أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الدين والضرورة ح2















المزيد.....

الدين والضرورة ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5684 - 2017 / 10 / 31 - 03:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدين والضرورة ح2

هذه المنظومة المثالية بقيت لفترة طويلة تتحكم بالإنسان الخالق الإنسان الذي رسم لنفسه الخارطة الخلقية وألزم نفسها بها، ومن خلال إيمانه بأن هذا الموجود من الضوابط والروابط هي الصورة الأكثر تناسبية وموائمة مع أداء واجب وجوده, فقد حرص وحاول أن لا يخرقها، وأن لا تخترق هذه المنظومة أو يتم التعدي عليها لأنها تمس أصل وجوده كما يظن, ومن هنا وضع أي أنتهاك أو تجاوز أو تغافل عنها تحت العلامة السالبة، وأي موافقة ودعم وأسناد وتقيد بها تحت علامة الإيجاب, فأضحى الآن خاضعا لمفاهيم الصح والخطأ, الخير والشر, الواجب والممنوع, بها أكتملت أولى منظوماته الأخلاقية السلوكية التقومية القائمة على المقارنة والقياس والحساب والجزاء .
مع تطور الوعي وتراكم الإحساس التجريبي والتأملي تراكمت الكثير من القواعد وجرى تصحيح أو محاولة فهم أكثرها قربا من الواقع، في محاولة أولى لتجسيد وتجربة البعض من أجزاء هذه المنظومة خلص الإنسان لحقيقة أكيدة، أن الفكرة هذه لم تستطيع لوحدها من ردع الإنسان عن التجاوز عليها وأحيانا تجاهلها, مع حقيقة التفاوت في الفهم والتقدير والإيمان بها كون الإنسان كما قلنا ليس على درجة متساوية من التكوين العقلي والحسي والإدراكي، وهذه واحدة من أسرار بقاءه وأسرار التطور في البقاء, إنها نعمة التنوع وعدم المشاكلة التامة والكلية والوحدة في التكوين الطبيعي الذي يقتضي توفر كم هائل من الرؤى والأذواق والمفاهيم والصور، التي تثري مصادر الوعي وتزيد من قدرة الوعي به أي الوعي المركب التراكمي .
في ظل الكشف الجديد والتجربة الحسية على أرض الواقع والمعرفة المستحدثة التي تشاركت فيها قيم الأخلاق التي توافق عليها أجتماعيا، وصور الخوف والقلق من المجهول الغيبي التي نحتها من قيم مشتركة وإحساسات واعية مرتبطة بوجوده كما أسلفنا، تولت جميع هذه القواعد القيمية مهمة التفسير والتبرير والتعليل لكل طارئ لا يمكن إحراز عليته المحركة أو لا يفهم كيفية قيادتها نحو العلم بأسباب البقاء, أخترع الإنسان مفهوما جديدا لمعالجة الواقع وربطه بتلك السلسلة من القواعد الموجوده في توليفة أكثر صرامة وأقوى في ربط الإنسان بعالم فوقي يمتلك كل القوة والقدرة على التأثير.
هنا أبتكر لأول مرة العلاقة الدينية بين رب عظيم مطلق في كل شيء وبين وجوده كاملا، هذا الأبتكار يمثل نوع من معالجة لواقع يتطور كل يوم ويحتاج لمزيد من الأجوبة التي تكون في الغالب غير خاضعة لقوة العقل, هذا التطور يتسع في أحيان كثير على قدرة القيم المحروسة بالقداسة والتقدير، فلا بد من جديد يواجه الجديد ولا بد من وعي يتجاوز حالة الواقع والممكن والمأمول, كان ذلك وعيا من طراز متقدم يتبنى قدرة العقل على أن يستشرق القادم ويعط أفق وعيوي أعلى, فظهرت وتوالت الديانات بصيغها وأتجاهاتها العامة التي تساير نقطتين مهمتين هما أسناد القوة المنظمة والمتحكمة والقادرة للغير اللا محدود والمجهول العظيم, وثانيا أرتباط التحولات الكونية كلها بما فيها القيم والعلاقات على أنها في النهاية هي مصلحة الإنسان في هذا الوجود .
بغض النظر عن موضوعية الأنبياء والرسل وحقيقة التواصل بين المعلوم الواعي المدرك النخبوي المستشرق وبين عالم المجهول العظيم، ولا عن الكيفية ومقدار الجد من عدم القدرة على منح البعض لهذه الموضوعية صفة الواقع المتحصل، تبقى الدين والديانات هي صورة وعي للإنسان بوجوده ولوجوده، قد تكون في أحيان قادرة على تطمين الإنسان على مستقبله وقد تنجح في جعله مستعدا للبقاء في حدود ما هو موجود من قواعد وقيم وقوانين، لكنها أيضا فشلت في تفسير جوانب كثيرة منها, كما أن الدين عجز أن يعط أجابة واحدة ولو تقديرية على حدود المجهول العظيم أو تلامس حتى على بيان أنه سيتمكن في النهاية من الألتقاء الوجودي في العالم المادي في ألتحام جزئي أو كلي ليشكلا معا منظومة كمال الوعي بين المادة وبين قدرتها على الفعل .
