أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كميل داغر - ماياكوفسكي سيكون حزيناً















المزيد.....



ماياكوفسكي سيكون حزيناً


كميل داغر

الحوار المتمدن-العدد: 1392 - 2005 / 12 / 7 - 07:54
المحور: الادب والفن
    


[نشر الملحق الثقافي لجريدة "النهار" البيروتية هذا المقال مختصراً، نسبياً، ومن دون المقاطع من قصيدة ماياكوفسكي عن لينين، بتاريخ 20/11/2005، وذلك لأسباب تتعلق بالحجم. لهذا نعيد نشره أدناه، بكامله، مع المقاطع المترجمة من القصيدة المذكورة، نظراً لأهمية ذلك.].

في مقال نشره "ملحق النهار"، عدد 4 أيلول الماضي، بعنوان "أيها الشعراء لا تموتوا باكراً"، ورد ما يلي: " في روسيا، مات فلاديمير ماياكوفسكي ولما يتجاوز أواسط الثلاثينات إلا قليلاً، عندما أطلق النار على نفسه في غرفته المعزولة. غدا انتحاره أشبه بالعلامة السوداء في تاريخ الثورة البلشفية، اذ اضطهده لينين وغيره من رجال الثورة."
هذا ولا يدري المرء ما إذا كاتب المقال، الأستاذ فرح جبر – حين أطلق حكمه أعلاه، الذي يبدو جازماً، حول اضطهاد لينين (وغيره من رجال الثورة) لماياكوفسكي- كان يعرف أن لينين توفي في كانون الثاني من عام 1924، وأنه كان قد خرج نهائياً من مواقع السلطة في أواخر عام 1922، بعد إصابته بشلل جزئي وصعوبة في النطق ناجمين عن تصلب الشرايين، ومن ثم بفقدان النطق نهائياً في آذار من العام 1923، في حين أن ماياكوفسكي انتحر في 14 نيسان من العام 1930، أي بعد سنوات عديدة على مغادرة لينين مسرح الأحداث!
في شتى الأحوال، وأياً تكن الأسباب التي دفعت كاتب المقال للوقوع في خطأ فادح ولا يمكن الدفاع عنه، سواء في علاقة كلامه بالحقيقة التاريخية، أو في ما يتناول الخصوصية الإبداعية لشاعر كماياكوفسكي قال عن ثورة أكتوبر في سيرته الذاتية المختصرة:"كانت تلك ثورتي"، سوف أحاول في معرض وضع الأمور في نصابها مجدداً، إلقاء بعض الضوء على علاقة الشاعر بالثورة البلشفية ولينين، مبيّناً، وإن باقتضاب شديد، مدى الانسجام بين قامة ماياكوفسكي الشعرية العملاقة والمهام العظمى التي كانت تتنطح للاضطلاع بها سيرورة شارك فيها عن كثب. على أن أورد في نهاية هذه العجالة، منقولة الى العربية، شذرات من الترجمة الفرنسية التي وضعتها إلسا تريوليه، الكاتبة الفرنسية من أصل روسي، وزوج الشاعر لويس أراغون، لمطوَّلة ماياكوفسكي عن لينين، وكان كتبها في العام نفسه لوفاة الرجل، وبلغ عدد أبياتها آلافاً ثلاثة.
أولاً- الثوري فالشاعر
في مطلع الكتاب الذي وضعته تريوليه عن الشاعر، والذي يحمل اسمه، وصدر للمرة الأولى عام 1957، تقول:
"ولد ماياكوفسكي في 7 تموز 1893، في بغدادي (بلدة في جورجيا)، لعائلة ناطور أحراج. هو ابن الاشجار الكبرى وجمال القوقاز، ولقد نما أعلى وأقوى من الناس الآخرين، وأعصى منهم على القهر. توفي عام 1930، وهو في أوج قوته ، مصعوقاً....
"قليلون من تركوا أثراً بعمق ما ترك هو في ذاكرة الناس. فاليوم، كما غداة موته، لا تزال تفتقده شوارع موسكو، هي التي اعتادت أن ترى قامته الكبيرة تجول فيها. وتفتقد قاعات استماع الشبيبة، ولا سيما الشبيبة، صوته الهائل. تفتقد قصائدَه الصفحاتُ الأولى للصحف. هو مفتَقد في كل مكان يجب أن يعرف المرء أن يحب فيه، وأن يغضب، وأن يدافع وأن يهاجم. هو مفتقد في كل مكان ينبغي أن يمتلك المرء فيه العبقرية. أنتم تفتقدون ماياكوفسكي، هو لا يُنسى، مثل ذراعٍ بتروها لكم. يعتاد المرء أنه لم يعد يمتلكه، لكنه لا ينساه."
أما هو فيخبرنا في سيرته الذاتية المختصرة، بعنوان "أنا نفسي"، كيف عادت شقيقته من موسكو بعد الحرب مع اليابان ، عام 1904، في حالة من الإثارة، وأعطته سراً أوراقاً طويلة تحوي أبياتاً ضد الحرب وضد القيصر أعجبته بجسارتها. ويقول:" كانت تلك هي الثورة، وكان ذلك شعراً. كم لو أن الشعر والثورة اجتمعا في رأسي.".
