أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عمار ديوب - التيار العلماني في سوريا















المزيد.....

التيار العلماني في سوريا


عمار ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1501 - 2006 / 3 / 26 - 09:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يرتبط التحديث في المجتمع العربي بجملة من المسائل الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية ،تتحدد في العالم الراهن بأنها من آثار السيطرة الرأسمالية الاستعمارية على العالم وتوحيده في إطار مصالحها ،هذه – المسائل – تتغلغل في البنية الاجتماعية بشكل منظور ومدروس عبر شكل الدولة والقوانين الوضعية المختلفة في الصناعة والطب والتعليم ومختلف الظاهرات الاجتماعية ، وبشكل غير منظور ،وذلك عبر مرور الزمن وبفعل الاختلاط والتغير والتبدل والصراعات القائمة في المجتمع وعلى كل المستويات وفي مختلف أوجه الحياة ، لتكون المحصلة تكريس بنية فكرية وسلوكية وسياسية تميل نحو الحداثة ، فتصبح البنية الكلية للمجتمع في موقع المستقبل بطريقة حداثية رغم تشوهاتها ، فتتلقى ما يناسبها ،وتحاكم كل شيء ،انطلاقاً من واقعها الجديد ،وإن لم تصل لإعلان الفصل الكامل بين الدولة والسياسة من جهة والدين من جهة أخرى أو لم تحدث الثورة الصناعية التامة ..
هذه الحداثة المجتمعية هي بالضرورة غير البنية المتخلفة السابقة ،أو البنية ما قبل الحداثية ،ولكنها ومع اختلافها عنها ، تحمل في وعيها وطياتها البنية السابقة ،كشكل تفكير ، وعادات وتقاليد ، ووعي ديني طقوسي ،وقد تستطيع القوى الحداثية أن تستفيد من الحداثة المجتمعية ،وقد لا تستطيع ذلك ،استطاعتها على الاستفادة ،متعلقة بفهم تراكمات الحداثة ذاتها ، وكذلك بفهم معيقات تطور الحداثة ،وفهم مشكلات تخلف الحداثة والتأزم الحاصل في البنية الاجتماعية وأسبابها وتحديد طرق التخلص منها .
وبعكس ذلك تفعل القوى السياسية الدينية ،حيث تعمل على تحديد الحداثة بالشكل التقني ، ومن منظور نفعي سريع وتجاري ، وتعمل أيضاً على فهم تأزمات القوى الحداثية المجتمعية ، وتعميق تأزماتها وتقديم الدين كحل سحري لكل المشكلات ، وسرد الحجج والبراهين الدينية والخلاصية ، وتتلاقى مع الأنظمة في تعميم الوعي الأسطوري لفهم الظواهر ، وهي تفعل ذلك اعتماداً على الوسائل التقنية الحديثة ، المسخرة لهم في هذا العالم المادي الفاني ! وكل ذلك من أجل مصالح سياسية تستهدف الوصول إلى مجتمع ديني ماضوي عقيدي ، وبالتالي الحداثة التقنية يمكن أن تطور التخلف أو تنمي التقدم ، وهذا يقتصر على دور القوى الفاعلة من أجل ذلك التطور أو النمو ..
المهم في الموضوع أن التحديث التقني والاجتماعي قد أصبح حقيقة قائمة ،وإن عدم الاستفادة منه من قبل القوى السياسية الحداثية هي أيضاً حقيقة قائمة ،واستفادت القوى السياسية الدينية منه حقيقة أخرى ،وتكاتف مشروع السلطة مع مشروع القوى الدينية السياسية ضد التيار العلماني والحداثة الاجتماعية حقيقة أخرى كذلك لا تخطئها العين منذ بداية السبعينيات تحديداً ..

إلا أن ما يميز الحداثة البرجوازية التابعة الآن ( السلطات وملحقاتها ، والقوى المتخلفة والقوى الليبرالية ) هو انفتاحها الفوضوي والعشوائي على الحداثة التقنية وأخذها بقيم العولمة الراهنة ، من حيث تعميم المفاهيم الحداثية واقتطاعها والاكتفاء بجوهرة بعضها وكأنها مكافئ لعملية إحداث التطور كالقول بالديمقراطية بدون مجتمع صناعي ودون علمانية أو حقوق الإنسان السياسية دون حقوق اقتصادية واجتماعية أوالقول بمفهوم المساواة القانونية ومفهوم الموطنة والذي ُيدمر بتحويل المجتمع إلى هويات طائفية عبر الموافقة على أن الشريعة مصدر أساسي للقوانين، أو تحويل التقدم من العملية الإنتاجية الصناعية إلى العملية التجارية ، وانفتاح الأسواق ،وإن صدور بعض التعارض أحياناً بين القوى المشار إليها وبين العولمة الأمريكية الراهنة لا يخل في سياق التبعية البنيوية أو تقاسم الأدوار والتسلسل الوظيفي في السيطرة على فقراء العالم ، وتوحيد العالم في إطار المراكز والتوابع ..
وهو ما يؤدي إلى تكريس التخلف وتهميش أوسع الفئات الاجتماعية وانتشار الفقر والحروب والتعصب وتدمير التحديث العام ،وتحديده بالتقني الوظيفي وفق الرؤية الماضوية ...
هذه الأفعال بالذات هي ما يستدعي القوى الحداثية العلمانية ،ويفرض عليها تجديد ذاتها ورؤيتها بما يتعارض مع الحداثة البرجوازية وملحقاتها ، والاعتماد على الفاعليات الحداثية السابقة الايجابية ..
إن في سوريا تيار حداثي وعلماني بشكل غير محدود ولا منظور ،مشكلته الأساسية في إرتهانه للوعي المشتت ، والهش ، والمسيطر عليه من الأيديولوجيات الليبرالية أو الديمقراطية السحرية ،وخائف من القمع ،ومعيشته متدهورة ،وشاعر بانعدام الجدوى ، وخائف من الفشل والمجهول ، ومحتضن نزعة فردية أنانية تجعله غير قادر على التفكير بأي عمل جماعي يساري منظم أو فاعل ..

