أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جميل حسين عبدالله - تأملات فلسفية 3















المزيد.....


تأملات فلسفية 3


جميل حسين عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 5057 - 2016 / 1 / 27 - 02:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في مقالي الأول، والثاني، كنت محصورا بالغموض الذي يوري زناد الالتباس، ويودي بالنظر الراغب في كشف سر الحقيقة. لكن عن أي حقيقة تتحدث الألسن التي تماهت في وضع القواعد لها، وهي في المثل ضباب، وسراب.؟ أجل، هناك إقرار ضمني متجرد من أنانيته، وأنفته، ومتحرر من تبعات وجوده في زمن الكمون، وهو لا يبرح دائرة كل من اصطفى ما تبقى من الكأس من بلالة يتلذذ بنهايتها، ويتطيب بعرفها الذي باغتته روائح تنسل من الجدار الذي نخاله حماية، ووقاية، فإذا به حجاب يمنعنا عن سرحان الفكرة إلى ما هو أعمق في التجربة، والنظرة، وحاجز يفتك بآمالنا في نسيم تلك الحدائق المونقة، والبساتين التي انفجرت منها أعين تبدد الأفق، وتهدم كل شاخص يصرفها عن درك ذلك الوصف النهائي للوجود. لعل هذا الإقرار فيه شيء من التوري، والتخفي، لكن طبيعته المستورة عن الحدود، والقيود، لا تفرض إلا أن يكون نهاية لكبد العقول الكاشفة لما وراء الخمار من حسن الغيداء الفاتنة. فهل استحق أن يكون خفيا عن النظر، حتى لا يصل إليه إلا من قدم مهرا غاليا في العادة.؟ تلك هي الحقيقة لمن أدركها بالممارسة، والمران، وهي جهد العقل في تقديم القرابين لهذا السر المكنون فيك. وأغلى ما قدمه الإنسان في قصة الفداء، هو هذه الروح التي احتبست في الأجساد المتعبة بالرغبات، والنزوات. فلو صرفنا النظر عن البعد الذي نذود عنه غفلة، لكان القرب اطمئنانا، وسكينة، لكننا خضنا وحل الهجر، والصدود، وأتعبنا الرواحل في الطريق، والمسير، وهي أقرب منا، بل هي نحن إجمالا، وإن اختلف التفصيل، لا نمد إليها أيدينا إلا ولمسنا هدبا من أهدابها. تلك هي الحقيقة. وهي حقيقتك التي أنت قائم بها، لا ما سموه حقيقة تخدع أعين العطشى، والسكرى. وكل حقيقة تعبر عن مطلقك، لا ترى على أنها قائمة بما فيها من قلق، وضجر، لا يمكن لها أن تكون ذات ظل في الوجود الكوني. لأن إهمال الذات في درك الحقائق التي ذُهل بها الإنسان، ودُهش، كالباحث بين المعادن عن الذهب بلا معرفة لعينه بين الجواهر. وإذا كانت هذه المعرفة إقرارا بالغموض الذي تستدعيه الاستعارة، والتورية، فإن اختيار أنجع السبل من أجل تمضية الوقت مع البحث عن هذا المعدن النفيس، لا يؤدي بنا إلى ما تصنعه خمرة الأقوال الكاسدة من أحلام، وآمال، لأن طلب الهدوء في حياة الإنسان الذي أيقن بلا شك، ولا تردد، هو ما يجعله يستكين إلى جاهز الأمور التي لا تتعب الذات، ولا تحير العقل، ولا تحدث ارتباكا وقلقا في تمييز الحقيقة من خيالها، وأطيافها الخادعة. وإلا، لو كان لكل مطروح على الأرض قيمة بين الأعين، لمسح الإنسان ما على وجهها من لقىً، ولن يبق لنا بعدُ شيءٌ يمكن لنا أن نجمعه، أو أن نحصيه. لكن ثمن الإنسان لا يتجسد دائما في الباطن كما توهمنا عبارات الخلص من الفلاسفة، والحكماء، والعرفاء، بل