|
التراث الثقافي العربي و فؤاد معصوم
مهدي شاكر العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5604 - 2017 / 8 / 9 - 09:56
المحور:
الادب والفن
التراث الثقافي العربي و فؤاد معصوم
مهدي شاكر العبيدي أوستن / تكساس
ليس أكثر من جماعة إخوان الصفا و التي ظهرت زمن دولة بني العباس ، من دون بقية النحل و المكونات الفكرية و الفلسفية ، أستتبعت تخالفاً في وجهة نظر ذوي الرأي حيالها ، بين كونها ذات نزوع مستتر و غير بيِّن و رامٍ بالتالي لتثبيت دعاوى الوثنية و المجوسية ، أو شبيه ذلك من السعي لمحو الإسلام و تخلي الناس عن ديانتهم و استهوانهم إيمانهم بما شاءوا و ما درجوا عليه ، مما يحمل المرء على الإفتكار و مساءلة نفسه بهذا الخصوص عن كنه دوافعهم و مقاصدهم التي تغريهم بالنشوز و الخروج على الإجماع العام و المألوف السائد ، علماً أن ثمة رأي نقيض و مباين لذلك ، يكرِّس فيهم العصمة و يُبرئ ذمتهم من أيما إنكار و تجديف ، و تفريط و إخلال بما أوصى به الدين و ألزم بني الإنسان باجتناب الشر و التناهي في عمل الخير و الصالح ما وسعهم ، و ذلك لتستقيم حياتهم على قاعدة من الصفو و الهناءة ، و تنتفي منها أدران الغل و التحاسد.
و من خلال الانترنيت اطلعت على تلخيص لفحوى كتاب نشره قبل سنوات حول حقيقة معتقدهم الباحث اللبناني الدكتور جبور عبد النور ، أتى فيه على أنهم من الفرق الباطنية المتوسلة بحب آل البيت ، و التظاهر بالتشيّع قصد الترويج لفكرتهم بين العامة ، بعد أن خولطت بشيات من فلسفة اليونان و تعاليمهم ، مما يضفي عليها رواءً و مسحةً كفيلين باجتذاب الخلائق نحوها ، و إغرائهم و إغوائهم بها لغاية أن تفسد عليهم دينهم ، بينا نجتلي في (منجد الأعلام) الملحق بسفر (المنجد) الضخم بعض الشئ لمصنفه الأب لويس معلوف ، أن جماعة إخوان الصفا يغلب عليها الطابع السياسي الديني في جميع أدوارها ، و أنها توفيقية في نهجها و مزجها فكرتها الإسلامية بالفكر اليوناني ، و خلاصة ما تدين به أن العالم صادر عن الله و قد فاض عنه ، و أن الله علةُ كل فيض ، و هذا كلام حسن ، خلوٌ من المروق و الكفر ، و لا مشوب أصلاً بعلائم الإنكار و الجحود ، و قد يجي في بعض وصلاته و جوانبه المستوية هي و تقري الكاتب جبور عبد النور حين يعرض لمراتب و منازل مريدي هذا التيار ذي الأثر الفاعل و القوي في تكييف الثقافة العربية و ملاءمتها لتطور الزمن ، حيث تفتقت أذهان نبهائهم عن ابتداع أنماط و وأساليب بيانية معنية باحتواء غزير المعاني و تجسيد عميق الأفكار ، قلت يجئ الكلام ذاك و من خلال تلقائيته و عفويته مُحلى بقسط من الشاعرية إذا أمعنا نظراً في مسمياته لمراتب المنضوين و المسلوكين ضمن تلك الفرقة و المحفوفة أسرارها بشئ من الإغراب و الغموض. و الكتاب الثاني المودع في الشبكة العنكبوتية هو الرسالة الجامعية عن فلسفة إخوان الصفا و توليهم عن رسائلهم الإثنتين و الخمسين و المحيطة بمجمل ما يصبون إليه من نوازع و اتجاهات زهدوا جراءها بالكشف عن