أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - علي عامر - مبحث في بؤس الفلسقة لماركس(2): سبعة ملاحظات حددها ماركس ضد منهج برودون.















المزيد.....



مبحث في بؤس الفلسقة لماركس(2): سبعة ملاحظات حددها ماركس ضد منهج برودون.


علي عامر

الحوار المتمدن-العدد: 5211 - 2016 / 7 / 2 - 20:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(سبعة ملاحظات حددها ماركس ضد منهج برودون)


في­ كتابه بؤس الفلسفة, الذي دحض فيه ماركس آراء برودون الاقتصادية, وفضح منهجه المبتور, ووصف نظراته بأنها نظرات البرجوازي الصغير المتأرجح بين الرأسمالية والشيوعية, في الفصل الثاني من هذا الكتاب المعنون "ميتافيزياء الاقتصاد السياسي", في بابه الأول المعنون "المنهج", يسوق ماركس سبعة ملاحظات على منهج برودون.
أرى ضرورة تقديم ملاحظات ماركس والتعليق عليها, في ضرورة عرض نماذج لنقد لا يقوم على نقد الشخص, ولا حتى نقد آراء الشخص ومواقفه, وإنما يقوم على نقد منهج الشخص نفسه, جوهر عقله, الذي ينتج عنه مجمل مواقفه وآراءه.
ونلاحظ كيف يتطور عرض منهج ماركس نفسه, من خلال تطور نقد منهج برودون, فالماركسية أيضاً لم تولد من العدم, وإنما جاءت نقداً وتكميلاً وتطويراً لكل ما قبلها من مناهج ومدارس.

الملاحظة الأولى (ميتافيزيقيا الميتافيزقيا: ما وراء الما وراء)

يقول برودون: " إننا لا نقدم تاريخاً طبقاً للتتابع الزمني, بل طبقاً لتتابع الأفكار, فالمراحل أو المقولات الاقتصادية هي في تجليها معاصرة أحياناً ومقلوبة أحياناً أخرى... غير أنّ للنظريات الاقتصادية مع ذلك تتابعها المنطقي, وتسلسلها في الفهم: وهذا النظام هو الذي نهنئ أنفسنا باكتشافه".
- يتمحور نقد ماركس لبرودون في الملاحظة الأولى, حول الميتافيزيقيا التي تضرب أساس منهجه, فتنزعه من سياقه الواقعي, وتعلقه كقشة في الهواء تضربها الريح من كل جانب.
- ففي حين يدرس علماء الاقتصاد الحركة الاقتصادية الحيوية, ويستنبطوا منها العلاقات أو المقولات الاقتصادية, ينظر هؤلاء العلماء للمقولات الاقتصادية, باعتبارها مقولات مبدئية ثاتبة لا تتحرك ولا تتغيّر, وهم بذلك ينزعوا منها روح التاريخ والتطور والحركة.
- ثم يأتي برودون -وبسفسطة لغوية عالية, يحاول من خلالها افزاع الفرنسيين بلغة ومصطلحات شبه هيجيلية- ليحاول تبيان منبت ومصدر هذه الأفكار, بعد أن سلّم للاقتصاديين بخلود هذه الأفكار.
- أي أن برودون يريد هنا أن يدرس مصدر مجموعة من الأفكار منظوراً لها نظرة ميتافيزيقية.
- فإن كانت الميتافيزقيا تدرس ما وراء الواقع بسكونه, فإن برودون يريد أن يدرس ما وراء ما وراء الواقع.
- وبالتالي فإنّ برودون يعرض للمقولات الاقتصادية الكلاسيكية والمعروفة جيداً, بلغة الفلسفة التجريدية المعقدة وغير المفهومة, وبالتالي ومن الناحية العلمية هو لا يقدم شيئاً جديداً, إلّا تلبيس المقولات الاقتصادية الواضحة, لبوساً مغرقاً في الغموض والضبابية.
- و يميّز ماركس بين محاولة برودون الهيجلية, وهي محاولة فاشلة, عرجاء, مبتورة, وبين منهج هيجل المتكامل والمتين, فيصف محاولات برودون بأنها: "رغم كل الجهد الذي بذله ليبلغ ذرى مذهب التناقضات, لم يستطع أبداً أن يرتفع فوق أوّل درجتين بسيطتين للموضوع ونقيض الموضوع, وحتى هاتين الدرجتين لم يصعدهما إلا مرتين, وفي إحدى المرتين هوى على ظهره"
- ويقول ماركس أيضاً: أن برودون "نجح في اختزال جدل هيجل إلى أدنى مستوياته".
- أي أن برودون حاول الدمج بين الجدل الهيجلي وعلم الاقتصاد, فأساء لكلاهما.