هناك من الأشياء ما لا مكانة له في تخصيب المعاني، إن لم يكن جِرمه ظاهرا للعيان، وبارزا لمن يغيب في نقش اللوحة عن عقل الرسام الماهر، وغاب عنه أن قوة إغراء الظاهر من كمال الباطن. ومن هنا، فإن مشكلة البحث عن الهداية، أو عن الخلاص، أو عن السمو، أو عن غيرها من المعاني المرغوبة للإنسان في أمنية خلده النسبي، لا تكمن في كونها غامضة عن نظر البصير، بل تتوطن كل ما تحتاجه الذات من إدراك لحقيقتها التي تميزها عن غيرها. إذ لا تكتسب الأشياء مرتبتها، إلا إذا كان الإدراك لها قويا، وكان لوُكد الشخص فعل في صناعة مفهومها، ومعقولها. ولا شيء أخفى في ظهوره من المعاني التي بها سمو الإنسان، وجماله، وكماله. فالمال حقيقة، ومن شدة ظهوره يغري، ومن حدة خفائه يدمي، ولكن، أليس ما يُرى على جبهته من بريق لامع، هو ظاهره المثري، لا معناه الذي وصفت به غايتُه في حقيقته.؟ وهكذا العلم لمن خاله وسيلة، لا غاية، ثم مال في إرهاق ذاته من أجل بلوغه إلى جانبه الأرضي المستوجب للسفه، والطيش، فكان متطرفا في جنوحه إلى أنانية ذاته، لا إلى صفة العلم التي تبدى بها باذخا، وشامخا. لأن تطرف المفهوم، هو علة الغلو في السلوك، والحضور. وهكذا تتلون كل الحقائق التي يحصل في الاتصاف بها نوع من الكمال البشري. فهي في صفتها لا تحتمل معنى حقيقتها، إلا إذا كانت متحدة بالموصوف، ومتمحضة لوجودها، لا لما ينفخ فيها من وجود المتصف بها. وهي في الغالب معان معنوية، وسرها أنها لا تهب ذاتها إلا لمن أخلص النية فيما وجدت له أزلا، وقدرا. وإذا نقشت على معبد القلب كما رسمت في لوح العقل الأول، كانت وشاحا على صدر حاملها بسرها، وروحها. ولا غرابة إذا اتحدت النية، واختلفت الغاية، وكانت لأهل الصدق مقامات، ولأهل مرامات. ومن هنا، فإن العمل قد يكون واحدا، ولكنْ يصير لكل فرد مراده فيه. ونيته هي التي تفسر نوع استفادته منه، وتحدد مقدار نتيجته في رغبته، لأن صيرورة الحقائق، هي التي تمنحنا القدرة على اكتشاف صدقها، وكذبها. وذلك ما لا يدرك إلا مع طول الزمن، وتمدد التجربة، وسعة الخبرة. وربما يصير محُرف المعاني لحْنا، أو ادعاء، هو الأمثل كمالا في عين تسمع، ولا ترى، فيُنظر إليه بلادة على أنه الأوفر حظا، والأكبر قدرا، وهو في أبلغ الأحوال غير مجسِّد لقضيتها في الوجود البشري، بل صرفها عن نظامها الأزلي، فاستحالت عذابا، وألما، وورما. أجل، قد حدث هذا كثيرا في التاريخ، وما زال له دور في تزييف المعاني، والحقائق، لاسيما في زمن وقح عمته هالة الجهالة، وهامة الرداءة. لكن هل يعني ذلك خلو الأماكن من أشقياء الوعي، والنظرة.؟ لو قلنا بأن زمن الصفات المعنوية قد انتهى بالخداع، واستسلمنا لما هو موضوعٌ للزيف، والمين، والكذب، فإننا لن نتحرر من معرة الدجل، والخرافة، بل يلزمنا في زمن التجديف والتحريف أن نقلق، ونضجر، لكي نحرر الذوات من المتاجرين بعرض المعاني الخالدة، وإلا، ضحينا بالحقيقة التي نستسلم لها إطلاقا، ولو لم نقم عليها الحجج، والبراهين. لأن ما نجعله إطلاقا في باب المطلق، هو من الضرورة التي تقوم بها طبيعة التوازن في ذواتنا، وواقعنا.
