أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - مجدي الجزولي - عن نضال المزارعين















المزيد.....

عن نضال المزارعين


مجدي الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 11:30
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


كنت بين حضور ليلة سياسية أقامها الحزب الشيوعي السوداني بميدان الحرية في مدينة ود مدني مساء 11 ديسمبر 2005، أمها حشد غفير من مواطني الجزيرة، وتحدث فيها السيد محمد حمدنا الله عن تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، ثم السيد هاشم ميرغني عن الحزب الشيوعي بالجزيرة والمناقل. ختم بالحديث الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني. المناسبة المباشرة لهذه الليلة السياسية كانت دعم تحالف المزارعين، المكوّن من أحزاب الشيوعي والإتحادي الديمقراطي والأمة القومي والحركة الشعبية لتحرير السودان، في نضاله للفوز بانتخابات إتحاد المزارعين ضد قائمة المؤتمر الوطني. أما قضية الصراع الأولى بين الطرفين فهي قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005 الداعي لخصخصة المشروع: تحويل الأراضي إلى ملكية خاصة، رفع يد الدولة عن التمويل، تحويل سلطات وإختصاصات مجلس الإدارة إلى روابط مستخدمي المياه بما في ذلك التصرف في حيازة الأرض والمياه، توجيه وإدارة العملية الإنتاجية واسترداد الرسوم على مستوى الشبكة الكبرى والصغرى.

المتابع لقضايا المشروع يعلم أن القانون الجديد جاء ختاماً ماسخاً لسلسلة من السياسات التي إتبعتها حكومات متعاقبة بغرض تصفية مكاسب مزارعيه وإتمام الاستيلاء على فائض إنتاجهم لصالح البرجوازية الزراعية التقليدية المتنفذة في قطاع الدولة في مرحلة سابقة، ثم الرأسمالية الطفيلية الوليدة في عهد جعفر نميري واليوم مستنسختها الإسلامية التي تغذيها شرايين غنية من بنك دبي الإسلامي وغيره من مؤسسات الرأسمال الخليجي، وفي كل هذه المراحل يقف شبح البنك الدولي خلف ستائر المصلحة الكلية المزعومة بلجانه وتوصياته "الأكاديمية". بإزاء ذلك طالما أفلح المزارعون عبر هذا الصراع الطويل، وفي كل معركة من معاركه، في تجميع قواهم والتضامن من أجل الحفاظ على مكتسباتهم وتعزيزها مهما كلف الأمر في مواجهة صلف واستغلال طبقي فاحش. عليه يتصل تحالف المزارعين، كعدوه الطبقي، بتاريخ ممتد يعود إلى بدايات النشاط النقابي المستقل للمزارعين السودانيين، والذي كان لشيوعيين صبورين فيه دور نضالي بارز. المهم هنا أن التحالف قد تشكّل برغبة شعبية، إذ لم تتفق الأحزاب في قيادتها على تكوينه عند لقاء زعيمين أو ثلاثة في صالون أحدهم، بل جاء ثمرة لجهد جماعي مثابر بذلته قواعد المزارعين، مما أجبر الأحزاب المعنية على تبنّي موقف قواعدها من القانون المذكور رغم سد المصالح الذي يفصل بين القيادات وجماهيرها من المزارعين، لكن المواتاة السياسية ما كانت لتسمح لهذه القيادات، في هذه المرحلة بالذات والاستقطاب قائم بين معارض للمؤتمر الوطني ومساند له، بسلوك درب آخر غير الاستجابة لنداء قواعدها. على هذا الأساس فإن التحالف يمثل قطيعة إيجابية بل تحررية مع تراث شديد الوطأة تسير بحسبه القرارات الحزبية حصرياً من أعلى الهرم إلى أسفله تبعاً للولاء وقنواته، وهو تطور "حميد" بلفظ السيد الصادق المهدي، إذ طالما كانت نفس الأحزاب ترتهن بإرادة دوائر مركزية فيها تجمع سلطة الحل والعقد والمال والطبقة، وتتسم علاقتها بقواعدها الشعبية بكثير من الانتهازية والاستغلال، لكن التحالف بتكوينه المشهود إستنّ سنة يصعب الرجوع عنها، وذلك بفرض الإرادة الشعبية على الأحزاب، أي دمقرطتها بصورة فعلية ملموسة وليس فقط من فوق منابر قاعات ورش العمل والندوات في الخرطوم وعواصم "الحرية" البعيدة، بل من "تفاتيش" الجزيرة وفصول مدارسها التي جمعت مناضلي التحالف من غمار المزارعين على قلب رجل واحد. لهذه القطيعة الصالحة سابقة قريبة في تحالفات حركة الطلبة في الجامعات، حيث كافحت دهراً حتى انتزعت منابرها النقابية من فك المؤتمر الوطني رغم الدعم الغامر الذي يجده الطلاب الإسلاميون من الدولة، ورغم الاعتقالات والارهاب والعنف وبالطبع التزوير. كما لها كذلك سوابق ثورية في اكتوبر الظافرة والانتفاضة المجيدة، فما يضيع نضال الشعب السوداني سدى بل تتراكم مكاسبه ودروسه وبفضله يحرز تغييرات نوعية كالتي بين أيدينا.

