أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي ابو عراق - شعر المرأة العراقية وكسر نسق الاستبداد ظاهرة ( اكعيم) في الدارمي















المزيد.....

شعر المرأة العراقية وكسر نسق الاستبداد ظاهرة ( اكعيم) في الدارمي


علي ابو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 1429 - 2006 / 1 / 13 - 09:47
المحور: الادب والفن
    


شعرالمرأة الذي كسر نسق الاستبداد
ظاهرة( كعيم) في الدار مي
في الشعر فرصة استثنائية ومتجددة وغير محدودة لاكتشاف أغوار ومغاليق النفس الإنسانية
وخباياها، وربما هو وحده يمتلك هذه الفرصة ولا اعتقد إن هناك فعلا ذهنيا أو جنسا أدبيا يشاركه هذه الخصيصة الرؤيوية النبوئية، فهو المتقصي الساحر الذي يتوغل بثقة وحنوّ ودون استئذان لا لمحاصرة الحقيقة وتحنيطها بل لإعادة تشكيلها وتفجيرها عبر مرايا قزحية مفارقة ومشاكسة ووثّابة وربما مراوغة لا تستسلم لأيّ من المحددات المؤسسة عقليا أو زمنيا أو موضوعيا بسهولة. فهي بعد استسلامها لروح الشعر تستلم طوعا وبعرفان دافق لشعرية الحقيقة، وهنا يكون الشعر هو الحقيقة المختزلة من كل هذا الركام الوجودي الهائل الذي يبحث بخيبة أمل كبيرة وخسران دائم عن معاناته وتسلسله وتكراره وأسئلته المحيرة. وعلى الرغم من رفعته وعلوّه وسموّه لم يوقف نفسه لأحد، ولم يلزمها بمقاييس المعيارية، بل قرر أن يكون متاحا للجميع ومشاعا مثل نور الشمس لمن يشاء أو لا يشاء،حتى أكثر الناس تحجرا وانغلاقا لا يستطيع مقاومة اجتياحه الأثيري النفاذ. ويرى ذاته المتوحشة في لحظات ما ، في حضرته منكسرة وذليلة، تتوسل بألطافه وتتعلق بشمائله الشفيفة، فالإنسان أيّما إنسان هو كائن شعري شاء أم أبى، وعلى الرغم من كل التراتيبية السلطوية... سلطة الأعراف أو التقاليد أو المؤسسات، وإذا كانت الثقافة العربية واهم منجزاتها الشعر العربي قد كرّست (سلطة الفحل) الشعري وشر عنتها ودمغت بها كل تأريخه حيث شكلت فضاءا معرفيا وذهنيا واجتماعيا تربع على كرسي جبروته دون أن يفكر بمغادرته لإبدال الهواء الفاسد بسبب الإصرار على الملازمة والبقاء. ووصم كل هذا التاريخ الطويل بذكورته الفجّة وربما غير المؤكدة. فقد استطاعت المرأة أن تكسر هذا النسق الاستبدادي، مستعينة بسلطة الشعر وحدها، ووفقت في أن تفتح منافذ ظافرة في (سدّة صين) الشعر العربي الذكورية وتقلقل سياقه الاجتماعي ونسقه الثقافي وتعلن عن ذاتها المقهورة والمقموعة بتراكم السلطات وتعدد الطغاة، وهي إذ لم توفق في أنتاج نسقها الخاص فقد استطاعت أن تسجل لحظات مهمة من تأريخ وجودها وحريتها وتمردها وحزنها وسخريتها وتألقها وانطفائها، بقوة الشعر وسلطته وبتقاطع مع المهيمنات المتأصلة. ولعل في الشعر الشعبي العراقي للمرأة نماذج مهمة لما ندّعي، وربما تكون أكثر بكثير من شاعرات الفصيح حتى الاستثناء الشاعرة نازك الملائكة، فقد خضعن جميعا لسلطة النسق الثقافي السائد دون أن يمتلكن روح المغامرة والخروج على المؤسَّسْ الذي دخل دائرة المقدس عبر أزمان ودهور لا تختلف كثيرا عن بعضها. صحيح انه شعر كتبته النساء ولكن بذهنية الرجال فالفحولة تضوع من كل صورة أو كلمة فيه، وما المرأة ألا ساردة سلبية عبر فحلها الرجل أخا كان أم زوجا أم ابنا، حتى في وجدانياتها استعارت ثيمات الفحل في الحب والوصال والرغبة والفراق، وهناك الكثير من النماذج ولكن ضيق المقال لا يتسع لذكرها.
