أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - حوار مع المخرج المسرحي : د.جواد الأسدي البروفة مع الممثلات العراقيات كانت ذات وقع حار !















المزيد.....



حوار مع المخرج المسرحي : د.جواد الأسدي البروفة مع الممثلات العراقيات كانت ذات وقع حار !


صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)


الحوار المتمدن-العدد: 5494 - 2017 / 4 / 17 - 21:34
المحور: الادب والفن
    


د. جواد الأسدي الحاضر دائما فوق خشبة المسرح .. الغريب الذي حمل حقائب المسرح في رحلته التي لايريد لها أن تنتهي ، ذاكرته المتوقدة على تجارب الحياة التي سكنت روحه في العراق ،الوطن، والأصدقاء، وشغف البروفة وجمالياتها وعذاباتها التي تحولت إلى مرجعيات يحفر في أعماقها وهو يمارس مسرحتها في تجربته الجمالية .. يتوق العودة إلى الوطن والعمل مع المسرحيين من أجل مسرح عراقي مثير للجدل والجمال... جواد الأسدي المخرج والمؤلف وصانع الجمال في فضاءات المسرح العربي ، كان لنا معه هذا الحوار :

س/ ماذا يشكل (المسرح والفلسطيني الذي فينا).. في ذاكرتك ؟

ج/ الفلسطيني الذي فينا .. هو الوجع الذي فينا أو يوم القيامة الكبير والذي أسمه فلسطين التي تعني فعلياً كل الذين توجعوا وتم تدميرهم تحت خيمة الإحتلال، فلسطين التي كانت بالنسبة لنا حلماً كبيراً أو يوتيوبيا مقدسة ؛هي أشبه بسمفونية الوجع الكبير ، ثمة شعور دائم يجتاح روحي بأن ثمة مكان في هذا العالم يتم إنهاكه وتدميره وتتم إعادة كتابته ديموغرافيا وإنسانياً ومكانياً.
س/ هل يعني ذلك أن فكرة (الفلسطيني الذي فينا )غادرت حدودها القومية وتحولت إلى فكرة كونية؟

ج/ بالتاكيد هي فكرة كونية .. الفلسطيني الذي فينا يعنيني أنا كعراقي ، كنت أبحث دائما عن ذريعة لوجودي في سوريا بعد أن كنت قد عدت إليها قادماً من بلغاريا حاملاً معي ششهادة الدكتوراه في الإخراج المسرحي، بدأت البحث عن المصطبة التي يمكن لها أن تتسع لمقترحاتي ، المصطبة التي هي المنصة أو المسرح الآخر ، خصوصاً واني ماعدت قادراً على العودة إلى العراق بلادي التي تحولت في ذلك الزمن إلى مرجل كبير للحرب والموت ، أحسست أن مايوازي إحساسي ببلادي ويوازي إفتكاكي القسري عنها ؛ كانت فلسطين وطن آخر يشبه العراق في طبيعته وجماليته ، ولأجل هذا كله يمكن القول أن الفلسطيني الذي فينا، فلسطين التي في داخلي، في داخل كتاباتي داخل إحساسي داخل هذه الدورة الدموية الملغومة بالتفجع والمرارة والحلم والرغبة والمسرة ، كان هذا خياري في التعامل مع المسرح الفلسطيني كأنني أعود فيه إلى العراق ، كما لو أني أعود إلى بغداد تلك العودة التي لم تكن ممكنة في وقتها، لذلك فإن العمل على تركيب جماليات النص الفلسطيني خشبة المسرح كما لو اني أصنع من فلسطين حالة إستعادية لبلدي العراق، وكما لو اني انتج طاقة ممزوجة من وجع البلدين تلك الطاقة التي تعطيني النار والموقد الكبير الذي يغذي روحي الملتهبة في اعماقي حتى أستطيع أن أقود بروفاتي وأكتب نصي وأتمكن من السير قدماً في تلك الممرات.
س/ بدا لي أنك كنت تبحث عن الفلسطيني المختلف عن ذلك الذي تتقاذفه العواطف العربية ، بل كنت تبحث على إحداث الصدمة في الحاضر الفلسطيني، وقد تجلى ذلك بينك وبين الكاتب المسرحي الكبير ( سعد الله ونوس) لاسيما في مسرحية (الإغتصاب ) التي قدمتها للمسرح الوطني الفلسطيني ، وقد بدا أن النص إستفزك أكثر من غيره من النصوص التي كانت تحاكي القضية الفلسطينية في تلك المرحلة ؟