إن الصفات معناها في ذاتها، وإذا امتزجت بالموصوف، تحدثت بلسانها، لا بلسان مادحها، لأن أثر الصفة، إما أن يكون حقيقة جلية، ويعني ذلك أنها هي الموصوف بها عينا، وإما أن تكون خدعة، ويعني ذلك أنها منافية للمتصف بها أثرا. وتلك هي حقيقة من تعزز بالعلم، أو تجبر بالمال، فافتعالهما مع الصفة لما يُلزمه ذلك من معاندة، ومواربة، قد يغري، أو قد يطري، لكن الدَّرِك للمغزى، وللفحوى، لا يرى الجمال إلا إذا كان المتصف به جميلا. وإلا، صارت الأوثان معبودة، والأصنام مقدسة، وانتحل الإنسان صفة الإله في عقيدة الأرض المسجورة بالصراع، والنزاع. إذ لولا ما في عبادتها من تحريف للمعنى الأصلي، لما هجرها من يرى في توحيد الحقيقة أسمى المعاني، وأكملها. فكبح النفس عن دوافع الإفراط، والتفريط، هو ما يجعل المفاهيم تحمل معانيها، ويمنح السلوك حقيقتها. لأن كل شيء غاير بين المعنى، والحقيقة، لا يؤدي إلى فلسفة الأشياء عند أساطين المعرفة. وإذا أدركنا ذلك، أيقنا بأن فعل التفلسف الذي نستهدفه بلغة القدماء، ليس مرادا لصناعة الغموض التي تدعو إليه العبارة حين يكون المعنى عظيما، بل لإجبار الحرف على تحديد الذات لمعاني المخزونة فيها، بما تقتضيه طبيعتها، ووظيفتها. ولا عجب إذا نقش على معبد أبولو "لا شيء في إفراط".
سأعتب على نفسي عدم إقرارها ببعض الحقائق التي لبست في جملة من سياقاتها لباس الخوف، والتوجس، وكأنها تنتظر يوما يدعوها فيها داع من العاطفة المتحسرة إلى التمثيل، والتجسيد، فتكون أعضاء منفصلة عن بعضها، يحدث بينها حوار فكري، أو معرفي، أو ربما ستبدو في لحظة ما على شكل دُمى باردة الإحساس، تتحادث فيما بينها بحركات لا روح في معانيها، وتتراقص بإرادة أخرى، تريد أن تعبر بها عن معنى من المعاني الناعمة في نفوس عليلة، والميتة في عقول قليلة. إنني لا أخالني أطمئن إلى أن هذه الإرادة، قد تطيق أن تحذف من نص القصة قضية المعنى الأصلي، ولا أن تحيد بالفكر عن قلقه إلى سوء مغبة المصير بين عالمه الحسي، لأن استرسال الأمل في المشاكسة مع دفء الحقائق الساكنة، لم يكن وليد نزوة، أو نزيف رغبة، بل كان إحصاء لأرقام المقدمات، وإعدادا للذات لنشأة الغايات، وإظهارا لصفاء يحتاج إليه الفكر في تأمل مرآة الوجود بلا تزلف الأُجَراء، ولا تلون الأغبياء. ولذا لا أستغرب في محيط الغموض أن تكون النتيجة في كبد الفيلسوف الذي شرب السم فداء لعقول الناشئة، هي القراءة الثانية للذات التي تآمرت عليها جيوش الأسئلة الجبارة. لكن ما يحدث غالبا في طي الصفحات التي قرأت بلا تمعن، أننا لم نستطع، ولو مع امتلاك جزء من الشجاعة، والكياسة، أن نتحرر من المخاوف التي لا تطيق أن تفند عدم نظامية انسجام الفكر مع الذات، لما يترتب عن ذلك من عنف ذاتي في التأنيب، والتقريع، أو لما ينشأ عنه من ألم يزلزل الأركان، ويهدم القواعد، ويوجد فراغا لا رغبة في تحمل أثره. ولذا، فإن هذا الرجوع في كثير من الأحيان إلى هذا الجب المكتوم سر علته، ومهما كان في قيمة حبه متأكدا من سموه القصدي، لم يكن إلا نظرا مسيجا بآثار يصعب إزالتها بومضة، أو خفقة، ويعظم أمر