أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مجدي الجزولي - ما بعد التجمع















المزيد.....

ما بعد التجمع


مجدي الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1324 - 2005 / 9 / 21 - 11:55
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


خرجت علينا صحف الجمعة 16 سبتمبر 2005 بخبر اختلف عليه أهله يفيد توقيع الحزب الإتحادي الديمقراطي على اتفاق ما مع المؤتمر الوطني يقضي بمشاركة الحزب في الحكومة الانتقالية تشريعاً وتنفيذاً بمعزل عن قوى التجمع الوطني الديمقراطي الأخرى ودون انتظار قرار هيئة القيادة. رداً على القرار المفاجئ أظهر نائب رئيس الحزب الأستاذ على محمود حسنين ضيقاً بما اختاره مولانا محمد عثمان الميرغني. على كل ختم القرار الفصل الأخير من حياة التجمع الوطني حيث صرح قيادي حجب إسمه أن هيئة القيادة ستعلن في اجتماعها بالقاهرة نهاية التجمع بعدما اتضحت مواقف فصائله التي رأى إثنان منها تأييد موقف الحزب الإتحادي ورفضته فصائل أخرى بجانب شخصيات بارزة مثل نائب رئيس التجمع الفريق عبد الرحمن سعيد ورئيس اللجنة السياسية الأستاذ فاروق أبوعيسى (الأيام، 17 سبتمبر 2005).

دون التباكي على مصير التجمع الوطني، على الحركة الجماهيرية أن تبحث عن توازن يحفظ وجودها فليس فعل الإتحادي الديمقراطي مما يندرج تحت بند الخيانة أو المؤامرة بل هو في مستوى من المستويات نتاج لطبيعة القوى الاجتماعية التي تمثلها قيادة الحزب وليس بالضرورة جماهيره. إن تغييراً مفصلياً في طبيعة الصراع السياسي في بلادنا يحدث بين أيدينا تبعاً للشروط الجديدة التي فرضتها بروتوكولات نيفاشا وما نجم عنها من إتفاق منهكين بين الطرفين الحاملين للسلاح أي الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي والسلطة المركزية بيد المؤتمر الوطني. "شلهتة" أطراف سياسية خلف مقاعد السلطة الانتقالية لا يعكس بالضرورة رغبة مثالية متعالية في تحقيق "حكومة وحدة وطنية" بقدر ما يمثل مصالح قوى اجتماعية بعينها في قسمة الثروة والسلطة، وهي مما يسيل له اللعاب في بلاد تختبر فتحا إمبرياليا جديدا وتفوق سعة ثرواتها قدرات المستثمرين. عليه ليس المجال السياسي الصرف مكاناً للبحث عن الأسباب التي دفعت بالحزب الإتحادي إلى الرضى بقسمة أقر بأنها ضيزى ودون حجمه الانتخابي بل يجب مد التحليل إلى المشتركات الطبقية التي تجمع الإتحادي والقوى الحاكمة على مستوى الرؤية والمصالح. ما استطاعت سلطة الجبهة الإسلامية تحقيقه في المجال الإقتصادي أي تفكيك الملكية العامة و "تحرير السوق" ليس بأية حال مخالفاً للمصالح الاستراتيجية للبرجوازية التقليدية القائدة للحزب الإتحادي إلا فيما يخص قسمة "الكيكة" الوطنية، مضافاً إلى ذلك أن قطاعاً من الإتحاديين قد بادر مسبقاً بالانضمام إلى المسيرة القاصدة وأنجز بعضاً من مهام الإنتقال النوعي من مواقع البرجوازية التقليدية الزراعية إلى مصاف الكومبرادورية الجديدة وفي هذا الخصوص لا تقف الخلافات الآيديولوجية الشكلية عقبة في طريق الربحية ومركب السلطة والثروة كانت تلك بين نخبة جنوبية وأخرى شمالية أو بين قوى تبدو متنافرة داخل أي من المعسكرين. من هذا الباب فإن أي تحليل للتحالفات السياسية الناشئة بعيداً عن مطامح القوى الاجتماعية وحبال الاقتصاد السياسي يظل لحد كبير يطفو على سطح الظواهر و"يغبش" وعي الجماهير الشعبية بقضاياها. ليس في الأمر من جديد بل ربما هو من البديهيات التي يتم التعامي عنها إما إذعاناً لظروف موضوعية ضاغطة أو رهقاً من نضال شاق وطويل يبدو أحياناً دون جدوى. ليس من شأن الإتحادي الديمقراطي أن ينحر نفسه بفقر السلطة من أجل تحقيق مطالب جماهيرية موضوعية مثل عودة المفصولين بقرار سياسي والعدالة الانتقالية واستعادة الملكية العامة بما في ذلك مجانية الحد الضروري من التعليم والعلاج إذ لا تجد "تهويمات" كهذه مكاناً حقاً في سلم أولوياته حين مقارنتها بمسائل خطيرة مثل نصيب القوى التي يمثلها في مصادر الفائض الاقتصادي التي أفلحت سلطة الجبهة في انتزاعها و"تحريرها" خاصة مشروع الجزيرة. من الطبيعي أن يخشى الإتحادي على وجوده السياسي والاجتماعي ويقبل بالتالي بما يطرح عليه من الفئة الغالبة حيث يهدد الزحف الرأسمالي للمؤتمر الوطني بسحب البساط الاجتماعي من تحت أرجل الإتحادي بعد أن حقق المؤتمر الوطني لنفسه ولحد بالغ صفة الكيان السياسي العضوي للبرجوازية السودانية الجديدة كما زاحم الإتحادي بفضل البروباقاندا الدينية على مواقع نفوذه الطائفي. عليه فإن البقاء السياسي للإتحادي رهين بما يمكن أن يحققه من مكاسب لصالح القوى الإجتماعية النافذة فيه وهي كما هو معلوم فئات تجارية تقليدية وقطاع من البرجوازية الزراعية ونخبة صاعدة من الرأسمالية الكومبرادورية. هذه القوى بدأت فعلاً في الانتقال إلى صفوف التحالف مع المؤتمر الوطني أو الاندماج فيه وستستمر هجرتها حال إتصل عجز الإتحادي عن حماية وتعزيز ثرواتها بسهم سياسي، أما مكرور الحديث عن الديمقراطية فيقع عليه الحكم: ( ده بصرفو في ياتو بنك). تدعم هذه الحجة النجاحات الجديدة للمؤتمر الوطني في استقطاب المال عبر تصفية البنوك الحكومية – بنك الخرطوم ومشروع بيع بنك النيلين، و إنشاء أخرى في شراكة مع الرأسمال الخليجي: بنك السلام و بنك الإمارات السودان. ولعل مما يعيب صفحات الاقتصاد في صحافة بلادنا أنها أبت أن تكشف لنا طبيعة وتركيب بيوت المال الجديدة هذه واكتفت بربح الإعلان السعيد عنها.

