أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عزيز سمعان دعيم - مجتمعنا يفتقد السّلم المجتمعيّ















المزيد.....


مجتمعنا يفتقد السّلم المجتمعيّ


عزيز سمعان دعيم

الحوار المتمدن-العدد: 5887 - 2018 / 5 / 29 - 14:29
المحور: المجتمع المدني
    


السّلم المجتمعيّ في عينيّ مفتش وزارة التربية والتعليم

مقابلة مع الدكتور ميشيل سليمان، مفتش سابق في وزارة التربية والتعليم في لواء حيفا

الدكتور ميشيل سليمان، شخصيّة مجتمعيّة محبوبة من كل من يلتقي به ويعرفه، رجل تربية وعلم، قام بتعليم اللغة العربية والتاريخ العام في المدارس، ومارس ارشاد المعلمين لرفع مستوى وجودة التعليم، وقام لسنوات طويلة بممارسة مهنة التفتيش على مدارس حيفا والمثلث والمنطقة، فكان مرشدًا ومساندًا وداعمًا لإدارات المدارس، ليقوموا بدورهم وعملهم على أفضل وجه.
في مقابلتي الهادفة مع الدكتور ميشيل لاستخلاص بعض ما عنده من رسائل وتوجهات نحو ثقافة السّلام، استطعت أن أحصد عصارة فكره في هذا المجال وأن أحصرها فيما يلي، وفقًا لرؤيته وتوجهاته:
مجتمعنا يفتقد السّلم المجتمعيّ، ففي داخل البلدة أو الدولة هنالك تباعد بين الناس مبني على العائلية أو الطائفية أو القوميّة أو غيرها من العوامل التي يستغلها البعض كسبب تفرقة، وتجد هذا التباعد حتى بين أفراد العائلة الواحدة. ومع انعدام السّلم المجتمعي يترعرع الطمع والحسد ورفض الآخر، ويحلّ الخوف من التآمر وإبعاد وإقصاء مجموعة مختلفة مما يخلق هواجس. فنحن بأمس الحاجة للسّلم، ففكرة ثقافة السّلام لم تأتِ من فراغ بل نتيجة حتمية لانعدامه في المجتمع.

نشر ثقافة السّلم المجتمعيّ ودور الإدارة المدرسية:
نشر ثقافة السّلم المجتمعي يتطلب تدخّل تربويّ مدرسيّ. فمن السهل تغيير مواد وصهر معادن، ولكن من الأصعب تغيير إنسان، فالإنسان لا يتغير بالقوة بل بالثقافة والتربيّة السليمة في المدرسة وبالتعاون مع الأهل. المدرسة هي الإطار الصحيح لتغيير الإنسان، وبناء إنسان على أهداف سليمة، وهي المؤسسة الملائمة لإنتاج طلاب سلميين للمجتمع.
إن دور مدير المدرسة في بناء ثقافة السلام هو دور مركزيّ جدًا، فالمدرسة هي المجتمع الأصغر، وما يغرسه مدير المدرسة مع طاقم المعلمات والمعلمين وجميع العاملين في المدرسة في نفوس الطلاب إياه يحصد.
فالمدير يسيطر على مجاديف قيادة القارب (الذي هو المدرسة)، وهو يعي تمامًا الهدف الذي يريد أن يصل إليه، لذلك عليه أن يكون ذا رؤية واضحة ومدروسة، تمكنه من الإقلاع نحو هدفه، الذي هو ثقافة السلام المجتمعي.
من أجل تحقيق ذلك تحتاج إدارة المدرسة إلى بناء خطة مدرسية في كل سنة تُحدّد فيها الأهداف المنشودة، ويتم تعيين المراحل الزمنية لتطبيق خطة العمل، والمباشرة في تنفيذ الفعاليات التربوية على عدّة مستويات: كشف وتوعية، تطبيق وتدريب بغية تذويتها في نفوس الطلاب لكي يعيشها أولادنا في حياتهم العملية لتصبح نهجًا تلقائيًا في سلوكهم وحياتهم، فينعكس ذلك على المجتمع.
عند الحديث عن خطة العمل المدرسية، نؤكد بأنه على المدير بناء هذه الخطة بمشاركة جميع المعلمات والمعلمين والعاملين في المدرسة، إضافة إلى اشتراك الأهالي، لكي تكون عملية نشر ثقافة السلام ميسّرة ومعروفة في بيئة الطالب وفي المحيط الذي يعيش فيه، وأيضا لكي يحظى المدير بثقة وتقدير الطاقم في المعهد التربوي، عندها تكون مشاركتهم جادة وداعمة لرؤية الإدارة وذلك بكل أمانة واخلاص لتنفيذ المشروع المنشود.

