أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد هيهات - الفرحة الحزينة














المزيد.....

الفرحة الحزينة


أحمد هيهات

الحوار المتمدن-العدد: 5373 - 2016 / 12 / 16 - 04:39
المحور: الادب والفن
    


الفرحة الحزينة
في طريقه الطويل المتعب إلى حضور فرح أحد أصهاره غير المقربين تردد كثيرا بين إكمال طريقه أو العودة قافلا إلى بيته الذي ما زال يبدو قريبا إذ تكاد تظهر تفاصيله البانورامية، فهذا الفرح لم يثر في نفسه أي نوع من أنواع الفرح والسرور والبهجة التي يفترض أن تتملك المتوجه إلى مثل هذه المناسبات، فقد غشيه يم من التفكير وإعادة النظر وتقليبه في طريقة تأمين مبلغ الهدية التي يفترض أن يقدمها في هذا الفرح، والتي سبق له أن تلقى مثلها في فرحه، فهو لا يعدو يسدد دينا في رقبته، وإن كان يفضل عدم حضور هذا الفرح، ولكنه مطالب – رغم ذلك – بتقديم الهدية الغرامة الثقيلة التي أحزنته وأهمته حتى غدا الطريق بالنسبة إليه طويلا ثقيلا وشاقا.
بعد وصوله إلى مكان الفرح الذي كانت تبدو عليه علامات البهجة ومخايل الفرح والسرور من خلال الأبواب المشرعة والأضواء المنارة والملابس البهية الجديدة المزركشة والأطعمة المتنوعة والوجوه المزينة بألوان الزينة الخفيفة والثقيلة التي تخفي وراءها تفاصيل الكدمات والعورات والندوب ومختلف عوادي الزمن وعلامات التقدم في السن وأنواع الهموم والأحزان، وبعد تأمل قصير انتصر على تردده واقتحم المكان متخلصا من الهموم والأفكار والهواجس التي كادت تثبط همته وتكسِّح عزيمته، مغلِّفا محياه الكئيب بطبقة شفافة من الابتسام الاصطناعي.
جال بناظريه الغائرين جولة سريعة في أرجاء قاعة الفرح فلم يصادف طرفاه في هذا المكان الذي يعج بالحركة إلا مظاهر الجمال والكمال والفرح والسرور، فالرجال يرتدون أجمل البذل وأبدع الجلابيب، والنساء بملابسهن التقليدية الغالية المكتراة في أغلب الأحول، كلهن حور عين لا يختلفن إلا في حجم حَوَر العيون وطول الأهداب.
بحث سمير عن صهره الحاج محمد ليلقي عليه التحية ويقدم له التهنئة والتبريك ويدعو له بالتوفيق والسلامة من كل الطوارق والمفاجآت غير السارة فوجده حزينا مهموما غاضبا بسبب تصرفات مدبري الفرح وممونيه ومنشطيه وابتزازهم الذي لا يتوقف إذ يفاجأ كل حين بأحدهم يطلب منه الزيادة من أجل تحسين الجودة وإسعاد الحاضرين وتقديم أحسن العروض وإذا رفض الاستجابة تلكأ المبتزون في أداء واجبهم الذي أخذوا مقابله المادي أو الجزء الأعظم منه مسبقا، وأظهروا فيه الضعف والتكاسل والتثاقل فيضطر الحاج محمد إلى شحذ الهمم وتذكية العزائم بالهبات والصلات التي لم تكن في الحسبان.
بعد قضاء واجب التهنئة والتبريك خرج سمير ليدخن سيجارة يلبي بها النداء الداخلي الذي لا يمكن تجاهله، والحاجة الملحة التي كانت في بدايتها مجرد لعب ولهو وزينة وتفاخر على الأقران، ويفتتح بها ليلته الطويلة التي ستنهك قواه وجيبه، وبعد أن فتش جيوب بنطاله وقميصه ومعطفه لم يجد بدا من التوجه إلى الحارس الليلي ليستعير منه الولاعة التي لا يعرف أين ضاعت منه، وبعد أن أشعل سيجارته انخرط في حوار مع الحارس الليلي حول طبيعة عمله الذي يزداد صعوبة مع اشتداد البرد والقر وهطول المطر، وخصوصا في ليالي الأفراح التي يعاني فيها كثيرا، إذ يكثر الغرباء والعابرون الذين لا يستطيع التمييز فيهم بين أصحاب الفرح والمدعوين من المندسين المتربصين لكل فرصة سانحة، فيتضاعف جهده ويصعب عمله في تلك الليالي إذ يحرس السيارات كلها التي يتم ركنها في جوار قاعة الأفراح، ولأنه لا يعرف أصحابها فإنه لا يستطيع المطالبة بمقابل الحراسة، وإذا أصيبت إحدى السيارات بخدش أو تعرضت للسرقة فإنه يدخل في صراع مع أصحابها حول مسؤوليته عن الضرر بسبب الإهمال وعدم القيام بالواجب.