طرحت فصائل من التجمع من بينها الحزب الشيوعي السوداني مبادرة للمشاركة في السلطة التشريعية دون السلطة التنفيذية و ذلك لجهة خلق منبر برلماني مراقب ومستقل من داخل "النظام" يمكن عبره خلخلة صفوف الموالين للسلطان مؤتمر وحركة شعبية حتى يستقيم الأمر بالرأي والرأي الآخر وهو أقصى ما تستطيعه أقلية برلمانية لا حول ولها ولا قوة إلا ما كان سبيله الوعي والخطاب. هذه الفكرة لم تجد كثير قبول عند الشريكين رغم أنها أصل في كل ممارسة ديمقراطية إذ ليس لزاماً أن تشارك كل القوى السياسية في البلاد في السلطة التنفيذية فرض عين، على العكس لا تسلم "الوحدة الوطنية" المرجوة سوى بصيانة حق المعارضين - إذا صح التعبير – في العمل السياسي عبر المؤسسات الدستورية. إن موقف الشريكين المذكور يبدو في الوهلة الأولى حرصاً على الوحدة الوطنية لكنه بقراءة حسابات القوة يضمر شغفاً شمولياً بمنجزات نيفاشا الانتقالية بحيث تجد الأطراف غير ذات الشوكة نفسها مواجهة بخيارين إثنين لا ثالث بينهما: حمل وزر الحكم وفق قسمة لا تتيح حتى هامشاً ضئيلاً للحركة كشركاء مستضعفين أو الإقصاء من مؤسسات الفترة الانتقالية وبالتالي من العملية السياسية الدائرة الآن. كما هو معلوم يسمح توازن القوى القائم بهكذا جبروت فليس من شأن القادر المتحكم أن يرحم في السياسة عدا ما يكون بقصد الاستمالة والاستئناس. يتعارض هذا المنطق بالطبع مع واجبات المرحلة وضروراتها الموضوعية التي تستدعي قدراً من حكمة الزاهد أي الفعل السياسي البناء الذي يتجاوز ضيق الكتل الحزبية إلى رحاب "الوطنية" وهي قيمة أصبح من الصعب مجرد لفظها دون الشك في إمكانية تحقيقها الواقعي.