كما سبقت الإشارة، ليس الصراع الطبقي حول مشروع الجزيرة بمستحدث، حيث يعود بتاريخه إلى نشأة المشروع في العام 1924 كأعظم وأوسع قفزة رأسمالية في البلاد، أصبح بموجبها جهاز الدولة صاحب عمل يستثمر في البنية التحتية ويؤجر العمالة، بهدف تصدير القطن كسلعة أولية إلى المملكة المتحدة. المشروع مثل المنفذ الأساس للاستيلاء على فائض القيمة من المنتج السوداني، هذا بموجب التحكم الاحتكاري في أسعار القطن وتسويقه وتصديره، وبجانب الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وفي المقام الأول عبر الاستيلاء على الأرض، حيث تم في أول عام للحكم الثنائي فرض قانون يجعل جميع الأراضي التي يعجز أصحابها عن إثبات ملكيتها الخاصة ملكاً للدولة الاستعمارية. في العام 1902 تأسست رابطة زراعة القطن البريطانية ومقرها لندن بغرض دعم زراعة القطن في المستعمرات، يحفزها فشل محاصيل القطن طويل التيلة المصرية والأميركية سنة 1909. هذه الرابطة قامت بنشر معلومات تخص قدرات السودان في هذا المجال في دلتا طوكر والزيداب، مما فتح شهية الرأسمالية البريطانية للاستثمار فيه، وعليه قامت الرابطة بشراء أسهم في مؤسسة الزراعة السودانية، وهي من أول الجهات الأجنبية التي استثمرت في السودان، حيث أنشئت في العام 1904 نتاج فكرة للزراعي الأميركي لاي هنت، وأول نجاحاتها إنتاج القطن في الزيداب وفقاً لنظام أجرة يوظف المزارعين المحليين. النجاج النسبي لنموذج الزيداب شجع الحكومة والمؤسسة على التوسع في الزراعة الرأسمالية، فدعت الأولى نفس المؤسسة عام 1911 لإدارة نواة ما أصبح لاحقاً مشروع الجزيرة. في نفس العام أتمت رابطة زراعة القطن البريطانية شراء حصة في أسهم مؤسسة الزراعة السودانية وأصبح رئيس الرابطة عضواً في مجلس إدارة المؤسسة (تيسير محمد أحمد، 1989). سيطرة الإدارة على المزارعين كانت شبه كليه، فالمزارع في الجزيرة كان فيما يخص إنتاج القيمة بروليتارياً يعمل بأجرة، والإدارة تحتفظ بسلطة طرده أو عقابه بالغرامة.

