أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد شبل - هل سمعت عن ثورة التايبنج؟















المزيد.....

هل سمعت عن ثورة التايبنج؟


السيد شبل

الحوار المتمدن-العدد: 5543 - 2017 / 6 / 6 - 23:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أكبر عمليات التجارة الدين ( بمعنى توظيف الدين ومؤسسيّته والمتحمّسين له -بصفو نيّة أو بدون- لغرض تحقيق مكاسب سياسية ومالية) في العصر الحديث كانت حملات التبشير بالمسيحية التي صاحبت الغزوات الاستعمارية الأوروبية. والحقيقة إن "مسيحية" التبشير الكاثوليكية لم يكن يربطها رابط بـ (المسيح الفلسطيني) سوى في الاسم، وهنا لا نتحدث عن الشق العقدي واللاهوتي، وإنما عن الشق الفكري والإنساني والحياتي والنضالي والاشتراكي للمسيح (كما فهمناه في أشعار مظفّر النوّاب ، وفي تأريخ هادي العلوي، وفي طاقم من المؤرخين الموضوعيين الذين تناولوا حياته).

الحملات التبشيرية، في ثمرتها، لم يكن لها غرض سوى إيجاد عناصر تابعة أيدولوجيًا ومشدودة بخيط للكنيسة "الأوروبية"، وما يتبع ذلك من قبول بالاستعمار، أو على الأقل إخماد النزعة الوطنية والإنسانية العادية الرافضة لهيمنة طرف أجنبي، من باب (وحدة الدين).

أدل شيء على أن الغرض لم يكن حتى الدين (كدين)، هو موقف الدول الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وأمريكا وألمانيا) المناهض بشراسة لثورة "التايبنج" الصينية، في منتصف القرن التاسع عشر، والتي استمرت لنحو عقد ونصف، وقادها الثائر العظيم "هونج".

الثورة كانت على أساس وطني صريح معادي للوجود الأجنبي الأوروبي المتصاعد منذ حرب الأفيون الاستعمارية (حرب شنتها بريطانيا ثم تحالف معها الأمريكيون الشماليّون لإجبار السلطة الصينية على السماح بتجارة مخدّر الأفيون -تخيّل حجم الوقاحة!-)، وضد أباطرة أسرة تشينج التترين المغول واضطهادهم وإفقارهم وتجهيلهم لأغلبية الصينيين من قومية الهان (بالمناسبة المغول الذين أسقطوا بغداد في 1258، كان هدفهم التاريخي والدائم الصين، ولهذا، مع تهديدات أخرى من وزن أقل، تم بناء سور الصين بداية من القرن الثالث قبل الميلاد في عهد أسرة تشين "صين").

هونج قائد الثورة، أعتنق المسيحية، عن قناعة بما قرأه عن المسيح، ورأى في دعوته عدل وإنسانية وتشاركية صادفت في نفسه أشياء، ودعا إلى مجتمع آمن وعادل ولا يعرف الملكيّة الخاصة، ويتشارك فيه الناس وسائل الإنتاج (الأرض الزراعية، والمصانع..)، وتخلّص من العقلية الانغلاقية الصينية التي كانت تصوّر الصين كمركز للعالم، ودعا لأن الأمم كلها متساوية، ولا يجب أن يطغى طرف على آخر (كان يوظّف أمميته لتهذيب الأنانية القوماوية؛ وكان قومي، بالمعنى الصحّي والحرفي للكلمة، لأنه أممي بالمعنى الصحيح/اختلاق أزمة بين المفهومين هو من نتاج عقليّات تستهدف خلق الفصل)، بالإضافة لذلك سعى لـ"تصيين" المسيحية، وتلقيحها بعناصر وطنية، بحيث لا تبدو فكر برّاني (من أفضل ما كتبه ياسين الحافظ هو لوم اليسار العربي على انفصاله عن واقعه العربي واغترابيّته، هذا بالمناسبة).

ولأن، هونج، كان ما سبق، بالضبط، فلم يرضَ عنه المبشّرون: كانوا يريدونه "أمميًا" بمعنى "أوروبيًا" يقبل تكالب الأمم على أمّته وضد التحرر القومي، وكانوا يريدونه "إنسانيًا" بمعنى "رخوًا واهتيماميًا" لا مناضلًا حكيمًا (يجوع ليشبع الفقراء. كما تقول التاوية)، وكانوا يريدونه "مسيحيًا" بمعنى غيبيًا تابعًا لـ"سلطتهم وكهنوتهم"، لا مستلهمًا من "المسيح" وأفكاره وكلماته، كانوا يريدونه بالنهاية ترس في عجلة مصالح رأس المال (ومن الممكن أن يكون المبشّر، بالمناسبة، صادقًا جدًا ومخلصًا تمامًا في أن دعوته هي لوجه معبوده، ولا يرتزق من وراءها شيء، لكن ثمارها، هي ما سبق بالضبط).

