أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - -الجهاد الكروي-















المزيد.....

-الجهاد الكروي-


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 5936 - 2018 / 7 / 17 - 04:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كرة القدم من الرياضات الشعبية الواسعة الانتشار، إلى جانب تحقيقها للمتعة لدى الجمهور الشغوف، فإنها مثل كل الرياضات تحمل القيم الإنسانية للتلاقي والمشاركة والتبادل والتنافس الشريف. وتكون المباريات الدولية فرصة لتلقي الجمهور معلومات غزيرة عن البلدان المتنافسة، ورغم اختلاف الأعلام الوطنية والأناشيد الرسمية وألوان قمصان الفرق المشتقة من الأعلام، إلا أن الروح الرياضية روح كونية تخيم على فضاءات الملاعب، ويصبح المبدأ: "ليفز من هو أفضل Que le meilleur gagne" هو شعار المنافسات .
كل هذا مألوف لدى جمهور الكرة في مختلف بلدان العالم، ولا تجد في سلوكات اللاعبين والجماهير ما يميل إلى تغليب عامل الخصوصية العرقية أو العقدية أو خصوصية اللون أو النسب، لأن ما يجمع الناس هو الكرة، التي منطقها الروح الرياضية الكونية المؤطرة للغيرة الوطنية وللشعور بالانتماء إلى ألوان البلد.
الآن بعد أن انتهت منافسات كأس العالم وفاز من هو أفضل، لنعد إلى سلوكات المسلمين، الذين يبدو أن تخلفهم لم يستثن أي مجال بما فيه المجال الكروي، حيث في الوقت الذي كان فيه على المسلمين التنافس على الكرة، انعطفوا إلى الدعاية لعقيدتهم مستغلين مباريات الكرة، حيث حدث لدبهم خلط غريب بين الرياضة وبين العقيدة، بين الانتصار في الكرة وبين الانتصار للعقيدة والدين، التي لا علاقة لها مطلقا بموضوع التنافس الرياضي.
كانت بداية الهذيان الإسلاموي مع لاعب ليفربول الممتاز محمد صلاح (المصري الأصل)، الذي كان يقوم عفويا بحركات بعد تسجيله لإصابة، كرفع السبابة أو السجود على الأرض، وهي حركات تقابلها عند اللاعبين الغربيين أو لاعبي أمريكا الجنوبية حركة الصليب المعتادة، لكن مشايخ الأزهر ودعاة الهذيان الوهابي سرعان ما تلقفوا حركات اللاعب المصري، ليجعلوا منها علامة على وعي "جهادي" لديه، جعلهم يثقلون كاهل اللاعب المسكين بمهمة ثقيلة وعويصة، هي "الجهاد" ونشر الإسلام بالكرة، فمحمد صلاح بإبهاره للجمهور الانجليزي بلعبه الجميل وإصاباته المدهشة، قادر على إدخالهم جميعا إلى الإسلام إن شاء الله، بل وإدخال جماهير الكرة في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى الإسلام من جديد بعد أن فسد اعتقادهم وانحرفوا عن الطريق الصحيح، وهكذا صعد نجم اللاعب في الكرة، وصعد في "الدعوة" أيضا، فبايعه المشايخ والدعاة والمعلقون المصريون أمير جهاد ولقبوه بـ "أبو مكة"، كما أطلقوا على الفريق المصري إسم "فريق الساجدين" ، وشرعوا في الدعاء لصلاح بالتوفيق ليس لكي يسجل المزيد من الإصابات، ولا ليمعن في الإبداع والإجادة في اللعب، الذي هو مجرد لعب وتنافس رياضي، بل لكي يوفق في مهمته الجهادية الخطيرة: تحويل الإنجليز إلى مسلمين، وإدخالهم أفواجا في الدين الحنيف باستعمال الكرة. وهكذا في الوقت الذي ينتظر فيه الناس جودة اللعب وتسجيل الإصابات يتلهف المشايخ والعامة من أتباعهم إلى لحظة السجود، لأنها الغاية والمبتغى.
وبسبب شيوع الفراغ والتخلف الفكري والثقافي، فسرعان ما تحول ذلك الهذيان إلى خبل جماعي بعد التصادم اللاإرادي الذي حدث بين اللاعب محمد صلاح واللاعب الآخر المبدع "راموس"، والذي أدى إلى إصابة اللاعب المصري في كتفه إصابة أعاقته عن اللعب في المباريات الموالية، حيث تسارعت ماكينة الدعاية والهياج الجماعي لتجعل من هذا الحدث البسيط والمعتاد "مؤامرة صهيونية غربية" لاعتراض المشروع الخطير، مشروع أسلمة الغرب الكافر، وصار اللاعب المصري المفترى عليه ضحية هذه المؤامرة، وانفلتت كل الغرائز من عقالها، وفقد الناس في مصر صوابهم ووعيهم بالكامل، وغابت الكرة، وحضر الهذيان السلفي المعتاد في تأطير لحظات الأزمة ولعب دور التعويض النفسي، فرأينا أمام دهشة الجميع كيف تجند أصحاب العمائم واللحى الطويلة لرفع أكفهم إلى السماء والدعاء على اللاعب المسكين "راموس"، بالمرض والموت والهلاك، وبغضب الله وانتقامه، وسمعنا غير مصدقين ما نسمع، كيف انطلق المعلقون الرياضيون ومقدمو البرامج الإذاعية والتلفزية في استنهاض همم المصريين، لا لكي يعوضوا اللاعب المعطوب بآخر في مثل مهارته، ولا بالدعوة إلى رصّ صفوف الفريق المصري في مباريات المونديال وتعويض المهارة الفردية باللعب الجماعي النظيف والمتقن، بل أطلقوا ألسنتهم لدعوة الشعب المصري للاستيقاظ باكرا عند الفجر، من أجل الصلاة والدعاء على اللاعب "راموس" بالويل والثبور وعظائم الأمور، تحول الأمر إلى موجة عارمة من أجل الانتقام وإشاعة الكراهية، ما يعبر عن عقلية تعاني من خلل بنيوي ينعكس في أمراض شتى.
