|
بورتريه : المبدعة المغربية زهرة رميج لوتس اليسار النبيل
عبد الرحيم العطري
الحوار المتمدن-العدد: 1518 - 2006 / 4 / 12 - 11:32
المحور:
الادب والفن
من أقصى اليسار جاءتنا زهرة رميج ، معلنة على لسان ماو "أنهم لا يستطيعون وقف زحف الربيع" ، و مرددة بكل امتلاء مع بسيسو أن "الشارع الدامي لنا مهما رشوا عليه من جنود ". جاءت الزهرة الجميلة من أقاصي الحلم المغربي ، تحاور المسافات الفادحة خلال زمن الاحتقان و الاستثناء ، تلتسع بالجمر و تختنق بالرصاص، و تنبعث من رماد الأيام المكلومة كما الفينيق في الزمن الغابر . بالشعر تارة، و بالقص اللذيذ مرة ثانية، و بترجمة نصوص الآخر آفاقا أخرى، تمارس الزهرة اعتصار الرحيق و منح الحياة ، تحاور المنطق الأعمى لوطن لا يجيد إلا صناعة الرحيل ، رحيل في الزنازن ، و آخر في مقبرة المتوسط ، و غيره لا معروف في الغرف السوداء ،لهذا كانت زهرة رميج منذ انغمارها الأول في عوالم الكتابة منشدة لأغنية الحياة ، حالمة بالربيع و الشارع و الجرح الفاغر فاه. في أحضان السماعلة و بني خيران نشأت المبدعة زهرة رميج ، مكتنزة في أعماقها تاريخ منطقة خبرت النضال و الاستماتة ، سافرت برفقة "ألف ليلة و ليلة" و تابعت متاهات " سيف ذو يزن"، هناك رضعت البداوة و البساطة و تمثلت المعنى المفترض للانتماء و الالتزام . من خريبكة ثم وادي السباع ( واد زم ) ارتحلت نحو البيضاء لاستكمال فصول التعليم الثانوي ، لترتحل مرة نحو فاس ، لتغرق في دنيا الأدب و اليسار النبيل . بالحرم الجامعي ستهاجر هذه المرة نحو الألق الماركسي ، و ستختبر مفهوم الالتزام و النضال واقعيا، في عز القمع و التنكيل ، هناك لن يصير للحياة معنى، بعيدا عن الثورة و التغيير الجذري . في أحضان الماركسية اللينينية نمت الزهرة رميج و فاح أريجها العطر ، كاشفا عن كثير من الشاعرية المعتقة، لقد رضعت من أثداء الألم و خبرت النضال في ابتهاج الحجر و المحو ، كانت آلة القمع مكشرة عن أنيابها في وجه كل من أخلص الحب للوطن ، كلاب الحراسة ، محاكم التفتيش ، مطاردة الساحرات و الحرس القديم بالمرصاد لكل من سولت له نفسه عشق هذا الوطن ، لأنهم يريدون خلق جيل من الضباع كما قال محمد جسوس ذات زمن بعيد . في سبعينيات الانقلابات و سوء الأحوال السياسية بين القصر و الحركة التقدمية ، سيتعرض الحي الجامعي بفاس لهجوم شرس نفذته الأجهزة القمعية ، سيتم إلقاء القبض على الزهرة الماركسية ، و سيخلى سبيلها بعد حين ، لتستمر في التحصيل المعرفي إلى أن امتهنت التدريس ، لتعود مجددا إلى البيضاء ، و إلى ثانوية الخنساء تحديدا ، تعلم طلابها دروسا في العشق الوطني قبل الدرس الأدبي المفروض قسرا عبر المناهج الدراسية . خلال زمن البيضاء المختلف كانت المبدعة زهرة رميج تلتحف عباءة الشعر و القص الجميل ، تكتب مسارات الفداحة و الخسران العميق ، بالشعر تطرد الألم و بالقص تواصل الاختيار مع رفيق العمر الذي أهدى حياته للنضال و التشظي من أجل البروليتاريا المنسحقة جراء التفقير و التهميش. مع رفيق الدرب الراحل خطأ ستكتب زهرة اللوتس سيرة الاحتراق حبا في الوطن ، لتراكم في الأعماق تجارب الإنشراخ ، و تعنف بين الضلوع المكلومة أريج الكلمة و رحيق الحياة، إلى آن أوان الحكي ، فكان الإنكتاب و الخروج الجميل بإعلان الانتماء لخرائط المبدعين ، كانت منذ البداية و الحكاية تنشد مع درويش و هو يقول بملء الأمل و الانهيار " يا نشيد ، خذ المعاني كلها ، و اصعد بنا جرحا فجرحا، ضمد النسيان ، و اصعد ما استطعت بنا ، إلى الإنسان " ، لهذا بدت أكثر انتصارا لسؤال الإنسان ، و أكثر انشغالا بتفاصيله الدقيقة ، لأنها تعي جيدا كما درويش أن " الحروب تعلمنا أن نحب التفاصيل " ، و أن يظل الإنسان فينا يقظا و حاضرا في الحكي و الحلم و كل التفاصيل . لقد اختارت الحكي القصير كجنس أدبي للتعبير عما يعتمل في مجتمع الفاقة و التهميش ،لأنها تنحاز إلى معاناة الذين