معززات السّلم المجتمعيّ:
هنالك عدّة عوامل تعزز بناء شراكة مجتمعيّة بين المدرسة والمجتمع المحليّ لنشر ثقافة السّلم المجتمعيّ، منها:
* تشرِّع المدرسة أبوابها وقلبها وبرامجها وسياستها أمام الأهل بصورة شفافة وجديّة جدًا.
* على المدرسة وإدارتها مشاركة الأهالي في العملية التربوية بصورة مُرضية.
* من المهم مشاركة الطلاب في النظر إلى مشاكل المجتمع وتحفيزهم لإيجاد حلول لبعض هذه المشاكل.
* من الضروري إيجاد وإنشاء مناسبات مشتركة بين الأهل والمدرسة والطلاب مثل حفلات، رحلات ومسابقات، تعزز التواصل وتدعم ثقافة السّلم.
* العمل على تثقيف الأهل. يجب على المدرسة أن تبادر إلى إقامة محاضرات ولقاءات ثقافية وترفيهية منظمة للأهل لكي يعرفوا أهمية دورهم في دعم وعرض مقترحات بناءة، ليقوموا بدورهم الهام من جهة، مع معرفة واحترام حدودهم ومدى تدخلهم في إدارة المدرسة من جهة أخرى.

عقبات ومعوقات ثقافة السّلم المجتمعيّ:
العقبات التي تعيق ثقافة السّلم المجتمعيّ هي العكس أو الضد للمعززات غالبًا، ومنها:
• عدم توفر الإمكانيات الماديّة.
برنامج ثقافة السلام يحتاج إلى ميزانيات كبيرة تستخدم في إقامة لقاءات بين طلاب مدارس مختلفة وبين أهالي هذه المدارس سوية، وتحتاج إلى استدعاء محاضرين لإقامة محاضرات حول ثقافة السلام المجتمعي، وأيضا القيام برحلات مشتركة، وتغطية تكاليف تبادل زيارات بين طلاب مدارس او مؤسسات تربوية بعيدة عن مكان سكنى الطلاب، بما في ذلك تكاليف المبيت والأكل واستعمال وسائل السفر وغير ذلك.
• مشاكل على مستوى العائلة، فإذا كان الزواج غير مناسب بين رجل وامرأة تظهر المشاكل، وصعوبات في التربية.
في هذا الإطار أشدد بان موضوع الزواج هو موضوع جدي ومصيري وخطير، إنه ليس لعبة أو شيء ما للتسلية والترويح عن النفس، إذ أن الكثير من شبابنا وشباتنا لا يعون مخاطر الزواج إذا كان غير ناجح، أو غير مناسب بين الزوجين. هنا أيضا يأتي دور المدرسة من خلال المستشارة التربوية ومربيات الصفوف ببث التوعية والمعرفة لموضوع التربية العائلية، التي تكشف أمام الطلاب أهمية وقدسية الزواج ويؤكد ضرورة كون الزوجين مسؤولين أمام الله وأمام المجتمع لإنجاب أولاد وتزويدهم بكل ما يحتاجون من الأمور المعنوية والمادية ومن مقومات الحياة، فهذا واجب ملقى على عاتق الوالدين. كذلك عليهم تربيتهم تربية حسنة، وغرس الخصال الحميدة في نفوسهم. فاذا بنينا أسرة سوية على أسس من التفاهم والمساواة والمحبة فان الله يغمر هذه الاسرة بنعمه وبركاته.
• العائلية القبلية لا تزال ترفع رأسها في مجتمعاتنا، وهي تضر بالسّلم المجتمعيّ العام.
