أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي ياس - متاهةُ أخيرهم والحكايّة اليهوديّة(نحوَ سردٍ ميتا - تأريخي)















المزيد.....

متاهةُ أخيرهم والحكايّة اليهوديّة(نحوَ سردٍ ميتا - تأريخي)


خالد علي ياس

الحوار المتمدن-العدد: 5222 - 2016 / 7 / 13 - 17:26
المحور: الادب والفن
    


متاهةُ أخيرهم والحكايّة اليهوديّة
(نحوَ سردٍ ميتا - تأريخي)
د.خالد علي ياس
ناقد وأكاديمي من العراق
لقد وجد (هيغل) أنّ الأشكال المثالية للإبداع متعلقة بعصر الأسطورة, لذا فإنّ سواها متعلق بحاضره عن طريق الاصطناع,وهو أمر لا يتم ما لم تتحقق المتغيرات؛ بسبب العودة إلى الماضي من خلال الانتماء إلى الذكرى التي تغلف تلقائيا الطباع والأحداث والأفعال برؤية كلية, طامسة بذلك ظاهرة الجزئيات الخارجية والعرضية(ذكريات تأريخية),فالتأريخ والنّص ليسا كيانين منفصلين بل كيان واحد ــ كما تؤكد التأريخانية الجديدة ــ لذلك يتوجب قراءة النّص من منظور ظرفيه التأريخي والثقافي,لتحديد الزمن النّصي وصولا إلى نصيّة التّأريخ في غياب الشّاهد المادي على العصر,من هنا يتأكد أنّ مادية الرّواية متعلقة بطبيعة صوغ واقعها,الواقع المأزوم الذي جعل منها نصا هجينا يتلمس حداثته شكليا؛لأنّ منظومته الاجتماعية تعيش نكوصا معرفيا جعلته يقتات على المؤجل ويلتمس حريته في فضاءٍ مكبلٍ بسلطة تأريخية,لا تقبل الذّاكرة كما هي بل تدعو ضمنيا لاصطناعها بعيدا عن الحقائق المجردة,وبهذا يتحفز الوعي المبدع لكي يخترع حكايته المغايرة ليقينيات هذه السّلطة مولدا الفارق من خلال حكي ما وراء التأريخ لا التأريخ نفسه.
ولعل(متاهة أخيرهم/2013)لمحمد الأحمد من الأعمال المعاصرة التي قدمتْ السّرد الميتا- تأريخي ليس بوصفه متاهة نصيّة لخريطة مفترضة,بل بوصفه علامة لموضوع مصطنع عن الحقيقة التأريخية,كونه حالة من الحكي المعبر عن مجاز سلطوي قامع أنتجته ذاكرة المجتمع فغدا مظهرا ثقافيا مسكوتا عنه,وللأمر دلالة متداخلة مع ما سبق لــ (إمبرتو إيكو) أنْ حدده بصدد حديثه عن أنماط العلامة بوجود نمطين هما:(علامات طبيعية) و(علامات اصطناعية),وما يعنينا هنا علامات الموضوعات الاصطناعية,إذ يؤكد أنّ الغاية من هذه العلامات غاية دلالية على معنى معين ومنها حالة الكلام,فكيف يمكن أنْ يتحقق ذلك في متاهة أخيرهم؟ وحقيقة الأمر أنّها باتخاذها حكاية اليهود في العراق ثيمة مركزية تبني عليها السّرد تحقق هذه الغاية؛لأنّها بما فيها من مكونات فنية تغدو حالة سردية/كلامية لهيأة اجتماعية قد تمَّ اقصاؤها ثقافيا وسياسيا,ومن هذا المنطلق تحديدا يبدأ النّص باصطناع ذاكرة خاصة لحكايته,فهو لا يكتفي بحقائق تأريخية لفئة اجتماعية معروفة بل يعمد على إنتاج تأريخانية جديدة من خلال قراءته وتأويله,فهو يسعى إلى أرخنة ذاته وتنصيص التّأريخ بنّمطية سّردية تتحدد خصوصيتها بأمرين,(أولهما)أنّها ابتعدتْ عن العمومية التي يمكن