الملاحظة الثانية (ميتافيزقيا مثالية: الواقع كما وراء للخيال)

- المقولات الاقتصادية هي تعبيرات نظرية, عن علاقات الانتاج الاجتماعية الواقعية والحقيقية.
- أما عند برودون, فالأشياء تبدو مقلوبة, حيث يرى أنّ العلاقات الواقعية تمثل تجسيداً للمقولات أو المبادئ المثالية, مانحاً الأسبقية لمجموعة النظرات المثالية والمبادئ الاقتصادية على الواقع الحي والمعقد والمتفاعل.
- يعتبر برودون أنّ المقولات المثالية أسبق على الوقائع المادية, فأين توجد هذه المقولات؟
حسب اعتقاده فهي توجد في صدر "العقل غير الشخصي للبشر" وهي توجد هناك غافية ونائمة!!!
- إن كان للشعوذة الاقتصادية, والتخريف العلمي نموذجاً مطلقاً, فبرودون سيمثل هذا النموذج.
- يقول ماركس: " أنّ برودون يفهم جيداً أنّ الناس يصنعون الكتان والجوخ وأقمشة الحرير في علاقات انتاج محددة. لكن ما لا يفهمه برودون, هو أنّ هذه العلاقات الاجتماعية المحددة إنما ينتجها الناس تماماً مثلما ينتجون الكتان والجوخ والحرير".وهنا يؤكد ماركس على مبدأ أساسي من مبادئ المادية الجدلية.
- حين أغفل برودون كون الانسان هو صانع تاريخه, وأنّ الناس تنتج العلاقات فيما بينها كما تنتج البضائع, اضطر أن ينسب التاريخ وانتاج العلاقات إلى قوة غيبية خيالية أسماها "العقل البشري غير الشخصي".
- وحين نسب برودون انتاج العلاقات الانتاجية لقوى غيبية, أضفى عليها صفة الأبدية والخلود والثبات.
- أي لم يدرك صفتها التاريخية والانتقالية, حسب وصف ماركس.
- يؤكد ماركس في خاتمة الملاحظة الثانية: " أن لا شيء لا يتغير إلا تجريد الحركة",وهذا ما فشل برودون في إدراكه.

الملاحظة الثالثة (ميتافيزقيا داخل الميتافيزقيا!)