ج/ صحيح .. لأن مسرحية ( الإغتصاب) هي بالإساس ماخوذه عن نص الكاتب الإسباني (أنطونيو باييخو) بعنوان (القصة المزدوجة للدكتور بالمي) وبعد قراءتي للنص أحسست بشكل فعلي أنه قابل لأن يتحول إلى حالة فلسطينية خصوصاُ فيما يتعلق بفكرة المحقق والضحية ، من جهة اخرى فإن (سعد الله ونوس) كان قد أحجم عن الكتابة تماماً في تلك الفترة ، وإختار الجلوس في البيت ، ولم يكن يزاول فعل الكتابة لمدة عشرة او خمسة عشر سنة ، وقد كان توقفه نوع من الإعتراض الخطير على السلطة والدولة بمفهومها الكبير والواسع عربيا وغير عربي، فقد أحس بخيبة ضخمة جداً وان كل ماكان يجري لاينبغي أن يكون، ولذلك قررت أن أقدم له النص ، أردت التحرش بروحه وعاطفته وكتابته، طلبت منه ان يقرأ النص ، ومع أنه كان قد قرأه في السابق ، ولم يخطر له أن هذا النص يمكن الإشتغال عليه ، فأخذه مني ، وبدأنا سلسلة لقاءات أسبوعية وكنا ندخل في حوارات طويلة ونقاشات مستمرة ، كان يقول لي ( ياجواد مقترحك في مكانه وانا لدي شهية كبيرة في إستعادة الكتابة على هذا النص) ، بالنسبة لي كان الامر أشبه بالعيد الكبير ، لأن ( سعد الله ونوس) قرر العودة إلى الكتابة وهو بحد ذاته فكرة خطيره وجميلة ، قدم لي كتابته الأولى لنص الإغتصاب وبات مع تلك الكتابة رحلة من التصادمات التي كانت تؤدي إلى كتابة جديدة للنص لتبدا بعدها رحلة جديدة من المصادمات وتبادل التصورات ، وكان يتقبل الأمر بصعوبة كبيرة لأن (سعد الله ونوس) كاتب محترف لايتقبل الملاحظات بسهولة ولكن ماحصل بيننا كان أشبه بنوع من تبادل الثقافات التي تاسست بدءاً من فكرة الإعتراض ومن ثم على فكرة الإستماع إلى الرأي الآخر، في النهاية أعطاني النص بنسخته النهائية، أحسست ان في هذه النسخة النهائية ثمة مشكلة ضخمة جدا تمثلت في فكرة شخصية (الإسرائيلي) كنت أتساءل عن ماهية تلك الشخصية من هو (الإسرائيلي) في هذه المرحلة ؟ وتحديداً في عام (1990)، ثم من هو (الإسرائيلي) بالنسبة إلى (سعد الله ونوس) ؟ ومن هو (الإسرائيلي) بالنسبة إلى (جواد الأسدي)؟ فإذا كان (الإسرائيلي) من وجهة نظر (سعد الله ونوس) يتمثل في (منوحين) الذي هو بطل من ابطال المسرحية ؟ أو هو كل من (أسحاق و مائير) ، أما بالنسبة لي فقد كنت اظن ولا اعرف الآن إن كنت مخطئاً أو على صواب ، فقد كنت أظن ان ثمة عقم في الحوار مع ذلك (الإسرائيلي) الذي يعيش في إسرائيل، عقم في التفاوض معه ، كيف يمكن أن يتفاوض هذا الإسرائيلي مع (إسماعيل) الفلسطيني ، وكيف يمكن أن نجد التجاور مع النص الذي تحول بعد إشتغال ( سعد الله ونوس) عليه إلى نصين ، يعود الأول إلى نص الاسباني (انطونيو باييخو) والآخر فلسطيني من كتابة (سعد الله ونوس) الذي أفاد كثيراً من نص (باييخو) في الكتابة ، وقد ظهرت لدي أسئلة كبيرة فيما يتعلق بهوية الإسرائيلي في تلك المرحلة ، ولم اكن موافقاً على فكرة ان هناك إمكانية للحوار مع الإسرائيلي (منوحين) الذي كان يعيش داخل إسرائيل وتحت خيمة وظلال وسلوك الإحتلال في تلك الفترة ، كنت دائما أشير لـ (سعد الله ونوس) بأن الحوار سيكون ممكناً لو كان (منوحين) يعيش خارج إسرائيل إذ يمكن أن يكون من سكان باريس مثلاً ، أو يكون ذلك اليهودي المتنور ، الأمر الذي دفعني للمسير بهذه المنطقة من الحوار والإفتراض ، مشيت على الضد من النص ، وبذلك فقد أدخلت النص في قراءة جديدة ، وعندما حضر (سعد الله ونوس) لمشاهدة البروفة النهائية في دائرة الثقافة الفلسطينية في دمشق وكان معه الناقد (فيصل دراج) قال لي بعد العرض وبالحرف الواحد .. ( جواد هذا اجمل مايمكن ان أشاهده على صعيد التمثيل ، ولكن أرجوك أن تحذف أسمي وتكتبت ان هذا النص من تأليف جواد الاسدي) .
س/ كأنك كنت تبحث في جدالك مع (سعد الله ونوس) عن شخصية الفلسطيني المثالية ، وفي المقابل كان ونوس رافض لوجود تلك الشخصية على إعتبار ان الفلسطيني في تلك الظروف إنما هو فلسطيني منتهك من قبل المحتل ،كما هو العراقي (المقدس) الذي رفضت وجوده في مسرحية (حمام بغدادي) يبدو ان جواد الأسدي قد غادر الفكرة التي تقول بوجود الشخصية العربية المثالية وقرر التعامل معها كما هي في الواقع العربي الملتبس إجتماعياً وسياسيا؟

ج/ لا أظن ان هذه الملاحظة صحيحة لسبب واحد ، هو أنني حاولت أن اخرج بعيداً عن مسطرة الخطابة الفلسطينية على مستوى الكتابة سواء في النصوص التي كانت لمؤلفين آخرين كما هو الحال مع نص (الإغتصاب) ، أو مع النصوص التي كتبتها بنفسي بدءاً من نص مسرحية (خيوط من فضة) التي كانت من تأليفي، كنت أقاتل لكي لا أحول القضية الفلسطينية إلى تمثال شمعي ،وأن لا أحول الفلسطيني إلى كينونة (جبسية) أو شيء غير قابل للتفكيك ، كنت احاول دائما الصدام مع المتفرج بفكرة أن هذا الفلسطيني الذي أقوم أنا بنسجه وكتابته هو فلسطيني آخر أكثر حرية واكثر إمكانية من ان تناقشه وأن تتصادم معه، هو ذلك الآخر الذي نتوق دائما إلى إحداث الجدل معه ، وهذه هي المشكلة التي كانت تحصل مع (سعد الله ونوس) ، وقد إزداد الأمر تعقيداً عندما تم عرض المسرحية في بيروت ، وقد إستقبل اللبنانيون العرض بجنون على صعيد الكتابة (نص العرض) وهم إلى اليوم يعتبرون مسرحية (الإغتصاب) التي قدمت في بيروت هي من اجمل ماقدم في تأريخ المسرح اللبناني عربياً، لان النص كان فيه جملة بصرية خطيرة ، والتمثيل كان من طراز كبير، الأمر الذي جعل (سعد الله ونوس) ينزعج أكثر فأكثر لأن قراءتي مخالفة لقراءته ، وفي كل مكان يقدم فيه العرض كان يحصد الإعجاب الكبير الذي كان له علاقة كبيرة بـ (الإعداد النصي) ، ولكن الإعجاب الأخطر كان يأتي لمصلحة التمثيل وجماليات العرض .
س/ ما السبب الذي دفعك إلى تدوين البروفة ؟ هل هي فكرة مفاجئة ؟ أم هي خبرة متراكمة؟