هم تحت . و لأنها الزهرة الخبيرة بمنطق الحقول و الربيع ، فقد حكت لنا " أنين الماء " بدلا من خريره و انسيابه ، اختارت معانقة الأنين و الحزن امتعاضا من آلة القتل و التدمير . استجارت بالحلم هربا من عفن الأيام ، تخلق الشخوص، تؤثث المكان ، تسافر في الأزمنة القريبة / البعيدة ، تربك الأحداث ، تدفع بها إلى جنون التركيب ، دون أن تنسى ترميق كل التفاصيل . بعد الاستماع جيدا لأنين الماء ، ستواصل المبدعة رميج الاشتغال في صمت صوفي على ترجمة النصوص العميقة ، ستترجم أشعار عبد اللطيف اللعبي ، و ستهدي القارئ العربي" تمارين التسامح" و" قاضي الظل" تباعا ،كما ترجمت لكل من بهاء طرابلسي و نفسية السباعي " امرأة ليس إلا " و عشيقة من الريف " على التوالي . و لأنها قادمة من قارة السؤال و النقد ، فقد تساءلت مرة أخرى في خروج إبداعي جميل " هل تغرب الشمس حقا ؟ " ، فها الربيع الذي وعد به الرفاق ما زحف معلنا نهاية الخريف و الصقيع ، و لا الشارع الدامي صار لنا ، بل صار لهم مع احتدام آليات التدجين و الاحتواء للرفاق المعتقين ، فهل تغرب شمس الزيف حقا ؟ و هل يرحل الخبث الطافح،و يأتي غودو المنتظر ؟ إنها تتبرم دوما من نسوانية الحرف ، بل ترفض أي تصنيف جنسوي للكتابة ، الإبداع عندها لا جنس له ، يعبر عن الإنسان فقط دونما اعتبار لاختلافه البيولوجي ، هكذا موقف ليس غريبا بالمرة عن بدوية موغلة في البداوة ، لم تزدها الأسفار الطويلة في متاهات الوطن إلا اعتناقا عميقا للبساطة ، لم تسرق منها المدينة ،فائق الانسيابية و منتهى الضحك الطفولي . الكتابة قدر و شرط انتماء ، الحرف التهاب و مداد حياة ، لا يكون مشروطا بتاء التأنيث ، ليعبر و يربك الحسابات ، يكفيه أن يكون مخلصا للقضية ، مشرقا في وجه الظلام ، محرضا على الحلم و التغيير .يكفيه أن يكون إبداعا من رحيق المعاناة و ندى الفجر الجميل . هكذا تتمثل كتابة الإنسان لا الذكور أو النساء ، و هكذا تواصل زهرة اللوتس بهاء القول ، تبشر بالربيع الزاحف ، بالشارع الدامي ، باليسار النبيل ، بغودو المنتظر ، بالإنسان بكل العنفوان . تنشد و تردد أحلى نشيد على درب الحكي و الشعر و الترجمة و ما نعرفه و لا نعرفه من أجناس القول ، تظل اللوتس زهرة الغد الجميل ، بشارة الزمن العذب ، بلسم الجراح ، و بسمة في وجه الخراب و فزاعات النحيب و مشانق الرحيل ، تظل الزهرة رميج مبدعة قادمة من قارة الإنسان الجدير بالإنسان ، سائرة في حقول الربيع / الحلم ، ابتغاء المفازة القصية ، تظل دوما مخلصة للحب ، و منشدة لشموخ الإنسان . لأنها اللوتس قبل موعد الربيع.
#عبد_الرحيم_العطري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المبدع محمد بلمو شاعر لا يركع للخراب
-
بول باسكون الراحل خطأ : عالم الاجتماع هو ذاك الذي تأتي الفضي
...
-
في حوار مع المبدع المغربي محمد شويكة
-
المبدعة مليكة مستظرف فراشة في غير موعد الربيع
-
حوار مع المبدع المغربي محمد الاحسايني بائع الفحم الذي صار رو
...
-
من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 3
-
من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 2
-
افتتاح وحدة للتكوين و البحث في العلوم الاجتماعية و التنمية ا
...
-
من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق
-
حوار مفترض مع الشاعر الراحل محمد علي الهواري
-
أين الجثة ؟
-
كوم . إيكار
-
تكريما لروح بول باسكون
-
في لقاء حميمي مع المبدع المسرحي العراقي جواد الأسدي
-
حوار مع القاص المصري محمد عطية محمود
-
التلقيح السوسيو سياسي بالمغرب :عقاقير سياسية لتسكين التوتر ا
...
-
سؤال الدعارة الرخيصة..تراجيديا الأجساد المتهدلة!
-
سكن هامشي أم سكان مهمشون؟
-
هل تصير الأسرة بسبب التوقيت المستمرمجرد مؤسسة بيولوجية للإنج
...
-
السوسيولوجيا معرفة تعيش حالة الاستثناء
المزيد.....
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|