أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - جمال القرى - في ضرورة استحضار مهدي عامل















المزيد.....

في ضرورة استحضار مهدي عامل


جمال القرى

الحوار المتمدن-العدد: 5165 - 2016 / 5 / 17 - 18:22
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


"في قهقهة التاريخ المتقدّم عبر الإمكانات المتضاربة، يحتضر عالم بأكمله، ويتهيّأ للولادة آخر. تتفكّك نظم من الفكر والاقتصاد والسياسة يصعب عليها الموت بغير عنف، تتصدّى لجديد ينهض في حشرجة الحاضر وتقاوم في أشكالٍ تتجدّد بتجدّد ضرورة انقراضها، تنعقد بين عناصرها المتنافرة تحالفات هي فيها مع الموت على موعدٍ يتأجّل. إذن، فليدخل الفكر المناضل في صراعٍ يستحثّ الخطى في طريق الضرورة الضاحكة. فهو اليانع أبداً، وهو اليقظ الدائم، في الحركة الثورية ينغرس ويتجذّر. يستبق التجربة بعين النظرية، ولا يتخاذل حين يُفاجأ: يتوثّب على المعرفة ويعيد النظر في ترتيب عناصره ليؤمّن للنظرية قدرتها على التشامل، ورحابة أفقٍ يتّسع لكل جديد. هكذا يكتسب كل نشاط نظري طابعاً نضالياً، ويتوق كل نشاطٍ ثوري الى أن يتعقلن في النظرية، فتتأكد، بالتحام النشاطين في الملموس التاريخي، ضرورة الفكر العلمي في أن يكون ثورياً، وضرورة الحركة الثورية في أن تكون علمية".
مهدي عامل
يمكن اعتبار مهدي عامل من أهم الشخصيات الفكرية الماركسية- العلمية التي طبعت النصف الثاني من القرن العشرين الى حين اغتياله في 18 أيار 1987 من قِبل من روّجوا لنشر الفكر الغيبي الذي لا يستقيم من دون إزاحته ورفاقٍ له من طريق نشر دعوتهم، بعد أن أودع المكتبة الفكرية العربية إرثاً فكرياً ونظرياً قيِّماً. ويشكّل هذا الإرث الفكري، مادة حيّة دوماً لنقد أوضاعنا القائمة، مع الأخذ بعين الاعتبار ان مجمل ما كتبه وأنجزه كان في سياقٍ تاريخي محدّد تبدّلت وجهاته الأساسية حيث أن الثورة الاشتراكية الأم، سقطت في عقر دارها، كما أن الصراع الطبقي بات يتّخذ منحىّ آخر عن ذلك الذي كتب عنه مهدي عامل، كما ان المرحلة المقبلة من الصراعات القائمة في هذه المرحلة، من الصعب التكهّن بأنها تسير نوالاشتراكية. ولكن ذلك لا يُنقص من قيمة إنجازاته الفكرية التي شرّحت البنى الاجتماعية العربية كما الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما أشكال بنيانها السياسي- الديني بنهجٍ علمي– ماركسي لم يتقادم بعد عليها الزمن. ومستفيدين مما كتبه ونقده وأثاره من قضايا وتحليلات علمية، يمكن القول بأنه لا يزال يشكّل مرجعاً مهمّاً في هذا المجال.
في كتابه "نقد الفكر اليومي"، الذي طبُع بعد اغتياله، والذي كان قد بدأه في العام 1980 في خضمّ الحرب الأهلية اللبنانية، مسجّلاً فيه ومساجلاً وناقداً كتابات مفكرين ومثقفين لبنانيين وغير لبنانيين ممن كانوا يكتبون في الصحف اليومية والدوريات، مشدّداً على ضرورة نقد هذا الفكر اليومي في حينه لكشف ملابساته وموقعه الحقيقي مما يجري من أحداث. ولم يوفّر في كتابه هذا، أحداً من الكتّاب والمفكرين المحسوبين إن على القوى الوطنية، كما على الفكر القومي والبورجوازي والمنزلقين الى الفكر الطائفي.
ميّز مهدي عامل بين نمطين من التيارات الفكرية التي اتّخذت حيّزاً واسعاً من الصفحات الثقافية اليومية والدوريات: تيار الفكر اللابس وجه الفكر العدمي، وتيار الفكر الظلامي. مع تمييز بينهما، وتداخل، الى حد الإنصهار من حيث موقعهما في الفئات الوسطى، وفي انزلاقهما الى مواقع القوى المسيطرة.
فتيار الفكر الأول، ومن بينهم موسى وهبي، حسن داوود، الياس خوري، عباس بيضون، أدونيس وحازم صاغية، وبالاستناد الى مقالاتهم، انمّا يعلنون بحسب عامل موت السياسة باعتبارهم إياها كطرف ثابتٍ في أي معادلة كانت إن مع الثقافة، أو الشعر، أو النقد، أو الأدب، أو الحياة والحرب، مما شكّل مادةً لرفضها برفض التاريخ. فهي وجه الموت، وكيف يموت صراع تتولّد منه الحياة؟ هي نقطة الصفر التي ينطلق منها هؤلاء، ويتغلّب على فكرهم الشكل العدمي، او اللابس الشكل العدمي المؤدي الى العدم السياسي الذي يتلقفّه الفكر المسيطِر في عملية إخضاعٍ للوعي، ويُدخله في تحالفٍ غير مرئي معه. ففكر كهذا، برفضه الفكر المسيطر والفكر المقابل له، الثوري، إنمّا ينزلق الى الفكر المسيطر الذي هو نقيض الفكر الثوري، ليحلّ محل الصراع الاجتماعي في الفكر والسياسة، صراع غيبي بين النظام وعدمه، بين الفكر وعدمه. أما وجوده خارج كل المواقع المنتجة للمعرفة، رافضاً لها، فيجعله فكراً ينتج صفراً في فهم عملية الصراع، الذي به يتأمّن تجديد السيطرة.