نسيانها، ونكرانها، لما يسود الذات من مدارات انطلقت في جل مراحلها من الإطلاق المتعالي عن لغة النقاش، لكي يكون لهندسة الحلم مكان آخر غير الذي صار له بفضل التبعية المفضية إلى اغتراب السؤال، والنقد، أو النقض، والهدم. لكن لا مهرب لكثيرٍ من الاعتراف بأن لحظة السكون التي تبدو ظاهرا متبرجة بالسعادة، لا تحتمل في مكنون الذات معناها، لأن إخفاق وضع الأشياء على شكلها، وفي محالها، وكما رسمت تدبيرا، وتطبيقا، لم يفد الوعي الكامن في العمق، ولو أذهب رجس الواقع، وأحنى الهامة لما هو جبر، وقهر، لا لما هو سمو ورقي في الباطن. وهنا، يمكن لنا أن نعود إلى محل التجربة، لا إلى آثارها، وأن نختصرها في مرحلتين: ففي الأولى كان الحلم يتوخى كُنا في إحدى شواهق ناطحات السحاب، ولكنه ما أن استوطن ذلك القفص الذي غير من ألحان إيقاعه، حتى أحس بالوحشة، والوحدة، والغربة، فباع ما اقتنى، ثم اختار أن يعود فقيرا إلى قريته التي علمته اليقظة في نظراته المستلهمة لقوة تفكيره. ولا عجب إذا انتحى نِحو شواهق الجبل مرة أخرى، لكي ينسل من وحشية ذاته، ويتركب في مرحلة ثانية بين أمواج عقله على صورة صقر كاسر، لا يستميله في ضراوته سكون نائم على فروة الخداع، والسخافة. وها هو قد مرت عليه سنون، وزالت حدة المخلب عن منافسته، ونزاعه، فارتأى أن يعيش في كهف منزو بين الغيل، والآجام، لعله أن يستر تدرجه بين ظلام الكِبَر، ويستلهم من وحدته فسحة عقلٍ تنسيه عمرا انصرم في عهر التحارب على الفكرة. فهل هداه ما رأى إلى أقوم السبل، لكي يشهد مكاشفة ما وراء السراب من أمداء شاسعة.؟
ربما يكون التمثيل شيئا موحيا إلى ما يقدسه الإنسان، ويعبده، ويحارب من أجله، ويخالل في سبيله. وربما قد يكون ذلك صحيحا في نقض القضية، أو في البحث عن النازلة. كلا، بل هو المعنى الذي ضرب به المثل في كتب الفلاسفة، والصوفية. وكل مثل يحمل مجازا يستعاض به عن الحقيقة الكامنة في المعنى. ولذا كان المثل ضربا من ضروب اللغة، لما يضمره من ضمير ستره الظاهر في باطنه اقتضاء، أو تضمينا. ومن هنا، فإن الحجاب كما قد يكون ظلاما، قد يكون نورا. فكلاهما له أثر على الجهد المبذول من أجل بلوغ الحقيقة. ونسيان المعنى الأصلي في الأشياء، هو الذي يفسد العلاقة معها، ويحرف الطريق، ويزور الغاية، ويدفع بالسائر إلى أن يرى في الشيء ضده، لا هو كما خفي في عينه. وهناك يكون الشيء حقا، وباطلا. وهو في ذاته لا يحتمل الأمرين. إذ خلوصه لوصف، لا يجعله حاملا لضده. وهكذا، يكون العلم، أو الغنى، مما يحجب الإنسان عن معناه في حقيقتهما. إذ ضد العلم، هو الجهل. وضد الغنى، هو الفقر. وكل واحد منهما يحمل معناه لزوما، فما كان علما، لن يكون جهلا. وما عُلم وصار معلوما، فهو المستوجب للصفة التي لا يراعى فيها الكسب، وإنما ُينظر فيها إلى محلها وهو الغريزة. ولهذا قالوا عنه عالم، ولم يقولوا عنه متعلم. لأن العلم صفة الأزل. وكذلك الغنى، ولكن اختلفا في الاتصاف بهما، فالغنى لا يكون حقيقة إلا للغني المستغني عن غيره، ولا استغناء في باب الاحتياح إلى الأزل. وكل احتياج في بابه فهو افتقار، ولذا يكون الوصف