إذن الدين كان فعلا إنسانيا إذا أردنا أن نضيف الصفة على الموصوف، وأيضا التدين كظاهرة مجتمعية ترتبط بالوعي الجمعي كان مؤنسنا ولا مجال لزيادة أنسنتهما، لأننا نحتاج هتا إلى تعريف جديد ومبتكر للإنسان في ظل عدم حاجة التعريف الأول للتطوير أو تبدل في مؤديات فهمنا له, الحقيقة المطلوبة اليوم لتصحيح بعض مسيرة الإنسان ليس الزيادة في منح الموضوع الخارجي فهما أكبر، الذي أقصد به الدين والتدين والأخلاق والعلم والمعرفة ما في الإنسان من نقوصية طبيعية بقدر ما نحتاج إلى تنمية الوعي الإدراكي الأكتشافي الذي توصل الإنسان به لهذا العالم الذي نشهده, تطوير الوعي هو الذي يقود لتطوير الدين والأخلاق والعلم والمعرفة .
الدعوة الحقيقية والجادة اليوم هي أكتشاف الطرق المجهولة التي تجبر الوعي في إدراك المسارب والمنحنيات والنوافذ التي تكشف لنا إشكالية الدين وما يتبعه من سلسلة العلاقات، ولكن أيضا في تتبع ما فشل فيه الإنسان أزليا حينما أسند للمجهول والغيب أساس العلاقة التي تبرر وجوده في الوجود، والمتمثلة بالسؤال التقليدي لماذا هذا العالم؟ وكيف يمكن أن نديره نحن بما يتلائم مع تطور الوعي والقدرة على الإدراك؟, بمقابل أن لا نترك للغيب والمجهول مساحة للتفرد بنا بعقلنا بما يدور في مخيلة العلم الذي طلق المجهول وضرب به عرضا لمصلحة قواعده، وهي المسألة التي فشل في إدراكها الدين والأخلاق معا كما فشلا في تبرير هذا العجز.
المطلوب اليوم وبإلحاح جديد قبل المباشرة بتفعيل حركة الوعي أن نفهم حقيقة الدين الكلية، والتي لا تتعدى بكل الأحوال كونها قواعد أخلاقية مثالية أعتقد الإنسان أنها قريبا من النموذج الكامل، الذي يؤمن له حرية الحركة وتنمية الوعي وتجنب حاله التناقضات التي تحطم مثالية الحلم الذاتي له بالحصول على بيئة الأحسنية والأخيرية، وأمتلاك الحيز الحيوي لممارسة وجوده ووظيفته المنبثقة عنه، دون أن تتقاطع هذه القواعد مع إدراكه العجز التام أمام المجهول المغيب, وبالتالي فهي أي قواعد الدين وضعت ليس لقهر الإنسان وتحديد وعيه لأنها منتج وعي، وبالتالي عندما نجد تعارض بين مفهومنا الذاتي للدين وبين الحقائق أو التي أقرب لها في مجالي الدين والمعرفة أن يتراجع الفهم الديني عن تبني كمالية المحتوى، وأن يضعه أمام جدلية النقد وأمتحان وجودي ليتخلص من تراكم الفشل المؤدي إلى تحديد قواعد التدين وموتها عند نقطة الشروع الأولى .
هذه الثورة الفكرية بحقيقتها لا تمثل أعتداء على الإرث الديني والأخلاقي الإنساني، ولا هي أنتقاص من الدور الذي لعبه الدين تأريخيا في قضية الوعي ومساهمته في تطوير أسسه, ولكنها عودة حقيقة لذات الأسس التي تغلب بها الإنسان أولا على مجموعة الكم والكيف والأين والمتى وما ترافق في حياته الماضية، التي أنتجت الدين وبنت كل أسس العقيدة والعادة والإيمان به.
هذه النظرية لا تتعارض مع غايات الدين بل تفتح له الأفق التي أغلقها الإنسان على نفسه في مرحلة من مراحل الزمن الوعيوي، نتيجة تفرد وتبطر البعض لدوافع الأنا المتضخمة لديه ليفصل الإنسان إلى محددين متضادين (إنسان بالضرورة وإنسان بالأفتراض), عودة الوعي للوعي هي محاولة إعادة الإنسان للواقع الأول الذي صنع الأخلاق وخلق الدين والرب والغيب والمجهول والمعلوم .
