أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمود كرم - الطغاة .. ذاكرة الماضي القبيح















المزيد.....

الطغاة .. ذاكرة الماضي القبيح


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 1401 - 2005 / 12 / 16 - 04:31
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


إحدى السنن الكونية التي لا يختلف عليها اثنان أن الطغاة والجبابرة ينتهون إلى مزبلة التاريخ ..

هذه الحتمية ساقت الطغاة إلى نهاياتهم المخزية ولم تعد شعوبهم تتذكرهم إلا وصبّت عليهم لعنات التاريخ والقدر ..

وقد يبدو أمرا ً مثيرا ً أن نعرف ماذا يقول الطاغية أو كيف يتصرف حينما تدنو منه مصارع الهلاك ويتلاشى في العدم ..

وقد تكون صورة الطاغية ( صدام ) وهو يتهاوى كأحد الطغاة المعاصرين هي الصورة الأقرب لذاكرة الشعوب في هذا الفاصل من تاريخنا الحديث ..

فبعد أن كانت صورته وعلى مدى عقودٍ ثلاث في أذهانهم حاملا ً بندقيته ولا يتخلى عنها أبدا ً أصبحت صورته الآن في أذهانهم وإلى الأبد صورة الرئيس المفتوح الفم حينما قبضوا عليه متلبسا ً بالخيبة والذل في أوحال الحفرة ولم يبادل الطاغية صدام غرام السلطة وشهية الاستبداد وشهوة القتل سوى المتيمين بعشق الطغيان من أمثاله ..

وربما ما ردده الطاغية ( راسبوتين ) حينما تلقى وابلا ً من الرصاص في ( بطرسبورغ ) هو تلخيص لحالة كل طاغية عندما تكون نهايته أقرب إليه من حبل الوريد ..

لنقرأ ما قاله راسبوتين :

( لقد قامرت حتى النهاية ، ولكني غلبت على أمري . ولا يمكن للإنسان أن يتحدى القدر مرتين . وكل طاغية يموت الموتة التي تتناسب مع طباعه وأخلاقه وعمق أطماعه . والآن لم يتبقَ أمامي أي شيء أو أمل . ولم يعد هناك أي شرف أو أدنى ولاء ممن عاونوني قبل أن يسلموني . وتلك هي حياتنا وذلك هو مصيرنا ، من الوحل إلى السلطة ومن السلطة نعود مرة أخرى إلى الوحل . )

وربما ما قاله ( راسبوتين ) هو ما ردده أيضا ً ( هتلر ) قبل أن يذهب منتحرا ً وما ردده هتلر ربما هو ما تحدث به ( موسيليني ) حينما وجدوه ممزقا ً من ضرب الأقدام وأكوام النعال وما تحدث به موسيليني ربما هو ما قاله ( شاوشيسكو ) عندما استسلم في رومانيا وما أعلن عنه شاوشيسكو ربما هو ما تفوه به ( صدام ) حينما تم سحبه من الحفرة المشهورة ..

الطغاة المجرمون يتشابهون في نهاياتهم المخزية ويغادرون التاريخ إلى الأبد وتلاحقهم مخازيهم إلى قبورهم ولنقرأ قليلا ً حياة الطغاة في تاريخنا الحديث وكيف ساقهم طغيانهم واستبدادهم إلى نهاياتهم المثيرة للتأمل والتفكير ..

راسبوتين الذي أطلق عليه لقب الشيطان لم يكن حاكما ً كما هو معروف ولكنه كان يتصرف في روسيا على أنه الحاكم الأوحد الذي له السلطة المطلقة على القيصر والقيصرة وكان من خلالهما يتوسع في الأطماع والبطش والطغيان ولم يتجرأ أحد على النيل منه لأنه كان محاطا ً بهالات السحر التي تحميه من كل مَن يريد الاطاحة به حسب ما كان الجميع يظنون ذلك ..