أما أتباع الفكر الظلامي، ومن بينهم بحسب عامل الذي ناقش ونقد طروحاتهم، سعدي يوسف، ياسين الحافظ، محمود امين العالم، ادونيس، جوزيف سماحة، فيصل جلول الخ...فإن كتاباتهم ونقدهم الواقع تتحوّل الى نقدٍ للفكر الماركسي بالذات في كل المجالات السياسية والتاريخية والفلسفية. فهم يقدّمون رؤيتهم إنطلاقاً من "خصوصيتهم"، ويرون التاريخ كحركة صراعٍ بين الذات والآخر، ويختزلون حركة التحرر الوطني في حركة استرداد " الذات الضائعة". ومنطق هذا الفكر يقوم على أساس الانفصام بين الشرق والغرب، حيث أن لكل منهما ثقافته، فللشرق الثقافة التقليدية والأصالة التي هي من حظ الجماهير دون النخبة، وللغرب الحداثة دون الأصالة التي هي من حظ النخبة دون الجماهير. إن هذه الثنائية تغرّب المثقف الحامل للثقافة الغربية، وتجعله بلا هوية، وتلغي كل صراعات حركة التاريخ، وتستبدلها بحركة وهمية لصراع الذات مع الآخر، أي، صراع "الجوهر" مع" الجوهر" الآخر، به تتجوهر حركة التاريخ الذي لا يتغيّر منذ بدايات الاسلام حتى الآن.
لقد نقد مهدي عامل فهم هؤلاء للماركسية الذي لا علاقة له بالماركسية، من حيث إحلال العامل الايديولوجي- الديني، مكان العامل الاقتصادي الذي هو في الحقيقة ليس العامل الأول في البناء الاجتماعي، بل العامل المحدِّد للعوامل الأخرى التي يتحدّد بها. كما نقد فهمهم للصراع بأنه صراع ديني بينما هو صراع اجتماعي يتخّذ شكل ديني له. وأكمل نقده لما سمّاه تناقض في الفكر بحسب الحدث اليومي عند بعض، وتأرجحه بتأرجحه، ولو كان نقيضاً له، وكأن مراحل التاريخ عنده هي الأحداث بذاتها، جاعلاً من منهجه منهجاً وصفياً تفسيرياً، يتموّج في استعادة لهوية أصلية يُبرز صراعاته الداخلية، ومعبّراً عن تناقض فكري يجمعه في فكر واحد. هذا النمط من الفكر، انمّا يعمد الى إلغاء كل اختلاف مع الفكر الآخر، ويلغيه، ليظهر في المحصّلة أنه لا يستطيع مجابهة الفكر الماركسي.
ثم أكمل نقده لفريق آخر أطلق عليه اسم "التيار البورجوازي المتأسلم" الذي اعتبر ان الثورة الاسلامية الإيرانية، هي ثورة ضد التغريب والحداثة التي هي اغتراب الذات عن الذات، واستلابها به. وكان منهم رضوان السيد، وجيه كوثراني، حسن الضيقة، نظير جاهل، محمد حسين دكروب، صالح بشير، وليد نويهض،منير شفيق وسهيل القش. واعتبر أن أفكارهم تلتقي على العداء للفكر الثوري، مع تكرارٍ لها، وصولاً الى جعلها أنساقاً ثابتة متجوهرة متقابلة بين الشرق والغرب. فالرأسماليةهي هي الغرب في فكرهم، هي "نسق أوروبي حديث" لا يتغير بل يتجوهر عبر كل التاريخ بتغييب الاقتصادي والسياسي عنه. مما يفضي الى ان العلاقة الثنائية المتقابلة تتكرّر مع هذا الغرب، ولم تتغير منذ الحروب الصليبية وبقيت علاقة إسلام وفرنجة. أما عن العلاقة التبعية بالغرب، فيتماسك هذا الفكر الغيبي ويتّسق بتغييب الاقتصادي الذي هو ميزة الرسمالية عنها وليختزلها ب"الغرب" فقط، مما يؤدي الى ان هذه العلاقة هي بين جوهرين، اي، بين ثقافتين وحضارتين جوهريتين، ليصبح الصراع بتغييبه التاريخ صراع بين الخير والشر. يؤدي هذا النمط من الفكر الغيبي المغيِّب لحركة التاريخ، الى أن العنف هو أداة تكوّن الرأسمالية، وأن العلاقة معها ومع الامبريالية هي تكرار لما سبقها، أي علاقة تقليدية خارجية للذات بالآخر في كل العصور، علاقة منعتقة من التاريخ وشروطه، قائمة بين شرق وغرب. هذا الفكر، بتأسلمه، يصل الى توسّل "الاسلام" في صراعه الايديولوجي، مما ينقل الصراع مع الغرب وسيطرته الى صراع إسلامي- غربي، صراع جوهري لن يتحرر الشرق منه سوى بتحرير الجوهر الذي هو الاسلام. وهذا التحررّ تشوبه علاقة عنف دائم بقصد الاستيعاب يمارسه الغرب للإخضاع، بينما العنف في عرف الإسلام ضد الغرب لا ينتهي الا بإسلامه، أي بتماثله مع ذاته.
ويستكمل عامل نقده هذا وصولاً الى نقد تجارب الدول التي تعاقبت على العالم العربي منذ الخلافة الراشدة وحتى الزمن العثماني، بنقد تزمنن الإسلام وتمأسسه، حيث اعتبر أنه بتمأسسه انما انحاز الى الطبقات المسيطرة وأحكم سيطرته على المجتمعات بدولة استبدادية تظهر بشكل دولة اسلامية. وعبر التاريخ لم يجرِ تغيير لهذا النظام الاستبدادي، بل كان يجري استبدال دولة بدولة أخرى تتكرر في اشكال تاريخية متعددة بحركة دائرية، ولكنها متماثلة بطابعها كدولة استبدادية، تتثبت بثبات نمط الانتاج الآسيوي فيها، وليس بطابعها الاسلامي المتبدل والمتنوع بحسب الفقه الذي فيه تتفقّه. وتتخذ الصراعات فيها شكل الصراعات الدينية، في حين انها صراعات اجتماعية تلبس لبوس الصراعات الديني. إن كسر هذه الدائرة لن يتم الا بمجابهة الأرضية الفكرية التي تقوم عليها هذه الدولة بفكرٍ نقيض، وليس بفكرٍ اسلام مؤسسي آخر.
أيننا اليوم من فكر مهدي عامل ومن اجتهاداته، ومن يستكمل هذه الورشة الفكرية التي أبدع فيها إنتاجاً نظرياً ربطه بممارسة عملية يومية من خلال حزبه، ومن هم القادرون على إعادة قراءة ما يحصل اليوم في عالمنا العربي على أساسٍ من الفكر المادي- العلمي، ومتى ستُكسر هذه الدائرة اللعينة وتنضج الظروف التاريخية لكسرها، كسر كل أنظمة الاستبداد بكل الأوجه التي تغلّفها؟؟ ومتى يبرز فكر نقدي لفكر مهدي عامل ولكل منظومته الفكرية، ومتى سيتجدّد يسار عربي لا يقف بصف أنظمة الاستبداد والفكر الظلامي؟؟