في العام التالي 1905، وهو لم يتجاوز بعد الثانية عشرة من العمر، بدأ يقرأ الكتب الثورية، "مثلما يسكرون"، كما يقول، وانخرط في حلقة ماركسية. وفي موسكو إلى حيث انتقلت العائلة بعد وفاة والده، عام 1906، وفي الليسيه الذي التحق به هناك، كان تحت الطبقة التي يجلس إليها كتاب فريدريك أنجلس، ضد دوهرنغ. وقد اهتم بالفلسفة، ولا سيما فلسفة هيغل، فضلاً عن العلوم الطبيعية، لكن بوجه خاص الماركسية. ويقول ماياكوفسكي:"ما من عمل فني أثار يوماً شغفي بمقدار ما فعلت مقدمة ماركس لكتابه نقد الاقتصاد السياسي. وقد انضم الى الحزب البلشفي في العام 1908، وبدأ مذاك يتنقل بين السجون. وفي زنزانته في بوتيركي، وبعد ثلاث سنوات من النظرية والممارسة، يقول: "أنكب على الروايات".
في ما بعد، اهتم بالرسم، بعد أن أحسّ بأنه عاجز عن كتابة الشعر(حمد نظّار السجن لأنهم صادروا - لدى مغادرته - دفتراً كان ملأه بقصائد رديئة).
انخرط لاحقاً في مدرسة الفنون الجميلة، المكان الوحيد الذي قبل به من دون شهادة "ولاء سياسي". وقد أدهشه في تجربته هذه أن المقلدين كانوا يلقون الاهتمام والاكرام فيما يتم اضطهاد المستقلين، وجعلته "الغريزة الثورية"، على حد قوله يتحزب "للمتعرضين للإقصاء".
في مدرسة الفنون الجميلة، سوف يتعرف إلى دافيد بورليوك، الذي أغاظه في مرحلة أولى بسبب مظهره الوقح، وأناقته، ورندحته الأغاني فيما هو يتمشى. لكن سرعان ما سيتقارب الشابان خلال سماعهما كونشرتو لرحمانينوف أضجرهما فغادرا معاً "قاعة النبلاء" حيث كان يتم العزف.
ويقول ماياكوفسكي إنهما بعد أن أمضيا بعض الوقت في التسكع، راحا يتجاذبان الحديث حول الضجر من المدرسة، لكن أيضاً، من كل ما هو كلاسيكي وقديم. "لقد ولدت المستقبلية الروسية"، يقول ماياكوفسكي.
في ذلك اليوم، كان قد نجح في كتابة قصيدة، أو شذرات من قصيدة. ومع أنه شعر بأنها رديئة، فقد قرأ بعض أبياتها لصديقه مدعياً أنها لأحد معارفه. فنظر بورليوك إليه، متفحصاً، وصاح:"أنت عبقري". أما ماياكوفسكي فيقول إنه مذاك سيغرق في كتابة الشعر:"لقد أصبحت منذ ذلك المساء شاعراً، وذلك بصورة غير متوقعة".
ويضيف:"أفكر ببورليوك بحب ثابت. إنه صديق رائع. معلمي الحقيقي. هو الذي جعل مني شاعراً. كان يقرأ لي فرنسيين وألماناً، ويوفر لي كتباً، ويتنزه معي ويحدثني بلا انقطاع".
هذا وقد طُرد الاثنان لاحقاً من المدرسة، بعد أن أصدرا بياناً مشتركاً سمياه "الصفعة للذوق العام"، ورفضا الاستجابة لاقتراح الادارة أن يوقفا النقد والتحريض.
سوف يسافر الصديقان، بعدئذ، في كل اتحاد روسيا، عاقدين الامسيات، وملقين المحاضرات، بحضور الشرطة القيصرية التي غالباً ما كانت تتدخل. وقد كتب ماياكوفسكي عن تلك المرحلة:" كانت تلك السنوات، بالنسبة لي، سنوات العمل على الشكل، على التحكم بالكلمة". ويضيف:"لم يكن يريد الناشرون كتاباتنا، فالأنف الرأسمالي كان يشتم فينا رائحة مفجرين بالديناميت. ولقد جرى رفض كل أبياتي."
هذا وقد استقبل الشاعر الحرب العالمية الأولى بتأثر، وكتب قصيدته "لقد تم اعلان الحرب". ثم كتب ذات مساء وهو يتسكع على الشاطيء قصيدته التي ستعود عليه بالشهرة لاحقاً، "الغيمة في سروال"، تلك القصيدة التي ستدمع عينا ماكسيم غوركي لدى قراءة الشاعر لها أمامه، الأمر الذي جعل ماياكوفسكي يشعر لأجل ذلك ببعض الكبرياء.