ج/ لا أبدا .. المحاولة الأولى في تدوين البروفة كانت في كتاب (المسرح والفلسطيني الذي فينا)، وقد كانت نتيجة لإحساسي بالغربة ، ولأني كنت أسمي نفسي بالغريب الذي يرحل إلى المدن وعنها ، الطارئ الذي يمشي على الأرصفة، الشخص الذي بلا سند، وبلا سقف، وبلا سرير وبلا أهل وبلا ناس ، كانت مملكتي الحقيقية هي رحلتي بين البروفة والعرض ، لكن البروفات كانت أكثر وقعاً على روحي ، ولأنها كانت تضع في حياتي أو في صيرورة يومياتي مجموعة من الشهوات العالية السحر على صعيد العلاقة الحارة مع التمثيل ومع الممثل، وعمليات الهدم والبناء ، ومشاكسات الممثل والمحاولة للذهاب بعيداً مع جسده وروحه وكيانه ، من أجل الوصول إلى مناطق يجهلها الممثل بنفسه.. البروفة هي الجنة التي كنت احاول أن أضع أركاناً لها لأني كنت اشعر دائما بأني رجل منفي ، وأن تلك الشوارع والأرصفة والمقاهي لاتسعفني بالمسرة بشكلها النهائي .. البروفة هي المسرة الوحيدة التي كانت تعطيني فرصة وإحساساً بأني شخص ذو كينونة وجسد وصوت ومعنى، وإنطلاقاً من معلومة تقول أن المسرح وبمجرد إنتهاء العرض يصبح قابلاً للزوال ، بهذا المعنى أحسست أن عندي شهية كبيرة ورغبة تلح عليّ أن أكتب يوميات البروفة، وفعلاً أصبحت وبعد تجربة (المسرح والفلسطيني الذي فينا) مدمن على تدوين البروفات ، فعمدت إلى ذلك في (جماليات البروفة ) و (المسرح جنتي) وقد تحولت الكتابة عندي إلى شيء موازٍ للعرض المسرحي.
واحب أن أشير إلى أن فعل الكتابة لم يكن بإيعاز مسبق للكتابة ، بمعنى آخر فأنا لم أكن أقرر الكتابة ، وإنما أفرض على نفسي تدوين بروفات اليوم السابق، كانت الكتابة تأتي دائماً عندما تنتهي البروفات وتعطى مساحة كبيرة من التأمل، الكتابة تأتي عندما يكون ثمة هاتف ، او ثمة وحي ، او ثمة مخلوق ينادي أو ثمة نار أو رغبة تحثني بإتجاه الأوراق ، ولهذا عندما تقرأ (جماليات البروفة ، او المسرح جنتي) تجد أن اللغة التي فيها تكاد تكون مصنوعة من نار، لغة فيها إضطراب وغربة وألم ووجع وفيها تفكيك، وفيها قراءة للممثل ومشاكسته، وقراءة في الإخراج والنص ، وفي هذا النوع من الكتابة التي تخرج في كثير من الاحيان خارج البروفات وعندها أتمكن من إصطياد علاقاتي وانا على سرير غربتي، وأنا في وحدتي، وفي مكالماتي الهاتفية مع أمي ومع اخي الذي تم إعدامه، ومكالماتي مع اصدقائي ،لذلك كله صارت الكتابة بالنسبة لي هي كتابة الحياة بمجملها ولهذا إستحقت عليّ ان أكتبها بشهية هائلة.
س/ كل هذا التداخل في تدوين البروفة الا يسهم في إنتاج مقترحات مشهدية تدخل في كتابة البروفة من دون ان يكون له حضور فعلي في صناعة المشهد المسرحي؟

ج/ لا أبداً .
س/ أشرت في معرض حديثك عن تدوين البروفة إلى أنك تقوم بالكتابة بعد الإنتهاء من البروفات بشكل نهائي .. كيف تتذكر كل تلك التفاصيل التي تحصل في يوميات البروفات ؟

ج/ نعم هذا صحيح .. فضلا عن ذلك فإنني نادراً ما أقوم بإعادة كتابة البروفة ، والسبب وراء ذلك يعود إلى أنني عندما أكتب أصاب بلوثة ، أو يمكن ان تسميها حمى خطرة ، قد تمتد رحلة الكتابة فيها إلى ساعات طويلة ، تقطعها لحظات من الراحة ، التي أتنبه فيها إلى كمية الأوراق التي تحتشد بين يديّ والتي يبدو عليها الوجع من فعل الكتابة الذي يتم بشهية هائلة ورغبة كبيرة.
س/ يكتشف القارئ لنصوصك المسرحية ويوميات بروفاتك انك تعتمد اسلوباً مختلفاً في كل منهما ، وكأن القارئ يكتشف جواد الأسدي على نحو مختلف ، هل تشعر بذلك الإختلاف ؟