- بعد أن بيّن ماركس, سقوط عقل (منهج) برودون في غياهب الميتافيزقيا, ثم بيّن كيف انقلبت حقيقة التاريخ عنده رأساُ على عقب, وبيّن كيف جرّد برودون العلاقات والمقولات الاقتصادية من أساسها الواقعي الحي, فبدلاً من أن تكون مجرد تعبيراً نظرياً عن الوقائع الحية, جعلها مسبباً ومحركاً للتاريخ, يعرض ماركس للمشاكل التي سيواجهها هذا المنهج المشوّه حين يبدأ في مسيره.
- جوهر الملاحظة الثالثة يكمن في الفكرة التالية: تشكل علاقات الانتاح في كل مجتمع كلّاً واحداً", أي أنّه حين ينبثق مجتمع جديد, قائم على تطور نمط انتاجي جديد, فإنّ هذا المجتمع يظهر من خلال عملية تطور تاريخية, يقوم خلالها النمط الجديد بدفن النمط القديم, فمثلاُ ومن خلال التطور التاريخي تقوم الرأسمالية بدفن الاقطاع, من حيث كونها نمط انتاجي جديد ظهر من خلال تطور التناقضات الداخلية في الاقطاع (النمط القديم).
- من البديهي القول أنّ كل نمط انتاجي يتكون من منظومة من العلاقات الانتاجية التي تتفاعل داخله, فالنمط الانتاجي هو وحدة واحدة أو نظام واحد يتكون من عدد كثير من العلاقات المتفاعلة, التي تظهر جميعها مع ظهور النمط الجديد.
- ولكن برودون يرفض حتى التسليم بهذه البديهية, ويلغي مقولة النمط الانتاجي أصلا, وينظر للعلاقات الانتاجية كواحدات أو وحدات مستقلة عن بعضها, وتنتج عن بعضها الآخر, وتولد من بعضها البعض.
- فبرودون يعتبر كل علاقة تعبيراً عن مرحلة اجتماعية معينة, ويعتبر أن تتابع العلاقات المنطقي إنّما يحقق العقل غير الشخصي للبشرية.
- ومن البديهي أيضاً أنّه لا يمكن فهم العلاقات الاقتصادية فهماً حقيقياً بمعزل عن بعضها البعض, بل إنّ كل علاقة لا يمكن أن تفهم إلا من خلال تفاعلها مع باقي العلاقات.
- وحين يحاول برودون فهم إحدى العلاقات, لا يستطيع أن يشرحها دون اللجوء إلى العلاقات الأخرى, ولكن العلاقات الأخرى, لم تظهر بعد في صيرورة تحقق العقل غير الشخصي للبشر عند برودون!!!
- أي أنّ برودون يلغي مقولة النمط الاجتماعي الواحد الذي يحوي بداخله كثير من العلاقات الانتاجية المتفاعلة, وينظر للعلاقات المتفاعلة, كسلسلة من العلاقات المنطقية الخطية التي تنتج فيها كل واحدة من السابقة, وحين يأتي لدراسة إحداها, يصطدم بحقيقة علمية مفادها, أنه لا يمكن فهم العلاقة الواحدة بمعزل عن منظومة العلاقات (منزوعة من نمطها الاجتماعي الذي يحددها), وحين يلجأ لباقي المقولات ليستعين بها في شرح المقولة الأولى, يكتشف أن سلسلته الخطية المنطقية, لم تنتج بعد باقي المقولات, من حيث كونه لم يتخطّ بعد المقولة المنطقية الأولى التي ستنتج –حسب تحديد برودون لدورها- باقي المقولات, فيقع برودون في حلقة مفرغة, بسبب افتراضاته العوراء.
- وإذا كان كل نمط انتاجي محدد, يحتوي على عدد من العلاقات الاقتصادية المتفاعلة, فإنّ كل علاقة اقتصادية تكوّن طرفاً أو جزءاً من مكونات المجتمع البشري في حينه.
- وحين يأخذ برودون كل علاقة على حدا, ويضع مجموع العلاقات في سلسلة خطية متتالية, يحكمها مبدأ السبب والنتيجة الميكانيكي, فهو بالتالي يقدم صورة لمجتمع ممزق, متنازع الأطراف, ويضع الأطراف المختلفة للمجتمع الواحد, في سلسلة من المجتمعات المختلفة والمتخالفة التي يتلو أحدها الآخر.
- فبعد أن قدم برودون فهماً ميتافيزقياً لعلاقة المقولات الاقتصادية في الواقع (في الملاحظتين الأولى والثانية), ها هو الآن يقدم فهماً ميتافيزيقياً لهذه العلاقات الاقتصادية وارتباطها ببعضها.
- أي بعد أن قدم صورة ميتافيزيقية لإطار منهجه, ها هو يستخدم نفس الإعوجاج في تحديد مضمون ذلك المنهج.