أما التاريخ الذي يذكره على أنه بين الأكثر إثارة للفرح فهو تموز 1915. في ذلك الشهر سوف يتعرف إلى الزوجين ليلي وأوسيب بريك، وسيشعر نحوهما بالكثير من المودة، ونحو ليلي بالتحديد بحب حياته. وقد كتبت شقيقتها إلسا بخصوص هذا الحب، في معرض حديثها عن علاقته بالجنس الآخر:"ثم كانت هنالك النساء. في المقام الأول المرأة، مرأته، تلك التي كان يهديها كل كتبه، والتي كان هاجسها يملأ قصائد الحب لديه وغيرها، ونجده حيثما تنقَّلنا في شعره، ونقع عليه مجدداً في رسالة الوداع: ليلي، أحبيني."
كان ذلك الحب يتلازم مع تفاقم تلك الحرب التي شعر إزاءها، بالمقابل، بأقصى الكراهية، وراح يعتقد، يوماً بعد يوم، أن اقتراب الثورة بات في حكم المؤكد. وعندما سيندلع الجزء الأول من هذه الأخيرة، في شباط 1917، سوف يتعرف إلى قيادتها البرجوازية، ويشعر بأن لا شيء تغير في الجوهر، معتبراً أن الاشتراكيين، وبالتحديد البلاشفة، سرعان ما سوف يصلون. وحين صدقت توقعاته، بعد أشهر قلائل، رأى أن السؤال حول ما اذا كان ينبغي الالتحاق بأكتوبر أو العكس، لم يكن موجوداً بالنسبة إليه:"كانت تلك هي ثورتي. لقد ذهبت إلى سمولني، واشتغلت في كل ما كان ينطرح أمامي".
وهو ما سيفعله على امتداد السنوات الباقية من حياته. فعدا العمل الابداعي، في الشعر كما في المسرح، وذلك في خدمة الثورة ومُثُلها، وعملية التغيير التي كانت تطرحها، سوف يعمل في كل المجالات التي كان في وسعه أن يقدم فيها إسهاماته.
من ضمن ذلك تلك الملصقات التحريضية، للجبهة كما للمواقع الخلفية، التي كان يصنعها، بين عامي 1919 و1922، مع قلة من الشعراء والرسامين. وقد أنتج لوحده 1300 ملصق وكان يحدد الموضوع باستمرار تقريباً، ويكتب الاساطير، ويرسم الرسوم أحياناً أيضاً، في ظروف قاسية جداً، اذ لم يكن ثمة في تلك الفترة وقود، أو ضوء، أو خبز، بل فقط الحماس، كما تؤكد تريوليه. وقد واصل بعد ذلك مهام مشابهة، في العمل الدعائي لصالح صناعات الدولة. وحين سأله أحدهم بلؤم، في جلسة عامة بنيويورك، خلال جولة له حول العالم: "هل صحيح أنك كتبت للحكومة أبياتاً عن الخراف"، أجاب:"أفضِّل أن أكتب عن الخراف لحكومة ذكية، على الكتابة لخراف عن حكومة بلهاء".
وعلى مثال التروبادور القدامى، كان يجوب البلد بأكمله، ملقياً قصائده، وبين اهمها 150.000.000 أو أسطورة ايفان، ذي المئة والخمسين مليون رأس، حيث "روسيا بأسرها إيفان واحد/ذراعها نهر النيفا/ واعقابها فيافي قزوين"-؛ وفلاديمير إيليتش لينين، التي كتبها بعد وفاة قائد ثورة أكتوبر الاساسي، عام 1924، وقرأها في العديد من الاجتماعات العمالية، متخوفاً كثيراً بخصوصها، لأنه، على حد قوله، "كان يسهل السقوط في السرد السياسي البحت". وهو ما جاء رد فعل المستمعين العمال ليزيله، ويثبت لديه القناعة " بأن تلك القصيدة كانت ضرورية"؛ وقصيدة لابأس (التي كُتبت عامي 1926-1927، وكان يعتبرها بمثابة بيان عام). وهي تروي، في أكثر من ثلاثة آلاف بيت، قصة الثورة، من عام 1917، وحتى العام 1927، الخ... ناهيك عن كتابة السيناريوات للسينما، وبين أهمها الآنسة والزقاقي، والمقيدة بالفيلم، وقلب السينما، وحب شكافوليوبوف، وأخيراً كيف الأحوال؟. وقد جرى نشر هذا السيناريو الأخير في مجلة ليف (Lef)، أو الجبهة اليسارية، التي أصدرها ماياكوفسكي في العشرينيات من القرن الماضي، وكانت لسان حال الكتاب والفنانين المستقبليين، وظل رئيس تحريرها على مدى سنوات.
