أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود شاهين - الخالق بين الفلسفة المثالية والفلسفة المادية !















المزيد.....

الخالق بين الفلسفة المثالية والفلسفة المادية !


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 5705 - 2017 / 11 / 21 - 03:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


( مقالي في الدفاع عن روايتي " أديب في الجنة " في أمسية اشهارها في رابطة الكتاب الأردنيين )
شاهينيات 1349
عنوان غريب بالتأكيد ، إذ يفترض أن الفلسفة المادية لا تعترف بوجود خالق ! ويبدو أنني سأكسر القاعدة وأضع الخالق إن لم يكن على حافتها ففي قلبها ! ولنبدأ بأقدم اجتهادات العقل البشري لمعرفة الخالق والغاية من الخلق ، والنظر، إذا ما كان ثمة جوانب مادية في هذه الأسطورة، التي يفترض أنها تقوم على فلسفة مثالية .
في ملحمة الخلق البابلية ( اينوماإيلش ) التي هي امتداد لأساطير الخلق السومرية، كان العالم فوضى تتمثل بغمر مائي، تتصارع فيه آلهة مائية . الإلهة تيامات الماء المالح، والإله ابسو( زوجها ) الماء العذب! وبعد صراع بين هذين الإلهين وآلهىة أخرى، يُقتل الإله ابسو.
تخوض تيامات صراعاً ضد الآلهة الآخرين، انتقاماً لمقتل زوجها، تنتصر فيها. غير أن حفيدها مردوخ الطامح في خلق كون ، لم يجد غير جسد جدته ليخلق منه الكون،( وحسب تصوري أن هذا الفعل هو من باب تقديس الجدة وجعل وجودِها أبدياً) فيقوم بشق جسدها إلى نصفين، يجعل من النصف العلوي سماءً، ومن النصف السفلي أرضاً. (وبهذا يكون أوّلُ خلق كوني ، قد تم بجسد إلهي أنثوي)
يقوم مردوخ بعد ذلك بنثر النجوم والكواكب على صفحة السماء ثم يشرع في خلق الإنسان.
ينحني نحو الأرض ويشرعُ بعجن التراب بدمه ، ليخلق الإنسان الأول الذي ستأتي البشرية منه . ( وهذه ثاني عملية خلق يكون فيها جسد الخالق عنصرا أساسيا )
عملية الخلق هذه من أجساد آلهة ، نجدها أيضا في ملاحم الخلق السومرية . في إحداها، يقوم الآلهة بذبح الإله (وي) لتقوم الإلهة نينتو بمزج دمه مع الصلصال ليكون للإنسان روح.
بتحليل النص البابلي نجد تداخلا بين فلسفة مثالية وفلسفة مادية . الجانب المثالي الأسطوري، يتمثل بالدرجة الأولى بوجود آلهة قامت بعملية الخلق ، وفي الجانب المادي ، سنجد أن الخلق لم يأت من عدم كما رُوّج لنا، وشاع فيما بعد، ليصبح عند كثيرين من الأمم حقيقة مطلقة. فعملية الخلق الأولى تمت من ماء مالح كان إلهة . وعملية خلق الإنسان تمت بإله مائي عجن الصلصال بدمه .
هذان الإلهان كانا من جسدين ماديين، وليس كما في العقائد السماوية اللاحقة، التي اعتمدت قصة الخلق من الماء، دون أن تقدم مفهوما لماهية الخالق، وجعلته سابقا على الخلق والوجود، وقدمت مفهوما مبهما له على أنه ليس كمثله شيء! حين سئل النبي محمد عن الله، أين كان قبل عملية الخلق، قال : ( كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ) مما يشير إلى أن الله كائن مادي أو طاقوي موجود في المادة، ولم يكن قبلها. ولا نعرف لماذا لم يأخذ الفكرالإسلامي بهذا الحديث، والآيات التي تنص على أن الخلق، قد جاء من الماء، وربما تم به أيضا، كما رأينا في ملحمة الخلق البابلية .
( لم يخرج عن الفكر السائد إلا العظيم ابن عربي، الذي لم يتطرق إطلاقا إلى وجود جاء من عدم، وأخذ بحديث النبي السالف الذكر وأعتبر أن الخالق أراد أن يظهر وجوده من العماء إلى العلن فتجلى في الوجود . لذلك اعتبر بعض المسلمين ابن عربي ملحدا . والحق أنه أعظم مفكر اسلامي على الإطلاق ، ولو أن الإسلام انتهج مذهبه في وحدة الوجود لكان في حال أفضل من الحال التي هو عليها الآن . من المعروف أن ابن عربي لم يخرج بالمطلق أي انسان من دائرة الإيمان حتى لو عبد صنما أو ألحد )
من ناحية ثانية ، يشير وجود خلق من آلهة مادية، أوجدت وجودا متكاثرا من نفسها، ليخدمها وليقوم بالعمل عنها، إلى وحدة وجود مادية ، وإلى أن الوجود مكون من مادة وطاقة . ولو أننا أمعنا النظر في مادة هذا الغمر الذي جاء منه الخلق . لوجدنا عناصر الخلق الأربعة الأساسية : الماء والهواء والتراب والحرارة ، وبكل ما تحويه هذه العناصر من مواد مختلفة ، يأتي على رأسها الهيدروجين والأكسجين والكربون.
إن التداخل بين الفكر المثالي والفكر المادي سائد في حياة البشرية حتى يومنا، يتعايشان أحيانا ويتصارعان أحيانا أخرى حسب مستوى تحضر كل مجتمع في العالم . فالبشر في حياتهم اليومية يعملون ويتعاملون مع الآخرين، ويمارسون نشاطهم، وفق منهج مادي يستند إلى فلسفة مادية، تتعارض في بعض جوانبها مع الفلسفة المثالية ، ويصلي بعضهم لخالق ما، وفق منهج مثالي، يستند إلى فلسفة مثالية ، حتى وإن أصبحت هذه الصلاة، وظيفة روتينية تخلو من أي إحساس روحي، كما يجري في بعض المعتقدات التي تؤدى الصلاة فيها عدة مرات في اليوم . فتكرار الصلوات في اليوم، وأخذه المزيد من الوقت ، أفرغ الصلاة من مضمونها وغايتها، وصارت تؤدى بأسرع وقت ، ليعود الإنسان إلى عمله ، أو إلى النوم الذي انتزع منه ليصلي الفجر !
في الآداب البشرية نجد هذا التداخل وحتى التصارع ، بدءا من سفر أيوب التوراتي مرورا بفاوست غوته وانتهاء ببعض ما كتبه نيكوس كازنتزاكي ، وما يحدث من وقائع في أدبنا المعاصر.
لقد ولدت الفلسفة بكل تجلياتها ومفاهيمها من رحم الأسطورة وفلسفتها، في النظر إلى العالم ، فهي مغامرة العقل الأولى كما يرى فراس سواح ، ولا شك أن كل اجتهاد معرفي هو فلسفة ، أو يستند إلى فلسفة . ويمكن القول إنه ليس هناك فلسفة مثالية بالمطلق ، فكل فلسفة مثالية لا بد وأن تحوي مفاهيم مادية . فها هو الراحل حسين مروة، وهو باحث شيوعي رغم أنه خريج الأزهر ، يؤلف كتابا ضخما في مجلدين ، يطلق عليه " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية "
لقد مرت الفلسفة المثالية منذ بداياتها ،وولادتها من رحم الأساطير، بالكثير من اجتهادات العقل البشري ، من طاليس ( اواخر القرن السابع وأوائل السادس ق.م ) مرورا بسقراط وأفلاطون وأرسطو .. وانتهاء بالفلسفة الماركسية في القرون الحديثة، التي جهدت لحسم
الأمر بين الفلسفة المثالية والفلسفة المادية . ورغم ذلك ما تزال الفلسفتان وبكل تفرعاتهما وامتداداتهما، قائمتين في المجتمعات البشرية حتى يومنا .
وبالإنتقال إلى رواية " أديب في الجنة " يمكن القول إنّ ما أتيت به ، ليس جديدا بالمطلق على الفكر البشري، وكل ما فعلتُه، أنني حاولت انزالَ الله، من السماء إلى الأرض، ومن متون الأسطاير، إلى متون الفيزياء إذا جاز التعبير، دون أن ألغيَ وجوده المطلق ، حين جعلت منه طاقة سارية في الخلق ومتجلية فيه ، عبر منهج أقرب إلى المنطق والعلم منه إلى المثالية، مبعدا عنه كل المفاهيم الغيبية والنزعات الشرانية ، موحّدا وجوده في الوجود كله ، بأن جعلتَه الواحدَ في الكل، والكلّ يتحد به . لذلك قلت في بعض أقوالي الكثيرة " ابحث عن الخالق في قلبك ، فإن لم تعثرعليه لن تعثر عليه على الإطلاق " ورأيت أن غايته من الخلق هي بناءُ الحضارة الإنسانية، بتحقيق قيم الخير والعدل والمحبة والجمال، وأن عملية الخلق بحد ذاتها تكاملية بين الخالق والمخلوق . الخالق الذي يسري بطاقته في كل مخلوق، ويتمظهر فيه ، والمخلوق الذي هو جزء من ذات الخالق .
ويمكن القول أنني قدمت مفهوما واضحا للخالق ، غيرْ ملتبس ، وغير مبهم ، ووضعته ليس على حافة الفكر الفلسفي المادي فحسب، بل في قلبه أيضا ! دون أن أجرّده من ألوهيته !
*****
محمود شاهين
14/11/2017