الملاحظة الرابعة (ميتافيزقيا الخير والشر, تمزيق كل علاقة على حدا)

- نزع برودون العلاقات الاقتصادية من سياقها(الملاحظة الأولى), ثم قلبها(الملاحظة الثانية), ثم مزق وحدتها وترابطها من الداخل(الملاحظة الثالثة), ثم وفي الملاحظة الرابعة سيقوم بمهاجمة كل مقولة على حدا, فيمزقها إلى نصفين متعارضين ومتخارجين عن بعضهما, وهو بذلك إنّما يلغي جوهر كل علاقة على حدا.
- إنّ لكل مقولة اقتصادية عند برودون, جانبين, جانب جيد(المزايا) وجانب سيء(النواقص).
- الجانب السيء والجانب الجيّد يشكلان معاً التناقض.
- وحين يعرض برودون هذه النظرة, فهو بالتالي يطرح المشكلة كتحدي المحافظة على الجانب الجيّد, وإزالة الجانب السيء من كل مقولة.
- أي أنّه بعد أن عرض لمنهجه عرضاً مغرقاً في الميتافيزقيا المركبة, يسعى الآن لتقديم حلوله التي تتناسب مع عرضه للمشكلة, وهنا يطالب بحل أخلاقي ميتافيزيقي انتقائي لمشكلة التاريخ البشري.
- فالحركة الجدلية عند برودون ليست إلّا التمييز الدوجماطيقي بين الجيد والسيء.
- فهو بذلك لا يملك من جدل هيجل إلّا اللغة كما يقول ماركس.
- فما يميز المنهج الجدلي, هو تعايش النقيضين, وصراعهما, ثم انصارهما في مقولة جديدة, تمثل مستوى تاريخي من التطور أعلى من مكوناتها الأصلية.
- لذا فالصيرورة التاريخية هي ذلك التفاعل بين المتناقضات, وتلك المركبات الجديدة التي تنتج عن ذلك التفاعل, والتي تدخل بدورها في سلسلة جديدة من التناقض والتفاعل والتصارع والانصهار في مركب جديد أعلى وهكذا. ولكن برودون ومنهجه أدنى من احتواء هذه النظرة الجدلية المركبة.
- إذا سلمنا بنظرة برودون, واعتبرنا أنّ أحد النقيضين يمثل الجانب الجيّد, والآخر يمثل الجانب السيء, ومن ثم سلمنا بحل برودون بنزع الجانب السيء, والاحتفاظ بالجانب الجيّد, فنحن بذلك إنما نلغي جوهر الصيرورة, وجوهر الجدل, وجوهر التاريخ.
- فإذا كان العمّال هم نقيض أرباب العمل, وتصورنا أنّ مقولة العمال من حيث تعرضهم للظلم, تمثل الجانب السيء, فتخيل معي طرح حل برودون للمشلكة, إنّه يريد أن يلغي العمال ويحافظ على أرباب العمل, فمن حقنا أن نوجّه لبرودون السؤال التالي: في حال تحول الجميع إلى أرباب عمل, فمن الذي سيقوم بعملية الانتاج؟ فحتى في أسمى تصورات الميثولوجيا الإغريقية, احتاجت الآلهة لمجتمع البشر الدنيويين لتبرير وجودها, أمّا برودون, فيريد مجتمعاً من الآلهة لا بشر فيه ولا حياة, أي مجتمعاً من الآلهة الميتة فقط.
- و في المقابل, إذا أراد برودون, إلغاء مقولة أرباب العمل, والحفاظ على مقولة العمال, باعتبار أن مقولة أرباب العمل هي الجانب السيء من التناقض الجوهري في الرأسمالية, فما النموذج الذي يقدمه برودون هنا؟ فقد أبقى على المصنع كما هو, ولكنه ألغى صاحب المصنع, دون أن يسمح للعمال بالثورة والانتصار على صاحب المصنع, أي أنّه مسك صاحب المصنع وألقاه خارج التاريخ- بتدخل يفرض نفسه قسرياً على التاريخ وتطور المجتمع- فما الذي سيتبقى عندنا بعد ذلك؟ بقي عندنا عمال مقهورين وجاهلين, وبقي عندنا المصنع الذي يعمل فيه العمال, أي أنّ طبقة العمال ستساهم في انتاج بؤسها, دون وجود حتى جهاز الدولة للقمع, أو دون وجود رب عمل يراقب العمل, ويلهث خلف زيادة الانتاج, أي دون وجود قوة خارجية تجبر العمال على العمل, وتنتج قهرهم وبؤسهم.
- هذا يذكر بالمثل القرآني, حيث استمرّ الجنّ بعبادة سليمان بعد موته, لأنهم لم يدركوا موته بعد.
- وعندما يقع برودون في هذه الدوّامة الفكرية, ما عليه إلّا ن يتخيل حلاً جديداً لمشكلة الواقع, حيث يمنح برودون بعض المقولات خاصية التطهير, ويمنح بعضها الآخر خاصية الدنس, ثم يعالج المقولات المدنسة بالمقولات المطهِرّة.
- لتصبح عنده "الضرائب تعالج نواقص الاحتكار, و الميزان التجاري يعالج نواقص الضرائب, كما تعالج ملكية الأرض نواقص الائتمان".