أما مفارقة النساء اللواتي قلن الشعر الشعبي لهذه المحددات فربما تأتي بسبب ضعف السلطة وعدم سيطرة نسق ثقافي محدد في القرى النائية عن ضغوطات المركز والحياة البسيطة الدافقة المتماهية مع إيقاع الطبيعة وسلاسة الوجود واستقلالية المرأة باعتبارها منتجة وعاملة أو ربما هي أكثر كدّا وكدحا من الرجال مما منحها القدرة على الخروج والتعبير عن ذاتها بالتعاضد مع سلطة الشعر وتنتج خطابا فيه اعتدادا مقبولا بجنسويتها ورغائبها ورفضها، حتى لو لم يكن متواترا وذا فنية عالية بسبب الجهل وضعف التعليم، لكنه كان فتحا كبيرا، ولعل ( الدار مي ) الذي هو ضرب من ضروب الشعر الشعبي العراقي الذي يقولون عنه انه شعر النساء لبساطة وزنه وابتعاده عن التزويق والتكلف وانزياحه لصميم الشعر، قد عبّر تعبيرا دقيقا عن إخلاص النساء لذ واتهن وجنسهن وعواطفهن دون أن يخشين تسلسل السلطات. وقد ظهر هذا واضحا وجليا في ظاهرة (اكعيم)، و (اكعيم) هذا معادلا دلاليا للرجل الذي يفرضه المجتمع على المرأة لتكون زوجة له، تحت سلطة وسطوة العشيرة أو العائلة دون رضاها أو قناعتها. وعلى الأغلب يكون هذا قبيحا وذميما أو شيخا كبيرا فانيا، ولكنه في الوقت ذاته أما أن يكون ابن عم لها أو من العشيرة لم تجد النساء فيه ما يغريهن على الاقتران به، أو قد يكون شيخا كبيرا ولكنه غنيا فتكون المرأة قربانا لفقر الأهل وفاقتهم وإذا كانت ترضخ في البداية خوفا من القتل أو خوفا من الاتهام بالعشق فإنها لا تنفك تصحو من غيبوبتها القسرية وأول ما تستنجد بالشعر، ليعاضدها ويمنحها القدرة على المقاومة والاحتجاج، وربما تبدأ بالبوح الخفيض لكي يتسلق جدران ليلها الكثيف القاسي.
أطحن واكضّي الليل عن ألمريده
بالكذله يصبح شيب من لزمة أيده
أو :
عكلي من أمس لليوم ماليش أهد بيه
مدري أنشد الجيران يو أصوّت أعليه
وترتفع نبرة بوحها وهي تحاور ذاتها المنهكة وتكشف لنفسها عن خطط للخلاص وربما بشيء من الشعور بالذنب، فهي قبل أن تسفر عن نيّتها بالخلاص تحاول استرضاء واسترحام مقدّسها لتخفيف وطأة الشعور بالذنب عبر سؤال تحاول فيه أن تضفي القناعة أو تميت إحساسها بالذنب، فتقول:
ترضه يبو الحسنين لكعيم أشمّه
أنذرت اثنعش مولود يوم الأسمّه
وتتصاعد نبرة الاحتجاج والجزع فتقول:
ريت الهلال لحود ما عيّد العيد
جايبلي ربي كعيم من درب البعيد
أو :
أبجي وأصيح الغوث من سكم حالي
مطلوني يم اكعيم ربّي اشجرالي
أو :
لا أمي يمّي تصيح لا عرف اصيحن
طكاني سطره اكعيم تميت أنوحن
ولكن ( اكعيم ) كان قدرها، فقد كلفته العشيرة بدور الفحل حتى لو كان منطفئ الفحولة، وعليها أن تستسلم. فتكون الشكوى تعبيرا آخر وتطورا جديدا عن أزمتها الوجودية، فكل الذين حولها لا يسمعون بل يستهجنون وليس أمامها سوى المقدس ثانية فتهرول أليه مجللة بأحزانها وجزعها ورغبتها في الخلاص :
متعنيه للعباس أشجيله حالي
بلجن يموت اكعيم وأهنه بوصالي