ولم تدم له هذه السلطة طويلا ً رغم جبروته وتوغله بأعمال الشر فكانَ أن تقصده بالهلاك نفر من روسيا بقيادة الأمير ( يوسوبوف ) واستطاعوا أن يدسوا له السم في مائدة عامرة بالأطعمة والمشروبات أعدوها له خصيصا ً بعد أن دعوه لها وكان الكل في ذلك الوقت يؤمن بأن راسبوتين الشيطان لن تلحق به سكرات الموت لأنهم كانوا يرونه أبعد من الموت في أن يأخذه إلى مهاويه السحيقة وبالفعل لم تستطع السموم من أن تنال منه فما كان من الأمير يوسوبوف إلا أن بادره بوابل من الرصاص الكثيف وألحقه بعصا غليضة أردته متخبطا ً بدمائه ليحملوه ويلقوا به في النهر ..

أما هتلر الذي حكم ألمانيا وساق العالم إلى أتون حربٍ مدمرة بشعة كانت الأكثر هلاكا ً في تاريخ البشرية الحديث لم يكن أقل الطغاة جبروتا ً وظلما ً وطغيانا ً وكانت لعبقريته الفائقة في تلبس الشر والتي شهد بها الجميع دورا ً في تسلطه واستبداده ووحشيته وكان من القوة بحيث كان يبطش بضحاياه إلى درجة أن أصدقاءه أيضا ً لم يسلموا من غدره والمذبحة التي قام بها قبل أن ينتحر وراح فيها الملايين من البشر كانت شاهدة على طغيانه وكان يعترف على الملأ أن الركون للسلام يجعل الرجل ميالا ً للنعومة والمرونة لذلك كان أحد أكثر الطغاة تمجيدا ً للحرب ويتعطش لغزو الشعوب الأخرى ولم يأبه للملايين الذين راحوا ضحية الحرب العالمية الثانية التي أشعلها وتفوق في تأجيج نيرانها إلى الذروة وكان يعتقد أن الحياة لا يمكن لها إلا أن تكون بالغة القسوة وشديدة الفتك ولن تستقيم إلا لمن يكون معها قاسيا ً وعنيفا ً ومحبا ً للدماء والمجد والسلطة والتوسع ..

وكان شعاره الذي يردده بكل فخر وعنجهية أن ألمانيا فوق الجميع وشعبه الآري هو الأجدر بزمام الحياة من غيره وحينما همّ بتحطيم كل الدول التي تقف في طريقه كان يقول أنه يحمل رسالة مقدسة وتاريخية وأن الله أوكل له بهذه المهمة وأتذكر في هذا الصدد ما قاله ( بيغن ) في مذكراته عندما أسس منظمة الأرغون بأن طائرا ً توراتيا ً أوحى له بتأسيس الأرغون وكذلك الطاغية صدام كان يردد أن حربه على إيران ودفاعه عن البوابة الشرقية وقيادته للعراق كانت واحدة من المهمام القومية الرسالية الخالدة التي تقع على عاتقه ..

وحينما بدأ هتلر بالحرب العالمية الثانية في العام 1939 من خلال اقتحام البوابة البولندية حيث كانت محطته الأولى في الحرب تشيكوسلوفاكيا فكان يريد لهذه الحرب أن تشتعل وتتقد وتنتشر نيرانها في كل مكان وكان يشحذ همة قادته العسكريين صارخا ً في وجوههم :

( اغلقوا قلوبكم أمام الشفقة ، نفذوا كل أعمالكم بوحشية ، فإن الإنسان القوي يكون دائما ً على حق ، واعملوا دائما ً أن الذي يستطيع أن يدير شئون العالم لا يستطيع أن ينفذ ذلك إلا عن طريق القوة فهي خير طريق للنجاح ) ..
قد نفهم أن الطغاة حينما يمتلكون قوة البطش والقهر يتفاخرون بأنهم على حق كما هو هتلر ولكن كيف مَن قد جُرد من القوة ولكنه يصر على أنه على حق كما وجدنا في حالة الطاغية صدام أثناء محاكمته الأخيرة حيث أخذ يتبجح بأنه على حق أمام القاضي فكما يبدو أن الطغاة حتى وهم في أرذل الضعف لا يريدون أن يعترفوا بخطئهم وباطلهم لأن ذلك يخدش غرور القوة الذي لا زالوا يوهمون أنفسهم بها ..!!

