أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجاهد الطيب - عبد الحميد مبروك















المزيد.....

عبد الحميد مبروك


مجاهد الطيب
(Megahed Al-taieb)


الحوار المتمدن-العدد: 6057 - 2018 / 11 / 18 - 00:41
المحور: الادب والفن
    


حوائط المحل – بالكامل- مغطاة ببراويز مختلفة الأحجام والأشكال ، البراويز تؤطر صورا له : في هيئة ضابظ ، أو لص ، أو سائق خصوصي ، أو مواطن عادي ، أو تؤرخه جالسا على ترابيزة في مطعم أو حفل وسط كثيرين يتجاذبون أطراف الحديث، لكن من دون صوت ! وهناك صور تجمعه بنجوم الفن ، مع نور الشريف وفاروق الفيشاوي ويسرا وفيفي عبده ويحيى الفخراني وآخرين ، ذلك باستثناء الحائط الذي يواجهك حين تدخل من الباب ، حائط الصدارة مشغول بثلاثة براويز فقط ، عن اليمين “سورة الناس”، وعن الشمال “سورة الفلق”، وفي المنتصف "العظمة الله ".
هو عبد الحميد مبروك الشهير بعبده الحلاق ، مِزيِّن الصبا والشباب . إذا انتهي من عمله يخلع الفوطة من عليك فجأة ، قائلا " ألف مبروك ، اللي بعده" . حلاق على مستوى ،صاحب صيت وصوت جميل يدندن به فقط ، يدخره للسينما إنْ لمع نجمه.
صورته التي تخطر في الذهن بسهولة ويسر صورة شاب ثلاثيني ذي شعر أسود فاحم ، متوسط الطول ، مليان حبتين ، له عينان سوداوان لافتتان ، تضيقان في لحظة الغضب وساعات التهريج ، وسيم وسامة ريفية .
تزوج عبد الحميد مبكرا جدا كما يبدو ؛ فله ابنان أكبرهما في السابعة عشرة ، والثاني ترك المدرسة بعد أن هجرها أخوه الأكبر بسنوات قليلة ، وانتظم مع أخيه إلى جانب والده ،المحل به ثلاثة كراسي بعدد أفراد الأسرة . عندما تسرب أبناؤه من المدرسة أو سربهم هو ، وانضما إلى المحل ، قال عبده متقمصا دورا ما ، مشيرا – بالسبابة - إلى ولديه " العيال دي عملت شرخ جامد في وزارة التعليم ، أنا بعون الله عالجت الشرخ !"
بجهد وصبر استطاع أن يمزج بين الرَّخامة وخفة الروح ، دائم التهريج . الدوام يصنع اعتيادا ، تجد نفسك متقبلا وأحيانا ضاحكا على ما لا يضحك بتاتا . ليس الاعتياد وحده هو مصدر تقبل قلشات عبده ، ربما لما لديه من دأب ومثابرة، وغزارة في الإنتاج ، فقد نجح فعلا في صناعة كوميديا حقيقية وسط الكثير الكثير من القلش .
إذا نُودِي للصلاة ، يتم ما في يده ، يلتقط سجادة الصلاة ، ينتحي مكانا قصيا في آخر المحل ، يعود إلى عمله ، يرسل إلى ابنيه نظرة مفادها "حي على الصلاة".
بعد أن كسر الأربعين بقليل ، وكان يبدو ثلاثينيا بامتياز ، عمل كومبارس إلى جانب عمله ، يعلق ساخرا متمنيا " في يوم من الأيام ، قُريِّب إن شاء الله ، هيغيب البطل ، هتجيله مصيبة تاخده ، فالمخرج هينده عليَّ زي إبراهيم فريد في معبودة الجماهير ، تعالي يا بني يا للي هناك إنت ، هاضرب بإيدي على صدري "أنا أنا" ؟ وهتضرب وهنبطل نحلق للأشكال الوسخة دي .
المحل كأنه سبيل ، يدخل ويخرج منه كثيرون ، قد يمد أحدهم يده ليتلقط المشط أو الفرشة ويصفف شعره، وقد يكتفي بالمرآة ليفحص حبَّاية في وجهه ، او جرحا صغيرا ، أو ليراجع فقط على ملامحه ، وينظر إليها طويلا كأنها لشخص يعرفه ، وقد يدخل من يريد أن يدفع الجمعية ، أو يفاوض ليحصل على مركز متقدم فيها أو يقبضها ( هذا كان نادرا ) ، يتعامل عبده مع من سيقبض الجمعية ، كأنه ربح ورقة يانصيب ، يردد ساعتها جملته الشهيرة " النهارده قبضك يا معلم ، القبض الليلة ، تحضَّر طقم البيرة ، أشوفك على عشرة ، عشرة ونص كده، ولَّا أقولك تعالى على هنا نشطَّب ونطلع سوا " ، قد تحدث مشاكسات وسخرية من تصرفه هذا ، إلا انه نجح في مرات غير قليلة ، عبر مفاوضات ، منها قوله مثلا "ما فيش مشكلة ياعم خلي البيرة عندي أنا ، إحنا عايزين نقعد مع بعض شوية مش أكتر " ، إلا أنه في الغالب الأعم ينجح في أن يكون القبض ضمن احتفال صغير على حساب القابض أو اللي هيقفش على حد تعبيره ، الجمعيات كلها تُلمّ باليوم ، خمسة أو عشرة جنيه ، يسددها المذكور في نهاية اليوم ، أعضاء الجمعية أغلبهم من اصحاب المحال المجاورة لصالونه : البقال والخردواتي والسمكري والسباك والحداد ، وقليلا قليلا من الجيران الذي يدفعون بالشهر، وهو لا يفضل هذا.
أشهر أدواره كانت في أحد مسلسلات يحيى الفخراني التي نصحنى وقت عرضها بمتابعته ، بعد أن زودني برقم الحلقة وبتوقيت ظهوره بالضبط ، كان الدور ناطقا لأول مرة ، عبده ضابط شرطة يدخل على البطل ، ويأمر الجنود بتفتيش المكان ، ثم يصطحب المتهم قائلا اتفضل معايا .
كنت أظن أنه لا يدخن ، فنادرا ما تجد في يده سيجارة ، إلا أن أحد الرواد الدائمين وأحد أعضاء الجمعية التي لا تنتهي قال خالطا الجد بالهزل "فاروق بيجيب علبة كل أسبوع : 3 سجاير ، تلت مرات في اليوم زي الدوا " . لكنه في نهاية اليوم وقبل أن يغادر إلى بيته : " لو ماعنديش تصوير لازم عشرتين دومينومع الحبايب وحجرين معسل !)