مقاصدهم الحقيقية و الإسفار عما يرتأونه للحياة البشرية السوية من زهادة بني النوع في الأرجاس و الخسائس ، و تباعدهم عن الرذائل و الأفعال الضارة ، و توقهم للكمالات الإنسانية قدر إمكانهم و ما وسعتهم قدرتهم على تهذيب أنفسهم ، و إن تبدى ذلك بحكم المحال. قلت إن الكتاب الثاني الملم بأركان فلسفة إخوان الصفا هو الرسالة الجامعية للأستاذ الدكتور فؤاد معصوم الذي أوفى به مضاؤه و ما صح من عزمه على استكمال متطلباتها و العوامل المسعفة بإنجازها من نحو تهيئة مراجعها و مصادرها و الاستئناس بذوي العلم و المعرفة و الدراية و الخبرة بقواعد التأليف و أصوله لاسيما أنه كردي تربطه بالمؤلفين العرب رابطة الإسلام ، و أن موضوع بحثه ذو صلةٍ و مساس بفتوحات فلاسفة المسلمين ، مع أن التاريخ يحدثنا في مروياته عن أن جمهرة غفيرة من نبغاء الكرد المصنفين و المبوبين لموروثات العرب قد جلّوا في خدمة اللغة العربية في غير زمنٍ و حقبة ، فأوفى به هذا الحال في سانحة وقت من سنيّ دراسته على الاجتماع بالدكتور طه حسين ، و حُسن الانصات لطلاوة حديثه و استرساله المشوق العذب و إجادته فن القول ، و ليست هذه الحظوة بلقاء العميد بالهينة و الميسورة لأي إنسان ، ذلك أن له مريدين كثار في الدنيا العربية و معنيين بتمحيص نتاجاته و استجلاء ما اشتملت عليه من النفحات الانسانية و ما يكمن فيها من الحدب و الاشفاق حيال فقراء مصر المبتلين بالفقر و المسغبة و العاجزين عن تطلب الكفاف على أيامه ، و هذا ما فات سائر الباحثين و دارسي أدبه أن يقفوا عنده و يكتنهوا سببه و يلتمسوه في مشابهة وضعه المعيشي في السابق و إبّان أول عهده بالحياة لنفس أحوالهم و أوضاعهم التي يشكون بسببها من الحرمان و العوز و ينكفئون مستيئسين و ناكصين عن توفير الحد الأدنى من الرغائب و الحاجات ، بحسب ما يقطع بهذا الرأي و يجزم به الأستاذ عبد العظيم أنيس (شقيق عالم العربية إبراهيم أنيس) و أحد كبار أقطاب الثقافة المصرية غير أنه يتصاغر و يُضائل من نفسه لفرط التهيب لو اقترن بطه حسين.
فهلا لرئيس جمهوريتنا و قد تحققت أولى أمنيات أحد الحكماء و الفلاسفة و أظنه أفلاطون ، بأن تناط مسؤوليات الحكم لذوي الكفايات العلمية لا سيما و قد تمثلت في شخصه بما توافر فيه و له من سمتٍ و رصانة ، قبل أن يُصار تبويئه ذينك المقام و الشأن بناءً على تقاسم للسلطان متفق عليه بين الأطراف و المكونات المحتربة ، كما يهرف بهذا اللغو بعضهم ، و بأن الاضطلاع بهذه التبعة من حصتنا و تلك من حصتهم ، حسبما تقضي بذلك المحاصصة المذمومة التي قُسرنا على تمشية أعمالنا بموجبها ، قلت هلا لنا أن نشوم العدالة و نحول دون صلي البرئ مع المذنب ، و أن نمنع ذوي الطمع الأشعبي من التمادي في الاقتسار و الانتهاب لثروات بلادنا و مواردها؟. لما لا تسود بيننا المقاييس الصحيحة غير الآيلة بعموم الناس لمكابدة الاجحاف و الغبن و ما ينجم عنهما من تسجرٍ و تسخطٍ يدفعان بالفرد لأن ينزع ثقته بمسؤوليه و ينفض من حولهم؟.