وهذا لا يعني أن ننفصل أو ننكر العائلة، بل بالعكس، علينا أن نفتخر ونعتز بعائلتنا عندما تتحلى بالقيم الاجتماعية والإنسانية، وعندما يسلك ابناؤها سلوكًا حسنًا ومميزًا يلفت أنظار الآخرين بصورة ايجابية، وهذا يُظهر التحلي بفضيلة التواضع وبمحبة الجميع وبقول الحق ونبذ الكذب من أفواهنا بصورة جازمة، فلا يوجد كذب أبيض وكذب أسود فالكذب، هو الكذب مهما تنوعت ألوانه وأهدافه. كذلك يجب أن نعتمد العدل والانصاف في قراراتنا، فالفرد الواحد منا هو عالم مصغّر، فإذا وُجد العدل في كل فرد منا، وبالتالي في مجموعة الافراد الذي هم المجتمع الأوسع، عشنا جميعًا بسلام.
إذًا من المهم غرس هذه القيم في أنفسنا كأفراد أولًا، ثم في نفوس أهل بيتنا، الذين نعيش واياهم تحت سقف واحد، ثم داخل العائلة المُوسّعة (أو الحمولة) التي ننتمي لها، عندها يصبح الناس يشيرون بالاحترام والاجلال وبكل خير لهذه العائلة التي أصبحت مصدرًا للاعتزاز والافتخار، تستند على ركائز الفضيلة والمحبة والقيم الطيبة.
• الطائفية بغيضه وكريهة وعدوة للسّلم المجتمعيّ، فعلينا أن نثقف الطلاب بأن الإنسان هو أخ للآخر، وأن نقبل الإنسان المختلف عنّا دينيًا وطائفيًا وعرقيًا وقوميًا ولونًا.
موضوع الطائفية لا يزال يعصف في بلادنا ويلوث نفوس الكثيرين بما تنفثه الطائفية من سموم، فالطائفية الهدّامة تظن أنها تمتلك الحق وحدها، وتؤكد أنها وحدها هي طريق الصواب وفيما عداها فهم مساكين مخطئون وفي ضلال مبين، وأنّ مصيرهم النار وبئس المصير.
الطائفية دمرت مجتمعاتنا وأتت بوابل من الكوارث والمحن، فما نراه من دمار لبلادنا العربية في سوريا والعراق واليمن ومصر وغيرها سببه الطائفية، هذه الطائفية التي قضت على تراث ومعالم وتاريخ شعوبنا في المنطقة، فإذا استمر الحكم في بلادنا على أساس طائفيّ أو دينيّ فويل لشعوبنا، إذ لا أمل يُرتجى، ولا مستقبل أفضل، ولا حياة أسعد، فعلى مجتمعنا أن ينزِّه الدين عن الدولة والحكم، لأن "الدين لله والوطن للجميع" دون النظر إلى دينهم أو معتقدهم أو لونهم أو آرائهم.
فعلى الطائفة التي تتبع معتقد ما أو دين ما بأن تكون تعاليمها مستندة إلى محبة الآخرين، وتقديم النصائح والمساعدة للطوائف الأخرى، وأن تبني علاقات من المودة والتفاهم مع جميع الطوائف التي تعيش معها وأن تكون مثلًا للخير ولقبول الآخرين.
للأسف لفظة طائفة، أصبحت اليوم لفظة سلبية، تشير إلى تعصب وتقوقع أفراد هذه الطائفة في بوثقة محدودة، تفتخر بنفسها وتبرز عيوب غيرها من الطوائف.
أنصح بأن يعي القيّمون على طوائفهم، بجعل الطائفة منارة تنشر النور والهداية ليس لنفسها فقط بل لغيرها أيضًا، فعلى الطائفة أن تكون شعلة من نور تضيء دروب الآخرين، ولا تعيب عقائد وتعليمات الآخرين كما هو متبع اليوم.