بانضمام أسامة إلى فريق العمل توفرت فرص أكبر لعبده ؛ ليركز أكثر في التمثيل ، صار يختفي بالأيام عن المحل .
أسامة هو ابن أخت عبده، حلاق شاب ، في العشرين من عمره أو أكبر قليلا ، حصل على دبلوم صنايع وتم تعيينه برضاه في مؤسسة عبد الحميد مبروك ، بعد أن نال حظا وافرا من التدريب في إجازات المدراس المتوالية ، انشغل زمنا بالتخطيط لتفادي الخدمة العسكرية ، لأسامة وسامة عصرية صريحة ، له هيئة طالب جامعي يقضي معظم وقته في كافتيريا الكلية ! نجم نجوم الشارع ، يُستشار في فنون الأناقة والشياكة ، من أوائل من ارتدوا الجينز بماركاته الذائعة آنذاك كـ " إف يو إس" ، و "سونتي" ، فتى احلام المراهقات من بنات شارعه والشوارع المجاورة . يمشين أمام المحل ، ثم يتوقفن بعيدا نسبيا ، يخرج ليلتقط ميعادا ، أو ليزيل لَبسا غراميا .
أسلم أسامة قلبه لسوسن ، سوسن تشكو من غراميات أسامة ، لكنها تعرف أنها الحبيبة ! شرع في خطبتها ، لكنه نصح بالتراجع ، أخبره أخوها بأدب جم أنهم من أسرة فلسطينية ، وبناتهم لا يتزوجن إلا من فلسطينيين ، شكا أسامة لطوب الأرض" ما أنا مسلم !هو أنا يهودي يعني ؟!"
عندما اكتملت المأساة ، بدأ فصل جديد في حياة أسامة ، هجر المنطقة مع أول فرصة ، وعمل بمحل قريب من الكلية الحربية ، لم يجد صعوبة كبيرة رغم الفجوة الحضارية بين عين شمس والكلية الحربية ! كان مطلعا ومتابعا لتطورات المهنة ، هو أول من أستجلب الأجيال الجديدة من شباب الحي إلى محل عبده ، وبدا يدخل كلمات جديدة إلى معجم عبده الذي توقف من زمن ( رغم المهارة المشهود لها ) عند كلمات من نوعية " شعر ودقن وفتلة وسيشوار " ، أما أسامة فأدخل أسئلة من قبيل : قص بس؟ ، ولا قص وغسيل؟ ، واحضر كتالوجا يعطيه للشاب ؛ ليختار القَصة المناسبة ، أو يشير مباشرة بأشهر من ارتبطت بهم من مشاهير الممثلين العالميين والمحليين ولاعبي الكرة.
ترك أسامة خاله عبد الحميد ، لكن المحل لم يهتز ، ولم تتأثر عتبة أكل العيش إلا قليلا ، ربك بيرتبها ، عندما انسحب أسامة ، كان ابن عبده الأكبر قد قد أصبح "صنايعي شاطر" بالفعل ، والآخر يحلق للصغار ، تحولنا إلى الابن بعد أن تكرر غياب عبده.
سيعود عبد الحميد إلى المهنة بكامل لياقته ، وسنعود إليه ، أو نراوح بينه وبين ابنه الأكبر الذي اعتدناه أيضا . عاد عبده من جديد ، طلق الهواية بالتلاتة، لكن البراويز التي تؤرخ لمسيرته ما زالت تزين الحوائط ، صار يشير إليها ، بعد أن يضرب بالمقص (ع الفاضي) عدة ضربات في الهواء ، قائلا : " صوري قبل الاعتزال " !



#مجاهد_الطيب (هاشتاغ)       Megahed_Al-taieb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من - هوا مصر الجديدة -
- سعاد
- هربت الفكرة
- لقطة المترو
- دَوا نُقَط
- فوقية
- قهوة علي مالك
- جبال الألب
- محمود ونوجة وصفية
- النادي الفرنساوي
- بأثر رجعي
- شارع الحب
- مصر الجديدة - الرابع والخامس من ديسمبر 2012
- ليلي نهارك
- نُؤْنُؤ
- حراس الفكرة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجاهد الطيب - عبد الحميد مبروك