|
بين فكي كماشة بلفور والتقسيم يعيش الشعب الفلسطيني
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5349 - 2016 / 11 / 22 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بين فكي كماشة بلفور والتقسيم يعيش الشعب الفلسطيني تميم منصور
في التاسع والعشرين من الشهر الحالي " نوفمبر " تصادف الذكرى 69 لصدور قرار تقسيم فلسطين من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ، رغم انقضاء هذه المدة التي شهدت تحولاً وانقلاباً في أحوال غالبية شعوب العالم ودولها ، باستثناء شعب واحد هو الشعب الفلسطيني ، فخلال هذه المدة قدم هذا الشعب عشرات الالاف من الشهداء ضريبة لوجوده ودفاعه عن هويته ، لكن المؤامرة التي دُبرت ضده كانت ولا تزال أكبر من طاقاته وقدراته . أن قرار تقسيم فلسطين الذي صدر يوم 29/11 / 1947 ، ليس قرارًا عادياً ، أنه يعني اعترافاً دولياً بفرض واقع جغرافي وسياسي جديد في الشرق الأوسط ، سلب حقوق الشعب الفلسطيني ، كان هذا القرار من بين القرارات الصعبة وغير الطبيعية التي أصدرتها الأمم المتحدة ، ربما حتى اليوم ، لأنه غير خارطة الشرق الأوسط بسبب مساهمته في خلق دولة عدوانية صهيونية ، لا تعيش الا على سفك الدماء والمزيد من الأطماع . اذن ليس من المستغرب أنه بالرغم من مضي سبعة عقود على صدور هذا القرار ، لكنه لا يزال يحتل حيزاً هاماً في ذاكرة الفلسطينيين ، ولا زال بؤرة من بؤر النقاش والجدال وتضارب الآراء داخل صفوف الشعب الفلسطيني ، يرى به الفلسطينيون بأنه من أهم القرارات التي حسمت مصيرهم ، رغم أن صدور وعد بلفورعام 1917 لا يقل أهمية ، لكنه محصور من حيث النص والجوهر في دولة واحدة ، أمام قرار التقسيم فهو قرار دولي وملزم أكثر من وعد بلفور . أن كون بريطانيا تقف وراء القرارين " بلفور والتقسيم " هذا يؤكد بأنها هي المسؤولة عن كارثة الشعب الفلسطيني ، فهي التي أقدمت على التبرع بفلسطين كي تكون وطناً قومياً لليهود ، مع أن فلسطين ليست ملكها ولن تقع تحت سيطرتها قبل احتلالها في الحرب العالمية الأولى ، وقد جاء هذا السخاء والعطاء المجاني ليس عشقاً باليهود ، لأن جيمس بلفور صاحب الوعد رفض هجرة اليهود الى بريطانيا عندما فشلت ثورة الفلاحين في روسيا عام 1905 . كان هدف بريطانيا التخلص من عبء وضغط اليهود في أوروبا ، كما كانت تتخلص من المجرمين عندما كانت تقوم بنفيهم الى استراليا ، وكان الهدف الأهم هو خلق كيان صهيوني في فلسطين يفصل المشرق العربي عن مغربه ، ولكي يصبح هذا الكيان شرطي الشرق الأوسط يساهم في منع قيام أي وحدة عربية ، ويساهم في ضرب حركة التحرر القومية ، ويحافظ على مصالح بريطانيا في المنطقة ، كالنفط وقناة السويس ، وحتى تتمكن بريطانيا من تحقيق وعدها أصرت على انتدابها على فلسطين ضمن اتفاقية " سان ريمو " وهذا كان مخالفاً لاتفاق بريطانيا مع فرنسا في سايكس بيكو ، لأن فلسطين كانت ضمن الاتفاق الأخير دولية . الانتداب هو الذي حول وعد بلفور الى احتلال آخر لفلسطين ، بالأضافة الى الاحتلال البريطاني ، لأنه سمح للحركة