أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العطري - المبدعة مليكة مستظرف فراشة في غير موعد الربيع















المزيد.....

المبدعة مليكة مستظرف فراشة في غير موعد الربيع


عبد الرحيم العطري

الحوار المتمدن-العدد: 1455 - 2006 / 2 / 8 - 09:26
المحور: الادب والفن
    


بورتريه
المبدعة مليكة مستظرف فراشة في غير موعد الربيع
" أحب فقط ما كتبه الإنسان بدمه " هكذا قال نيتشه ذات مرة ، و لهكذا سبب لا أمنع نفسي من التواطؤ مع هذه ال " مليكة " ، إنها تكتب بالدم ، بل تجعل من الجراح الغائرة أفقا للكتابة و الانكتاب ، جراحها / جراحنا جميعا هي أوراقها و حبرها النازف دوما ألقا و شموخا و ابتهاجا و لو في أحلك اللحظات . لكن كيف السبيل إلى اقتحام عوالمك أيتها ال " مليكة " ؟ و هل في المقدور سبر أغوارك الدفينة وأنت الشفافة و الغامضة معا ؟
هناك أكثر من طريق تقود سالكها نحو عوالم المبدعة مليكة مستظرف ، هناك طريق الجراح بدءا ، ذات الجراح التي حاقت بالروح و الجسد معا ، ثمة طريق ثانية تنعرج عبر المحاورة ، و ليس الحوار ، من خلال لعبة السين / جيم ينبسط المسير نحو مليكة ، فالمحاورة عندها مغموسة في التهكم السقراطي ، وليست مجرد ترف فكري للإعلان عن الانتماء و الحضور ، و هناك طريق ثالثة عبر " الترانت سيس " من أبواب الجنون و الهذيان .
فأي الطرق أمتشق لأكتشف سلالات الورد الغجري ، لأعانق ريح الصمود وسط الإعصار ؟ أي الطرق تقترحين يا مليكة الإصرار لكي نقترب أكثر مما تكتنزين في أعماقك المتشظية ؟و ما طقوس الرحيل نحو متاهاتك المستحيلة ؟ فسيدة الإصرار و فراشة الحلم و مليكة القلم الباكي جديرة بالقرابين و الشموخ و كل الحب .
كما ال " أنيس " و ال "كمال " لم ألتقها يوما ، فقط كانت الجرائد تحمل إلي أخبار مأساتها التي لا تنتهي ، في عز أزمتها كنت منفيا في المغرب العميق ، كانت ترافقني " جراحها " الفاغرة التي أهداني إياها الزميل و الشاعر العزيز محمد بلمو، أذكر أيضا أنه كان من المنتصرين لها ، فلم يدع الفرصة تفوت و نحن ضيفان معا على إحدى البرامج بقناة أبو ظبي خلال مطلع الألفية الثالثة ، ليذكر بمأساتها و يطالب بإصاخة السمع لمعاناتها ، لكن من يستمع جيدا في هذا ال " هنا " و الآن يا بلمو ؟ جميعهم صاروا كصم بكم لا يفقهون و لا يتحركون من أجل الإنسان ولا شيء غير الإنسان .
إنها الفراشة المصرة على الطيران مهما اشتد الألم و كشر الزمن " ابن الكلب " عن أنيابه ، إنها فراشة في غير موعد الربيع ، تحلم و تشتهي الحياة ، تغرد و ترقص فرحا بالإنسان الذي مات في أعماقنا جميعا ، تنثر الملح فوق الجرح الغائر ، تصب ماء الحياة عليه ، تضحك ملء الجنون من جنون العالم و منطقه الأعمى . لا تخجل من قول الحقيقة في زمن الكذب و النفاق الذي استحال " اجتماعيا " و ضروريا لبلوغ قشدة المجتمع.
في جراح الروح و الجسد مارست الفضح بامتياز ، لعنت القتل الرخيص و الطابوهات المقيتة ، كشفت الجراح من غير شاش أبيض ، فضحت أمامنا تفاهات الوقت و الأفكار العقيمة ، لكن الكثيرون من ذوي القراءات الخشبية لعنوا " فعلتها " هاته ، و ربطوا بينها و بين الساردة ، أصدروا الحكم من غير انتظار بأن جراحها / جراحنا جميعا هي سيرة ذاتية ، رفعت الأقلام و جفت الصحف .
عندما بدأ يشتد ألم القصور الكلوي الذي تعانقه منذ عشرين سنة ، تفرق الأشياع من حولها ، فقط ظل يناضل إلى جانبها ثلة من الشرفاء الآيلين للانقراض تباعا تباعا ، لكنها استمرت في إدمان صناعة الحياة ، إنها " امرأة التحدي و القهر " كما تقول ، " إنسانة لا تتصالح مع الوقت والزّمن ، مسكونة بالحرف والحلم .. ترفض الانحناء، اختارت أن يكون لها اسم دون وساطة الوسطاء أو تعميد القساوسة" ، لم تكن في يوم من الأيام لتلج قبيلة ما تمنحها شهادة الاعتراف و التميز ، إنها تلعن كل القبائل و الإطارات الأرثوذوكسية التي صارت تفرخ " المبدعين " و تفرضهم علينا قسرا و اعتسافا ، فقط لأنهم يعبدون شيخ القبيلة و يحملون بطاقة القبيلة و يرددون أذكار نفس القبيلة .