الملاحظة الخامسة (الميتافيزقيا تتحسس فراغها)

- يقول برودون:"الواقع أننا لا نصل إلى العلم إلّا بنوع من هيكل لأفكارنا, إنّ الحقيقة في ذاتها مستقلة عن هذه الأشكال الجدلية, ومتحررة من ترتيبات فكرنا".
- يقول ماركس تعليقاً على هذه الفقرة: " لم يقل برودون شيئاً أكثر صدقاً, فمنذ اللحظة التي تختزل فيها الحركة الجدلية إلى عملية بسيطة, هي معارضة الحسن بالسيء, وطرح مشكلات تتجه إلى إزالة السيء, وتقديم مقولة كترياق لمقولة, فإنّ المقولات تٌحرم من كل عفوية, والفكرة "لا تعود تعمل", ولم تعد ثمة حياة بها, ..., أصبح تتابع المقولات نوعاً من الهياكل, ..., ولم يعد هناك جدل, وإنما على الأكثر, أخلاقية خالصة تماماً".
- أقرّ برودون من البداية, أنّه عوضاً عن تقديم التاريخ طبقاً للتتابع الزمني للمقولات (تاريخية المقولات), فإنّه سيقوم باستخلاص كل شيء من الجدل الخالص, أي أنه سيعيد استخراج تاريخ العالم والمجتمع من خلال حركة الصيرورة داخل العقل الخالص.
- ولكنّه بمجرد شروعه في المسير في عقله الخالص, اصطدم بالتناقض وعدم التوافق, بين الصورة التي يبنيها في منهجه, وبين حقيقة الواقع الفعلي.
- فهو لم يقدم الصورة الحقيقية للواقع كما هو, كما أنه لم ينجح في تقديم الصورة المثالية للمقولات التي تعبّر عن الواقع وتعكسه.
- أو بكلمات ماركس: "لم يعطينا التاريخ الدنيوي للمقولات, ولا تاريخها المقدس! فأي تاريخ يعطينا إذن؟ تاريخ تناقضاته هو."
- أي أنّ برودون افترض منهجاً, وهذا المنهج لا يمت لحقيقة حركة الواقع وتفاعله بصلة, وحين حوّل منهجه إلى محرك لانتاج المقولات التاريخية, إنّما كان ينتج تاريخاً بخياله هو, لا يعكس حقيقة التاريخ الحقيقي.
- لذا فحين يقول برودون أنّ الحقيقة متحررة من ترتيبات فكرنا, فإنّما يقول أنّ فكره هو متحرر من الحقيقة, بمعنى أنّ فكره يجافي الحقيقة, أي أنّ منهجه خاطئ وغير سليم بخلوّه من الحقيقة, لهذا قال ماركس عن هذه الجملة عند برودون بأنها الأكثر صدقاً, حيث يدين برودون بها ذاته, و يدين المنهج ذاته, ويحكم على ذاته بالفشل.
- هنا نجد أنّ ميتافيزقيا برودون تصطدم بنفسها, وتتحسس خلوّها من المضمون الحي, وتتحسس فراغها.