فئة قليلة وإن كان لها حضور قوي ونشطة في دفاعها عن الإنسان العاقل الذي خلق الدين، وعليه أن يتخلص من أثار ما خلق قديما بإبداله برؤية أكثر قربا من قيم العقل المجرد وأشد التصاقا بإشكالاته الوجودية, هؤلاء الذين ينكرون أي ضرورة اليوم لبقاء الدوافع الأولى التي شدتنا إلى عالم مخيف وغيبي وخفي بعد أن اكتشفنا الكثير من الأجوبة على الأسئلة الأولى, والتي تبين منها أن سذاجة العقل الطفولي هي من قادتنا للأيمان بحقيقة وجود عالم موازي تختفي فيه قوى فاعلة، أكتشف العلم الواقعي أنها لا تعود بالضرورة لقوى خارجية وإنما لقوانين المادة وحركتها الجوهرية .
إذا لا يمكننا القبول أبدا بفكرة أن الدين ضروري وجودي ملجئ لا يمكن الكفاف عنه أو الفكاك منه في أي حال وفي كل الظروف والعلل, وإلا عد هذا الأمر تعطيلا لنظرية الخلافة التي تؤمن بها كل الأديان السماوية, الدين كفكر إنساني مرتبط بالحاجة له وليس مرتبطا لا بوجود الله ولا بوجود البشر، لأننا لو سلمنا بمنطق مخالف لا بد أن نسلم بحقيقة متقابلة، أن الوجود بني على خطأ تكويني أرتكبه الرب وبالتالي على الإنسان من خلال الدين تصحيح هذا الخطأ المفترض على الله، أما تقصيرا وعدم قدرة منه على التصحيح أو على أحسن أفتراض، أنه أراد أن يجعل الإنسان في حرج وجودي دائم يضطره أبدا للتعلق به والأتكال عليه.
وهذا المخرج يقود ويؤدي إلى مفهوم لاحق ومنصل ومستصحب أن الله محتاج للإنسان لشعوره بعدم التمامية مع عدم وجود الإنسان, كما يزعم بعض المتدينين من أن الله كان قبل الوجود فأحب أن يعرف فخلق الموجود، هذا التخريج وسابقه ينفيان بالنتيجة عن الله حقيقة الكمال والتمام المطلق التي لا يختلف عليها العقل الديني ويؤمن به بشدة .
إذن علينا أن نقر أن الدين للإنسان وهدفه الإنسان كما هو وسيلته الأساسية, هذا الإقرار يخرجنا من مفهوم "أن الدين لله" أبدا لم يكن الدين قرار رباني ولا فرض منه خارج حساب حاجة الإنسان وقدرته على التدين ليصحح مساراته, نعم يمكننا أن نقول أن الدين غالبا كظاهرة هو من صنع البشر معتمدا على قواعد عقليه لا تنفك أن تؤمن بما وراء العقل, والبناء الديني سواء أكان متوافقا مع الرغبة الوراعقلية أو مختلف عنها ينسجم بالضرورة المؤكدة مع فهمنا الخاص لمعنى غائب وغيبي ومطلق وكمالي، تجنبنا البحث عن صدقيته ومصداقه النظري وسارنا مطاوعين الرغبة في تسخيره لأغراض هو من يحددها وينتقي مداراتها، دون أن يرد المعلول للعلة والأسباب للمسبب, لذا غالبا ما فشلت التجربة الدينية عند الإنسان لأنه سخر ما يعتقد أن وسيلة عليا لتحقيق أهداف دينية ووقتية، ولا تتناسب مع علية الوجود الديني أصلا مستعينا بشعار (الله فوق الجميع) بدل من حقيقة (أن الله مع الجميع) .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان المعاصر بين التدين والألحاد
- الدين والإنسان الأول
- شكر وأعتذار
- الأستثمار السياسي لمفهوم القوة في العلاقات الدولية
- نهاية الصبر_ فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)
- ترميم الصورة _فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)
- هنا البصرة الجرح الذي لا يموت، فصل من روايتي (حين يحزن القمر ...
- الطائر الصاعد .... فصل من روايتي (حين يحزن القمر)
- الحرية الفردية وإشكالات المعنى والدلالة
- الحرية الفردية وإشكاليات المعنى والدلالة
- فصل أخر من روايتي (حين يحزن القمر)
- فوبيا الظلم والمظلومية
- فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)
- فصل من روايتي (حين يحزن القمر)
- لعبة القتل الحميد.......!
- فصل من روايتي (أيام الفردوس)
- تحديات الواقع للعقل الإسلامي ومجتمعه في ظل عالم متطور
- الحوار المفتوح........ ج22
- ترهات عربي ملحد
- العراق بين مطرقة الأستفتاء وسندان عجز الحكومة


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الدين والضرورة ح2