يعود التاريخ المعاصر لحركة المزارعين السودانيين إلى العام 1946، حينما قررت مؤسسة الزراعة السودانية القائمة على مشروع الجزيرة خصم حصة مقدرة من دخل بيع القطن لإنشاء صندوق "لرفاهية المزارعين". أدى القرار إلى إضراب مزارعي الجزيرة وامتناعهم عن زراعة القطن. لم يكن الإضراب يحمل أي صبغة سياسية بينة وتم احتوائه عن طريق إتفاق وسط حول حجم الحصة المستقطعة، لكنه نبه الإدارة الاستعمارية إلى ضرورة وجود جسم يمثل المزارعين، عليه تم إنشاء هيئة لتمثيل المزارعين ذات صفة استشارية بحتة. الأثر الأكثر أهمية لهذا الإضراب "التجريبي" كان إيقاظ المزارعين في أرجاء البلاد لمكن قوتهم الجماعية خاصة بالنظر إلى انهيار أسعار القطن في إطار الأزمة الاقتصادية الكونية. أول جسم نقابي للمزارعين نال اعتراف الدولة كان إتحاد مزارعي جبال النوبة، في بداية الأمر زعمت السلطة الاستعمارية أن الإتحاد يسيطر عليه "الجلابة" والشيوعيون، وبالتالي لا يحمل صفة تمثيلية. لكن الإتحاد حافظ على خطه المناوئ للاستعمار ونجح في تنظيم إضراب دام لمدة شهر، بينما فشلت محاولات الإدارة البريطانية فرض هيئة استشارية كالتي في الجزيرة، مما أرغم الدولة الاستعمارية على الاعتراف بمشروعيته. في المديرية الشمالية، قامت الإدارة الاستعمارية عام 1952 بزيادة ضرائب الأرض والمياه، ما شجع المزارعين على تكوين إتحادات تمثلهم. في البدء كانت حركة محدودة لم تشمل جميع المشاريع الزراعية في المديرية، لكن عند نهاية العام تمت الدعوة لاجتماع عام في عطبرة. مرة أخرى وجهت الحكومة للمزارعين تهمة التآمر الشيوعي بحجة مكان الاجتماع والدعم الذي وجدوه من إتحاد نقابات عمال السودان. رغم السخط الحكومي نجح المجتمعون في تكوين مؤتمر عام لإتحادات المزارعين في المديرية كما طالبوا بإطلاق سراح من تم اعتقالهم في إضرابات سابقة. إبان نفس الفترة استبدلت الإدارة البريطانية الهيئة الاستشارية للمزارعين في الجزيرة بجمعيات للمزارعين كإجراء شكلاني استبقت به التوجهات النقابية، سيطرت على هذه الجمعيات القيادات القبلية والدينية، ومن بينهم كبار ملاك الأراضي وكبار المزارعين، بالتالي لم تكن بأية حال تمثل مصالح المزارعين "الأجراء". كرد فعل على هذه الخطوة تسارعت الجهود لإنشاء جسم نقابي مستقل؛ في فترة وجيزة تم انتخاب لجان قاعدية في كافة انحاء الجزيرة ثم توحدت هذه اللجان تحت مظلة واحدة – إتحاد مزارعي الجزيرة. المطلب المحوري لمزارعي الجزيرة كان تصحيح نسبة تقاسم عائد القطن التي تفرضها مؤسسة الزراعة السودانية منذ بداية عمل المشروع في 1925، أي 40% للمزارع و60% للمشروع. المطلب الثاني كان تغيير سياسات تسويق القطن: حتى عام 1952 كانت السياسة المتبعة تقوم على عقود إجمالية بأسعار ثابتة مع مفوضية القطن الخام البريطانية، بعدها، منذ العام 1953، كان التسويق يتم في مزادات مغلقة، حيث تقوم شركات خاصة بدور الوسيط لمشترين من أوروبا الغربية، أما مطلب المزراعين فكان تنظيم مزادات مفتوحة للقطن تمكّنهم من الحصول على أعلى الأسعار، لا يهم من الكتلة الشرقية أو الغربية. برغم رفض الحكومة الاعتراف بإتحادهم أو التعامل مع مطالبهم واصل المزارعون عقد اجتماعاتهم العامة في