هذه الفراشة القوية لها حكايا استثنائية مع الموت ، إنها تحمله معها كما قال الراحل زفزاف ، في سنة 1986 حكم الأطباء عليها بالموت ، لكنها امتهنت الحياة ، في سنة 1990 سيصدرون مجددا الحكم عليها بالرحيل ، لكنها واصلت صناعة البهاء ، و في سنة 1992 أقسموا بأغلظ الأيمان أنها لن تستطيع الاستمرار لكونها غاصت في غيبوبة فادحة ، و حاقت بها الهشاشة و الألم الغائر ، لكنها لم تمت ، و لم ترحل حتى في المرة التي اختارت فيها الرحيل قصدا بمحاولة الانتحار ، منذئذ صارت تصادق الموت ، تسخر منه أحيانا بل دائما بالحلم و الحرف و السؤال ، هكذا هي الفراشات أبدا تحلق و ترقص فرحا على حافة الموت ، لا تأبه لما يحيق بها من أخطار ، فقط تتزيى بأبهى الألوان ، تسافر عبر الحقول و الأزهار ، تموت حبا في النور ، ترقص حوله رقصة الانتماء و تواصل المسير ضدا في القبح و الانتهاء .
كلما فكرت في مأساة هذه ال" مليكة " / الفراشة كلما تساءلت بإلحاح : ماذا لو لم تكن مليكة مدمنة حرف و سؤال ؟ هل تستطيع المسير في طريق ملآى بالأنذال ؟ ماذا لو لم تكن حالمة و مغردة للحياة ؟ و ماذا لو جاءت مليكة في غير هذا الزمن الكئيب؟ ألم تسبق زمنها أم أنها أخلفت موعد الربيع المفتقد؟
في " الترانت سيس " الذي يحيل مغربيا على الجنون ، على " طيران الفريخ " ، و على انفراط سبحة الانتظام العقلي و " الحريك " نحو عوالم أخرى ، عبر كل هذه الإحالات تمارس مليكة مستظرف نفس اللعبة ، لعبة الفضح لتناقضاتنا الماسخة ، لخبثنا العلائقي ، لغرقنا المشين في الرداءة و القحط المعنوي . لا تتخلى مليكة في" ترانت سيسها " كما في جراحها عن الحلم و الحب ، لا تمنع نفسها من التحليق في أقاصي الروح و الجسد ، في خرائط الفجيعة و الخذلان ، بالسكر مرة و بالملح و " الماء القاطع" مرات أخرى لا تداوي الجرح ، بل تداعبه و تجعله بارزا للعيان ، فقط لأنها تكره الأقنعة و ترفض لعبة الغميضاء.
غائر هو الحزن في أعماقها ، عميق هو الألم في جسدها النحيل ، لكنها تفيض حبا ، تضج حياة و أملا ضدا في الموت الجبان ، هكذا أتمثلها، تسخر منه كما تسخر من خريفنا الدائم ، من مبدعي القبيلة ، من المثقف الفصامي الذي لا يقيم أية علاقة مقبولة بين الخطاب و الممارسة ، ذلك المثقف الذي اعتبر كتابتها إيروتيكية ، لكنه عندما التقاها انضم إلى جوقة لاعقي الأحذية حتى يؤكد ، ليس لها طبعا ، بل لمالكي وسائل الإكراه و التدبير أنه مثقف و مناضل و حداثي و ديموقراطي و" ثامن مارسي" و فاعل جمعوي....."هذه بلاد مزقتها الطوائف " هذا ما قاله المسرحي سعد الله عبد المجيد الذي خذلته الخشبة هو الآخر ، قالها على لسان أبي الفتح الإسكندري في مسرحية" المقامة المراكشية "، لكنه استمر في ممارسة المسرح ، في اعتناق الحلم و الحياة في عز اليأس و الخذلان .
الربيع أخلف موعده في بلاد مزقتها الفداحة و الرداءة ، الأحبة يغادرون الواحد تلو الآخر ، قبائل و شيع الثقافة و السياسة تخذل كما العادة ، الشرفاء ينقرضون في صمت بهيم ، الحب صار عملة غير مقبولة في أسواق النخاسة ، الدار البيضاء كما كل مدن الجنوب في العالم الجديد فقدت هويتها و احترفت الدعارة و القوادة ، كل شيء ينمسخ و يسير في اتجاه اللامعنى ، فما العمل يا مليكة ؟ لا أطالبك بالجواب ، الجواب باختصار يكمن في محاورات بطعم التهكم السقراطي ، في جراح و انكسارات الروح و الجسد ، في أرض ضاقت ذرعا بالعقلاء فاختارت الجنون بديلا للقهر ، ألم يقل نزار ؟ هل ثمة قهر ، في التاريخ ، مثل هذا القهر ؟ في ذاك كله تنجلي صورتك و تنكشف حقيقتك و أنت تهزمين اليأس المعتق ، و تمارسين الشموخ و البهاء نكاية في الموت و الخبث و العفن الطافح من كل جانب ، في ذلك كله تبدو مليكة مستظرف فراشة في غير موعد الربيع ، تغرد و ترقص برفقة الألم و الضياع في زحام وطن لا يكتمل إلا في الأحلام .