الملاحظة السادسة (المساواة واختلاق العناية الإلهية)

- بعد أن قام برودون بنزع المقولات من سياقها (الملاحظة الأولى), ومن ثم قلبها (الملاحظة الثانية), ومن ثم تقكيك ترابطها (الملاحظة الثالثة), ومن ثم تمزيق كل مقولة على حدا (الملاحظة الرابعة), ومن ثم محاولة تحريك هذا المنهج الأجوف, الذي سيصطدم بفراغه, وسيعترف ويقرّ دون أن يدري بخلوّه من الحقيقة (الملاحظة الخامسة).
- وبعد أن تعثر منهجه أثناء المسير, وأثناء ولادة المقولات بعضها من بعض, أي بعد أن تعثر المنهج بمنهجه, وتعثر الهيكل بمضمونه, لم يبقَ أمام برودون ليحافظ على ماء وجهه, إلّا أن ينكر- صراحة وعلانية – الحركة والتاريخ والصيرورة, ويعود ليؤكد على أكثر الأفكار الدينية إغراقاً في السكون والتقديس والجمود, فتراه يقول: "ليس صحيحاً إذن أن نقول إنّ شيئاً يظهر, إن شيئاً ينتج: ففي المدينة كما في الكون وجد كل شيء وعمل منذ الأزل, وهذا ينطبق على الاقتصاد الاجتماعي بأسره".
- يصل برودون لخلاصة عبقرية إذن, مفادها, أن الرأسمالية موجودة منذ الأزل, وأن الآلة البخارية موجودة قبل التاريخ, وأنّ منهجه هو اكتشاف لعقل كامل وجاهز يمثل كل هذا الكون بكل تفاعلاته التي تحدث في دائرة تاريخية واحدة مغلقة على ذاتها, لا تتغير ولا تتقدم.
- يقول ماركس: "حين يحاول برودون تفسير التاريخ, ينكره!... وحين يحاول أن يفسر الانتاج بكل مراحله, ينازع برودون فيما إذا كان شيئاً ما يمكن أن ينتج".
- وإذا كان كتاب برودون, هو وحسب وصفه, التاريخ حسب تتابع الأفكار, فكيف سيخرج برودون من هذا المأزق في التناقض بين إعلان الرغبة في تفسير التاريخ, وإثبات أنّ التاريخ غير موجود؟
- سيلجأ كعادته لخياله غير الخصب, والجاف, والضيق الأفق, ليبتدع صيغة مفزلكة ومتفلسفة, يخفي تحتها كل الفضائح المنهجية التي تضرب منهجه في الصميم, والتي يقرّ بها منهجه هو بالذات.
- وهذه الصيغة الجديدة تمثلت في ابتداع عقل جديد, غير العقل الخالص الذي لم يستطع برودون أن يصل لمستواه, والذي كبى عند أول خطوتين نحو مسيرته الطويلة, وغير "العقل المشترك للناس الذين ينشطون ويتصرفون في مختلف العصور".
- فحين اصطدم منهجه مع كل من العقل المثالي والتاريخ الحقيقي, لجأ برودون لخلق عقل ثالث, يدعي أنّ منهجه جاء ليعبر عنه, وهو عقل لم يصله أحد من قبله, وهذا العقل ومن حيث هو ابداع برودوني خالص, ليس إلا عقل برودون نفسه, يغلفه بمسميات مبهمة مختلفة مثل: عقل المجتمع الشخصي, عقل الذات الانسانية, عبقرية اجتماعية, العقل العام, العقل الانساني.
- ثم يقول برودون عن هذا العقل:" يعود العقل البشري- العبقرية الاجتماعية - في قفزة واحدة إلى كل مواقعه السابقة, وبصيغة واحدة يحل كل مشكلاته".
- لماذا يعود العقل البشري الذي افترضه برودون إلى مواقعه السابقة؟ لأّنّه لم يغادرها أصلاً, فهذه العودة ليست إلّا اكتشاف عدم مغادرة المكان من البداية.
- ما هي الصيغة الواحدة التي سيحل بها العقل البشري كل مشكلاته؟ الصيغة هي المساواة حسب ما يدّعي برودون.
- "فالانسانية لم تحقق على التوالي مثل هذا القدر من الفرضيات المنفصلة إلّا من أجل فرضية أسمى".
- فإذا كان منهج برودون منهجاً أخلاقياً ساذجاً, يقوم على الانتقائية في رفض الجوانب السيئة والمحافظة على الجوانب الايجابية, ومن ثم معاملة هذه الجوانب الايجابية (أحادية الجانب) على أنها مركبات معقدة تمتلك امكانية انتاج مقولات جديدة, ومن ثم محاولة انتاج مقولات جديدة من جوانب برودون الفقيرة والجوفاء, وأن كل هذا المنهج الأعرج والأعور إنما سيسير لتحقيق غاية أخلاقية عليا هي المساواة, فليس غريباً إذن أن يتصور برودون"أنّ تقسيم العمل, والائتمان, والورشة, أنّ كل العلاقات الاقتصادية, إنما ابتدعت لصالح المساواة, بالرغم من أنها تعمل دائماً ضدها" حسب تعبير ماركس.
- فالمساواة إذن هي المعيار الفاصل بين الجانب السيء والجانب الجيد عند برودون, وهي الترياق الذي يتم به معالجة الجوانب السيئة والحفاظ على الجوانب الايجابية.
- من الذي يؤمن بالمساواة ويسعى لتحقيقها؟ يجيب برودون بأنها العناية, عناية إلهية خارقة, تعالج تناقضات الواقع, وتميز خبيثه من طيبه, فيظهر التاريخ وكأنه خطة غير مفهومة, مليئة بأشكال اللامساواة هدفه الوصول للمساواة المطلقة والكاملة, يتخيل برودون عالماً أفلاطونياً قائم على مبدأ واحد هو المساواة.