الجزيرة لمناقشة قضايا التمويل الزراعي والضرائب وكلفة عمليات الإنتاج، بجانب مسائل التعليم والصحة وشبكة الطرق في المنطقة، كما قاموا بتنظيم عدة مظاهرات وإرسال مذكرات إحتجاج إلى المسؤولين المحليين والحاكم العام في الخرطوم والصحف. الإدارة الاستعمارية من جهة أخرى لم تدخر وسعاً لتعبئة ودعم القيادات المحلية التقليدية في جمعيات المزارعين "الحكومية" عبر الإعفاءات الضرائبية والتسهيلات المالية والقروض الميسرة. بالمقارنة حُرم المزارعون "المعارضون" في المديرية الشمالية من ري محاصيلهم لأنهم عجزوا عن تسديد ضريبة الري نسبة لسوء حصاد الفول والقمح ذلك العام، كما نزعت الدولة في الجزيرة، بموجب قانون صدر عام 1925، ما يزيد عن 250 ألف فدان من الحيازات الصغيرة (5 فدان). بنهاية عام 1953 كان المزارعون في الجزيرة قد إتفق رأيهم على توحيد هيئاتهم النقابية في جسم واحد، ونظموا اجتماعات حاشدة دفعت 70% من عضوية هيئة المزارعين الحكومية للاستقالة الجماهيرية من مناصبهم والانضمام إلى إتحاد مزارعي الجزيرة، الذي أعلن رسمياً أسابيع قلائل قبل بداية الحكم الذاتي في 1954. بما أن مزارعي الجزيرة قد التزموا بالتصويت لصالح الحزب الوطني الإتحادي في الانتخابات التشريعية، ما أهل الحزب لنيل أغلبية مطلقة في أول برلمان سوداني منتخب، فقد توقع الإتحاد أن ينتبه الحكام الجدد إلى مطالبه وأولها الاعتراف الرسمي بإتحاد مزارعي الجزيرة، لكن ذلك لم يحدث، فواصل الإتحاد عمله في الخرطوم بتنظيم الندوات الجماهيرية في نوادي العمال والتي قاطعها الحزبان الكبيران الأمة والإتحادي. بالإضافة إلى ذلك تعرضت قيادات الإتحاد لتحرش الإعلام الرسمي والبوليس، وواجهت عضويته غرامات وجزاءات إدارة مشروع الجزيرة. خلال هذه الفترة حاول الحزب الوطني الإتحادي عزل قيادات الإتحاد عن قواعد المزارعين بالعزف على وتر الولاء للحكومة الوطنية وبالطبع تهمة الشيوعية، بينما إتبعت الحكومة كل السبل الممكنة لتسويف الاعتراف الرسمي بالإتحاد. من جانبه، إنضم إتحاد مزارعي الجزيرة إلى الحملة المناهضة للقانونين الاستعمارية التي تحد من الحريات المدنية والتي قادتها الجبهة المعادية للاستعمار بجانب إتحاد نقابات عمال السودان وحركة الطلبة. بقدوم عام 1955 لم يكن الإتحاد معنياً بإعتراف الحكومة، فقد كان أمراً واقعاً، بينما تعددت وتطورت مطالبه: نظام أفضل للتمويل الريفي؛ شراكة ذات مغزى في عمليات التسويق والإدارة؛ زيادة حصة المزارع من صافي الأرباح (المصدر السابق). منذ ذلك الحين وإتحاد المزارعين يأخذ موقعه في مجمل الحركة الديمقراطية كقوة نقابية وسياسية مهمة، ساهمت في قفزات البلاد الثورية، وأهمها ثورة أكتوبر 1964 حيث شارك الإتحاد في جبهة الهيئات التي جمعت كل القوى والجماعات السياسية التي ناهضت الديكتاتورية العسكرية الأولى، وكذلك كان حضوراً في حكومة أكتوبر الشعبية والتي جاء تشكيلها كما يلي: ممثلاً لكل من الحزب الشيوعي والأمة والوطني الإتحادي والشعب الديمقراطي وجبهة الميثاق الإسلامي، سبعة وزراء لتمثيل النقابات والمنظمات المهنية من بينهم السكرتير العام للإتحاد العام لنقابات عمال السودان ورئيس إتحاد المزارعين (محمد عمر بشير، 1978).