ولكن (اكعيم ) لا يموت فحتى (المقدس) أشاح ببركاته عنها ودخل في دائرة المتخلين أو المتربصين أو المتآمرين على بهجتها وإنسانيتها وآمالها، فتنصرف عنه في حركة ارتدادية غاضبة لذاتها محاولة ترميمها والركون أليها ومدّها بشيء من الشجاعة والصبر العجيب، فتبدأ بلومها واستدراجها إلى مناطق القوة والثبات، فتقول:
بطّلت من شكواي والشكوه ذلّه
سوّالي والله (اكعيم) بالكلب علّه
وبعد أن تناطح جدران اليأس وتشعر بأن فرص النفاذ من ليلها الطويل فقدت الكثير من مستحقاتها تلجأ إلى السخرية المرّة وهي لعبة لخداع ذاتها، فبقدر ما أدمنت ألازمة والحزن والاحباطات المتراكمة تلجأ إلى مسخرة رمز أزمتها في محاولة للانتقام والتشفي برسم صور كاريكاتيرية مضحكة ربما كان وجهها الأخر حزن رائب وجروح غائرة لم تعد تمتلك لها شيء، فتبدأ بطروحاتها التراجاكوميدية:
لا بسله شطفه اكعيم عود من الأولاد
والماتريده الروح جالي عله الفوّاد
أو :
خيّه أنتي رجلج خوش وآته أمّداني
ما يندل الوجنات حبني عله ذاني
وترتفع حدّة السخرية وتفتقد التشبيهات لياقتها الاجتماعية فتشبّه (اكعيم) بالحمار البارك في الوحل:
اكعيم أرد احمله احمول واشكثر شيله..؟
بارج وأدفـّع بيه غرب ألنخيله
أو:
دشداشه أفصل الفوح والتمّن أردان
كلما ألوم الروح ما ترضه بهدان
أو:
ضيجة خلك بالبيت رجلي امن أشوفه
كون الرجل ينباع بعته بمشوفه
أو تخرج خروجا فاضحا على السائد في منظومة مجتمعها الأخلاقية فتقول:
يا من تبدل وياي رجلي برجلهه
تطيني جيل ابجيل والزايد إلهه
أو تدعو صديقتها الذاهبة إلى السوق لتبيعه هناك:
خيّه اخذي رجلي وياج بيعيه إليّه
فتجيبها صديقتها:
بعته بشليل أشعير ردّوه عليّه
ولكن للحياة قوانينها التي لا تخضع على الأغلب لدواعي الحرية والرغبة والاختيار فيكون لكعيم ولدا منها ويطفيء إحساس الأمومة لهبها المستعر فتخاطب جلادها (اكعيم) بصوت جريح يمطر حنان وشفقة
يكعيم اجاك أوليد حظك غلبني
أوصل الباب الدار يبجي ويردني
ولكن هذا الإحساس الشفيف لا ينسيها أزمتها بل تدخل في متاهات شوزفرينا عاطفية مجهدة ومرة يشابك معها حنان الأمومة وبراءة الطفولة ...وثانية ورغم كل شيء تنتفض ذاتها من الاغواروالمفازات وتنتصر لأحاسيسها وحريتها ورغائبها فتخرج متوثبة كالنمرة الشرسة لإقصاء ما اعتقدته طمأنينة وسلاما وترجلا عن صهوة عذاباتها الطويلة في حركة فيها الكثير من الخشونة والعدمية العاطفية ولكنها في الوقت ذاته زاخرة بالشجاعة والصدق والتمرد لحد الصدمة، فتقول لطفلها الذي كان يبكي وهي كانت منشغلة تقلب صفحات ذكرياتها ومراراتها، وصورة الذي تحب تطفو فوق هذا البحر الهائج :
ظل ابجي طول الليل أبدن مهزّك
كون انته ابن أفلان جان اشمعزّك
وتتوغل بعيدا في جنسويتها ونرجسيتها بعد أن انثالت الذكريات البعيدة على أفق روحها المنكسرة المعذبة وتختم هذا المشهد بضربة صادقة مفارقة مستهجنة فتقول:
ظل ابجي طول الليل ميدر حليبي
انته وأبوك أتروح فدوه لحبيبي



#علي_ابو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2ملتقى السياب التأسيسي
- ملتقى السياب التاسيسي
- مهرجان السياب الثالث
- المسيحيون في الجنوب بين ماض جميل وحاضر مليء بالخوف


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي ابو عراق - شعر المرأة العراقية وكسر نسق الاستبداد ظاهرة ( اكعيم) في الدارمي