الأمثل في الديانة، هو الفقير. والعلم على عكسه، فكما هو في حال كماله صفة لمن علم الغيب، والشهادة، فهو أيضا صفة لمن حصلت منه معرفة بعض الأشياء دون الأخرى. وكل متصف به، ففيه من جنس الروح كمالها، وجمالها. فمن رأى الصفة قائمة به، ولم يهدها ما فيه من مهجة الانتساب إلى دائرة المعرفة الأزلية، فقد اختلطت عليه الأمور، والأوامر، وصار محرفا، ومجدفا. لأن العلم، إذا لم يكن هاديا إلى توشيح الذات ببهائه، وسنائه، فلا معدى عن أن يستحيل غرورا، وادعاء، وازدراء، ومراء. ومن هنا، كانت لذته قرة في الذات، لا فيما يجره من سابغ النعم على المتصف به. وإذا صار كماله وساطة فيما بين الذات ولذاتها الخسيسة، فإنه قد انحرف به القصد عن فضيلته. وأي قيمة له إذا فقد معنى جماله الذاتي.؟ وهكذا، فإن قيمة العلم أعظم في الاعتبار من قوة الغنى، لأن الأول ذاتي، والثاني عرضي، وإذا لم يتقيد الغنى بالعلم، صار تهورا، وطيشا، وسفها، وظلما، وإذا خشي العلم صولة الغنى، فقد الصفة، والأثر. وإذا استقوى العالم بالمال أو ما يحصل به الغنى، وغدا العلم عنده تابعا، لا متبوعا، فهناك يحصل الخراب، والدمار. وقصارى الجهد في القضية، أن القيام على أمر العلم، لا يعني أن يتطفل العالم على موائد الثروة باتجاره بصفته الكاملة في الأزل، وأن لا يتزلف إلى طراوة الظاهر بما يستجديه بمقتضى صفته، لأن الاستدلال على معنى العلم في الذات، لا يتأتى لكل من استحضر بعضَ إدراكه للمعلوم، وزعم أن مجثمه بعيد الشأو عن أعين الناظرين، بل الدليلُ الحقُّ عليه، هو إدراك الفن والجمال في الكون، والحياة، والوجود. وهنا يكون الحرص على العلم شديدا في رغبة السوي السجية، كما يكون حرص الفنان قويا على تقديس إبداعه، واختراعه. فقيمة العالم إذن، في محاربة غريزته الطبعية في حب الألقاب، والجاه، والحظوة، والشهرة، والثراء، والغنى، لأن مقدرته على معرفة الحقائق بمعانيها الجلية أكمل عنده من اليسار الذي يشتري الأشياء جامدة بلا روحها. فالمال في مركب الغنى، وإن استظهر بعض الحقائق بما فيه من شدة، وحدة، لكنه معرض للتلف، والهلاك، وذلك بخلاف العلم الذي يحميك ما دمت تصونه، ويسعفك ما دمت تحوزه. وهو معك فقيرا، أو غنيا.
ربما ستتساءل وتقول: أي فائدة للتمثيل هنا، وأنت تخوض في معان متعددة.؟ إن ضابط المعنى عندي، هو اختباري لما ينصرف إليه نظري، ولو بدا لك تنافره، وتباينه، لكنه في قرارتي متحد، وملتصق، لما يتضمنه من جهد الذات في تمييز الأشياء عن غيرها. لأن احتياج العالم إلى الزهد والورع أكثر من احتياجه إلى الترف، والغنى. فلو احتاج إلى معنى المال أكثر مما تتقوم به حاجاته، لدل ذلك على أنه لم يحز حقيقة الصفة التي وطن نفسه لها، وإن تظاهر بأنه بكمالها قائم، لا بسواها. فالاحتياج هنا، هو ما يدعوه إلى أن يبيع أوهام الخلاص للمذنبين، والمخطئين، ويدفع به إلى أن يهدم ما رسخ من أخلاق العلماء في الحضارات البشرية. وإذا صار العلم تجارة، فأي قيمة للاتصاف به بين مناكب الحياة.؟ أجل، كان عهدي بالعالم الذي أثره عميق في عمقي، ونحن في زمن التحصيل لبعض المعارف الدينية، أنه لا يقتني إلا ما فيه الكفاية، ولا يمتلك من القوت إلا ما يقوم بالضرورة، ولا يستهويه من الدنيا إلا بلالة يتبلغ بها إلى قصده في الطبيعة. "وما أعظمه شأنا، هو قصد نبيل، وجليل". وربما تكسب بالكسب الحلال رجاء في نيل رزقه، وعيشه، واستغناء عن مد اليد إلى غيره بما يناله من كفافه، وعفافه. "وما أكمله بذلا، هو الأمل في كرم السجية، والطبيعة". ولكنه ولو مع ضيق الحال، وقلق البال، كان بيته مفتوحا للواردين، والوافدين، لا يبسط له خوان إلا ووجدت على طعامه أيدي المجذوذين، والمحرومين. تلك هي الصورة المرتسمة في أذهاننا، وقد لمسنا بركتها فيما نالنا من حياضهم من نسمات، ونفحات. ومر زمن بين غبن الأماكن، ورأينا ما كان لحنا ناعما بين الديار، قد غدا صوت نشاز بين الأكوار. وهنا انتهت الشجاعة، والحرية، وسكت ذلك الصوت الذي يحارب كل عفن يفسد صفاء الروح في إدراك طريق اليقين. فهل تحول خلف ذلك الزاهد إلى تاجر، ومقاول، لا إلى حارس لعقيدة الحقيقة.؟ شيء أنهى العهد القديم، وولد ببغاوات تهرف بما لا تعرف، وتنعق مع كل ناعق، وتنهق مع كل ناهق. فهل تراني أخطأت السبيل إذا تألمت لما صارت إليه الدائرة من لواعج، وفواجع.؟ أجل، إن اختلال الموازين في المعنى، هو الذي يرفع غير المستحق للصفة من دركه الأسفل إلى أعلى عليين، ويضع أهل المراتب العلية على جرن ساخن من العناء، والشقاء. وهنا، نشأت أمراض فاتكة، وأحقاد غائرة، وأغراض فاسدة، ونبتت بذرة الخداع، والخيانة، والنخاسة، وتقمص الرديء صورة الجيد، واتصف بالصفات فاقد الأوصاف، والتف على الدائرة المصونة حشد من الأغبياء، والبلداء، فأزالوا وشاحها، وبرقعها، ثم اغتصبوا ما فيها من طهر، وعفة، ونقاء.
ربما قد تقول لي، ما علاقة هذا بالفلسفة.؟ إن قارئ تراث أفلاطون، سيرى أن ما نأتيه اليوم من سؤال في باب المعرفة، لم يكن بعيدا عن هؤلاء الأساطين الذين تحدث أفلاطون بلسانهم، أو أولئك الذين تحدثوا بلسانه من بعده. لأن رجل العلم، ورجل السياسة، ورجل الاقتصاد، لا يمكن لنا نقترب في دراسة أحوالهم بين المجتمعات من معين المعرفة الحقة، إلا إذا تعرفنا على معنى كل واحد في الطبيعة. فإذا جسد كل واحد منهم صفته، كانت الأشياء دالة على المراد بها في القضية. وإذا تخلفت الصفة عن الموصوف، فقدنا المعنى، وتحولنا إلى فوضى. لأن العمل عملان: عمل الفكر، وعمل البدن، ولكل واحد منهما أهلون، وبنون، وإذا كسدت الحقائق، واهتزت المعاني، تحول أهل العقل إلى عبيد، وأهل البدن إلى سادة. وهناك يفوت الصفاء، ويحدث الضجيج، والعويل، والعبث، والاضطراب. وتلك هي مضرة الكون التي تقتل الحقائق الكاملة. إذ منح الآلة عقل الإنسان، لا يصيرها مدركة، ولا يجعلها متحركة، لأن جمودها أصلي فيها، واكتسابها في التحريف المقصودِ معنَى العقل، لا يرفع من ألمنا، وعذابنا، بل يجعل الآلة مستحوذة، ومسيطرة، ومخربة، وفي ذلك دمار الحياة، والكون. ومن ثم، فإن الحضارة لا يمكن أن تكون لها قيمة معتبرة، إلا إذا تقوت صلتها بالإنسان. وإذا فقدته، وصيرته شيئا تافها لا معنى له، فإنها لن تنتج إلا أسلحة دمار دوره، وخراب كونه.
