|
الكاتبة والشاعرة شوقية عروق منصور إمرأة من جمر ورماد
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5746 - 2018 / 1 / 3 - 23:48
المحور:
الادب والفن
ليس من السهل أن تكتب عنها ، فهي إمرأة من جمر ورماد وبلا أيام ، انسانة جريئة وشفافة ، وطفلة بريئة لم تتجاوز الخامسة من عمرها ، براءة القلق والخوف والغضب التي تنطلق مع كل حرف تخطه يداها . وهي كاتبة مشاكسة ومشاغبة مثيرة للجدل ، مبدعة قديرة وراقية ، وشاعرة مرهفة ، واضحة الصورة ، صادقة الرؤيا ، تطلق الصواريخ العابرة للكلمات ، تغرز الدبابيس ، تضع النقاط على الحروف ، وتكتب انفعالاتها وما يجيش في صدرها ويتأجج في داخلها من حزن وآسى ومرارة وقهر ، وتدون الوجع الفلسطيني والغضب الكامن والمشتعل في ذاتنا الفلسطينية .
وهي الشاهدة على العصر ، وكاتبة المشهد ، وأمينة المكتبة ، وغزيرة المطر السيلاني التشريني الكتابي ، التي لم يتوقف ريح وزخ وهطول كلماتها منذ ان اقتحمت عالم الابداع وفضاء البوح ، ووقعت في شراك الكتابة وشغف الكلمة ، قبل أكثر من أربعين عاماً ونيف .
إنها الكاتبة والأديبة والناقدة والشاعرة والاعلامية اللامعة شوقية عروق منصور ، صاحبة الحضور القوي في المشهد الثقافي ، النصراوية المولد والأصل والنشأة ، والطيراوية الاقامة والسكن بعد اقترانها بالكاتب والمفكر المعروف الأستاذ تميم منصور .
معرفتي بالأخت والصديقة شوقية عروق منصور تعود الى أواخر السبعينات من القرن الماضي ، من خلال كتاباتها وبواكيرها القصصية وتجاربها الابداعية في صحيفة " الأنباء " وفي مجلة " الحصاد " التي كانت تصدر في المناطق المحتلة ، وكان يرأسها المحامي حسين الشيوخي ، وفي مجلة " المجتمع " المحلية لصاحبها ومؤسسها الأديب المرحوم طيب الذكر ميشيل حداد ، وفي مجلة " الفجر الأدبي " التي كان يشرف عليها الشاعر الراحل علي الخليلي ، وبعد ذلك في الكثير من الصحف والمجلات المحلية والعربية والمواقع الالكترونية المختلفة .
وتعد شوقية عروق منصور من أوائل الكاتبات والمبدعات الفلسطينيات في هذا الوطن ، وهي تنتمي الى جيل فاطمة ذياب وهيام قبلان وأركان حلبي واسمهان خلايلة وايمان مصاروة وغيرهن .
وكنت قد تناولت كتابها " امرأة بلا أيام " في مقال نشرته في حينه في صحيفة " الأنباء " الذي أثار أصداءً ايجابية .
وكان أول لقاء تعارفي بيني وبين شوقية في الثمانينات خلال مهرجان الثقافة الفلسطينية بمدينة الناصرة ، الذي نظمته مجلة " الجديد " الشيوعية العريقة ، التي احتجبت وغابت عن المشهد الثقافي والاعلامي الفلسطيىني .
شوقية عروق منصور تتنوع كتاباتها ومواهبها ، فهي تكتب القصة والرواية والشعر والخاطرة والمقالة النقدية والساتيرا والمعالجات الاجتماعية والسياسية والثقافية ، وتطرح موضوعات فلسطينية واجتماعية وسياسية من الراهن الفلسطيني والعربي ، وتسلط الضوء على قضايا شتى وفي مقدمتها الهم والوجع الفلسطيني ، وتتوزع كتاباتها النثرية ونصوصها الابداعية ومقالاتها ما بين الوطن والسياسة والمجتمع والهم العام والذاتي ، وفيها تبث لواعج حسرتها وقلقها وتصالحها مع ذاتها ، وغضبها على كل ما يشوه صورة الانسان الجميلة ، واحتجاجها على الواقع العربي المجزوء والمهزوم ، ورفضها لرداءة المرحلة .
وهي مخلصة كل الاخلاص في نصوصها ، ومنحازة كل الانحياز لفقراء الوطن ، ولفلسطين جرحًا وهمًا ووطنًا وهوية ، وماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا ، وتنتصر لقضية شعبها وقضايا الناس المعذبين والمتألمين الحالمين والتواقين للفرح ومملكة الشمس .