ج/ أكيد .. حتماً ، ويعود ذلك إلى وجود مزاج مختلف ، ومرايا مختلفة ، لأنني عندما اكتب عن البروفة فإنني أفتح الباب أمام لغة مختلفة ، لغة متشظية هي أشبه بالنهر الجارف الذي تهجم عليه المياه بعد إنقطاع طويل ، اما كتابة النص المسرحي فهي شيء مختلف تماماً، لأن الكتابة للمسرح فيها مشكلة خطيرة تتعلق بما يمكن ان تقول ، وماذا تكتب ، وماهي الفكرة ، وكيف تكتب هذه الفكرة ، كما اني كنت أعمل دائما على تدوين ملاحظاتي حول الشخصيات التي أريد الكتابة عنها، وقد بدأت ذلك في مسرحية (خيوط من فضة) ، من جهة اخرى فإن كل النصوص التي كتبتها هي مقترحات للإخراج ولايمكن ان تكتمل خارج البروفة، ولهذا كنت احذف وامزق كثيراً ، ثم اعود لأرمي كل ذلك داخل روح الممثل لكي يقوم بدوره في إعادة إنتاج النص مرة أخرى ، وفي مرات كثيرة كنت اترك للممثل حرية الإلتحام مع النص الذي شكلته انا في البداية.
س/ ماالذي دفعك إلى كتابة النص المسرحي؟ هل هو إحساسك بوجود موهبة المؤلف الكامن في داخلك؟ او ربما حاجتك إلى أفكار أو شخصيات لم تتمكن من العثور عليها في نصوص عالمية او عربية كتلك التي وجتها في نصوص (جان جينيه ، لوركا ، سعد الله ونوس، معين بسيسو .. وآخرين)؟

ج/ بالضبط .. لقد رميت لي الطرف الحقيقي من الإجابة ، كل النصوص المقترحة عالمياً لجميع الكتاب الكبار تضعني في سجن جميل لأنها نصوص جميلة، ولكن بالمقابل أن تجد نفسك غير قادر على زحزحتها لا تملك تفويضاً بذلك لكي تضعها على طريق آخر على الرغم من أني في عملية الإعداد لهذه النصوص كنت اضع قليلا من (جواد الأسدي) العراقي فيها ولكن بنسبة قليلة من دون مضمونها لكي يبقى (جان جينيه) كما هو مع وجود إنزياحات قليلة وبسيطة ، وفي الكثير مما يكتب (غارسيا لوركا) العظيم والذي هو كاتبي أو هو حلمي الشخصي ، وغيره من الكتاب الآخرين ، ولم اعثر على مايمكن ان يشفيني في مايخص الحديث عن بلدي العراق، ولذلك أحسست أنه لايوجد حل آخر غير أن أقوم بالتصدي لكتبة فكرة الوجع العراقي والمرارة العراقية ، لاني أردت فعلياً أن اكون شاهداً ، أن اكون في داخل يوم القيامة الكبير الذي وقع على العراقيين عبر تاريخ قديم كأنما هناك لعنة وقعت على العراقيين لكي يدفعوا دماً وحزناً ، لتظل بيوتهم مسكونة بالمرارة ، كل ذلك دفعني إلى التساؤل والبحث عن الكاتب الذي يستطيع أن يمس هذا العدم ، والظلام ، والريبة، ، لذلك أحسست اني امام واجب تأريخي ، وشهية تأريخية للتصدي لوضع هذا الشارع وهذه المخلوقات على المنصة، وهكذا فعلت في مسرحية (حمام بغدادي) كانت الكتابة تغرف من أخوتي الشخصيين ، أحدهم تم إعدامه في زمن النظام السابق، والآخر أخي الكبير ، ولذلك ظهر النص بمصداقية خطيرة جداً ، ووجع حقيقي على خشبة المسرح .
س/ لم اجد وانا أبحث في نصوصك المسرحية وتجربتك الأخراجية مايشير إلى إهتمامك بالتراث العربي ؟ بل وجدتك تبحث في اللحظة الراهنة والمستقبل أكثر من البحث في الماضي.؟

ج/ صحيح .. وحقيقة لا أعرف السبب في ذلك ، ولكني اجد في اللاوعي أن ثمة طلاق حقيقي وقطيعة مع الماضي .. و ليس لديّ الشهوة والرغبة في التعامل مع الماضي أو التراث على سعته وعظمته وعلى الأشياء الكثيرة والجميلة الموجودة فيه .
س/ أشرت في حديثك عن مسرحية (الإغتصاب) إلى نقطة في غاية الاهمية ذكرت فيها أنك إقترحت نص (القصة المزدوجة للدكتور بالمي) على ( سعد الله ونوس) من اجل جعله نصاً ملائما للحالة الفلسطينية .. لماذا لم تتصد بنفسك لكتابته ؟

ج/ لا اعرف .. ولكن رغبتي كانت تتجه نحو إيقاع (سعد الله ونوس) في حفرة الكتابة بعد ان كان قدر هجرها كما ذكرت لك ، ولو كان الامر متعلقاً بي لكنت لجأت إلى نص (باييخو ) نفسه لأنه نص خطير وجميل ويجيب على كل أسئلتي، ولكني احببت أن أعطيه لسعد الله ونوس .
س/ تنوعت تجربتك في الإخراج المسرحي ، إلا أن السمة الغالبة عليها تمثلت في إشتغالك على تطوير قدرات الممثل ، ألم تطمح إلى تقديم تجربة مسرحية تعتمد فيها على توظيف التكنولوجيا بوصفها بديلا سينوغرافياً أو بديلا للممثل والرؤيا الإخراجية ؟