عندما انطلقت ثورته على أساس دعوته الدينيّة (بعض المؤرخين يذهبون إلى أنه رأى منامًا روحيًا، أستشعر بعده أنه أخٌ أصغر للمسيح، وعليه إكمال دعوته.. والحقيقة، أنه كان وطنيًا وصاحب نزعة عاطفة على الفقراء، وساق هذا ضمن مسيحيّته -سنعود لهذه النقطة تحديدَا لأنها ستصير نقطة ضعف عنده-).. عندما انطلقت الثورة، انضم إليها أنصار الدعوة الدينيّة بكل تفاصيلها "مبجلو الإله"، بالإضافة إلى جموع وملايين من الفقراء والحرفيين والزرّاع والعبيد، دون التركيز بالبعد الديني، وقاد "هونج" الجمع، وبدأ في تحقيق مكاسب على مدى نحو 14 سنة، وكانت الإمبراطورية على وشك السقوط، و"مملكته الوطينة الاشتراكية على وشك القيام"، لولا أن جاءها المدد الأوروبي. سلّحت اوروبا "المسيحية" الجيش "الكونفوشي" -نسبة إلى كونفشيوس-، ودرّبت ضباطه، وأرسلت نخبة من عسكرييها للمشاركة في المعارك ضد هونج، ماذا؟ المسيحي، وثورته، وانتهت بهزيمته، وقيل أنه سمّ نفسه.

نقطة الضعف التي أشرنا إليها، بخصوص "مسيحيّته" التي تم عنونتها، كانتماء ديني، هي أنها تسببت في عزل بعض الشرائح، منها من هو نخبوي ومنها من هو شعبي، عن التضامن مع الدعوة، لأنها بالنهاية، وبحسب كونراد زايتس، دين معبّأ بالشرائع والتفاصيل الغيبيّة (التي يصعب على فرد لم يُلقّنها منذ ولادته، أن يقبلها ببساطة وبعقلانية، ودون إغراءات المبشرين المادية، وفي القرن الـ 19!)، كما أنه دين أجنبي (في نهاية المطاف ليس كونفوشي أو تاوي أو بوذي -والبوذية أحنبية قادمة الهند لكنها من الخميرة الشرق آسيوية-)، ويضيف زايتس، إنه لو كانت الثورة فلاحيّة تقليديّة دون عنونة دينية "أجنبية" كانت نجحت في ضم أطراف أخرى، داخل شرائح الموظفين ذاتهم من الكونفوشيين، وكانت انتصرت. لكن يبقى الأساس، إن الهزيمة جاءت بإن السلطة حشدت قواتها، وتم دعمها غربيًا بكثافة وحداثة، في المقابل استبسل الثوار بعنفوانهم وسلاحهم التقليدي إلى حد مبهر، باعتراف خصومهم، لكن طبيعي لفارق القوى أن يحصدون الهزيمة، وكان رد الفعل النهائي على كسر شوكتهم استباحة دماءهم، وقتل مئات الألوف، والبعض يذهب لملايين، منهم (ملايين من الناس العادية المناصرة للتمرّد).

ومات هونج "المسيحي" بسلاح أوروبا المسيحية..

بالمناسبة، من اللفتات، المعتبرة، هو أن هونج ورفاقه سموّا ثورتهم بالتايبنج، على اسم ثورة شعبية في التراث الصيني، سنة 184 ميلادية، ومن المهم الإشارة إلى أنه بالقرن العشرين، مجّد الزعيم الصيني ماو تسي تونغ من عمل متمردي تايبينغ وقال إنها بطولات ثورية مبكرة ضد فساد نظام الإقطاع.

على الهامش: نشارك الرأي من يعتقد بأن ثورة هونج كان فيها من الثورة القرمطيّة بشرقي الجزيرة في العاشر الميلادي، لكن الأخيرة لم تكن تعنون الدين إلى تلك الدرجة، أو تكاد تفلت منه كـ"عنوان" مع استلهام كل ما هو جيّد منه (وجيّد في غيره) كممارسة.



#السيد_شبل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من كابول إلى دمشق.. «الإخوان» العباءة الأمريكية!
- السعودية الأخرى: كل شيء كان وشيكًا أن يتغير
- جرائم منسية بكوريا الجنوبية: «سنجمان ري والبيت الأبيض» كسفّا ...
- المقهى والبقالة.. والمال السّهل.. لماذا؟
- عن امتيازات المواطن الأوروبي!
- حين لا ترى الواقع.. عيون (الفيس بوكيين)!
- في تشخيص الداء.. لماذا نرى -متسولين-؟
- حسين حبري: كمجرم ومستبد حطّم بلاده.. لا يذكره أحد ؟!
- هنا.. الموالد الشعبية
- حتى نفهم: ما دلالات توقف العمل بنفق السكة الحديد أسفل القناة ...
- هيرو هيتو: مجرم حرب ياباني.. غسلت سمعته واشنطن
- الاقتصاد المصري قبل يوليو 52: تركيز للثروة في أيدي أقلية وأج ...
- الدعم الأمريكي للخمير الحمر.. الجملة المفقودة في قصة كمبوديا
- عمال القطاع العام...دعموا الجيش في معركة العبور فدهستهم «الخ ...
- أين الخلل الاقتصادي في مصر؟
- جرائم «أخطاء» التحالف الدولي في سوريا والعراق
- سوريا: ثور أبيض أبى أن يُذبح
- توثيقي: كيف دعم جيش الاحتلال الصهيوني العناصر المتمردة في سو ...
- ممالك الخليج.. ميراث الاستعمار، وأطماع الحاكمين
- شركات الدواء الأجنبية.. ودهس المريض


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد شبل - هل سمعت عن ثورة التايبنج؟