أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين سميسم - دين السلطة















المزيد.....

دين السلطة


حسين سميسم

الحوار المتمدن-العدد: 5154 - 2016 / 5 / 6 - 02:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دين السلطة
السلطة لا دين لها ، هي سلطة فقط محكومة بقوانينها الداخلية ومستندة على العنف في قهر اعداءها والسيطرة عليهم ، لا تطلب من الناس ما يطلبه الدين منهم ، يتركز مجال نشاطها في بقعة محددة خاضعة لها ولمجالها السياسي ، تتعامل مع الناس بمنطق القوة فيما يتعامل الدين بمنطق القيم والاخلاق ، وقد عرفت السلطة مبكرا عوامل دوام بقاءها فاستغلت كل ما من شأنه ان يبقي الناس تحت سيطرتها فأدخلت رجال الدين ضمن منظومتها لما لهم من اهمية قصوى في التأثير على الناس ومنح الحكم غطاء ديني ، وتؤكد التجارب بأن الدين سوف لن يبقى كما هو عندما يندمج مع السلطة او يتقرب منها بل يخضع لقوانينها ويصبح تابعا لها فهي الاقوى وتمتلك من عوامل القوة ما يجعل رجال الدين يسيرون خلفها ، وتحرص السلطة على تفسير الدين وتعريف مفرداته ضمن السياق العام لسياساتها ، وتعد التفاسير الاخرى هرطقة ، فالدين لديها واحد غير متعدد هو الدين الرسمي والاخر كفر ، دين ذو وجه واحد ومصب واحد ، وهي تحرص كذلك على ترويض الناس وتحسين صورة رأس السلطة وتجري عليه عمليات تجميلية لكي يشبه صورة الله ، ولكي تصل السلطة الى هدفها تقرب مجموعة دينية ممن يقومون بتلك العمليات وهم في غالب الاحيان من المشبهة ( الذين يعطون الله اسماء وصفات بشرية ويفسرون الايات القرانية تفسيرا حرفيا تشبيهيا ، ويدعون بأن الله خلق الانسان على شاكلته ، ويكون الحاكم اقرب شبها به من جميع الناس ويسقطون اسماء اللله على الحاكم او بالعكس يصفون الله بصفات السلطان ) وهم يجرون دائما خلف السلطة ويشكلون السند الفكري والعقائدي لها . قسمت معظم الفرق الاسلامية المناصرة للسطة منصب الامامة الى قسمين غير متساويين : اعطي الحاكم بأمر الله الجزء الاكبر وسمي بالامامة الكبرى ، واعطي الاصغر للفقيه فاصبح امام الفتيا ، وابقت الفرق الشيعية الامامة عند الامام الغائب وهي تعادل الامامة الكبرى واستلم الامامة الصغرى وكيل المهدي المنتظر المتجسد بالفقيه ، وقد شذ من هذه القاعدة نظام الولي الفقيه في ايران الذي جمع صلاحيات المهدي وصلاحيات الفقيه ، وعلى الاساس نفسه حكمت الدول الاسلامية منذ سلطة المدينة المنورة ولغاية سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 حيث اختفى منصب الخليفة واختفت معه الامامة الكبرى ، فتحمل وزرها الفقيه الذي لايملك جيشا ولا سلاحا فازدوجت عنده المشكله وتعقدت ، وهذه حالة غير مسبوقة في تاريخ الفكر الاسلامي المرتبط بالسطة ، فالخلافة تعتبر ركنا من اركان الدين غير منصوص عليه وغير مؤصل فقهيا بل اصبح عرفيا لدى المذاهب الدينية المرتبطة بالسلطة ركنا من اركان الدين ، وكان من المعقول ان تختفي السلطة الدينية بعد اختفاء نظام الخلافة ويبقى الدين شأنا انسانيا فرديا يتبرأ من عنف السلطة ومن الاكراهات التي تلبس ملابس الدين ، ومتى ما تختفي السلطة الدينية نجد الناس متصالحين مع انفسهم ومع الاخرين وليست لهم مصلحة ظاهرة في تكفيرالاخر ، وتجد مثل هذه الحالة في