ج/ تشكلت لدي قناعة كبيرة بأن المسرح يقوم بدرجة أساس على فن التمثيل والممثل ، وعلى نوع آخر من الممثل وروح اخرى من التمثيل ، وليس التمثيل المتداول، ولم استطع أن انتمي إلى فكرة أن تتسيد التكنولوجيا بكل معانيها البصرية ، ويظل خيار الممثل هو الأكثر خطورة وجمالاً ، ولكن هذا لايعني نهائياً أني بعد ان انجز تكوين الممثل واعطيه المساحة السينوغرافية التي تخدم الجماليات فيها روحه أني لاأعود للعرض لكي اهتم بشكل أو بآخر بالتقنيات البصرية ولكن من دون اللجوء إلى التزويق والمبالغة ، ومن دون ان يكون لها الحضوة الأكثر خطورة من التمثيل ، لأن لدي وجهة نظر مفادها أن كل مايجري على خشبة المسرح هو في خدمة سحر الممثل وجماليات الممثل، وقد عملت في مسرحية (الخادمات) للفرنسي (جان جينيه) على جعل خشبة المسرح مائلة من البداية وإنتهاء بعمق المسرح ، وقمت بعمل فتحات من الأسفل ، إحساساً مني بأن شخصيات (جان جينيه) هي شخصيات منزلقة ، بمعنى أنها شخصيات على وشك أن تقع في الهاوية أو تتعثر لأن شخصيات العرض النسوية اللواتي كن يتدربن يومياً على كيفية الإطاحة بالسيدة ، والتأكيد على انهن نساء يسكن في الأقبية التحتية ولديهن نفوس تميل نحو الهاوية، لذلك كله أحسست بأن هذا النوع من السينوغرافيا يمكن أن يحمل الكثير من روح ( جان جينيه) ، وخصوصاً تلك الأقبية التي يخرجن منها ، وفي كل بروفة يقوم الممثلين بإرتجالات جديدة من اجل دفع النص إلى الإبتذال والسوقية والإنحطاط ، وهي شخصيات تتلفظ بالكثير من الألفاظ الممزوجة بـ(الإيروتيكا) .
س/ تختار العودة إلى نصوص قمت بإخراجها في مراحل سابقة ، ما الذي يثيرك في ويدفع بك إلى إعادة الحفر فيها من جديد؟

ج/ سؤال جميل .. ثمة أمرين في ذلك خصوصاً مع النصوص التي كتبتها أنا ، دائما يكون لدي إحساس أن الكتابة التي اكتبها لم تزل غير مكتملة حتى بعد تقديم العرض ، ففي مسرحية (نساء في الحرب) التي قدمتها في روما أول مرة مع ممثلات من الجزائر ، وقدمتها مرة ثانية في أوكرانيا مع ممثلات من اوكرانيا، وقدمتها مرة ثالة في العراق مع ممثلات عراقيات ، وقدمتها مرة رابعة في بيروت مع ممثلات لبنانيات ، كل هذه الصيرورة، هذه الكتابات التي يصل عمرها إلى خمسة عشر سنة، في كل مرة يذهب فيها النص إلى منطقة مختلفة عن سابقاتها ، حتى تحول الأمر إلى لعبة جمالية فيها الكثير من اللذة والمتعة العبثية الرائعة ، وفيها الكثير من إمكانية تدشين فكر وخيال المخرج وشهيته في مفارقة العروض القديمة والذهاب إلى منطقة مختلفة من العروض.
وقد حصل أمر مشابه مع مسرحية (الخادمات) وكذلك مع مسرحية ( حمام بغدادي) الذي قدمته سابقاً مع ممثلين سوريين هما ( فايز قزق ) والراحل (نضال السيجري) ، والآن اعيد إخراجه مع ممثلين عراقيين هما (حيدر أبو حيدر ، عبود الحركاني) وقد يكون سبب إعادة (حمام بغدادي) هو احساسي بأن هذا النص لايمكل ان يكتمل إلا مع توافر اللهجة العامية العراقية ، لأنه نص عراقي ، ودم عراقي ، وفيه روح عراقية، وهو الامر الذي دفعني إلى ممثلين عراقيين ، على الرغم من ذلك الأداء المذهل والمثير والخطير الذي قدمه كل من (فايز قزق ونضال السيجري).
س/ هل وجدت إحساساً مختلفاً في التعامل مع الممثلين العراقيين الذين عملت معهم سواء داخل العراق في مسرحية (نساء في الحرب ) أو تجربتك الآن في مسرحية ( حمام بغداد)، هل وجدت إختلافاً بين الممثل العراقي والممثل العربي ؟