الصهيونية أن تعبث بالبلاد كما تشاء ، فاستثمرت هذه الحركة كل طاقاتها وقدراتها الهائلة وشراء الأراضي وإقامة القرى والمدن والمدارس والمصانع وكافة المؤسسات ، وبعد مرور عقدين من الزمن أصبح وجود اليهود في فلسطين أمرأً واقعاً ، ليس من ناحية العدد السكاني فقط ، بل الأهم البنية التحتية الثابتة والقوية التي أقيمت ، لقد بلغ عدد السكان اليهود في القدس عند صدور قرار التقسيم حوالي مئة ألف يهودي ، وهذا بحد ذاته واقع أليم من الصعب التسليم به من قبل العرب ، لكن في نفس الوقت لا يمكن تجاهله أو تغييره الا بالقوة وهذه ، القوة لم تتوفر بأيدي العرب جميعاً . لم توصل بريطانيا الملف الفلسطيني الى الأمم المتحدة الا بعد أن أيقنت بأن مشروعها والمشروع الصهيوني قد أشرفا على الاكتمال ، وأن الدولة اليهودية أصبحت على مرمى حجر ، كانت الأنظمة العربية الموجودة في ذلك الحين لا تدرك الأخطار التي ستنجم عن إقامة كيان غريب ، مثل الكيان الصهيوني في المنطقة وحتى لو أدركوا ، فإن بريطانيا راعية وعد بلفور وقرار التقسيم موجودة في كل بقعة في المشرق العربي ، وهي الراعية والمسؤولة عن إقامة هذه الأنظمة . عندما قامت بريطانيا بعرض قضية فلسطين على الأمم المتحدة ، اعترفت في حينه بانها أصبحت عاجزة عن توفير جسور التوافق بين العرب واليهود ، وهذا يعني أنها على استعداد للتخلي عن استمرار احتلالها للبلاد ، ولا أحد يستبعد بأن بريطانيا كانت تدرك بأن الأمر سينتهي بحل مبني على التقسيم ، لأن تقسيم الشعوب وتجزئة أوطانها هي ثقافة وأساليب ابتدعتها الامبريالية ، لقد لجأت هذه الدول لاستخدام هذا الأسلوب لأسباب كثيرة ، منها اشعال نيران الفتن داخل الدول التي استعمرتها ، كي تستمر باستعبادها ونهب ثرواتها ، ومنها للعودة لحكمها ولكن من بوابات أخرى ، كالفقر والجهل وحاجتها للدعم . لقد سبق قرار التقسيم عام 1947 ، اقتراحاً شبيهاً لتقسيم فلسطين عام 1937 من قبل لجنة ملكية بريطانية عرفت باسم " لجنة بيل " ، لكن هذا الاقتراح فشل ، استخدمت بريطانيا الأسلوب ذاته في شبه القارة الهندية ، فقد دأبت على الإيقاع بين المسلمين والهندوس ، بعد ذلك لجأت الى قرار التقسيم بدعم من الأمم المتحدة كما هو الأمر في فلسطين ، فقد تم تقسيم شبه القارة الهندية فظهرت دولة الهند والى جانبها دولة باكستان الشرقية وباكستان الغربية ، وحتى يبقى جرح هذه البلاد نازفاً أقدمت بريطانيا على إبقاء منطقة كشمير تحت السيادة الهندية ، مع العلم أن معظم سكان هذا الإقليم من المسلمين ، مما أجج نيران الفتن الطائفية في هذه المنطقة ولا تزال مشتعلة حتى اليوم. أن بريطانيا عملت على تقسيم وتجزئة أقطار وشعوب منطقة الشرق الأوسط ، فأقيمت دويلات كثيرة ، بعد أن كانت هذه المنطقة وحدة جغرافية وسياسية واحدة ، زمن الحكم العثماني ، كما انتقلت ثقافة التقسيم والتجزئة الى دول امبريالية أخرى ، مثل أمريكا وفرنسا ، فأمريكا عملت على تقسيم كوريا الى شمالية وجنوبية ليستمر الاحتراب بينهما ، وحدث ذات الشيء في فيتنام كما تم سلخ جزيرة فرموزة