أنْ تشمل فئات المجتمع جميعا متخذة من اليهود فئة خاصة تنطلق منها,و(ثانيهما)أنّها عُنيتْ بالمجاورة بين النّصي والتّأريخي لصوغ حكاية جديدة متخيلة عن المتون التّأريخية الواقعية,للوصول إلى ركيزة مهمة في اصطناع الحكاية؛هي توجيه ذهنية المتلقي نحو علاقة الخطاب الروائي بالخطابات الأخرى التي أسهمت في تشكيله,بمعنى,قراءة الرّواية من منظور الظرف التّأريخي والسّياق الثّقافي للمتلقي نفسه,وهنا تكمن سرية بناء هذا العمل ,كون قارئُه يرتكز في تأويله على ثلاثة متون مركزية,سردية وتأريخية وسوسيوثقافية.
تتبنى الرّواية سرديا تقسيما تناوبيا للحدث ومنحنيا في بناء الزّمن في معظم أجزائها,وهي محددة بثلاثة أقسام معنونة,الأول(باب الدخول),والثاني(مكابيوس),والثالث (باب الخروج),وتعتمد سردا ذاتيا يتناوب عليه راويان يقدمان الحكاية بتحولات سياسية تبدأ(1966)وتنتهي(1979),ولعل للمرحلة التأريخية التي بُني عليها متن الحكاية وأُنتج النّص فيها تبريرا أيديولوجيا,كون الرواية علامة اصطناعية مرتبطة بحالة تعبيرية كلامية عن مسكوت عنه,في مجتمع ما زال لا يتحلى بعقلية الحرية الدينية,وهو أمر يُكشف من خلال سرد شخصية محمد إبراهيم/الرّاوي الأول لحكاية عائلته اليهودية وكيفية ترحيلها من العراق,ولاسيما أنّه اكتسب اسما لا يمس بصلة لديانته بعد أنْ فُقدَ وتربى في كنف عائلة مسلمة, فتحول اسمه وكذلك ثقافته وديانته بعد أنْ كان(مكابيوس يهودة),فهذا التّحول الثقافي في الهويّة متبنين في النّص بسمة علامة دالة على قمع معرفي لثقافة راسخة؛لهذا لا يجد متلقي الرّواية المتن التأريخي للحكاية الواقعية كما هو,بل هناك اصطناع لواقع فوق الحقائق التأريخية مما يتناسب مع خيال السرد ورغبة التمويه بعيدا عن المباشرة,وبهذا يكون النّص الرّوائي في نواح واسعة من سردياته مجازا تأريخيا؛لأنّه يحكي ما وراء التأريخ لا التأريخ نفسه,فالسّرد يصطاد الجدل المتراكم حول وضعية التمثيل القصصي للحكاية وعلاقتها بذاكرة ذاتية مؤلّفة للكاتب في ضمن علاقتها بالذّاكرة الجماعية المنتجة بتأثير فعل سوسيوتأريخي بهيأة تحديات ميتا شعبية متشابكة مع الذاكرة تشابكا لا فكاك منه:((تزامنتْ حادثة نهب بيت"يهودة" وتفريغه من محتواه خلال فترة دعوة "أبي" لإداء الخدمة العسكرية الإلزامية)),((اُكتشفتْ جريمة قتل "العم موشيه" عقب انتهاء عرض فيلم الكابوي الأمريكي "من أجل حفنة من الدولارات")).
وهو ما حدد النّص الرّوائي بمسألة(القلب التأريخي) التي كثيرا ما رصدها باختين في عوالم أدبية تبتْ ثيمة التأريخ بوصفها بؤرة مولدة للشعرية,بمعنى,أنّ الرّواية مأخوذة بعلاقات سردية حكائية خارج علاقتها بالماضي؛لكي تنتج مستقبلا مفككا دالا على ظواهر ثقافية مرتبطة بالمجتمع والهويّة والسّياسة,وعليه فقد رفضتْ الرواية مقولات تبنتها السّرديات الكبرى للرواية الكلاسيكية,مثل الغاية والمثل الأعلى والعدالة والكمال والانسجام الاجتماعي,والتركيز