وامتدت العدوى إلى تونس، فصار لاعبو الفريق التونسي أيضا من الساجدين، فتحولت المباريات إلى طقوس استعراضية لعقيدة اللاعبين، وتوالت الهزائم في الكرة، والغزوات المظفرة في الدعوة.
إنه الانحطاط في أبهى حلله، والتردي الحضاري في أنصع مظاهره، والأغرب من ذلك كله أن الدعاة والمشايخ وأتباعهم من العوام المهيجين لم ينتبهوا بعد ذلك إلى أنّ دعاءهم لم يُصب أحدا في مقتل، فقد لحقت الهزائم بالفريق المصري بوجود محمد صلاح أو في غيابه، كما انهزم الفريق التونسي الذي لم يستحق بدوره العناية الإلهية، واستمر اللاعب "راموس" في التواجد على أرضية الميدان مبدعا في الكرة، دون أن يشعر بأدعية المسلمين ونقمتهم، كما استمر "كاين" و"نيمار" و"مبابي" و اللاعبون الكروات في إبهار الجمهور.
لم يتدخل الله لمساعدة اللاعب المصري المعطوب والتعجيل بشفائه، ولم يعمد إلى الانتقام من اللاعب "راموس"، ولم يزلزل الأرض من تحت أقدامه، ولم ينتصر للمسلمين في الكرة، ولا في "الجهاد"، وظل أبطال الكرة وأسيادها هم العجم من الغربيين والأمريكيين الجنوبيين والأسيويين، كما ظلوا أسياد العلم والتكنولوجيا والاختراع والتفوق الحضاري، ولم يتحول أحد إلى الإسلام بسجود اللاعبين وأدعيتهم، كما ازدادت قيم المسلمين وأوضاعهم تدهورا، ولم يأخذوا العبرة مما جرى، بل ظلوا على حالهم من غياب العقل وحضور الخرافة وغلبة الهياج العاطفي على الواقعية والعمل والإبداع، ما يجعلنا نخلص إلى الاستنتاجات التالية:
ـ أن المسلمين ما زالوا يبحثون في الدين عن العزاء الذي ينسيهم تخلفهم وهزائمهم في كل الميادين.
ـ أنهم بسبب ذلك ظلوا يعلقون على الدين أمورا ليست من اختصاصه
، مثل الكرة والسياسة، ولهذا خسروا الكرة والسياسة معا.
ـ أن هذا الاعتقاد تحول إلى عائق نفسي يحول دونهم وما هو كوني إنساني، حيث يعتبرون ما هو إنساني مخالفا لخصوصيتهم الدينية فيحاربونه.
ـ أنهم يفهمون عقيدتهم في إطار التصادم مع الآخر وليس التبادل الحرّ والحضاري، وذلك بسبب خضوعهم لوصاية رجال الدين، الذين ما زالوا يبحثون عن تصفية حسابهم مع الغرب، الذي أفقدهم سلطتهم بفصل الدين عن السياسة، وإنشاء الدولة الحديثة.
ـ أن المسلمين لم يستطيعوا استيعاب أسباب تفوق الغرب في كل الميادين، بما فيها الكرة، حيث يجهلون أن التفوق الحضاري الحالي إنما مرتكزه العقلانية العلمية والواقعية العملية والقطع مع الغيبيات وأشكال التواكل.
وإلى حين أن يستيقظ المسلمون من سباتهم، فيدركوا أن الفوز في السياسة هو بسبب تمتين البناء الديمقراطي وإقرار حقوق المواطنة، وفي الاقتصاد بالتوزيع العادل للثروة، وفي الثقافة بالتربية على الحرية والإبداع، وفي المعرفة بدعم البحث العلمي، كل مونديال وأنتم بألف خير.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منع ندوة الحريات الفردية لا ينهي النقاش في المجتمع
- كنز -بولمان- وأسطورة -المنقذ-
- العقلية الإجرامية في رمضان
- عندما يكون الإنسان هو الرأسمال الأول
- تكريم المرأة على الطريقة الإخوانية (3)
- -تكريم المرأة- على الطريقة الإخوانية (2)
- -تكريم المرأة- على الطريقة الإخوانية (1)
- صفعة تونسية للمغرب
- أسئلة إلى -أهل الاختصاص-
- نعم -صحيح البخاري- ليس صحيحا
- النقاش في الإرث ليس إرادويا
- عندما يتهم الفقهاء غيرهم ب-الجهل-
- حقوق المرأة و-استقرار الأسرة-
- الحركة الأمازيغية وإسرائيل : أسئلة وتدقيقات
- التعامل الديني القاسي مع الأطفال يتعارض مع البيداغوجيا العصر ...
- هل أصبحت مهمة سائقي التاكسي نشر الجهل والتطرف ؟
- إلى أحمد الريسوني: من أوصل الجامعة المغربية إلى حافة الإفلاس ...
- مشكلتنا مع الدّعاة وفقهاء التشدّد
- عندما يعتلي الجهلُ منابر المساجد
- لماذا لا يحسن المسلمون الدعاية لرأس السنة الهجرية ؟


المزيد.....




- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - -الجهاد الكروي-