وبعد أن وزع هتلر الموت بالتساوي في كل أوروبا صعودا ً إلى الدنمارك والنرويج وبعدهما هولندا وبلجيكا أخذ يفكر في غزو روسيا لأنه قد وجد نفسه القائد الملهم وصانع الانتصارات الذي لن تلحق به أية هزيمة ..

والطاغية صدام بعد أن حول العراق إلى عراقين واحد فوق الأرض والثاني يتوارى تحت التراب بقبوره الجماعية حملهُ طغيانه إلى إيران مدفوعا ً بنرجسية الذات الشوفينية المتورمة بالأمجاد الزائفة ليستولي على الكويت الصغيرة ينشر فيها ما تبقـّى لديـه من رائحة الموت والدماء ..

وفي روسيا حينما حاصرت هتلر قسوة الشتاء الشديدة أخذ بالتراجع بعد أن مُـني بهزائمَ متتالية ولكنه لم يقبل أن يستسلم فكانت أوامره لجيشه ممنوع الاستسلام والموت إلى آخر رجل والاحتفاظ بآخر طلقة ..

وحينما استطاعت قوات بريطانيا وفرنسا وأمريكا وروسيا محاصرة برلين لاذ هتلر بسرداب الرانجستاج ترافقه عشيقته وكان يعرفُ تماما ً أنه لو وقع في أيدي ( الأعداء ) فأنهم لن يتراجعوا عن تمزيقه أمام الجماهير فما كان منه إلا أن قرر الانتحار وهذا الأمر لم يقم به صدام فخيّب بذلك آمال عاشقيه المفتونين به ووجدوا له مئات الأعذار وعشرات التبريرات ..

أما موسيليني المعروف بتأسيس النظام الفاشي أراد أن ينال المجد عبر انضمامه إلى ألمانيا النازية في ما يسمى بدول المحور وقاد بذلك إيطاليا إلى الدمار والهلاك والخراب وأخذ الإيطاليون يضيقون ذرعا ً بنظام الظلم والاستبداد والفاشية وأصبحوا يؤمنون بأن النظام الذي أنشأه موسيليني سيجر على إيطاليا المزيد من الدمار والموت والهزيمة فكانت النتيجة الحتمية لنظام الفاشيست السقوط المريع في العام 1942 ليلقوا بموسيليني في غياهب السجن بعد أن قبضوا عليه ولكنه استطاع أن يهرب من السجن فلاحقته القوى الثائرة والمقهورة من حكمه الفاشستي الظالم وتمت عملية اعتقاله مع جمع من قادته وسيق بهم إلى ميلانو في إحدى ساحاتها لتمزق المدافع صدورهم على إثر حكم بالإعدام صدر بحقهم ورموا بجثثهم أمام الأهالي الذين سارعوا إلى رفع تلك الجثث من أرجلها على أغصان شجرة وراحوا يضربونها بالأحذية والأقدام إلى أن تشوهت وجوه الطغاة وتمزقت تماما ً ..

نهايات الطغاة مخزية وهي واحدة وإن اختلفت في طريقتها وقد يشترك الطاغية صدام مع شاوشيسكو في اختيار النهاية المخزية حيث أن كلاهما فضلا الاستسلام عكس هتلر الذي فضّل الانتحار وعكس موسيليني الذي حاول الهرب وربما من مفارقات الزمن أن صدام الذي أذاق أهل العراق الظلم والاستبداد والقمع ولم يعرف شعبه قط يوما ً حكم القانون والعدل نجده اليوم يحاكمه شعبه بالقانون والعدل لينتهي إلى الخزي والعار ومزبلة التاريخ ..



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جبران تويني في دروب الضوء والنهار
- الشتاء وصديقتي والحزن
- اللاعنفيون رومانسيون حقيقيون
- ثقافة الأمنيات
- الهويات القاتلة
- الفكر الحر


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمود كرم - الطغاة .. ذاكرة الماضي القبيح