شوقية عروق منصور تحمل الوطن بقوته وجراحه ، والمخاطر التي تداهمه وتزاحمه ، وتركز على معاناة الانسان الفلسطيني ، وعملية انقاذ التاريخ من محاولات التشويه والتزييف والتزوير ، ولها قدرة على فن القول ، والنقد الاجتماعي والسياسي الصريح والواضح ، فهو كحد السكين جارح ، شجاع وجريء ، وتعرية المجتمع والواقع المزيف الاستهلاكي المتعولم ، والسلطة السياسية . وهي تنجح في التعبير عن قلقها وهواجسها وشعورها الداخلي وتوترها الصادق المتواصل تجاه وطنها ومجتمعها وذاتها .
ومن جميل القصص التي شغفت بها واعجبتني أيما اعجاب ، وشدتني باسلوبها وموضوعها ومضىمونها ، هي قصة " سرير يوسف هيكل " التي حملت عنوان مجموعتها القصصية التي صدرت عن المؤسسة الفلسطينية للنشر والتوزيع والطباعة - رام الله ، وهذه القصة تروي أحد تفاصيل المأساة الفلسطينية الحقيقية ، وهي تنجح بالربط والمزج بين كل جوانبها وتشظياتها ، باسلوب شائق وجذاب محكم السرد ومتين الحبكة القصصية .
ولا أغالي اذا قلت انني أطرب وأترنم وأحس بمتعة أدبية وجمالية حين اقرأ كتابات شوقية عروق الاسبوعية في صحيفتي " الاتحاد " و" المسار " وفي مواقع الشبكة العنكبوتية ، فهي فعلًا ماتعة ومشوقه كاسمها ، تعانق مشاعرنا وارواحنا ، وتعبر عن أفكارنا وقضايانا وهمومنا اليومية والحياتية ، وتجسد آلامنا وأوجاعنا ، وتسبر أغوارنا ، وتستشرف المستقبل القادم .
وما يميز الكتابة الشوقية تعدد الألوان القزحية والصور ، وسلامة اللغة ، والاسلوب المدهش ، والأداء التعبيري ، والاندغام والامتزاج الشفاف بموضوعاتها حد التماهي الخالص وضوح النص ، وتأتي قوة عناوينها من عفويتها وصدقها ، ومن عمق المقاصد والمعاني والدلالات من فكرها المستنير المضيء الواعي .
شوقية عروق منصور تملك ناصية الكلمة ، وتستوطن الروح والقلب والفكر والعقل في عمق الشرايين ، بجمال صورها ، وعناوين موضوعاتها ، وجمالياتها اللغوية ، وانسيابية تعابيرها ولغتها ومفرداتها ، وتحليلاتها المميزة ، ونبضها الصادق الشفاف الجميل في وطنياتها ووجدانياتها .
وكما قالت الشاعرة فردوس حبيب الله : " أدب شوقية عروق منصور يشكل لبنة أساسية في فهم الواقع الفلسطيني المؤلم ، الذي تعرضه بلغة جميلة تفوق جمال الشعر ، فمن لا يعرف وجع الانسان الفلسطيني ، يكفيه أن يقرأ من أدب شوقية ويبكي ".
فالى من تأسرنا بكلماتها وتعابيرها ونصوصها المكثفة وبوحها وعمق طرحها ، الصديقة العريقة الكاتبة والشاعرة المميزة الرائعة شوقية عروق منصور ، ألف تحية ، وتمنياتي لك بوافر الصحة والسعادة ودوام العطاء الأدبي والكتابي السياسي العميق الغزير ، مع خالص المحبة والتقدير لحرفك وقلمك .
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على هامش قرار غواتيمالا نقل سفارتها الى القدس
-
على ضوء قرار حزب الليكود الاسرائيلي فرض السيادة على الضفة ال
...
-
صلاة للعام الجديد
-
ديوان - غضب - للشاعر اليركاوي مفيد قويقس
-
سلامة كيله .. الى متى ستبقى في غيك ..!!
-
يا عين ماهل
-
ما أسباب الغضبة الاردوغانية المفاجئة على بشار الأسد؟!
-
كلمات غاضبة
-
الدكتور عمر سعيد وخطابه الفكري النقدي
-
صلاح عيسى .. وداعاً
-
القيادة الفلسطينية - البديلة - ..!!
-
الشيخ صياح الطوري .. لست وحدك في المعركة !
-
ملامح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة
-
جديلة الشمس
-
الكاتب القصصي والروائي محمد علي طه يحصد جائزة الابداع للعام
...
-
تصويت - الخميس - التاريخي الكاسح ..!
-
في تكريم شيخ القصيدة الشاعر أحمد الحاج
-
فاطمة نزال شاعرة الوجد الروحي
-
عندما تكتب الشاعرة العراقية د. هناء القاضي ..!!
-
يا قدساه
المزيد.....
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|