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعجب العجائب في أمسية اشهار روايتي!
- شاهينيات 1348
- معزة الشيطان عند يهوه ( الإله اليهودي) حسب النص التوراتي في ...
- في ذكرى مولدي ! أتساءل إن كنت ملكا حسب نبوءة الأفعى لأمي !
- طوفان نوح : الطوفان المستحيل حسب النص التوراتي!
- ليس في الوجود إلا الله !! كيف ذلك ؟
- في النص التوراتي يخلق الله آدم مرتين وبطريقتين مختلفتين !
- الرب التوراتي يخلق النور والظلام والليل والنهار قبل خلق الشم ...
- الرب التوراتي لا يعرف أين اختبأ آدم وحواء!
- كوكب الأرض في طريقه إلى الدمار!
- الخالق العظيم وخلقه !
- آدم تزوج من حواء على الأرض وليس في الجنة !
- العقل البشري بين منطق التاريخ ومنطق الجهل !
- القدس - مدينة السماء - ! (2) من (2)
- القدس - مدينة السماء - في بعض النثر قديمه وحديثه ! (1) من (2 ...
- أما آن لهذا العقل أن يصحو من سباته ؟ شاهينيات 1336
- متى يقتنع الإنسان أنّه وجد ليكون خالقاً؟!
- حبيتِك من كل دماغي !!
- حبيتك من كل دماغي!
- الصعود إلى السماء !


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود شاهين - الخالق بين الفلسفة المثالية والفلسفة المادية !