ج/ هذا الكلام صحيح جداً .. بالتأكيد ثمة الكثير من الإختلافات ، لانني على سبيل المثال في مسرحية (نساء في الحرب) مع الفنانات (شذى سالم ، سهى سالم ، آسيا كمال) كنت اجد نفسي مع الممثلات وكأننا جميعاً نتشارك في محنة من تم وضعهم على حافة المقصلة ، هو تمرين المقصلة ، أو يمكن ان تسميه تمرين الموت ، أو تمرين العذاب، ، الطائرات تجوب السماء فوق رؤوسنا ، والدبابات بجوارنا ، كان التمرين في ذلك الزمن شيء عجيب ، وكانت درجة الحرارة عالية ، والقاعة الصغيرة التي حولناها بقوة إلى قاعة مسرح ، مع كل هذا فإن الشيء الذي كان يثيرني جداً هو شهية الممثلات في الإستمرار على التمرين الصلب في هذا الجحيم، كما لو أن شخصاً ما يعرف أنه في لحظة إحتراق والنيران تلتهم جسده ، ولكنه شامخ وينتظر أن تأتي النيران على جسده كله ، وهذا أعطاني شهية هائلة في البروفة ، طبعا هذه الروح كانت موجودة عند ممثلين عرب من طراز رفيع مثل ( غسان مسعود ، غايز قزق) في بروفات مسرحية (تقاسيم على العنبر) وبشكل خطير جداً، ولكن مع الممثلات العراقيات كنت أحس فعلياً أنني ذاهب في رحلة أخرى ، ذهبت إلى جنون آخر ، شممت رائحة شيء آخر ، أحسست بدرجة خطرة من الإلتحام ، تلك الرائحة وتلك الروح وذلك الجسد مع وجود الرائع (صاحب نعمة) الذي كان واحد من الجميلين ، كان أشبه برحم العرض وكأننا جميعاً مرميين في رحمه العظيم ليخرج العرض من قلبه ووجدانه وجسده ، هذا الجمال ، هذا السحر لا أستطيع رؤيته في كل مكان ، على الرغم من انه موجود ولكن بدرجات متفاوتة بشكل كبير جدا.
س/ هل أحسست بوجود إلتقاء بين روحك المغتربة وروح الممثلات العراقيات اللواتي حملن كل ذلك الضغط والوجع، هل وجدت خطوطاً للتلاقي بينك وبينهن يمكن أن تدفع العرض إلى مستويات متقدمة ؟

ج/ سبق لي أن قمت برحلة العودة إلى العراق قبل الشروع بتجربة إخراج (نساء في الحرب) ، ولكني أحسست في البروفات بأني داخل يوم من أيام القيامة الأبدي، كنت أحس بأن الممثلات يتحملن شقاء ليس له مثيل لكي يصلن من بيوتهن إلى التمرين، وفي يوم من تلك الأيام لم تتمكن الممثلة (آسيا كمال) من الوصول إلى التمرين ، وعندما تساءلنا عن السبب تبين لنا أن أبن شقيقها قد تم إختطافه ، فتحول التمرين إلى تمرين آخر، صار عندنا نص مسرحي جديد بجوار النص الأصلي، كيف يمكن العثور على الولد المخطوف ، وكيف تحطمت (آسيا كمال) وتشظت وأصابها الأذى وهي تجري في كل مكان بحثاً عنه وهي تسابق الزمن من اجل إنقاذه ، بهذه الطبخة المجنونة من حياة موجعة كانت تجري البروفة.
س/ هل كنت تشعر بالخوف على نفسك وأنت تراقب الحياة التي تقترن بالموت أكثر من إقترانها بالحياة ؟

ج/ في حينها .. أبداً .. صدقني ، كنت اعمل في التمرين كأني احضر نفسي لإنتحار محبب لي.
س/ أن تسمع عن الكارثة أفضل بكثير من أن تشاهدها أو تكون جزءاً منها ، وانت قد سمعت عن مايجري في العراق في تلك المرحلة ، ولكن ان تأتي وتعيش في جحيم البلاد المدجج بوجود الأميركان من جهة والمسلحين من جهة اخرى ، والفوضى والقتل المجاني ، وتبدأ في بروفاتك المسرحية كأنك تريد أن تثبت لنفسك شيء ما ، هل ثمة لحظة تساءلت فيها عن وجودك في هذا الزمن وهذه الظروف وعن علاقة المسرح الذي تريد أن تقدمه بكل مايجري حولك ؟

ج/ ليس إستعراضا للعضلات ولكن صدقني لم أسال نفسي هذا السؤال ، ولكني لاأخفيك كنت في كل يوم عندما أغادر المنزل الذي كنت أقيم فيه عند أقاربي كانوا يظنون بشكل فعلي أني خرجت وهم لايعرفون إن كنت سأعود أم لا ، وهذا ما كان يحصل مع الممثلات (شذى ، سهى ، آسيا) وكذلك ماكان يحصل مع (صاحب نعمة) وهو قادم من منطقة الدورة المحفوفة بالمخاطر، طرق ملغمة ولديها شهية لإختطاف الآخر وقتله بطريقة بشعة، كنت احضر إلى التمارين قبل وصول الممثلين ونعمل أنا و (صاحب نعمة) على إزالة الأتربة وقد عملنا على تحويل قاعة في قسم التربية الفنية التابع لكلية الفنون الجميلة ، والتي كانت مليئة بالأتربة من اجل ان تكون صالحة لإجراء البروفات ومن ثم لتكون مكاناً ملائماً لتقديم العرض ، وقد كنت سعيداً جدا بذلك العمل.
س/ سعادتك كلها لم تجعلك تغامر مرة اخرى في تقديم عروض مسرحية أخرى بعد مسرحية (نساء في الحرب) ألا تشعر بالحنين إلى تلك البروفة العراقية ؟