الملاحظة السابعة (التأكيد على أسس المادية التاريخية ضد أوهام الاقتصاديين البرجوازيين)

- يفتتح ماركس الملاحظة السابعة بهذه الفقرة الخالدة: "ليس لدى علماء الاقتصاد سوى نوعين من المؤسسات, مؤسسات مصطنعة, ومؤسسات طبيعية, فمؤسسات الاقطاع مؤسسات مصطنعة, ومؤسسات البرجوازية مؤسسات طبيعية, وهم في هذا يشبهون رجال اللاهوت الذين يقيمون بدورهم نوعين من الأديان, فكل دين ليس دينهم هو من ابتداع الناس (مصطنع) أما دينهم هم فمصدره الله (طبيعي), وحين يقول علماء الاقتصاد إن العلاقات الحالية – علاقات الانتاج البرجوازي- هي علاقات طبيعية فإنهم يعنون ضمناً أنها العلاقات التي تخلق في ظلها الثروة, وتتطور قوى الانتاج, في توافق مع قوانين الطبيعة, ومن هنا فإنّ هذه العلاقات هي ذاتها قوانين طبيعية مستقلة عن تأثير الزمن. إنها قوانين أبدية لا بد دائماً أن تحكم المجتمع".
- ثم يقول: "هكذا كان هناك تاريخ, ولكن لم يعد هناك تاريخ".
- ثم يؤكد ماركس على مجموعة من أسس المادية التاريخية.
1- "كان للاقطاع البروليتاريا التي تخصّه, وهي القنانة, التي كانت تحوي كل بذور البرجوازية".
فالبرجوازية التي توجد الآن وجوداً فعلياً, كانت موجودة وجوداً ضمنياً في قلب القنانة, والقنانة التي كانت تمثل العبد في عصر الاقطاع, هي الآن السيّد في عصر الرأسمالية.
2- "كان للاقطاع عنصران متناحران, يسميان أيضاً الجانب الحسن والجانب السيء للاقطاع, بغض النظر عن أنّ الجانب السيء هو الذي ينتصر دائماً على الجانب الحسن, فالجانب السيء هو الذي ينتج الحركة التي تصنع التاريخ بتشكيل الصراع".
فعلى العكس من سطحية منهج برودون, الذي دعى للانتقائية الأخلاقية في المحافظة على الجانب الجيد, وطرح الجانب السيء, والذي من شأنه أن يلغي التاريخ والتطور, يؤكد ماركس على مقولة جدلية عميقة ومهمة وأساسية, وهي أن الجانب السيء (جانب النفي عند هيجل) هو الذي يحرك التاريخ, فالقنانة في الماضي صارت برجوازية في الحاضر, من خلال ثورتها على الاقطاع, فماهو سيء الآن, سيساهم في الانقلاب على ما هو جيد الآن, ليؤسس لنظام جديد يصبح فيه ذلك السيء في النظام القديم, هو الجانب الجيد في النظام الجديد, ويحكم على ما هو جيد في النظام القديم, بانه قديم وفاقد للصلاحية التاريخية.