حلول مقترحة:
للمساهمة العملية في إيجاد حلول لدعم السّلم المجتمعيّ وثقافته يجب أن تشمل:
* مجتمع الطلاب: وبالتالي من المهم المداومة على نشر ثقافة السّلم المجتمعيّ للطلاب ورفع مستوى وعيهم لها، بحيث تمارس بصورة عمليّة، فيتم تطبيق النظريات إلى مشاريع عملية، فيقوم الطلاب بالتكاتف في فرق ومجموعات للقيام بفعاليّات من التخطيط إلى التنفيذ، مثل: مساعدة الكبار في السن، معايدة على طوائف أخرى، مساعدة عائلات مستورة ومحتاجة، وأن يقوم الطلاب الأقوياء بمد يدّ المساعدة للطلاب الضعفاء في تحصيلهم العلمي، وأن تعمل المدرسة على بناء وتطبيق ثقافة الكلام، لغة الحوار والتخاطب، وذلك بنبذ استعمال التعابير والألفاظ البذيئة أو القبيحة والاقلاع عنها، إذ أنها تحُط بمستوى الإنسان إلى أسفل، وبالمقابل تثقيف ألسِنَة الطلاب باستعمالهم التعابير الجميلة مثل: شكرًا، من فضلك، اعمل معروف، بأمرك، "شو بتؤمُر"، "على راسي"، "الله يخليك"، وغيرها من التعابير العربية والإنسانية الراقية، التي تجعل من الفرد إنسانا حضاريًا راقيًا، ذا سلوك حسن، مما يساهم فعلًا في تغيير جذريّ إيجابيّ في سلوكيات الأفراد ونسيجه المجتمعيّ.
* مجتمع الأهالي: على المدرسة أن تتواصل مع الأهل ليعرف الأهل ما يقوم به أولادهم، لكي يدعموا ويشاركوا هم أيضًا بهذه الفعاليات مثل: تبرعات لطلاب وعائلات محتاجة، زيارات مشتركة للأماكن المقدسة، وزيارات لمراكز خدمات مجتمعية وصحية، بحيث تكون البرامج والزيارات منهجيّه هادفة وليس عشوائية أو تلقائية.
وبالتالي يمكن القيام بمجموعة أنشطة وبرامج تساهم في نشر وتفعيل وتعميق ثقافة السّلم المجتمعي، منها:
• التواصل وعمل مشاريع مشتركة بين طلاب من قوميّات وأديان ومعتقدات مختلفة.
• تعارف ومشاركة أهالي من مدارس مختلفة في نفس البلدة والمنطقة مع بعضهم البعض.
• تبادل زيارات بين الطلاب والأهالي في الأعياد وفي المناسبات الاجتماعية والاحتفالية.