هذا فضلاً عن المسرحيات الطليعية التي كتبها وأشرف على عرضها، وشارك في تمثيل بعضها. وهي: فلاديمير ماياكوفسكي (1912 – 1913) ، السِّرِّية الهزلية (1918) ؛ وقد كتب مفوض الشعب للتعليم العام، آنذاك، أناتول لوناتشارسكي، عن المسرحية المذكورة أنها ".... الرحلة المفعمة بالفرح للطبقة العاملة بعد الطوفان الثوري، الطبقة العاملة التي تتحرر تدريجياً من طفيليتها، وتجتاز الجنة والجحيم، لتصل الى الأرض الموعودة ..."؛ ومن ثم مسرحية البقّة (1929)، التي يُظهر فيها ماياكوفسكي شخصيات مما يسميه البرجوازية الصغيرةالجديدة، التي نمت خلال اعتماد النيب، أو السياسة الاقتصادية الجديدة. ويقول: "كل هذه الامثلة تبيِّن ان الايدولوجية البرجوازية الصغيرة تشق طريقها في الاوساط الادبية والعمالية. يجب ان تخلق البروليتاريا علم جمالها الخاص بها، وعلى الرسامين الثوريين، الذين قطعوا مع العادات القديمة، ان يساعدوا في خلق جمال جديد، بروليتاري."
أما مسرحيته الاخيرة، الحمّامات، فقد دافع عنها في نقاشات عديدة قبل عرضها الاول في موسكو في 16 آذار 1930، أي قبل انتحاره بأقل من شهر. وهي هجائية ضد البيروقراطية السوفييتية الجديدة، تظهر المعيقات التي تضعها هذه أمام الابداعات المستقبلية، متمثلة هنا بآلة الزمن التي اخترعها تشوداكوف، والتي تذهب بك الى المستقبل وتعود، لكنها لاتتجاوز حواجز الادارات، ولا سيما الحاجز الرئيسي، الرفيق بوبيدونوسيكوف، الذي يذهب الى المسرح ويجد نفسه على خشبته، لكنه يؤكد ان الأمور لا تتم هكذا إطلاقاً في الحياة.. هذه الآلة تجيء من المستقبل بالمرأة الفوسفوريّة، المكلفة باختيار الأفضل بين الناس لنقلهم الى القرن القادم. وهكذا تقوم الآلة بقفزة الى الامام، متحركة بخطوة مقدارها خمس سنوات مضروبة بعشرة، وآخذة معها كل من يجمعهم حب العمل، والعطش للتضحية، واللامبالاة بالتعب، وباصقةً بوبيدونوسيكوف- الذي كان قد أعد لنفسه تفويضات، وجواز سفر، وتعويضات انتقال لمدة مئة عام - ومعه كل من هم على شاكلته.

ثانياً: انتحار ماياكوفسكي
«الى الجميع ! أنا أموت، لا تتهموا أحداً. ودعكم من الأقاويل. كان الميت يكره ذلك كثيراً.
أماه، أختيّ، رفاقي ، سامحوني، ليست هذه وسيلة (لا أنصح أحداً بها)، لكن بما يخصني لم يكن لديّ حل آخر. ليلي ، أحبيني.
يا رفيقتي الحكومة، عائلتي ليلي بريك، وأمي، وأختاي، وفيرونيكا فيتولدوفنا بولونسكايا. شكراً إذا جعلت حياتهن ممكنة.
أعطوا القصائد المبتدأة لآل بريك(*). سيتعرفون الى انفسهم فيها.
وكما يقولون،« الحادثة باتت منتهية»
تحطّم زورق الحب على الحياة الجارية
أنا متخالص مع الحياة
لا جدوى من استعراض الآلام والمصائب والإساآت المتبادلة.
كونوا سعداء!»
ف.م.
تلك هي الكلمات الأخيرة التي خطها قلم ماياكوفسكي، ومن الواضح انه كان حريصاً على إظهار ان ما حصل كان بقرار ذاتي حاسم: «لا تتهموا أحداً»، يقول.
من جهة أخرى، ربما كان ماياكوفسكي مهتماً، في الوقت نفسه، بتأكيد دور اساسي للجانب العاطفي في هذا القرار : «تحطم زورق الحب على الحياة الجارية». لكن أياً يكن، ليست مهمة أحد أن يغوص في الخلفيات العميقة والاسباب الحقيقية الكامنة وراء انتحار الشاعر، وهي اسباب كثيرة تتعلق بكامل شخصيته، قبل كل شيء، وبكامل تاريخه.
في كل حال، لا بد من إبراز واقع هام جداً كشفته إلسا تريوليه، في كتابها عن ماياكوفسكي، وهو أن قرار الانتحار لم يكن طارئاً لديه، بل رافقه على مدى جزء أساسي من حياته. فهي لاحظت هذا الميل عنده منذ الفترة الأولى، تقريباً، لمعرفتها به، وتحدثت بذلك إلى صديق مشترك أشارت إليه باسم س (S)... فسخر منها ومن هواجسها، معتبراً أن من يُظهر هذا الميل لا يقدم »على التنفيذ«.
وبالفعل، فإن هذا التوجه ظهر مراراً في شعره، وفي قصائد عديدة، في تواريخ متنوعة.
ففي العام 1916، وفي قصيدته المشهورة شبَّابة الفقرات، كتب:
غالباً ما أقول لنفسي –
وإذا وضعت نقطة رصاصة على نهايتي.