إن عدم المشاركة الفاعلة لهذا التيار لا يعني عدم وجوده بل يعني عدم حضوره ، وهامشية فاعليته ، وهو ما يفترض بالقوى السياسية العلمانية ،وخاصةً الماركسية والقومية والديمقراطية إيلاء هذه المسألة الاهتمام الكافي والعمل على صياغة برنامج سياسي اقتصادي وثقافي يتلاقى مع الحداثة السابقة ويستفيد منها ، ويوجه أنظاره ضد مشروع الشرق الأوسط الكبير والمشروع الأمريكي الصهيوني المتحالف مع الأنظمة العربية السائدة أو البديلة ذات النزوعات السياسية الدينية ، والقطع مع الدعوات الأيديولوجية الديمقراطية السياسوية ،التي تتعامل مع قضايا التطور الاجتماعي بعقلية السلطة السياسية ،لا بعقلية الديمقراطية الاجتماعية أو الحداثة المجتمعية ، والتي تستهدف إحداث تطور البنية الاجتماعية بكليتها ..
وإن تفعيل المجتمع باتجاه هذه المهمات يقتضي أن تكون القوى السياسة الحداثية قوى فعلية واجتماعية ، ونقدية لتاريخها ،وأن تعمل على تعبئة ذاتها نفسياً وعقلياً وفلسفياً وسياسياً. فالشعور بالانكسار وانعدام الجدوى والهزيمة ، والابتعاد عن العمل العام أو السياسة الحداثية والتحالف مع القوى الليبرالية السياسية غير العلمانية هو إمعان في الانكسار وانعدام الجدوى وتعميق للهزيمة ، بل وعلى مستوى أوسع هو تعميق للتبعية واللأتكافؤ وتعميم للجوع والخراب وتفكيك للبنية الحداثية ،فالليبرالية الجديدة ،ليست الليبرالية السياسية النظرية ، ولا هي الليبرالية الوطنية ، بل هي هي تيار إيديولوجي سياسي يأخذ معظم مقولاته من قوة الشركات المتعدية القوميات المسيطر عليها أمريكياً وتأتي في سياق تنفيذ ما تستهدفه تلك الشركات وإن لم يتم التنسيق المباشر وأحياناً يتم التنسيق المباشر كالثورات البرتقالية وغيرها ..
وكل طروحات ليبراليينا السياسيين والاقتصاديين في الداخل لا تتعارض مع الليبرالية الخارجية بل إن مشروعهم يكمل ويتكامل مع ما تريده تلك الشركات والدولة الأمريكية ..
لهذا يفترض بالقوى العلمانية أو شبه العلمانية الماركسية والديمقراطية والقومية التي تلبرت وانحرفت عن برامجها وطبقاتها وهموم شعبها أن تعيد الحسابات من جديد ، وأن تنتقد سيرورتها قبل انحرافاتها وليس الهروب من ذلك الإرث ، وأن تعمل على تثوير الايجابي في تلك السيرورة ،وحسم خياراتها بالضد من الليبرالية أو الإسلامية الليبرالية ،أو الديمقراطية الطائفية ،ففي ذلك الحسم ،تكمن إمكانية النجاة لمجتمعاتنا ،من دورة جديدة من التأزم والتخلف ، عندها فقط يمكن إقامة تحالفات حقيقية ، مما يؤهلها لاستقطاب التيارات الحداثية أو الإقلاع بالحداثة الاجتماعية ،أو البدء بها ..
هذا الاستقطاب ضروري وممكن ، إذا استطاعت القوى السياسية الحداثية وعي مهماتها التاريخية ،وإقامة جردة نقدية لتاريخها بدلاً من الهروب في استعصاءات الماضي ،أو الدخول في تحالفات تضعفها لا تقويها ،تعزلها عن المجتمع ،لا تمد لها جذوراً في المجتمع ، وأن تتبنى برنامجاً عاماً لمشكلات الواقع والطبقات الاجتماعية المهمشة أو البعيدة عن السلطة الاستبدادية .
أما بغير ذلك فلن نكون متفاجئين إذا ما حدث في سوريا ما حدث في مصر أو فلسطين أو العراق أو لبنان ،من إقامة أنظمة طائفية وهشة وتابعة لا تتعدى مهماتها مهمات شرطة الحدود أو الحراسة ، وستكون النتيجة إكمال التضحية بكل قيم الحدائة أو الحداثة المجتمعية ، وعندها سيتم تضييع فرصة جديدة من أجل تحديث مجتمعي فعلي كما أضاعت القوى الحداثية فرصة الستينات ،فاستفادت القوى العسكرية الأمنية والبيروقراطية منها وهندسة المجتمع وقوّمته على هواها ، ووفقاً لمصالحها عبر الاستبداد والقمع والقيم الطائفية والعشائرية ، ولكن وأيضاً عبر الحفاظ على مكتسبات الطبقات الفقيرة (كالإصلاح الزراعي ،أو التأميم ،أو التعليم المجاني الخ ) وهو ما أهلها وسمح لها بالاستمرار وإدامة القمع والسيطرة ..
فالتيار الحداثي العلماني أصبح بعد الفشل الذريع لأشكال البرجوازية التابعة وتأزيم البنية الاجتماعية في موقع المسؤولية التاريخية اتجاه الواقع السوري أو العربي وبالتالي ضرورة تحديد الخيارات المستقبلية وربط ذاته – التيار- بمشروع نهضوي ،يمنع استمرار الظلم والاستغلال والاحتلال الذي تعانيه شعوب الأمة العربية . وبالتالي إمكانية الرد والمواجهة تتطلب من التيار وعياً لشروط الحداثة الأوربية وثوراتها المتتالية والعمل من أجل إحداث تلك الثورات في البنية المجتمعية العربي ،وذلك عبر تمييز هذه المفاهيم بما يتناسب مع الواقع العربي ،والتأكيد كذلك على تنافي مصلحة المشروع الحداثي العلماني مع المشروع الأمريكي الصهيوني العولمي ،وهو ما يتطلب تأكيد قيم الاستقلال والسيادة الوطنية والقومية بالارتباط البنيوي مع مفاهيم الديمقراطية والعلمانية والاشتراكية وتجاوز مشكلات السلطة الاستبدادية أو الديكتاتورية أو الفردية وكذلك إحداث الثورة الصناعية كأساس ومرتكز لتفعيل كل الثورات الأخرى من ثقافية وعلمية واجتماعية فلسفية ،وهذه لا يمكن تحقيقه إلا بالارتباط الكامل مع الطبقات المهمشة كحامل جديد لهذه الحداثة وكمستفيد حقيقي من إحداث تطور كلي في كل مستويات البنية الاجتماعية ..
يكمن القول أن للتيار العلماني في سوريا أنصارُ كثر وإن كان حضورهم ضعيف وباهت ومشتت ومندغم مع الحداثة البرجوازية ومتقاطع مع الليبرالية الجديدة ، وذلك لأن حضور القوى العلمانية من ماركسية وقومية وديمقراطية علمانية ضعيف ، وباهت ،وبالتالي يصبح على هذه القوى وعي مهماتها وطرح برنامجها أو تشكيله ليتوافق مع الأغلبية الشعبية المهمشة ،وعندها ستجد نفسها أنها ليست قوى سياسية فقط بل هي مجتمعاً حقيقياً ..