تكاد المقارنة بين النشأة الأولى لإتحاد المزارعين و بين حال اليوم تقفز إلى الذهن دون عون التفكير، فكما كانت جمعيات المزارعين في مرحلة سابقة تخدم مصالح كبار المزارعين والدولة في آن - أي السلطة في تجلياتها الاقتصادية والسياسية، وتقوم بدور المستشار لأجهزة السلطة بما يمكن من استباق وضبط العمل المستقل للمزراعين، كذلك إتحاد المزراعين الحكومي الراهن يقوم بتنفيذ أجندة طبقة متميزة من الرأسمالية الزراعية تجمعها بسلطة الرأسمالية الطفيلية الاسلامية تحت لواء المؤتمر الوطني أواصر قربى ومناصرة ومناصحة. في الواقع، يصعب إدراك الفوارق بين الإثنين وقد تبلورت مصالحهما وتضامنت قواهما بالتواطؤ على نزع مشروع الجزيرة من مزارعيه بسلاح الخصخصة عبر سلسلة من الاجراءات جوهرها الفصل بين توزيع عائدات الإنتاج والجهد المبذول أي استغلال المنتجين من خلال إعادة الهيكلة وخصخصة الإدارات الخدمية التابعة لمجلس إدارة المشروع: الخدمات الآلية، إكثار البذور، السكك الحديدية ..، تمهيداً للانقضاض على ما تبقى من قواعد أساسية يرتكز عليها المشروع في أداء مهامه الإنتاجية الأساسية ممثلةً في الأرض ومياه الري. تبين اللوحة الاجتماعية للمشروع أن أكثر من 95% من القوى العاملة في المشروع تساهم بنحو 80% من الجهد الإنتاجي ولا تحصل إلا على أقل من ثلث عائد الإنتاج للقطن، بينما يحوز أقل من 5% ممن لا يساهمون بأي جهد في العملية الإنتاجية على حوالي 70% من عائد إنتاج القطن، والعائد يمثل صافي حصة المزارعين بعد خصم الحساب المشترك قبل تطبيق الحساب الفردي في بداية الثمانينات (سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، يونيو 2005). واقع اللامساواة والاستغلال الذي تكشفه هذه الأرقام لا يحتاج إلى أي تعليق ويفرض مطلوباته بصورة بديهية، وهي التي دفعت المزارعين إلى التكاتف والتضامن ودعتهم إلى تكوين التحالف عبر الحزبي الذي به طلبوا الانتصار على الإتحاد الحكومي عن طريق الانتخابات.
مرة أخرى تقفز المقارنة السابقة إلى الذهن فكما وظفت الإدارة الاستعمارية مفتشي المراكز وأجهزة البوليس لقهر وتفتيت الإتحاد الناشئ كذلك استحثت سلطة المؤتمر الوطني أجهزتها لضمان فوز قائمة الإتحاد الحكومي بسلسلة من الإجراءات جاء بعضها على لسان السيد محمد حمدنا الله: إخفاء النظام الأساسي للإتحاد عن مرشحي التحالف، تعديل لائحة الإتحاد جزافاً بحيث يدفع العضو اشتراكات أربعة أعوام بدلاً عن عام واحد كشرط للترشيح أو التصويت، رفض قبول اشتراكات المزارعين أو إعادتها لهم، الطعن في 90% من مرشحي التحالف بحجة عدم دفع الاشتراكات. النتيجة أن 80% من المزارعين لم يتمكنوا من تسديد اشتراكاتهم وحُرموا بالتالي من التصويت على خلفية تعديل اللائحة وأسباب أخرى شرحها عضو التحالف حسبو إبراهيم بقوله: "الاشتراكات لم تُسدد لأن 30% من 128 ألف مزارع هم الذين يزرعون القطن، لم يتمكن 10% من هذه النسبة من تحقيق أرباح وبالتالي لم يسددوا اشتراكات"، مضيفاً أن "المحرومين أمامهم خيار اللجوء إلى انتزاع حقهم الذي كفله لهم الدستور وإتفاقية السلام بحرية اختيار التنظيم الذي يمثلهم وممارسة حقهم الانتخابي وتكوين إتحاد جديد" (الأيام، 5 ديسمبر 2005). نتيجة الانتخابات النهائية، حسبما أعلنت، أن قائمة المؤتمر الوطني فازت بمجموع 402 من 420 دائرة في ولاية الجزيرة، بينما كان نصيب التحالف 12 دائرة انتخابية، والتحالف يجمع أحزاب الشيوعي والإتحادي الديمقراطي والأمة والحركة الشعبية (الصحافة، 14 ديسمبر 2005). ليس لنا إلا أن نقول "ده إيه الشفافية دي" – "هَبُوبْ سَاكِتْ يا مطر الشِتَا"!
دروس تاريخ عمل السودانيين الجماهيري تؤكد أن تحالف المزارعين سيستمر ويتطور ويتقدم، أولاًبسبب المطالب الموضوعية التي من أجلها وُجد وثانياً بسبب الإتحاد الحكومي فقير المشروعية، وتؤكد كذلك ألا سبيل لنيل الحقوق سوى تنظيم الجماهير لنفسها في نقاباتها وإتحاداتها ومنظماتها الفئوية؛ لن تتنزل الديمقراطية من سماء "حكومة الوحدة الوطنية" أو سماء "المجتمع الدولي"، فليس يحقق المصلحة إلا أصحابها!
ديسمبر 2005