وكتب في العام 1917 في الإنسان:
وقفز القلب نحو الرصاصة
والعنق يحلم بموسى الحلاقة.
وفي قصيدته المشهورة، عن هذا، التي نشرها عام 1923، يقول:
نبسط اليد فقط
والرصاصة نافدة الصبر.
وفي مكان آخر من القصيدة نفسها:
رصاصة... للجميع
سكين... للجميع
ودوري أنا؟ وأنا إذاً؟
لا بل نلاحظ في القصيدة عينها ما يمكن اعتباره عناصر أولية لرسالة الوداع. فهو يقول في مقطع منها:
تتلفن الريح إلى منتزه بتروفسكي:
- وداعاً... أنا أموت.
لا تتهموا أحداً.
وفي مقطع من قصيدة غير مكتملة نُشرت بعد الوفاة، ترد أيضاً عناصر أخرى لرسالة الوداع عينها، حيث نقرأ:
لديَّ كلُّ الوقت
وبروقُ البرقيات لن تأتي لتقض مضجعك.
كما يقولون
الحادثة باتت منتهية
وزورق الحب تحطم على الحياة اليومية
نحن متخالصون معكِ
لا جدوى من استعراض الآلام والمصائب والاساآت المتبادلة (...).
هذا مع أن ماياكوفسكي كثيراً ما أعلن عشقه للحياة ورفضه للموت. كان هذا التناقض العميق متأصلاً لديه باستمرار، وجزءاً لا يتجزأ من شخصيته، وفي الوقت نفسه من موقفه من الكينونة والحياة.
أليس هو القائل في قصيدته، يوبيلي، التي نشرها عام 1924؟:
أكره كل ما يشبه الموت
وأعبد كل ما يكون الحياة!
أو في قصيدته، عن هذا:
سأشيخ أربع مرات
وأربع مرات سأعود شاباً
قبل بلوغ القبر.
إنه بالضبط ديالكتيك العلاقة بين هذين الوجهين المتعاكسين ليس فقط لعملية الإبداع، لدى قامات كبرى في تاريخ الأدب والفن، بل لحضور هؤلاء في الحياة، وجوهر تفاعلهم معها. وفي شتى الحالات، وفي حالة ماياكوفسكي بوجه خاص، سيكون من قبيل الافتعال العقيم جداً والبائس للغاية ربط ذلك الميل المستديم تقريباً، الذي لازمه على امتداد حياته الخلاقة كثوري وفنان، بمواقف رجل السياسة هذا أو ذاك منه، في حال وجودها.
ثالثاً: مواقف لينين و»رجالات الثورة« منه
لا شك في أن لينين، ومعه مفوض الشعب لشؤون التعليم العام، لوناتشارسكي، وآخرون من قادة الدولة الجديدة، كانوا يرفضون وجهة نظر ماياكوفسكي وغيره من الدعاة اليساريين «لثقافة بروليتارية»، وأنصار المنظمة المعروفة باسم البرولتكولت، الذين اعتبروا أن «كل ثقافة الماضي يمكن اعتبارها برجوازية، وباستثناء العلوم الطبيعية والتقنية، لا شيء فيها يستحق إبقاءه قيد الحياة» .
ويقول مارسيل ليبمان «إن لوناتشارسكي، الحاظي بدعم لينين، كان يحاول أن يدافع بوجه ماياكوفسكي وغيره من أعداء التقاليد عن كلاسيكيي الأدب الروسي والفن عموماً (...). وقد شهدت الساحة في الأخير هذا المشهد الغريب لمسؤول دولة عن الثقافة يدافع عن حرية الخلق ضد هجمات بعض الفنانين والأدباء اليسارويين».
ويضيف ليبمان: «إذا كان لوناتشارسكي ومفوضية الشعب للتعليم العام يحميان شتى تعبيرات الفن الكلاسيكي ضد نفاد الصبر الثوري وانعدام التسامح لدى التحديثيين الذين كانوا يريدون إقصاء هذه المخلفات الخاصة بعالم بائد إلى «مزبلة التاريخ»، فلقد كان لوناتشارسكي يتيح لمزدريه اليساريين الاستفادة من ليبرالية ودعم مادي مماثلين على الأقل. وكانت تعبيرات الفن الأقل تقليدية تنعرض هكذا بحرية في شوارع موسكو» . هذا ويبيّن ليبمان كيف أن لينين «كان يخشى كثيراً أن تتشبث «البرولتكولت» ببلورة علم وثقافة بروليتاريين، في حين تبدو له هذه المهمة مبكرة ومستحيلة في آن». وكان يعتقد فضلاً عن ذلك أن «البرولتكولت» ستؤدي إلى قطع البروليتاريا عن دراسة العلم والثقافة الراهنين وعن فهمهما «تحت تأثير فانتازيات تستبق شروط المجتمع القادم» .