ج/ أكيد .. كنت ازور العراق وكنت ألتقي بك وبالأصدقاء ، كنت احضر بهدف وبشهية إثارة بروفة جديدة والتصدي لعمل جديد، ولكن عندما لمست وشاهدت كل هذا الذي يجري داخل أروقة الثقافة العراقية، سواء في السينما والمسرح أو وزارة الثقافة، صار عندي صدمة خطيرة ، كنت اشاهد الوضع الثقافي يذبح وينحر يومياً بطريقة قاتلة ، كل هؤلاء الفنانين ثمة من يحاول جرجرتهم بقوة إلى التوقف عن التمرين أو يحاول قتلهم لكي لايقوموا بمزاولة تمارينهم ، والدليل واضح جداً ، المسرح العراقي يعيش أزمة خطيرة جداً ، إنه مسرح بلا رئة المسرحيون يتنفسون بطريقة صعبة وشاقة ، واعني هواء المسرح ، المسرحيون يعيشون بمرارة كبيرة ، وفي كل مرة أزور العراقي احاول أن اجد طريقاً ، أن أجد شكلاً من العلاقة مع الممثلين لكي استطيع أن اتقاسم معهم هذه الحياة واتقاسم معهم لذه التمرين، ولكني أحس دائما بصفعة كبيرة تقول لي بأنك لاتستطيع لأن الوضع لايسمح لك بأن تستطيع ، لأن الموجودين هم أيضاً لايستطيعون ، طيب قل لي كيف يمكن ان تعمل، خصوصاً أن وزارة الثقافة في تلك السنوات التي كنت ازور العراق فيها كانت مسكونة بمخلوقات عجيبة ليس لهم علاقة بالثقافة والمسرح ، وهذا ماجعلني أشعر بالصدمة وأحس بشهية المغادرة والتوجع لفترة كبيرة ، ولكن عند عودتي الآن تكلمت مع (حيدر جمعة) (مدير منتدى المسرح ) فقد أصبح عندي إحساس بأن رواد المسرح العراقي بما يمتلكون من تجربة رائعة وجميلة وبما قدموا من منجزات عبر تأريخهم على مختلف اعمارهم، ولكن الأن وفي هذه الفترة هناك مايلفت إنتباهي إيمان كبير وغير مسبوق بالشباب المسرحي ، وهذا حقيقي وليس من اجل المجاملة ، لأني شاهدت عروضاً شاهدت عرض (خريف) لـ (صميم حسب الله ) وشاهدت عرض (باسبورت) لـ(علاء قحطان) عندما كنت عضواً في لجنة تحكيم في مهرجان الشباب، وشاهدت أشياء اخرى هنا وهناك ، أحسست بوجود دماء جديدة ، هنالك نهر هادر الآن يريد أن يخترق الجدران ويريد أن يكسر الدنيا لكي يأخذ مكانه ويعمل ويتقدم ، وانا على بينة بأن كل هؤلاء الشباب يقطعون من ارزاق أولادهم وعائلاتهم حتى يعطوا للممثلين ويعملوا السينوغرافيا ، كل هذا اعطاني إحساس بأني أبن هذه اللحظة وأنني الآن صرت مهيئاً أكثر من أي وقت آخر لأمارس فكرة العلاقة مع هؤلاء الشباب لكي أعمل معهم بشكل فعلي ، هذا لايعني أني أغلق الباب بوجه الكبار بالعكس.. هناك ممثلين خطرين ولدي شهية للعمل مع بعضهم.
س/ دائما اجدك تبحث عن ممثل محترف ومن طراز خاص ، هل سبق وأن جربت العمل مع الشباب في رحلتك الطويلة في مسارح دمشق وبيروت والقاهرة والمغرب والإمارات وغيرها من البلدان التي وضعت رحالك المسرحية فيها ؟
ج/ نعم .. سبق لي العمل مع الشباب في اكثر من تجربة ، قدمت مسرحية (إنسوا هاملت) في القاهرة بالتعاون مع دار الأوبرا في مسرح الهناجر، وكان وقع العرض جميلاً جداً ، كذلك قدمت عملاً في فرنسا في مدينة (كان) بعنوان (بجانب غارسيا لوركا) أخذت من (بيت برناردا ألبا ، عرس الدم ، ماريانا بينيدا) وكانت كل الممثلات من النساء وهن من طلبة معاهد المسرح ، وقدمنا العرض لمدة عشرين يوماً، ، كما أني في مسرحية (تقاسيم على العنبر) التي كقدمتها في دمشق .. وكان أبطالها (غسان مسعود ، فايز قزق) إلا أن أغلب الممثلين الذين جسدوا الادوار الأخرى كانوا من طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق ، كما أني عدما اعمل مع الشباب أدفع نفسي بإتجاه إنتقاء قاسي للممثلين ، لأني أعرف أن عملي في التمارين يحتاج إلى جهد ويحتاج إلى ممثل من طراز آخر ، وأنا الأن اتحدث عن الممثل الشاب في بلدي العراق الذي أصبحت مهيئاً للعمل فيه بشكل قوي جدا.
س/ هل معنى كلامك أننا مقبلون على تجربة جديدة لجواد الأسدي في مشروع مسرحي عراقي ؟

ج/ بالتأكيد .. نعم انا أفكر بذلك بقوة شديدة ، رغم كل ماأرى من تلكؤ وعقبات وقصص وحكايات ومصائب وتناقضات وحروب صغيرة هنا وهناك بين الفنانين مع بعضهم ، بين المسرحيين والدولة ، المسرحيين ووزارة الثقافة ، وكما تعرف فإن دائرة السينما والمسرح ملغومة بالمرارة والبحث عن فرصة ، لأن المسرحيين لديهم درجات عالية من الحرمان، انا الآن فعلياً مستعد وأظن انني تحدثت مع العاملين (منتدى المسرح) ومع الأصدقاء الموجودين هناك وقمنا بجلسة عمل، وربما هذه الجلسة توحي بإمكانية الشروع بهذا العمل قريباً.. ربما خلال هذه السنة اكيد سيكون هناك ثمة عمل مسرحي.
س/ مسرح بابل .. ماذا أعطاك وماذا أخذ منك؟