#مجدي_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات ما قبل المؤتمر: حول مصائر اليسار الجذري - الأخيرة
- ملاحظات ما قبل المؤتمر: حول مصائر اليسار الجذري - الأخيرة
- ملاحظات ما قبل المؤتمر: حول مصائر اليسار الجذري 4
- العدالة الانتقالية
- ملاحظات ما قبل المؤتمر: حول مصائر اليسار الجذري 3
- ملاحظات ما قبل المؤتمر: حول مصائر اليسار الجذري 2
- ملاحظات ما قبل المؤتمر: حول مصائر اليسار الجذري
- المؤتمر الوطني حزب وطبقة
- ما بعد التجمع
- نموذج المركز ضد الهامش و الصراع الطبقي في السودان
- ماهية فوضى الغوغاء
- حفظ السلام
- بصدد خصخصة السياسة
- بصدد خصخصة الدولة
- في ضرورة الماركسية و المهام العالقة
- سلم تسلم
- بصدد الدين -الوطني- و السلطة -الإستعمارية-
- النخبة و الطبقة في الصراع السياسي السوداني
- صناعة الحرب و السلام
- في الإستعمار و الدولة الوطنية: تعليق على بعض من تراث عبد الخ ...


المزيد.....




- جدد كل 6 شهور.. خطوات تجديد منحه البطالة فى الجزائر 2024 وأه ...
- “990.000 دينار فوري مصرف الرافدين“ وزارة المالية العراقية تُ ...
- اللواء سلامي: الاستكبار يتعامل بسياسة واحدة مع العالم الإسلا ...
- المرصد العمالي: الأردن ضمن قائمة البلدان غير الملتزمة باتفاق ...
- المجتمع المدني شريك أساسي في الحلول عند الأزمات والحروب
- زيادة 200% على الراتب.. “وزارة المالية” تُعلن خبر سار لجميع ...
- “شوف معاشك زاد كام”.. حكومة الجزائر تعلن عن جدول زيادات في م ...
- “احصل على دعم حكومي”.. وزارة القوى العاملة بمصر تعلن عن تسجي ...
- شوف مرتبك كام؟.. سلم رواتب الموظفين الجديد 2024 بالعراق وهذا ...
- “بزيادة 150% مصرف الرافدين mof.gov.iq“ سلم رواتب الموظفين ال ...


المزيد.....

- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - مجدي الجزولي - عن نضال المزارعين