أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم محمد دايش - الاعتذار والتسامح أخلاق إنسانية














المزيد.....

الاعتذار والتسامح أخلاق إنسانية


جاسم محمد دايش
كاتب وباحث

(Jasem Mohammed Dayish)


الحوار المتمدن-العدد: 5821 - 2018 / 3 / 20 - 10:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الاعتذار فن وثقافة وخُلُق وتحضر , هو فــن اجتماعي لإدامة الصلة والتواصل بين أبناء المجتمع , وثقافة إنسانية تنم عن الثقة بالنفس والوعي بروابط الإخوة والمحبة والتكافؤ والمعايشة بين بني البشر , وخُلُق يتحلى به من تلقى تربية أخلاقية سليمة بلا عقد أو شعور بالنقص وهو سلوك حضاري يجيده كل من عاش في بيئة مدنية متحرراً من قسوة الحياة البدائية التي تعيشها بعض الجماعات البشرية المتخلفة في الصحارى او الغابات , فكلمات لطيفة منمقة مثل : آسف ..أعتذر .. سامحني .. أعترف بخطئي . والاعتراف بالخطأ فضيلة .. ستكون مؤثرة ولها وقع طيب في نفس صديقك الذي أخطأت بحقه وسببت له ألماً يحز في نفسه .
كلنا نرتكب الأخطاء ولسنا معصومين , كما قال رسول الله محمد (ص) : ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) والتوبة هي اعتذار , سواء أكان هذا الاعتذار موجهاً لله سبحانه وتعالى أم لأقراننا الذين نخطئ بحقهم , ولعل الباري عز وجلّ قد أعطانا الدرس الأول في الاعتذار في قصة آدم وحواء حين أغواهما الشيطان فاعتذارا فتاب الله عليهما ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )(سورة الأعراف :23) , وكل الأديان السماوية وغيرها وجميع الأنبياء والرسل والصالحين والقديسين والحكماء والمفكرين والفلاسفة والمصلحين يؤمنون بأن الإنسان يخطئ وان الاعتذار عن الخطأ شجاعة ونبل وأدب وتواضع , وكذلك قبول الاعتذار , بل إن الاعتذار يمحو الذنب , فليس العيب في أن يخطئ الإنسان , لكن العيب أن يصر على الخطأ , وإذا ما تراكمت الأخطاء صارت جزءاً من شخصيته فيعيش منبوذاً معزولاً فاقداً لمحبة الآخرين واحترامهم . وهناك ثلاث صور للاعتذار : الأولى أن تخطئ فتقدم اعتذارك لمن أخطأت بحقه وهذه هي الصورة المثالية التي تضعك في المنزلة الإنسانية . والثانية أن تخطئ فتصر على خطئك وتعد الاعتذار تنازلاً يُنقص من شخصيتك , وهذا تكبر لا جدوى منه سيخلف العداوة والبغضاء بينك وبين الآخرين . والثالثة فهي أن يُخطئ أحد بحقك ويأتي لتقديم اعتذاره فترفضه , وهي من أسوأ العادات التي تنم عن التعصب والانغلاق العقلي والتطرف وفقدان روح التسامح , كما قال رسول الله (ص)( من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل لم يرد عليً الحوض ) . فللاعتذار جانب شرعي وهو جزء من ثقافتنا وتكويننا الاجتماعي .
تنقل لنا كتب الأدب العربي بأن الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني هو أول من فتح باب الاعتذار وجعله غرضاً شعرياً , فيقول :
أتاني أبيت اللعـــن أنك لمتني وتلك التي أهتــم منها أنصب
لأن كنت قد بلغت عني خيانة لمبلغك الواشي أغش وأكذب
والسؤال المهم هو : هل الشاعر الذي كان يعيش البداوة في الحقبة التي سبقت ظهور الإسلام ويطلق عليها " العصر الجاهلي " يكون أفضل منا نحن أبناء المدينة الذين ندعي التحضر والتمدن ونطالب بالمساواة والعدل ونحلم بعالم جميل يسوده السلام ؟ نعم هو أفضل منا إذا كنا نعد الاعتذار مذلة أو انتقاصاً أو ضعفاً , فإياك والغرور كما يقول الأديب العربي الكبير الراحل " طــه حسين ": ( فإنه يظهر للناس كلهم نقائصك كلها ولا يخفيها إلا عليك ) فصن نفسك بالتواضع والتسامح ومودة الآخرين والعفو عند المقدرة والتجمل بالصبر , وضع نفسك في الموضع المشرف الذي يليق بها .
فكثيراً ما نواجه مشكلات خاصة تجعلنا متوترين وغالباً ما نعكس ذلك التوتر على تعاملنا مع الآخرين , فنغالي في العصبية ونسيء الظن بالآخر أو نسيء إليه نتيجة انفعالنا وتأثرنا بمشاكلنا الخاصة أو نظن بالأخر نتيجة سوء فهم لا أكثر ولا اقل وبعض الظن إثم , وحتى بعد أن نهدأ تأخذنا العزة بالإثم فلا نراجع أنفسنا ولا نعترف بخطئنا ونؤزم الأمور بينما هي لا تحتاج إلا لكلمة (أعتذر) هذه الكلمة السحرية التي تمتص الغضب وتهدئ النفوس وهي أحسن ما ندفع به البلاء والعداوة والبغضاء , وكما اقل رب العزة في محكم كتابه " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم "(الصافات:34) . ولا نبالغ إذا قلنا إن معظم أزماتنا مع الآخرين ناتجة عن سوء الظن , بل إننا كثيراً ما نردد عبارة " التمس لأخيك سبعين عذراً " وفي الواقع لا نكلف أنفسنا التماس نصف العذر .
فالاعتذار مفهوم أخلاقي واسع ومهم , ويشكل ركناً أساسياً من ثقافتنا وأهميته تكمن في كونه واجباً أخلاقياً وباباً للتفاهم وإعادة الثقة والتواصل مع من نختلف معهم من أحبتنا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كريم شغيدل ,الاعتذار واجب أخلاقي وباب للتفاهم والتواصل : مجموعة مؤلفين : نحو مجتمع الحوار واللاعنف .ط 1 , بغداد ,2016 .



#جاسم_محمد_دايش (هاشتاغ)       Jasem_Mohammed_Dayish#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعايش السلمي وقبول الاخر
- الإصلاح السياسي في العراق ضرورة وطنية
- الديمقراطية وحقوق الانسان
- وسائل دعم مؤسسات المجتمع المدني
- النظام السياسي الديمقراطي
- مضمون المجتمع المدني والأصل
- الديمقراطية والتنمية
- مظاهر عدم الاستقرار السياسي في الدول العربية
- الانتخابات في العراق ...العزوف والمشاركة


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم محمد دايش - الاعتذار والتسامح أخلاق إنسانية