إلا أنه على الرغم من كل ذلك كان لينين حريصاً على الاعتراف «بعدم كفاءته بالكامل في حقل الأشكال الحديثة للفن»، ولم يكن مندفعاً، على حد ليبمان، ليطبق في الميدان الثقافي لا صرامة ولا رقابة حقيقية. وهو ما سوف يعبر عنه ليون تروتسكي في ما بعد، بطريقته الخاصة، في منفاه بالمكسيك حين كتب هو وأندريه بروتون ذلك النص عظيم الأهمية، بعنوان «نحو فن ثوري مستقل»، حيث نقرأ: «إذا كان على الثورة أن ترسي نظاماً اشتراكياً قائماً على التخطيط المركز من أجل تنمية قوى الإنتاج المادية، فإن عليها، في ما يخص الخلق الثقافي، أن ترسي منذ البدء وتضمن نظاماً فوضوياً من الحرية الفردية. لا أدنى سلطة، لا أدنى إكراه، لا أدنى أثر للقيادة» .
في كل حال، إذا كان لينين، المنهمك حتى أذنيه في العمل النظري والممارسة السياسية، والمهتم أكثر بالفلسفة، لكن المثمِّن أيضاً وكثيراً للأدب الكلاسيكي، الروسي والعالمي على حد سواء، إذا كان أكد للقيادية الشيوعية كلارا زتكين آنذاك بأنه لا يثمن الأعمال التي أنتجتها «الانطباعية والمستقبلية والتكعيبية» وبأنها لا تمنحه «أية متعة»، فهو قد وجد قاسماً مشتركاً أساسياً يجمعه بماياكوفسكي هو رفض البيروقراطية التي كانت تنمو بصورة مخيفة في تلك الفترة، والتي سعى يائساً لمكافحتها في الأشهر الأخيرة من حياته السياسية، بما فيه على فراش الاحتضار، قائلاً عنها: «البيروقراطية تخنقنا» ، أو «كل شيء غرق عندنا في المستنقع البيروقراطي الآسن» ، واصفاً الدولة السوفييتية الجديدة بأنها «دولة عمالية مع تشوهات بيروقراطية» . وهي نفسها البيروقراطية التي هاجمها ماياكوفسكي في كتابات عديدة، وبوجه خاص في مسرحيته الأخيرة «الحمّامات»، كما أسلفنا.
وإنها للافتة جداً تلك الكلمة التي قالها لينين عن ماياكوفسكي، في السنة الأخيرة من حياته السياسية الفعلية، عام 1922، في خطاب ألقاه في مؤتمر لعمال المعادن، حيث قال:
«قرأت البارحة في الإزفستيا قصيدة لماياكوفسكي عن موضوعة سياسية... لقد مر وقت طويل لم أشعر فيه بهذا القدر من المتعة على المستوى السياسي والإداري. فهو في قصيدته يهزأ كلياً من الاجتماعات بعد الاجتماعات. لا أعرف كم في ذلك من الشعر،لكن لجهة السياسة، أنا كفيل بأن ما يقوله صحيح بالكامل» .
هذا وطالما أن صاحب مقال عدد 4 أيلول الجاري من «ملحق النهار» قد جمع، إلى لينين، «غيره من رجال الثورة» في تهمة اضطهاد ماياكوفسكي، قد يكون مفيداً إيراد هذه الشهادة، التي كتبها ليون تروتسكي عن الشاعر في نتاجه المشهور، الأدب والثورة، الصادر في النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي، وكان لا يزال آنذاك مفوضاً للشعب لشؤون الحرب، حيث يقول: «ماياكوفسكي موهوب كبير، أو كما يعرِّفه بلوك، موهوب هائل. فهو قادر على تمثيل أشياء سئمنا رؤيتها، على نحو تبدو معه وكأنها جديدة. يتلاعب بالكلمات وبالقاموس كمعلم مقدام يعمل طبقاً لقوانينه الذاتية، سواء أحاز عمله الفني الرضى أم لا. الكثير من صوره، من صيغه، من تعابيره، دخل الأدب، وسيبقى مقيماً فيه ردحاً طويلاً من الزمن إن لم نقل إلى الأبد (...) إن الشاعر يدرج في مجاله الخاص الحرب والثورة، الجنة والجحيم. وماياكوفسكي يكره التصوف، يكره كل ضروب النفاق والرياء، يكره استغلال الإنسان للإنسان، وتعاطفه متجه كله إلى البروليتاريا المكافحة. لا يزعم أنه كاهن الفن، أو على الأقل أنه كاهن ذو مبادئ؛ بل على العكس، فهو على استعداد ليضع فنه كله في خدمة الثورة (...)». هذا وإن تروتسكي – في الوقت نفسه الذي يورد فيه انتقادات شتى لأدب الرجل، ومن ذلك اعتباره أن «الصلف الفردي والبوهيمي (...) يخترق اختراقاً كل ما كتبه ماياكوفسكي» - يضيف أن الرجل قد جاء «من أقصر الطرق، طريق البوهيميا المتمردة، المضطَهَدة. فقد كانت الثورة بالنسبة لماياكوفسكي تجربة حقيقية، فعلية عميقة، لأنها انقضَّت كالرعد والبرق على الأشياء ذاتها التي كان يكن لها ماياكوفسكي البغض على طريقته، والتي لم يكن قد تصالح معها بعد» .