تخلص سمير بصعوبة من الحارس الليلي الذي وجد من يؤنس وحدته، ودلف من جديد إلى قاعة الفرح وجلس في أحد المقاعد القليلة الفارغة في إحدى زوايا القاعة فوجد أم العريس وهي تشكو بثها وحزنها إلى أختها بسبب انقلاب حال ابنها بعد عقد قرانه على عروسه الجديدة فقرر فجأة الاستقلال عن الأسرة الصغيرة، ورفض بشكل مطلق الاستمرار في مسكن الأسرة رغم حجم الإغراءات والضمانات التي قدمتها الأم، وفضّل تجشم العناء ومكابدة الجهد من أجل تأمين تكاليف العيش بعيدا عن الأسرة، وقد حزنت الأم لأنها فقدت كل حيلتها وقدرتها على إقناع ابنها والاحتفاظ به إلى جانبها متسائلة عن سر انتصار كنّتها عليها.
وبينما حاول سمير سرقة بعض اللحظات السعيدة المبهجة من خلال الاستمتاع بإحدى الوصلات الغنائية اكتشف أن المغني هو صديقه القديم نبيل الذي اختار الانقطاع عن الدراسة من أجل احتراف الفن، فتوجه صوبه للسلام عليه في وقت استراحته، ففهم منه أن هذا الميدان هو مجال تعب ونصب وصبر على نزوات أصحاب الأفراح والحفلات ورعوناتهم، وعلى قلة وفساد ذوق المستمعين ورغبتهم في تكريس الغناء الهابط وعدم اكتراثهم بالطرب الأصيل والنغم المحترم الرفيع، وأنه لم يجد بديلا يلجأ إليه حفاظا على موهبته وذوقه، وأنه في رحلة البحث عن بديل مناسب يمكنه من تحقيق حلمه القديم بالنجاح والشهرة والإبداع في المجال الذي يهواه.
وأثناء انغماس سمير في الحديث مع صديقه نبيل لمحا حمّالا عجوزا يدفع عربة يدوية بعجلتي سيارة علقت إحداهما في حفرة غير عميقة في عرض الشارع الرئيسي، وقد عجز الرجل المسن عن انتشال العجلة من الحفرة، واستمر يعالجها دون فائدة، فخف سمير إلى مساعدته إشفاقا عل حاله، وبعد إخراج العجلة من المطب جلس العجوز ليسترد أنفاسه ويشكر سميرا على معروفه وتجاذبا أطراف الحديث عن قسوة الحياة وصعوبة العيش، ومعاناة العجوز من يد أصحاب الفرح المغلولة إلى أعناقهم تجاهه، ورغم الملايين التي صرفت في سبيل إنجاح هذا الفرح فقد رفضوا زيادة درهم واحد على المبلغ المتفق عليه والذي لا يكاد يعدل مجهوده وعرق جبينه.
عاد سمير من جديد إلى قاعة الفرح بنظرة غير تلك التي خرج بها ولم تعد مظاهر البهجة والفرح والسرور تغريه، وبدأ يطيل النظر إلى المشاهد التي تقع عليها عيناه، فينخرط في تخيل قصة الحزن الثاوية وراء الابتسامة المتكلفة والجمال والفرحة المصطنعين ...
أحمد هيهات
15-12-2016



#أحمد_هيهات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور التوتاليتارية في العهد الراشدي
- علاقات خاصة
- الحزب الحقيقي الذي يستحق أصوات المغاربة
- وضع الكحل في عيني الأسد
- الخوف الذي يأبى الموت
- الخبز الاسفنجي المُحَلَّى
- الانتخابات المغربية والطريق الضائعة إلى الديمقراطية
- الموقعة الخاسرة
- في معايير اختيار المؤلفات في التعليم الثانوي
- الشمس تستسلم مرة أخرى
- المسيد أو العصا بدون جزرة
- أقساط غير مريحة
- الطائرة الحقيقية
- من البيت الأحمر إلى البيت الابيض - البوصلة التائهة -
- القلوب الباردة (قصة قصيرة)
- مثلث البيتزا
- كواليس الذاكرة
- النساء أجمل وأكرم وأقوى
- الشذوذ في الشعر العربي : انحراف أم ثورة ؟
- إكسير السعادة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد هيهات - الفرحة الحزينة