عن الصين بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد حاولت هذه الدول من قبل تجزئة روسيا حمراء وبيضاء بعد نجاح الثورة الشيوعية فيها عم 1917 لكنها فشلت . أن التباين في الآراء داخل المجتمع الفلسطيني حول مصداقية قرار التقسيم حول رفض القيادات العربية والجامعة العربية لهذا القرار لا زالت قائمة ، لكن في رأيي بأن قرار التقسيم كان جائراً ، خاصة وأن ردود الفعل العربية على هذا القرار لم تكن مدروسة وحكيمة كما يجب ، وهذا بدوره جعل النتائج كارثية . أن الدول التي وافقت على قرار التقسيم لم تدرس جيداً ولم تعرف خفايا المشاريع التي أعدتها الحركة الصهيونية مستقبلاً ، كما أن هذه الدول لم تقدر معنى وخطورة وجود حوالي 400 الف مواطن فلسطيني ضمن حدود الدولة اليهودية ، كيف يمكن للعرب أن يقبلوا ذلك لأن التفسير الحقيقي لهذا البند هو وجود نصف سكان فلسطين العرب تحت الاحتلال الصهيوني بعد أن كانوا تحت الاحتلال البريطاني .
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا يفتح الطريق المسدود امام الفلسطينيين الا الشعب الفلسطيني
-
مقاييس التكريم محاطة بالجماجم
-
بين الهيئة العربية العليا والقائمة المشتركة
-
موعد مع الغدر في ليلة المجزرة
-
عروبة الحرم القدسي الشريف ليس رهينة لقرارات اليونسكو وغيرها
...
-
حقائق التاريخ تدين الوزير - بينيت -
-
حمامة بيرس للسلام في قفص التساؤلات
-
عباس في خطابه أمام الأمم المتحدة أسقط البندقية وكسر غصن الزي
...
-
نتنياهو من فزعة يوم الانتخابات الى اللعب بورقة التطهير العرق
...
-
من اسحاق رابين الى الكابتن نضال
-
لسنا جسراً للسلام الذي يحلم به الاحتلال والسلطة في رام الله
-
هل نحن أمام مشروع مارشال جديد في غزة ؟؟؟ ..
-
الطائفة المسيحية ستفشل مشروع ساعر بيكو
-
عندما ينزلق الأزهر ويقع في شباك النفاق
-
الجبناء وحدهم لا يغضبون
-
العدوان على غزة كان بمثابة الغربال الذي اسقط زوان العنصرية
-
ديمقراطية الانياب الدموية في وسائل الاعلام الصهيونية
-
ثورات مصنوعة من خيوط واهية سريعة التمزق
-
كذبة اسمها العروبة
-
بين تموز لبنان وتموز غزة السفاح واحد
المزيد.....
-
سعيد يأمر باتخاذ إجراءات فورية إثر واقعة حجب العلم التونسي
-
بايدن يخطئ مجددا و-يعين- كيم جونغ أون رئيساً لكوريا الجنوبية
...
-
شاهد.. تايوان تطلق صواريخ أمريكية خلال التدريب على المقاتلات
...
-
عشرات الجرحى جراء اصطدام قطارين في بوينس آيرس
-
في أقل من 24 ساعة..-حزب الله- ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل مستخد
...
-
مرجعيات دينية تتحرك قضائيا ضد كوميدية لبنانية بعد نشر مقطع ف
...
-
شاهد.. سرايا القدس تستهدف الآليات الإسرائيلية المتوغلة شرق ر
...
-
شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لبلدة بشرق خان يونس
-
واشنطن: -من المعقول- أن إسرائيل استخدمت أسلحة أميركية بطرق -
...
-
الإمارات تستنكر تصريحات نتانياهو بشأن -مشاركتها- في إدارة مد
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|