رابعاً: موقف ماياكوفسكي من لينين ومن المنظور الاشتراكي

يصف الشاعر السوفييتي ن. أسيف حالة ماياكوفسكي حين توفي لينين، على الشكل التالي: «لم أر شخصياً فلاديمير فلاديميروفيتش، قبل ذلك الحين، متجهماً وكئيباً. كان وجهه يبدو كالحاً، بينما كان عادة حيوياً ويتأثر بشدة بالأحداث، ولكن لم يتكلم في تلك الأيام تقريباً» .
وبالطبع، جاءت قصيدته الطويلة جداً (حوالى ثلاثة آلاف بيت)، التي كتبها بعد وفاة الرجل عام 1924، وظهرت في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، عام 1925، لتعطي صورة واضحة عن انشداد ماياكوفسكي إلى لينين ومدى تقديره لدوره في السيرورة التي لم يضع الشاعر نفسه يوماً خارجها. وعلى الرغم من أن ماياكوفسكي لم يكن في تلك الفترة قد حافظ على عضويته الحزبية، فهو أهدى قصيدته، فلاديمير إيليتش لينين، إلى الحزب الشيوعي الروسي. وهي القصيدة التي تقول عنها تريوليه إنها كانت «نموذجاً لغنائية ماياكوفسكي الكبرى، هذه الغنائية التي تؤنسن كلاً من أبياته، أياً يكن موضوع قصيدته». وتضيف أنها «مثال على التأليف بين الغنائية الاجتماعية والغنائية الإنسانية، الخاص بماياكوفسكي» .
وإذا كان الشاعر قد تعرض، أياً يكن، لتنكيدات من البيروقراطية الإدارية، كما الثقافية، التي تعامل معها دائماً بازدراء، وحتى بتجاهل مفعم بالكبرياء، فإن ذلك لم يؤثر يوماً في موقفه الأصلي من السيرورة التغييرية الجذرية التي افتتحتها ثورة أكتوبر، ومن المثل الأعلى الاشتراكي الذي كانت تطرح الارتقاء إليه. ففي المحاضرة التي ألقاها قبل أسبوعين من وفاته، يقول:
«... لقد نظمت هذا المعرض [معرض ماياكوفسكي: «عشرون سنة من العمل».] لأنهم ينسبون إليَّ، بسبب طبعي المشاكس، الكثير من الأفعال الكريهة السوداء، يتهمونني بالكثير من الخطايا الحقيقية أو الكاذبة، بحيث أروح أتمنى أحياناً أن أمضي إلى أي مكان، لعامين أو أكثر، فلا أعود أسمع هذه الصرخات والشتائم! لكن منذ الغد، أستعيد جلد التمساح، أتخلى عن التشاؤم، أشمر عن ساعدي، وأروح أقاتل، مطالباً بحقي في الوجود ككاتب ثوري (...).
«إن معنى هذا المعرض هو إظهار أن الكاتب الثوري ليس شخصاً على الهامش، يجري تدوين قوافيه في كتاب، وتبقى على الرفوف تتغطى بالغبار. إن الكـاتب الثوري هو إنسان يشارك في الحياة العادية، اليومية، وفي بناء الاشتراكية» .
وتريوليه، التي عرفته عن كثب، وعاشت على مقربة من الأجواء التي كانت تحيط به، في سنواته الأخيرة وشاهدت شهرته ومجده وأثر شعره وأدبه في الحياة السوفييتية، هذا الشعر الذي قالت عنه إنه «اكتسح الاتحاد السوفييتي كنار الغابات»، عزت تلك التنكيدات والخصومات بوجه خاص إلى «الرجعيين والعصبويين»، وإلى «الحسَّاد، بكل بساطة». وهي، التي وصفت كيف أن صعوده إلى المجد كان قد بات أمراً ناجزاً، حين عادت إلى موسكو عام 1925، تقول: «خلف الكراهية التي يكنونها لذلك الرجل الذي يسحقهم بعبقريته (...)، لم يكونوا قد لاحظوا ما غدا ماياكوفسكي للبلد، وللشبيبة... حتى دفنه الذي كان نوعاً من الحج الفوضوي الهائل، حيث أن المنظمين لم يتوقعوا أن مئات الآلاف من الناس سيأتون لمواكبة جثمانه». وتضيف: «ما الذي كان يعرفه موظفو الأدب أولئك، الغارقون في قصصهم الصغيرة، عن حب شعب لشاعر؟!...» .




خاتمة:

لقد ظل ماياكوفسكي منسجماً مع نفسه، ومع أحلامه الأولى، حتى اللحظة الأخيرة من حياته. وكان مدركاً بعمق جسامة تلك الأحلام، وضخامة المهمات التي كانت تطرحها، هو الذي، في مقارنته عملية الخلق التي كان يتوق لتقديم إسهامه الخاص به فيها كاملاً، بتلك التي يطرحها الفكر العام على الإله «الذي في السماوات»، والذي يرفضه ماياكوفسكي بوصفه هذا، اعتبر أن هذا الإسهام أرقى بامتياز من إسهام ذلك الكائن الماورائي غير المتجسد. ففي قصيدته 150,000,000، كان حريصاً على أن يكتب:
ستكون مآثرنا أصعب من مآثر الخالق
الذي كان يملأ فراغ الأشياء
ليس علينا أن نبني فقط،
متخيلين الجديد،
بل أن ننسف ما بات قديماً.