#جمال_القرى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لإعادة تفعيل معنى يوم 8 آذار كيوم لتحرير المرأة
- عشية اغتيال حسين مروة: الزهد والتصوف في فكره
- -ماركس، دون دوغمائية ودون تفريط-
- هي ثورات وليست مؤامرات
- الاصلاح يُغتال بين المجتمع الأهلي والمدني
- مهدي عامل محاكياً ابن خلدون
- بيروت محمد عيتاني...لا تموت
- القضاء على الدولة
- الواقع اللبناني- السوري: تشابك واشتباك
- جورج حاوي: ما احوجنا اليك
- 5 حزيران 2012
- عن العلمانية والعلمانيين في لبنان
- مهدي عامل:25 عاماً
- الغاء حالة الاستثناء العربي بين السوسيولوجيا والمجتمع المدني
- عن صيغة الديموقراطية التوافقية في النظام اللبناني
- يمكن للنخب ان ارادت... اعلان بداية ربيعنا
- قضية ساري حنفي: قضية حريات فكرية، وشرعية حق الاختلاف
- مفهوم الدولة بين المجتمع المدني والمجتمع الاهلي
- في 17 شباط ذكرى اغتياله ال25، حسين مروة كرمز ضد الفكر الغيبي
- قراءة تقويمية ثانية واخيرة لنقاش تشكيل تيار علماني


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - جمال القرى - في ضرورة استحضار مهدي عامل