#عمار_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا بين اتجاهين
- قراءة في كتاب تجديد العقل النهضوي
- التيار الوطني الديمقراطي الاجتماعي
- الديموقراطية لا الليبرالية ،الجدل لا الوضعية
- الوطن بين السلطة السورية ونخبة الخارج
- خدام سوريا واللحظة الراهنة
- شيخ العقل والسياسة السورية
- علاقة المشروع الاستعماري ببعض أوجه العلاقة السورية اللبنانية
- سوريا بين أنصار السلطة وأنصار المعارضة
- علاقة الحوار المتمدن بالمشروع اليساري
- علاقة المسألة القطرية بالمسألة القومية
- علاقة الديموقراطية بالوطنية في سوريا
- أزمات النظام السوري وأخطاء المعارضة الديموقراطية
- قراءة في كتاب خدعة اليون
- مأزق النظام السوري أم مأزق الدولة السورية
- من المستفيد من إعلان دمشق
- نقد نص رزاق عبود ورثة تقاليد أم نتاج سياسات امبريالية
- الإسلام وأصول الحكم كتاب لكل مكتبة
- ما هو دور ميلس في التغيير الديموقراطي السوري
- جريمة هدى أبو عسلي بين العلمانية والطائفية


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عمار ديوب - التيار العلماني في سوريا