لست المجرب الخبير برسم خارطة طريق ترتضيها أغلبية الفرقاء المتنابذين بغية أن يسود السكون و الاستقرار في البلد. لكن لو كان الأمر بيدي لأرحت الناس من لغطٍ و مماحكة بشأن ما يدعونه انتخابات مجالس المحافظات أو الألوية! فمهما تزايد عدد نفوس القاطنين في هذه الربوع ، تظل محدودة المساحة و من السهل تدوير شؤونها العامة بجهد المصلحين الكفاة من بنيها بعيداً عن التشبه بالدول الكبرى ذات الاصقاع الشاسعة و الولايات المتباعدة و المتنائية عن بعضها ، فتعذرت العهدة بتصريف شؤونها جميعاً لقيادةٍ واحدة ممتلكةٍ لأوفى نصيبٍ من الحزم و القوة و قابلية اجتذاب الخلائق و حملهم على تأييدها و الالتفاف حولها و تنظّر الخير منها ، فلا مناص لها إزاء هذا الحال من اصطناع حكومات محلية. أما عندنا فإلى متى نظل نسمع بحكايات و وقائع عن لجوء هذا المجلس الموقر أو ذاك لعزل المحافظين أو المتصرفين و اتهامهم بالسرقة و الاختلاس و الانتفاع بالمراتب و المناصب ، و هل بعد مثل هذه المهازل يُتأمل أن يسود الاستقرار و العدل؟.
لو كان الأمر بيدي لاقتطعتُ حصة المصالحة الوطنية من المال العام و خصصتُ بها وزارة الثقافة لتغيثَ به صناعها و سدنتها و تنعش حياتهم ، فما بنا حاجة لهذه الأفكوهة ، إذ ليست هنا مشكلة أو خلاف بين بقّال في الشواكة و صنوه في الجعيفر ، و هلا ترامى إلى سمعك من قبل اسم شاعرٍ موهوب و كاتبٍ بارعٍ و صحفيٍ مرموق يُسمى (عبد الرزاق الناصري) من مواليد مدينة تكريت ، كان من أبرز كُتّاب مجلة الرسالة في القاهرة زمن الثلاثينيات ، يحتفي صاحبها أحمد حسن الزيات بدراساته و مقالاته المُرسلة من بغداد فينشرها جنب مباحث المشهورين من أعلام الكتابة طه حسين و المازني و الرافعي و العقاد. هذا الرجل كان أيامذاك صديقاَ حميماً و صنواً ملازماً و خلاً وفياً و خديناً مواسياً في سرّاء الحياة و ضرّائها لشاعر البلد محمد مهدي الجواهري المتولد في مدينة النجف الأشرف.
أما بخصوص مَن حولك من السياسيين ممن يُكافأ بعضهم بلا استحقاق ، إذ ما أسدى جهداً طيباً و صنيعة محمودة ذات يوم غير الرواح و المجيء ، و لا ندري من أين و إلى أين ، سوى توفقه في ضرب المثل و الشاهد على البطالة المقنعة. و كل هذا قد يهون ، لكن الذي لا يهون أنه إذا تحدث بالفصحى (أي هذا البعض) فأنه يُسيء للعربية.
#مهدي_شاكر_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا نسي المثقفون او كادوا ينسون مئات الادباء الرواد وبقوا
...
-
خطرات وشذور
-
ما يلزم تصويبه في تواريخ الأدب العربي
-
وقائع من تعاون الأدباء مع المستعمر
-
ملامح من المشهد الفلسفي العراقي
-
مرثية في مقبرة ريفية
-
ملاحظات
-
سوانح
-
أزمة المطبوع الورقي
-
بعد عام على رحيله كلمة هادئة وحيادية قدر الامكان وجهد الطاقة
...
المزيد.....
-
بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ
...
-
مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
-
روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
-
“بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا
...
-
خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر
...
-
الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا
...
-
الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور-
...
-
الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
-
على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس
...
-
الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|