#عبد_الرحيم_العطري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع المبدع المغربي محمد الاحسايني بائع الفحم الذي صار رو ...
- من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 3
- من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 2
- افتتاح وحدة للتكوين و البحث في العلوم الاجتماعية و التنمية ا ...
- من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق
- حوار مفترض مع الشاعر الراحل محمد علي الهواري
- أين الجثة ؟
- كوم . إيكار
- تكريما لروح بول باسكون
- في لقاء حميمي مع المبدع المسرحي العراقي جواد الأسدي
- حوار مع القاص المصري محمد عطية محمود
- التلقيح السوسيو سياسي بالمغرب :عقاقير سياسية لتسكين التوتر ا ...
- سؤال الدعارة الرخيصة..تراجيديا الأجساد المتهدلة!
- سكن هامشي أم سكان مهمشون؟
- هل تصير الأسرة بسبب التوقيت المستمرمجرد مؤسسة بيولوجية للإنج ...
- السوسيولوجيا معرفة تعيش حالة الاستثناء
- من يضع الملح فوق جراح البيضاء؟
- صيف حار بالرباط: تعديل حكومي في الأفق .. لا تعديل في الأفق
- ما بعد 16 ماي: الكتابة بالإبر فوق العيون: هل سيتوقف البحث عن ...
- أحداث 16 ماي من زاوية أخرى : حصاد الهشيم أو صناعة الكاميكاز


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم العطري - المبدعة مليكة مستظرف فراشة في غير موعد الربيع