الارياف والمناطق النائية حيث تختفي فيها سلطة الدين ورجاله وترى اناسا لا يمتون للاكراهات بصلة ويخلون من طابع العنف الديني ولا تسيرهم الا العادات والتقاليد والاعراف المتوارثة . لقد سقطت الدولة العثمانية وتركت وراءها من يطمع في منصب الخلافة ويتمناه ، تركت وراءها دينا تنقصة السلطة ، تركت وراءها سلطات دينية محلية . تركت فترة من التسلط غنيه وتجربة للحكم لاتبرح مكانها ، وقد صعب على علماء المسلمين ممن كانوا يحتلون الصفوف الاولى سقوط الخلافة امام قوى استعمارية صاعدة تميزت بالسبق المعرفي والاقتصادي والتقني والعسكري . لم تدرس المؤسسة الدينية سبب اخفاق نظام الخلافة الاسلامية وسقوطها امام حركة التقدم العسكري الاستعماري ، ولم تدرس المتغيرات التاريخية الحادثة ولم تستنبط نظاما بديلا يلبي متطلبات الحاضر ، بل قاموا بتاثير من ثقافتهم الموروثة بنفس الطرق التحريضية البدائية وقالوا أن الدين في خطر ، فشاركوا الحركة التحررية الوطنية نضالاتها لكنهم سرعان ما انفصلوا عنها فهم يسعون لاعادة الخلافة الاسلامية والحكم ( بما انزل الله ) ، وقد واجهتهم مشكلة كيفية عودتهم للسلطة ، فمنهم من تصالح مع الحاكم غير المسلم ومع الحكومات الظالمة والجائرة وبرروا ذلك فقهيا وجوزوا العمل مع الحاكم الجائر غير المسلم ، وكان معظم هؤلاء من المراجع الكبار الذين لم يفرطوا بمواقعهم المالية والاجتماعية ، واتخذ اخرون مواقف مناهضة للحكومات غير للاسلامية او التي لا تتخذ الاسلام منهجا لعملها ، وهم من صغار رجال الدين من الذين لم يحصلوا على ميزات المراجع الكبار ، ودعت هذه الفئة بعد سقوط الخلافة الاسلامية الى تسييس الدين ، وشرعت في تأسيس الجمعيات والاحزاب الاسلامية ، واسست هذه الفئة حركة اخوان المسلمين وحزب الدعوة والنهضة والانقاذ الجزائرية وقامت بالثورة الايرانية . وستصبح هذه الفئة القوة المواجهة الرئيسية التي تأخذ دور السياسي والديني وتدمجهما معا متمثلة بالسلطة النبوية في المدينة ، ويكون رجل الدين هو المشرع والمنفذ والحامي حمى الدولة والدين . لم تكن عملية تشكيل الجمعيات والاحزاب الدينية هي من اكتشاف المراجع الدينية ، بل كانت عملية تقليد للطرق التنظيمية التي كانت سائدة عند الاحزاب السياسية في ذلك الوقت ، فاستغلت تلك الحركات جهوزية الشكل التنظيمي ، واحتاجت الى عملية كبرى لتوليف المضمون الفكري لكي يناسب الشكل التنظيمي الحديث ، وقد وجدوا ان الشكل الفقهي المتخندق بالمذهب لا يساعد على الدخول في معترك السياسة ، وسنجدهم على اختلاف مذاهبهم واوطانهم يتبعون المذهب الحنبلي مرورا بالمذهب الاشعري وابن تيمية ، وهذه الحالة تثير الدهشة فكيف توافق الشافعي مع الحنفي والشيعي والحنبلي والمالكي وخرجوا بنفس المنهج ؟( لي عودة لتفصيل ذلك في مقالة اخرى ) . ان من يلاحظ ويتابع منهج التقريب بين المذاهب الذي عقدت له مؤتمرات ونظمت له اجتماعات تزول عنه الدهشة ، لان هدف تلك المؤتمرات والاجتماعات ليس التقريب بين المذاهب الفقية فقد فشل هذا التقريب منذ زمن طويل ولم يحل اي خلاف فقهي ، وظل كل فريق في مكانه ، لقد قامت تلك المؤتمرات بتقريب سياسات الاحزاب والمنظمات المنظوية تحت لوائها وتنظيم مطالبها فغلب عليها الطابع السياسي لا الديني ، ومن الجدير بالملاحظة