولتير تأثراً بالغاً, واحتدم غضباً عندما سمع أن رجال الدين الفرنسيين اعتبروا هذه الكارثة التي نزلت بالبلاد والعباد عقاباً لهم على خطاياهم وذنوبهم. وانفجر فولتير ونظم شعراً مؤثراً عبَّر فيه تعبيراً عنيفاً عن هذه المعضلة القديمة, قال فيه: علَّمني تقدم العمر أن أُشارك الناس انكسارهم, وأبحث معهم عن كوة ضوء وسط الظَّلام الدامس.
لقد ردَّ جان جاك روسو على قصيدة فولتير عن لشبونة, ووضع اللوم في هذه الكارثة على الناس, بقوله, لو عشنا في الحقول خارج المدن ولم نعش في المدن, لما بلغت الخسارة في القتلى هذا الحد, ولو كنا نعيش تحت السماء, لا في البيوت, لما سقطت البيوت علينا. لقد أثارت الشعبية التي حظي به مقال روسو الدهشة في فولتير, فأدار على روسو سلاح السخرية, وألَّف رواية "كنديد".
2
"كنديد" شاب بسيط وأمين وهو ابن بارون عظيم وتلميذ العالم بانجلوس. كان بانجلوس استاذاً في الميتافيزيقيا واللاهوت والكون وقد قال إن من الممكن اثبات أن كل شيء في هذا العالم وجد من أجل أفضل غاية. لاحظ أن الأنف قد شُكّل ليحمل النظارة, والسيقان قد وضعت بشكل واضح من أجل الجوارب, والحجارة لبناء القصور, والخراف لنأكل لحمها طيلة السنة. بينما كان الاستاذ بانجلوس يتحدث و"كنديد" التلميذ يستمع, هجم جنود الجيش والقوا القبض على "كنديد" وجعلوا منه جندياً. وعلّموه كيف يدور يميناً ويساراً, ويسحب البندقية ويُعيدها إلى مكانها, ويستعد ويسحب المغلاق ويطلق النار, ثمَّ يسير وكأن شيئاً لم يكن, هيا وراء دور أمام سر.
وعزم في يوم مشمس من أيام الربيع على التريض والمشي بحرية, فانطلق ماشياً إلى الأمام معتقداً أن من حق الإنسان والحيوان أيضاً استعمال أرجله كما يحب, لقد تقدم خطوتين فقط, فأدركه جنود الشرطة العسكرية, وألقوا القبض على سيادته, ثمَّ أوثقوه وحملوه إلى السجن معززاً مكرماً. وهناك خيروه بين أن يجلده كل جندي في الفرقة ستاً وثلاثين جلدة, أو يتلقى مرة واحدة رصاصتين في رأسه. حاول "كنديد" عبثاً أن يقنعهم بحرية الإرادة وأنه لا يريد أن يختار لا هذا ولا ذاك, وأُجبر على الاختيار, وعزم بموجب هبة الله التي تُسمى الحرية, أن يتلقى من الجلد ستاً وثلاثين جلدة من كل جندي في الفرقة لأنها أضمن للحياة من رصاصتين في الرأس.
3
هرب "كنديد" من الجندية وتقابل مع الأستاذ بانجلوس على السفينة المتجهة إلى أمريكا الذي حدثه عن قتل البارون والبارونة في لشبونة وتدمير القصر الملكي, وأنهى حديثه بقوله: كل هذا لا مفر منه لأن مصائب قوم عند قوم فوائد, وكلَّما زادت مصائب البعض كان ذلك لمنفعة البعض الآخر. في هروبه إلى أمريكا اللاتينية دخل إلى غابات براغواي حيث وجد الكثير من الذهب ثم عاد إلى الساحل واستأجر سفينة لتأخذه إلى فرنسا ولكن ربان السفينة أبحر بالذهب وترك "كنديد" يتفلسف على شاطئ المرفأ. اشترى "كنديد" بالقليل الذي تبقى معه تذكرة على سفينة متجهة إلى بوردو الفرنسية, وبدأ حديثه مع عالم مسن, يُدعى مارتين.
-هل تعتقد أن الناس كانوا يذبحون بعضهم بعضاً دائما كما يفعلون اليوم, وبأنهم كانوا دائما كذبة, مخادعين, خونة, ناكرين مخادعين, قاطعي طرق, حمقى, لصوصاً, سفلة, سفاكي دماء, فاسقين, متعصبين, منافقين ومجانين؟ فأجابه مارتين:
-هل تعتقد أن الصقور كانت تفترس الحمام دائماً حيث وجدته؟
بلا شك, قال "كنديد" فأجاب مارتين:
-إذا كانت الصقور لم تغير من طباعها, لماذا تتصور أن الناس قد غيروا طباعهم؟
-آه... قال "كنديد" هناك فرق كبير شاسع لحرية الإرادة. وهنا وصلوت السفينة إلى بوردو. وبعد أن تعرض "كنديد" لضروب مختلفة من الشرور على يدي رجال كثيرين سكن أخيراً في بلاد الأناضول, واشتغل مزارعاً. وتنتهي الرواية بحوار بين الأستاذ والتلميذ. كان بانجلوس يوجه خطابه الأخير إلى "كنديد":
-يوجد ارتباط بين الحوادث في هذا العالم الذي هو أفضل العوالم, لأنك لو لم تُطرد من القصر العظيم, ولو لم تُطاردك محاكم التفتيش, ولو لم تذهب إلى أمريكا, ولو لم تفقد كل ذهبك, لما كُنت هُنا تأكل هذا النارنج المحفوظ مع الفستق الحلبي. كل هذا حسن, قال "كنديد" ولكن دعنا نزرع حديقتنا.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل فكرة الاشتراكية ما زالت خياراً اجتماعياً صائباً؟
- يُلكم المُدير الياباني كلّ صباح
- على هامش كتاب-حِكَم النَّبيّ مُحمَّد- للأديب الروسي الكبير ل ...
- فولتير و جرس الإنذار
- ثورة الملح
- عبد الوهاب المسيري ذلك الرجل النبيل
- مقطع من سمفونية الكمنجات الكردية
- اليهود في رواية الجندي الطيب شفيك
- شيوعيون يزرعون عبَّاد الشمس
- اللَّحظةُ الشُّقيريَّة
- لماذا خلق الله الذباب؟
- أنا مش كافر بس الجوع كافر
- أهلاً لينين
- عن ذلك الحصير في القصر الجمهوري
- كيف أصبحتُ شيوعياً
- الصورة الأكثر شهرة في العالم
- هل يجلبُ الطَّاغية شوكولاتة إلى أولاده؟
- حَكَمَ فَعَدَلَ
- طائر سوريَّة السَّكران
- هُناك مكان لمن يُصلي


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عبدالرزاق دحنون - ثمن السُّكر الذي تأكلون