إن مطالب الحركة الجماهيرية ما زالت ماثلة وحاضرة و هي بديهية واضحة لا لبس فيها ولا غموض تبدأ بالعدالة الانتقالية وحل سلمي ديمقراطي لقضيتي دارفور والشرق وتشمل اشتراطات بينة لإنجاز "التحول الديمقراطي": قومية ومهنية الخدمة المدنية والقوات المسلحة وأجهزة الأمن والشرطة والجهاز القضائي وكافة أجهزة الدولة، إلغاء القوانين الاستثنائية، ديمقراطية وحرية واستقلالية الحركة النقابية، المساواة في الفرص بين المرأة والرجل في كافة المرافق وفي مواقع إتخاذ القرار.. ثم تمضي لتلامس قضايا (الأكل والشراب) وحياة الجماهير الشعبية من العطالة المزمنة إلى مسائل علاقات الإنتاج وهيكلة الاقتصاد. جل هذه القضايا مرتبطة بشكل أو آخر بفلسفة التنمية وهنا موضع للفرز مسكوت عنه بين من يتبنى منطلقات "الليبرالية الجديدة" ولاهوت السوق "الحر" وبين من يسعى لديمقراطية الثروة والسلطة ويرغب ما زال في تمثيل وتأمين مصالح الجماهير الشعبية ليس بالقفز من فوقها على حاملات الرأسمالية الدولية والمحلية لكن بجهد يحقق أهداف التحرر الوطني اقتصادياً وسياسياً ويضمن توفير الخدمات الأساسية وفرص العمل على قاعدة انتاجية تكمل دورة الفائض الاقتصادي بديمقراطية توزيعه واستثماره وفق نهج يصون حق الأجيال القادمة في موارد البلاد ومقدراتها البيئية. ما دام الحال كما هو فالشارع ينتظر تسييس قضاياه والدفع بها قدماً في خضم التنازع على النسب ومناورات القوة والضعف الصاخبة حيناً والمكتومة حيناً آخر.

لقد شهد شعبنا لحظات مفصلية سابقة في تاريخه النضالي وقد استوى واعتدل متجاوزاً عوامل التشظي الهوياتية ليرسم بالممارسة العملية الخط الفاصل بين (عدوه) و(صليحو) وليصنع قفزاته النوعية. إن شواهداً كثيرة لا تشجع على تفاؤل من هذا النوع حيث أن نوازع العرق والقبيلة والدين.. تكبل الجهد الجماعي للجماهير عبر خطوط التفرقة هذه لكن التاريخ لا يمضي خطاً متقدماً أبداً بل يتعرج حلزونياً ويخرج من أدناه أفضله. ولنا أن نعتبر في الحفاوة التي بها استقبلت الجماهير "السودانية" المرحوم د. جون قرنق بفضل خطه الشعبي و وعود مدينته الريفية من حلفا إلى نمولي كما أحب أن يعيد، كذلك في النضال المشترك لأبناء شعبنا ضد دموية الإثنين والثلاثاء، وبالقدر نفسه في تجربة التجمع الوطني كجبهة سياسية عابرة للجهات والأعراق والأديان صمدت دهراً حتى تنافرت عناصرها بعوامل لا علاقة لها بضنك الهوية، والأهم من ذلك في فعالية السوق الرأسمالي الذي يخترق الحواجز الاجتماعية ويمد ربحيته عبر خنادق الهويات، وبالتالي يجمع من تفرقوا على سمت الطبقة ويفرق من اجتمعوا بفرز الطبقة كذلك.



#مجدي_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نموذج المركز ضد الهامش و الصراع الطبقي في السودان
- ماهية فوضى الغوغاء
- حفظ السلام
- بصدد خصخصة السياسة
- بصدد خصخصة الدولة
- في ضرورة الماركسية و المهام العالقة
- سلم تسلم
- بصدد الدين -الوطني- و السلطة -الإستعمارية-
- النخبة و الطبقة في الصراع السياسي السوداني
- صناعة الحرب و السلام
- في الإستعمار و الدولة الوطنية: تعليق على بعض من تراث عبد الخ ...


المزيد.....




- كينيا: إعلان الحداد بعد وفاة قائد الجيش وتسعة من كبار الضباط ...
- حملة شعبية لدعم غزة في زليتن الليبية
- بولندا ترفض تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي -باتريوت-
- إصابة أبو جبل بقطع في الرباط الصليبي
- كيم يعاقب كوريا الجنوبية بأضواء الشوارع والنشيد الوطني
- جريمة قتل بطقوس غريبة تكررت في جميع أنحاء أوروبا لأكثر من 20 ...
- العراق يوقّع مذكرات تفاهم مع شركات أميركية في مجال الكهرباء ...
- اتفاق عراقي إماراتي على إدارة ميناء الفاو بشكل مشترك
- أيمك.. ممر الشرق الأوسط الجديد
- ابتعاد الناخبين الأميركيين عن التصويت.. لماذا؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مجدي الجزولي - ما بعد التجمع