بان العامل الاهم لقيام تلك الاحزاب ظل مرتبطا بوجود عدو خارجي وظلوا اسرى ذلك فلو سقط العدو لم يجدوا شيئا يبرر وجودهم ، فقد حزن البعض لسقوط الاتحاد السوفيتي ليس حبا به بل سقط معه كل تراثهم ونتاجهم خلال ثمانية عقود ، وادى ذلك الى خواء فكري افقدهم المنهج . فقد انشغلوا خلال تلك العقود بمهاجمة ذلك العدو ولم يطوروا واقعهم الفكري لكي يتصالح مع الحضارة وظل راكدا آسنا انتج حركات آسنة قادمة من عمق التاريخ وامراضا تهدد الحضارة الانسانية . لقد ظلت مشكلة المنهج عصية على الحل فهم دعاة وليسوا بناة ، ومازالت روحية الغزو والبحث عن عدو يجب تكفيره وقتاله هي ما يعلل سبب وجودهم فهم ( يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) ( التوبة 111 ) . ولو توقفنا عند هذه الروحية نجد ان اهتمام هذه الاحزاب لم يكن الهم الاقتصادي ولا التطور العلمي ولا الهم الاجتماعي والوطني ولا الاعمار ولا البناء بل ان الحديث عنها هو في اعتبارهم بمنزلة العداء للرب ولدينه ، ان همهم هو السيطرة والوصول الى السلطة والتحكم بالناس ، فأي تشكيلة دينية و فكرية تحتاجها هذه الاحزاب ؟ انها تحتاج اولا الى عدو خارجي وان تصالحت معه فداخلي تبرر به وجودها ، والى تكفير هذا العدو وقتاله ثانيا ، وقد وجدوا من خلال تجربتهم وتراثهم الفكري ان التشكيلة الفكرية المعتمدة على المنهج الحنبلي هي الاكثر تعبيرا عن اهدافهم والاسهل تعاملا في المجال السياسي ، فهي تشكيلة فكرية اصولية نصية واضحة ، بعيدة عن كل ما يمت للعقل بصلة ، فهي خالية من العمل بالرأي والاجتهاد ومبدأ الحسن والقبح العقليين وتحدد مبدأ القياس بالقياس على النص ، وهي خالية من مبدأ المصالح ومقاصد الشريعة ، ولا يوجد العقل في اصولها ، ومثل هذا الضيق الشرعي يناسب الاحزاب السياسية الاسلامية ، ويمكن من خلال هذه الشريعة تقسيم الناس في المجتمع المسلم الواحد حيث تجد فيه على الدوام اعداء جدد ، وتبيح لهم هذه التشكيلة الفكرية قتال وقتل من يؤمن بالشهادتين ، فقد افتى ابن تيمية بقتال المغول بالرغم من اسلامهم ، وقتال (اهل البدع ) من المذاهب الاسلامية الاخرى ، كذلك فان هذه التشكيلة الفكرية تستطيع تقسيم المسلمين على اساس الموقف السياسي وليس على اساس ديني عام ، فقد قام الاخوان المسلمون باغتيال علماء لا يشك احد في ايمانهم( اغتيال سيد فايز والشيخ الذهبي ) كما سجن عدد من علماء الدين في ايران دون ان يتهمهم احد في دينهم كمحسن كديفر وجرى التضييق على اية الله شريعتمداري ومجموعة كبيرة من رجال الدين . ان تلك الحركات السياسية تجنح دائما الى تغليف اهدافها بغلاف ديني تستطيع به التحكم بعامة الناس على اساس ان هذا الغلاف هو الدين نفسه ، وقد قالها ابن رشد ( ان اردت ان تتحكم في جاهل فعليك تغليف كل باطل بغلاف ديني ) ( تهافت التهافت 112 ) .



#حسين_سميسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دين العنف
- تضخم الدين
- دين الرحمة
- تنقيط القرآن تنزيل أم اجتهاد
- فضائيات الفقراء
- حرائر تونس يحملن مشاعل التنوير
- من يتذكر ابكار السقاف
- جذور التطرف الديني
- رشيد الخيون والتطرف المسالم
- الشخصية المحمدية بين العقل والنقل


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين سميسم - دين السلطة