3- "أسلوب الانتاج, والعلاقات التي تطورت في ظلها القوى الانتاجية, ليست بأي حال قوانين أبدية, وإنما تتمشى مع تطور محدد للناس وقواهم الانتاجية, وأن التغير الذي يحدث في القوى الانتاجية للناس, يقود بالضرورة إلى تغير علاقات الانتاج".
4- عندما تتغير القوى الانتاجية وتتطور فإن"الأشكال التقليدية التي أنتجت فيها القوى الانتاجية لا بد أن تحطم, ومنذ هذه اللحظة تصبح الطبقة الثورية طبقة محافظة", أي ينقلب ما هو جيد إلى ما هو سيء وقديم ليفسح المجال للقوى الصاعدة الجديدة التي ستشكل القوى السالبة (الجانب السيء) للمرحلة الجديدة من التاريخ.
5- عندما يظهر النظام الجديد, أو نمط الانتاج الجديد, فإن التناقض التناحري داخله, يكون مستتراً, غير ظاهر, في حالة كمون , وكلما تطورت طبقة الأسياد, تطوّر في أحضانها طبقة عبيد جديدة, ثم يتطور الصراع من جديد بين العبيد والأسياد, ويبدأ هذ الصراع بادئ ذي بدء "بنزاعات جزئية ومؤقتة, أعمال هدامة".
6- إن طبقة الأسياد لهم مصالح مشتركة ضد طبقة العبيد في كل مرحلة تاريخية, ولهم أيضاً مصالح متضادة فيما بينهم. مثل التناقض بين البرجوازي والبرجوازي.
7- "لذا فإن العلاقات عينها التي تنتج في ظلها الثروة ينتج البؤس أيضاً".
8- "العلاقات عينها التي يحدث في ظلها تطور القوى الانتاجية توجد أيضاً قوة تنتج القمع, وأن هذه العلاقات لا تنتج الثروة البرجوازية, أي ثروة الطبقة البرجوازية, إلا بالالغاء المستمر لثروة الأعضاء الأفراد لهذه الطبقة, وبانتاج بروليتاريا تتزايد على الدوام".
9- "وكلما زاد ظهور الطابع التناحري في الضوء وجد علماء الاقتصاد – الممثلون العلميون للانتاج البرجوازي- أنفسهم في تنازع مع نظرياتهم, وتشكلت مدارس مختلفة".
10- فالطابع الجدلي الحي لواقع الحياة, يحطم أوهام البرجوازيين, في اعتقاداتهم وادعاءاتهم بطبيعية العلاقات البجوازية وخلودها.

11- فقط بتطور الواقع, والصراعات التناحرية على أرض الواقع, تتخلخل المذاهب والمدارس التي تمثل العصر الحالي, والذي سيكون جزءاً من الماضي قريباً.


علي عامر.



#علي_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلان باديو: عن الإرهاب والرأسمالية العالمية
- مبحث في بؤس الفلسقة لماركس(1): ثلاثة مدارس في الاقتصاد, والم ...


المزيد.....




- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - علي عامر - مبحث في بؤس الفلسقة لماركس(2): سبعة ملاحظات حددها ماركس ضد منهج برودون.