مجتمعنا ودور وزارة التربية:
بصفتك مفتش وزارة التربية والتعليم، ما هو دور وزارة التربية والتعليم في تعزيز ثقافة السّلم المجتمعي ونشرها؟
قبل أن أتطرق الى دور وزارة المعارف ودور التفتيش أود ان ألقي نظرة على تركيبة المجتمع في إسرائيل الذي يعتبر متعددًا ومختلفًا في تركيبته من النواحي الإثنية والعرقية والدينية واللغوية والعادات والتقاليد الخاصة بكل فئة من فئات المجتمع، فنحن نعرف أن المجتمع اليهودي يحتوي على كل هذه الاختلافات من حيث ان اليهود قدموا إلى البلاد بعد تأسيس دولة إسرائيل، من عشرات الدول الغربية والشرقية فاجتمعوا هنا مع لغات عديدة ومختلفة، وحملوا معهم ثقافات وتقاليد وعادات الدول التي قدموا منها. أضف إلى ذلك هنالك طوائف يهودية متدينة، وطوائف أخرى غير متدنية أو علمانية، وهذا أيضًا يؤثر على نظرة كل من هذه الطوائف إلى المجتمع الذي يريدونه أن يكون.
من الجانب الآخر يكوّن المجتمع العربي أكثر من 20% من سكان الدولة، هذا المجتمع إذا نظرنا إليه نظرة عامة، نرى أنّ قواسم عديدة تجتمع بين أفراده، فاللغة مشتركة ومفهومة للجميع، العادات والتقاليد أيضا مشتركة أو معروفة للجميع، المطالبة بالحقوق، وضع العرب الخاص في الدولة. ولكن إذا أمعنا النظر في تركيبة مجتمعنا، يتبين لنا الكثير من العوائق والاختلافات منها تكوين المجتمع من طوائف مختلفة وفئات اجتماعية متنوعة، وأيضا العائلية كثيرًا ما تلعب دورًا وإضافة للطبقية والاختلافات في الجانب الإجتماعي-الإقتصادي.
لا ينكرنّ أحد يأن نسبة الطلاب أو الشباب الضائعين أو المعرضين للخطر في مجتمعنا العربيّ تفوق التصور، فهؤلاء أبناء مجتمعنا، فأي مجتمع ينتظر ابناءنا مع الذين هم ضحايا مشاكل الأهل أو الفقر أو الجهل وغيره. وبالتالي علينا أن نًرسّخ القيم والمبادئ في مجتمعنا وننزع الكذب والنفاق منه.
القيم: إن القيم العربية الأصيلة التي كنا نعتز بها أمست في خبر كان، فلا الصغار يحترمون الكبار ولا الطلاب (أو بعض الطلاب) يحترمون معلميهم، وحتى الأبناء أضحوا لا يُكَيّلون بصاع أهاليهم.
الكذب: نحن أصبحنا مجتمعًا غارقًا لاذنيه في الكذب، فعندما نكذب على الآخر فنحن نغشه أو نحتقره، أو نقصد إخفاء حقيقة ما. فهل نحن عازمون على إنشاء مجتمع كذاب ومنافق؟! وهل المجتمع المنافق مؤهل لأن يشُق طريقه إلى الحضارة ورقي الشعوب الراقية؟
لقد تطرقت إلى هذه الامور لكي أوضح جزء ضئيلًا جدًا من صورة مجتمعنا أمام القارئ الكريم لكي يعي أهمية الدور أو ثقل الحمل الملقى على وزارة التربية والتعليم بما في ذلك المدرسة والأهالي والجمعيات التربوية والاجتماعية المختلفة، ولكن بالأصل نخص وزارة التربية والتعليم بصفتها المسؤولة الرسمية عن تعليم وثقيف المكون الاساسي للمجتمع، وهو طلاب الدولة كلهم، من جيل البستان إلى نهاية المرحلة الثانوية.
وضعت وزارة التربية والتعليم بدورها مسارين اثنين:
الأول: مناهج التعليم الرسمي لجميع مراحل التعليم، ودعمته الدولة بقانون التعليم الإلزامي بدء من جيل خمس سنوات. وهذه المناهج موحدة ومشتركة لجميع فئات الطلاب ولجميع المدارس في الدولة، فعند انتهاء المرحلة الثانوية فان جميع الطلاب من مختلف الفئات والطوائف والإثنيات واللغات يحصلون على ثقافة وتعليم مشترك، يتقدمون لامتحانات الثانوية (البجروت)، وهذه الامتحانات تحتوي على مواضيع مشتركة والزامية، إضافة لمواضيع اختيارية يختارها الطالب من بين مجموعة مواضيع لكي يتمكن من الحصول على شهادة الثانوية الكاملة.
الثاني: مناهج التعليم غير الرسمي أو التعليم اللامنهجي.
في الألوية المختلفة التابعة لوزارة المعارف هنالك قسم خاص للتربية غير الرسمية يديرها مفتشون تعينهم وزارة المعارف وتخصص لهم ميزانيات توزع على المدارس، الهدف من هذه المناهج هو العمل على بناء طالب اجتماعي يتعامل مع الغير، يفيد المجتمع والدولة، يتصرف بصورة أخلاقية واجتماعية حسنة، يزود بخصال حميدة تمكنه من قبول الآخر واحترامه، ومن معرفة ما يدور حوله في مجتمعه القريب والبعيد.
الفعاليات التي تقوم بها أقسام التعليم اللامنهجي كثيرة، منها فعاليات ثقافية–اجتماعية- ترفيهية-تعليمية، وتشمل التعرف على معالم البلاد، زيارة متاحف ومدارس أخرى ومصانع، التعرف على المناطق الأثرية في البلاد. تعرف على طلاب من مدارس أخرى داخل البلاد وخارجها، القيام بإبداعات طلابية، اكتشاف مواهب، برامج مختلطة للطلاب والاهالي داخل المدرسة وخارجها، لقاءات بين أهالي طلاب ومدارس من مدارس مختلفة. التعرف على عادات وتقاليد الآخرين وغير ذلك.
وعليه وزارة التربية والتعليم تستند في تثقيف وتعليم الطلاب على مسارين اثنين، الأول مناهج التعليم الرسمية والثاني مناهج التعليم اللامنهجية. والهدف هو بناء إنسان ناجح ومفيد لمجتمعه، يتمتع بثقافة علمية، يُفكر ويُبدع، يتمتع بسلوك حسن يُمكِّنه من العيش ضمن نهج ديمقراطي، يقبل الغير والمختلف عنه، يعرف أن يحاور، يفهم نفسه جيدًا (وهذا ليس أمرًا مفهومًا ضمنًا أو سهلًا)، ويفهم غيره وليس بالأنانيّ أو الانتقائي أو السلبيّ أو الطائفي. هذه رؤية وزارة المعارف ولكن تطبيق وتنفيذ الرؤية هذه لا يتم بصورة كبيرة كما تريد الوزارة بسبب العوائق والمشاكل والمسببات التي لا مجال لتفصيلها هنا.