ج/ قالت الصحافة اللبناية في خبر بمقدمة الصفحة بما مفاده ، " اللبنانيون يحملون حقائبهم ويغادرون البلاد لما يحصل فيها من مصائب ، ويأتي جواد الأسدي بكل جنونه ليضع حقائبه في مسرح بابل !!"
التجربة مع مسرح بابل كانت حماقة كبيرة ، حماقة حلمية ، أو هي حلم أحمق، بمعنى آخر ، فن شهيتي للمسرح والبحث عن مكان وملاذ دفعني للمغامرة من دون أن أكوّن حسابات حقيقية لمغامرتي، وقد فهمت ذلك فيما بعد ، فهمت انني كنت على درجة عالية من الخطأ الشنيع ، مع ان المسرح ادخل النور في حياتي، أعطاني الكثير من اللذة ، قدمت عروضاً متنوعة على هذا المسرح وفتحت الباب أمام شباب هائلين من سوريا ولبنان قدموا عروضهم ، وقدمت عروضاً اوروبية ، وكنت أصرخ دائما لكي احاول أن أسمع صوتي لوزارة الثقافة العراقية، كنت أريدهم ان يعرفوا ويفهموا أن هذا مسرح بابل ، منصة عراقية أسمها بابل ، يمكنكم أن تستغلوا هذا المكان وتقدموا فيه عروضكم ، من اجل حماية هذا المسرح، وعملت الشيء نفسه مع وزارة الثقافة اللبنانية وعملت الشيء نفسه مع (المؤسسات البنكية) اللبنانية بوصفها مؤسسات داعمة ، ولكن لاحياة لمن تنادي ، أحسست أن هناك نبرة شوفينية خطيرة ضد رجل عراقي قادم لعمل مسرحي .. كيف ولماذا ؟ كيف يمكن ان نعطيه تمويل ؟ وكان لديهم اسباب كثيرة ، مثلا أنا لست من طوائفهم ولست من مريديهم ، وانا قادم من الخارج ، وأصواتهم تقول أن هذه الحقوق يجب أن تعطى للبنانيين ولا تعطى للعراقي.. من هو هذا الغريب العراقي بيننا ، إلى أن تم إحكام الحصار الذي لم يكن معلناً وغير مكتوب على مسرح بابل، لذلك قررت العودة إلى جواد الأسدي المخرج والفنان لأني أصبت بإحباط طوال سنوات، ولأن شهيتي لم تعد حاضرة ، لقد قتلوا شهيتي المسرحية .
س/ لماذا لم تلجأ إلى تأسيس مشروعك في واحدة من دول الخليج حيث الأموال متوفرة ؟

ج/ صحيح .. لماذا لم أبق أنا في دول الخليج ، أو لماذا لم أبق في أوروبا، لان الأوروبين فتحوا لي الباب بشكل رائع ، في فرنسا ، والمانيا ، وبلجيكا .. والسبب في ذلك كله أن (الجني) الفلسطيني يركب على ظهري، عشقي لفلسطين والمسرح الوطني الفلسطيني ، لأنني كنت أقود المسرح الوطني الفلسطيني لمدة خمسة عشر سنة ، لذلك كنت أشعر بخيانة كبيرة إذا ماوافقت على أي مشروع دائم في إحدى هذه الدول، كنت اشعر بالولاء الحقيقي والأنتماء الفعلي بالعودة إلى دمشق والتشارك مع المسرحيين الدمشقيين، والإشتغال مع السوريين والفلسطينين ، ولأني عملت المسرح الفلسطيني في داخل دمشق مع الفلسطينين والسوريين ، فكنت غير قادر على الذهاب إلى مكان آخر ، لأن إحساسي كان يشير لي دائما بأن هذه الأتربة هي التي تعنيني، هذه الوحول هي التي تعنيني ، والعمل بهذه الأتربة هو الأقرب إلى طموحي الشخصي في صناعة مدينة جديدة ، وصناعة مسرح جديد في صناعة إنسان آخر مختلف ولهذا غادرت تلك الامكنة التي لديها الإستقرار والرفاهية والتي تعطي أمزجة.. وعدت إلى الجحيم .. الجحيم المحبب الذي إخترته بطواعية لأنه ينسجم مع روحي.



#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)       Samem_Hassaballa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حلم الغفيلة - لم ينضج بعد !
- مسرحية - سرداب- الزمن ذاكرة المستقبل
- مسرحية -يا رب- : المقدس بين سلطة الدين وسلطة العقل !
- مسرحية -مكاشفات- : تمثلات السلطة بين دراماتورجيا النص .. وسي ...
- مسرحية( العنف) السلوك الجمعي وسلطة الثوابت الإجتماعية
- التجريب في (مسرح الشباب) تحولات الوظيفة وحدود المصطلح
- سلطة الأشكال البصرية في -سجادة حمراء- جماليات الشكل وفرضيات ...
- -بقعة زيت- في مونودراما المشهد الأخير!
- التناقضات الفكرية والجمالية في مسرحية -مَن السما -!
- مسرحية -السقيفة - تأريخ الصراع على السلطة
- الأنساق الدلالية (للمخرج المؤلف) في الخطاب المسرحي (مسرحية ن ...
- ذاكرة - المقهى- الموجعة ..الشكل البصري وهيمنة الملفوظ النصي
- مسرحية (أهريمان) : جماليات الأسطورة بين حرية الحركة وغياب ال ...
- المستشار الدراماتورجي لمسرحية “السقيفة “الناقد العراقي صميم ...
- -إعْزَيّزَة- عرض مسرحي يشاكس الخرافة
- -مابعد الحداثة والفنون الادائية - في تجارب المسرح المعاصر
- -فوبيا- المستقبل.. في ذاكرة أتعبتها الحرب !
- -التكامل الفني في العرض المسرحي - المفاهيم الجمالية في المسر ...
- مسرحية (إستيلاء) هيمنة ذكورية غائبة .. وحضور أنثوي مستلب !
- العرض المسرحي (فوبيا .. تكرار) .. مستقبلنا المخيف !


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - حوار مع المخرج المسرحي : د.جواد الأسدي البروفة مع الممثلات العراقيات كانت ذات وقع حار !