ولقد بقي هذا الهاجس، هاجس الهدم لأجل البناء، يلازمه باستمرار، إلى حين اتخذ ذلك القرار الحاسم بأن آن له أن يهدم هذه المرة ذلك البناء العملاق الذي هو جسده!. لكنه إذا كان كتب، قبل ذلك بسنوات:
حيثما سأموت
سأموت وأنا أغني
فهل كان يغني حين أطلق النار في الرابع عشر من نيسان 1930 على صدره لجهة القلب؟
ليس هذا مؤكداً، لكن الأكيد أنه إذا كان طالما تعامل بازدراء مع الإشاعات والأكاذيب التي حيكت حوله، إبان حياته، فهو لن يفعل ذلك إزاء أقاويل بعد الممات لن يكون قادراً على المبادرة لدحضها. وهو لأجل ذلك سيكون حزيناً.



شذرات من مطولته الشعرية
فلاديمير إيليتش لينين
(...)
أمس
في السادسة والخمسين دقيقة
مات الرفيق لينين.
رأى هذا العام
ما لن تراه مئة من الأعوام.
سيدخل هذا اليوم
في أسطورة القرن الكئيبة.
(...)
في الشوارع .. وفي الأزقة
كعربة موتى يندفع المسرح الكبير(1)
الفرح حلزون زاحف
أما المصيبة ففرس سباق وحشية.
(...)
ينقض الخبر على العامل امام برجه رصاصةً في الروح.
(...) الاطفال
اصابهم وقار الشيوخ
والشيوخ
كانوا يبكون كالأطفال.
الريح في الأرض جمعاء
كانت تزعق بالأرق
ولم يكن في وسعها،
فيما تهب وتعيد الهبوب
أن تفكر حتى النهاية
ذلك أنه في جليد حجرة صغيرة في موسكو
يثوي نعش أبي الثورة وابنها.
إنها النهاية.. النهاية.. النهاية.
يجب أن نصدّق!
(...)
هو الذي يشيعونه من بافلتزكي
عبر المدينة التي انتزعها من أرباب العمل.
يخيّل للمرء أن الشارع جرح مفتوح
لشدة ما يؤلم
ولكثرة ما يتنهد ويئن.
هنا كل حجر يعرف لينين
وقد داسته هجمات أكتوبر الأولى
(...) هنا كل برج سمع لينين
وكان سار خلفه
عبر النار والدخان.
هنا ما من عامل
إلا ويعرف لينين.
أنشروا الأفئدة مثل اغصان الصنوبر(2).
كان يقود إلى المعركة
ويعلن الفتوحات
وها هو العامل سيد كل شيء.
هنا كل فلاح دوّن في قلبه
اسم لينين.
لقد أمر بأن يتملكوا الأرض
التي يحلم بها في القبور
أجداد لهم ماتوا تحت السياط.
والكومونيون
كومونيو الساحة الحمراء
بدأوا يتمتمون : "أنت يا من نحب!
عد إلى الحياة
وليست بنا حاجة لمصير أجمل
مئة مرة سنهاجم مستعدين للموت!"
وإذا دوّت الآن
كلماتُ مجترح للمعجزات:
"لكي يهبّ واقفاً، موتوا!"
تنفتح سدود الشوارع على مصاريعها
ويندفع الرجال إلى الموت
وهم ينشدون.
لكن لا معجزات
لا جدوى من الحلم.
(...)
في هذا الرّتل المتجمد والرهيب
كان الجميع يصطفّون
مع الأطفال والمرضى،
كانت تسير القرى
بجانب المدن،
ويرن الألم
بصوت الأطفال والرجال.
أرضُ العمل
تمر في استعراض
جردةً حيةً بحياة لينين.
(...)
إلى الأبد
ستعيش هذه اللحظة فيّ
سعيدٌ انا بكوني
جزيئة من هذه القوة
التي تتشارك حتى دمع العيون..
(...)
(1924)



#كميل_داغر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لئلا تنجح خطة تقسيم العراق وتقزيمه رسالة إلى أصدقاء عراقيين ...
- لبنان: أزمة وطن وأزمة يسار
- اغتيال الحريري وإطلاق الجن قراءة هادئة لشهر هائج
- مقدمة الترجمة العربية ل-النبي المنبوذ-، الجزء الثالث من سيرة ...
- مقدمة الجزء الأول من الترجمة العربية ل -النبي المسلح- الجزء ...
- رداً على المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أليس من خيار غير الن ...
- كلنا معنيون بمصير الشعب العراقي
- حكومة الموت وطائر الفينيق


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كميل داغر - ماياكوفسكي سيكون حزيناً