دور المفتش أو المُشرف في المؤسسات التربوية في نشر وبناء ثقافة السلام:
أنا بدوري كان لي الشرف الكبير لأن اكون مفتشًا في وزارة التربية والتعليم على مدى خمسة وعشرين عامًا، مارست عملي في موضوع استكمالات المعلمين، اللغة العربية، التربية الاجتماعية، التربية للديمقراطية والتعايش، ثم مفتشًا إداريًا عامًا في لواء حيفا.
والمفتش العام على المدارس خصوصًا يتمتع بصلاحيات كثيرة تمكنه من القيام بمختلف الفعاليات والنشاطات الاجتماعية والتثقيفية والتربوية والتعليمية المختلفة. والمجتمع السلمي أو بناء ثقافة السلام، هو من أولويات وزارة المعارف، وقد مارستها في المدارس بنفسي مع عدد من المدارس العربية واليهودية عندما ركزت في لواء حيفا قسم التربية للديمقراطية والتعايش بين الاعوام 1991-1998، وقد جنينا ثمارًا يانعة بتقريب وجهات النظر بين العرب واليهود الذين عملنا وإياهم.
كذلك في ممارسة عملي كمفتش إداري أو عام في لواء حيفا وذلك لأكثر من خمس عشرة سنة، استطعت أن أعرض موضوع ثقافة السلام في اجتماعات المفتشين، وأمام مديري اللواء فلقيت تجاوبًا داعمًا. وبتعاوني مع مفتشين من الوسط اليهودي تمكنا من القيام بلقاءات مديرين ومديرات عرب ويهود وقمنا بعرض الفكرة عليهم، دعوناهم للمشاركة في دورات استكمال باشتراك عدد من المعلمين الذين يعملون معهم، ومن ثمّ بدأنا بلقاءات بين صفوف محددة مثلا: صفوف سادس من مدرسة عربية مع صفوف سادس من مدرسة يهودية، وكان المعلمون قد حضّروهم وأرشدوهم إلى كيفية التصرف، وبعد لقاءات الطلاب في المدارس، امتدت اللقاءات بين الأهالي من الجانبين، مما تمخض عن نشوء علاقات بناءة بين الطلاب العرب واليهود وكذلك بين الأهالي من الطرفين.
المفتش حلقة مهمة وأساسية في توصيل عملية التربية للسلام بين المدارس المختلفة، لا سيما لأنه يتمتع بصلاحيات رسمية من وزارة المعارف، فهو حلقة وصل أساسية بين وزارته وبين المدارس، وطبعًا المديرات والمديرون يحترمون المفتشين، ويعملون على بناء علاقات تفاهم وتقدير فيما بينهم، لذلك بإمكان المفتش أن يوجه مديريه إلى هذه المجال ويستدعي محاضرين مختصين في هذا الموضوع بغية إلقاء الأضواء على أهميته.
اخيرا أود أن أشير في حديثي هذا بأنه لا يمكن ان يُبني سلام إذا لم يتركز على العدل والمساواة، فهل تستطيع أن تبني سلامًا في مجتمع مقهور ومظلوم مثلا؟!
ثم من هو المسؤول عن بناء سلام مجتمعيّ، الجواب كل فرد من أفراد المجتمع يتمتع بعقل سليم هو مسؤول أمام الله وأمام ضميره وأمام غيره عن السير أو العمل في طريق مؤدية إلى السلام والمحبة، فكل إنسان عليه أن يسأل نفسه قبل أن يذهب إلى النوم، ماذا فعلت أنا لمصلحة المجتمع ولخير الآخر ومن أجل بناء السلام والمحافظة عليه؟ هذا يذكرني بقول الرئيس الامريكي جون كندي عندما قال: "لا تسأل ماذا فعلت لك أميركا، بل اسأل نفسك، ماذا فعلت أنت لأميركا". أعتقد أننا إذا ذوّتنا هذا القول فإننا سنبدأ الخطوة الأولى والهامة من رحلة الألف ميل.