على ما هو غاية في التحقق المستقبلي وكأنّه تمَّ في الماضي,أي اصطناع صورة مستقبلية لغاية السّرد الباحث في قمع الهويّات الثقافية لا البحث في ماض لواقع تأريخي معروف,وهو أمر تحقق فعلا في الجزء الثالث من الرّواية عندما انتقل سرد الحكاية مع الرّاوي الثاني(خليل إبراهيم)الذي سرد تصوره لحكاية العائلة اليهودية من خلال حكاية الأخ المتبنى محمد إبراهيم برؤية تدل على مستقبل ما سوف يحدث وليس بما حدث فعلا:((يوم بدأت تنظيم ملزمة الأوراق المكتوبة بلا حبر,كنت قد بلغت الثانية والثلاثين من عمري,أي بعد سبع وعشرين سنة على خروج"مكابيوس"من متاهته ملتحقا بوالده)),وهذا ما يؤكد التناوب في سرد الحكاية الواحدة عن طريق تعدد الرواة وتوجيه ذلك بأسلوب الروايات الرسائلية نحو الميتا-سرد بإنتاج رواية داخل رواية لم تكتمل, أخذها الراوي الثاني(خليل) من الأول(محمد/مكابيوس) ليتم إعادة صوغها وتتبع سرية وغموض فقدان الراوي الأول فيها(مُصْطَنع الحكاية),مما فرض تعددا في الذوات والأصوات,بلجوء الراوي الثاني لرواة آخرين شهدوا الحدث وحكوه بهيئة(تبئير داخلي متعدد),يقدم تأريخ الشخصية برؤى متضادة مع رصد لطقوس الكتابة وطرائق تدوينها ذاتيا, للجمع بين عالم الحكاية وعالم ما وراء سرد التأريخ.
وعليه فإنّ التفكير(ما بعد الحداثي) يتأسس على مقولات مركزية هي جل ما يعتمده النّقد للنزوع نحو النّص المعاصر،ومنها تكسير القوانين الواقعية والتأريخية وإعادة صوغها دراميا على وفق صناعة الحدث لا استعادته المباشرة من الذاكرة الجمعية,لذا تصبو الرّواية إلى تجريد التأريخ من طبيعته بخلق وعي معاصر يميز بين أحداث الماضي والوقائع الناشئة عن الحقيقة,بإضفاء معنى جديدا عليها من خلال اصطناع ذاكرة سردية مغايرة في رصد المسكوت عنه وافتراض أحداث مختلفة تتناسب مع الرؤية المعاصرة؛ليكون التأريخ ليس كما كان بعد أنْ ألبس إهابا جديدا من معرفة المبدع وخيالاته,من منطلق أنّ استعادة زمن الذاكرة فيها متناغم مع تأريخ مُصاغ أكثر مما هو مُسترجَع,فهي تستعيد ما يظن المتلقي أنّه مطلع على ماضيه(سجلات رسمية,متون تأريخية,حقائق واقعية)لكنّها حريصة على تقديمه متخيلا بما يتناسب مع الشك المعرفي المتعلق بطبيعة التأريخ,فــ (أية حادثة تحولتْ إلى تأريخ؟وأية حقيقة؟ومَنْ فاعلها؟) تساؤلات معرفيّة تؤكد ذوبان الحاضر بالماضي بحثا عن المستقبل,كون الكتابةُ السّردية الواعية بتأريخ معين موجود لكنّه خفيٌ,جزءاً فاعلا من مهمة الكتابة الرّوائية المعاصرة التي بدأ كتابنا يطمحون إليها برؤية تأريخانية جديدة.




#خالد_علي_ياس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدّراما وغواية الشّيطان
- السّرديات المصطنعة
- رواية فرانكشتاين-كيف يصطنعُ الواقع خرافة؟
- صنعة الشعر


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد علي ياس - متاهةُ أخيرهم والحكايّة اليهوديّة(نحوَ سردٍ ميتا - تأريخي)