عبارة أخيرة وتوجّه مجتمعيّ بخصوص ثقافة السلّم المجتمعيّ:
أتذكر قول الشاعر "وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلاً". نحن شعب كنا سابقًا أصحاب الوفاء والكرم والاحترام والتسامح، أصبحنا اليوم بعيدين عن معظم قيمنا الأصيلة، وهذا الأمر قسّم المجتمع إلى طوائف ومذاهب وفئات، حتى الأقرباء والعائلة الواحدة أبناؤها منقسمون على أنفسهم لأسباب تافهة غالبًا، وأحيانًا كثيرة بدون أسباب. لذلك نحن بحاجة ماسة في كل مجتمع محليّ أن نبني ثقافة السّلم المجتمعيّ، فهي ضرورة مُلحّة، ومن المهم أن تتبناها جميع المدارس وأن تتناولها المناهج التعليمية والدولة، وأن تتابع وزارة التربية تنفيذها بدقّة.
السلم المجتمعي هو شمس مشرقة تبعث أشعتها وتُرسل نورها إلى جميع الأفراد والجماعات المتواجدين تحتها بعدل ومساواة دون محاباة ودون استثناء أو انتقاء.



#عزيز_سمعان_دعيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة السلام ما بين زخم الأنشطة وتعاسة الواقع المُعاش
- الاختراعات والبحث العلمي في خدمة السلام
- للأهل دور هام
- المعلم في قوالب تشبيه
- ثقافة السلام تطلب تجنيد قوى
- كنز المجتمع ورُقيّه
- ثقافة انتماء وتكامُل
- الاستشارة التربوية قناة تمرير ثقافة السلم المجتمعي
- يقتلونا لماذا؟
- أهم إعلان على الإطلاق
- ثقافة السّلم رافعة لمجتمعنا
- السلام ترنيمة الملائكة
- لغة الحوار أساس ثقافة السّلام
- فاقد الشيء لا يعطيه
- الجار الطيب ورجل السّلم المجتمعي
- السّلم المجتمعيّ هو الهدف الأسمى للتربية
- أي تأثير صغير له فعلٌّ كبير
- تسليط الأضواء على أحداث الميلاد
- عصرنا بأمس الحاجة لثقافة السّلم المجتمعيّ
- ثقافة السّلم المجتمعي في نظر مدير مدرسة عبلّينيّ وباحث في مج ...


المزيد.....




- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عزيز سمعان دعيم - مجتمعنا يفتقد السّلم المجتمعيّ