ربما قد تكون هذه مثالية انتقدها كثير ممن رأى تراث اليونانيين متجاوزا في صيرورة الفلسفة، وربما قد يكون ول ديورانت في وجاهة رأيه أقدر على توجيه لوم العاتب إلى هذا التراث العظيم، وربما قد يكون ما توالد في جحر الفلسفة من معان هادما لما خلده هؤلاء الأفذاذ من حقائق، لكنني لم أر في حدودي هذا الفكر إلا قادرا على تجاوز مدار زمنه، لكي يكون وإلى يومنا هذا مثارا لما يستفيض من نقاش في مجتمعاتنا المتألمة بواقعها، وأوضاعها. فلا غرابة إذا وجَّهتني فكرة الصفوة والنخبة إلى أن أرتب دفاتري بين هذه المجامع، لعلي أقرأ من سر الأقدمين لغز المتأخرين. فهل تنكبت عن الجادة إذا اعتبرت زهد العالم دليلا على تميزه عن غيره.؟ لم أجد في الحوار ما يجدي، ويغني، فيكفيني أن أرى للعالم فضلا، وقد حاربت لبقاء صفته جمالا. فلم أُلام، وكل عالم عندي بمكان أعلى.؟ قد يكون هذا اللفظ خاضعا لضرورة الاصطلاح، لكنني لا أراه عالما في فن من الفنون، بل كل ضليع في اتجاه معرفي، فهو عندي عالم، ولو لم يشم رائحة ما سموه علما، وما هو في ظرفه إلا حشو زائد على المفروض طلبه بالأصالة. وهنا، يكون العالم عندي محدودا بالصفة التي رسمتها في ذهني. وهو ذلك الزاهد، والورع، لا ذلك العابد في محراب الحقيقة، ويده ممتدة إلى المائدة الدسمة.
ربما، قد تقول: ما الذي سيفقده العالم إذا أثمرت شجرة غناه.؟ أو ربما قد تراني متحاملا على الغنى، فتقول: هل تموت الصفة إذا خالطها فضل أخرى.؟ إنني حقيقة لا أستسيغ المال إلا من يد ورثت الخصوصية قبل القنية، واللذة. لأن المراتب لها خصوصياتها في جغرافية الحقائق. وكل من نزل به حظ عن نيل المرتبة، لن يكون ما في يده كمالا له في الطبيعة. فالغني الذي استوطنت روحه ملاذَ الرحمة، والمحبة، هو المجسد لحقيقة المال، وهو الوارث لعز تاريخه، وحضارته، لكن إذا استقوى بماله، لا بأخلاقه، ولا بصفاته، فهو أقرب إلى الطغيان من العدالة. وهنا، تكون للعالم خصوصية، وللغني خصوصية، وللسياسي خصوصية. وجُماع الخصائص، هو اكتساب كل واحد منهم لأخلاق صفاته. وإذا تخلف الخلُق اللصيق بالصفة، فما فائدة الوفرة، والكثرة، وهي لا تدل إلا على العجز، والنقص، والكساد.؟ إن اقتراب كل واحد من الآخر، لا يكون في حد ذاته صداقة حقيقية، إلا إذا استوت الصفات في الحدية، وكان الفصل هو الاحتفاظ على مدلول الصفة. وإذا طغت صفة على الصفات الأخرى، نالنا الخداع، والزيف، والكذب. وإذ ذاك، لن نصير مميزين لأهل الحق من الباطل. وعلى هذا، فالعلم قد يكون شرا حين يكون مسلحا بالطمع، والشره، والرغبات الدنيئة. والغنى كذلك قد يكون ظلما، وجورا، إذا زالت عنه حقيقته، وهي المحافظة على التنظيم الاجتماعي الذي يُميز فيه كل فرد بخاصيته المُقدَّرة عليه بين السلالات البشرية. وأعظم ما يتسلح به العلم، هو جمال النفس، والطبع، وصفاء المعنى، والأفق. وأعظم ما يتسلح به الغنى، هو الرحمة، والشفقة، وسمو الذات في الأخذ، والعطاء. إذ الأخلاق لا تكون لها ميزة في اعتبار العقلاء، إلا إذا كانت مبنية على التفاعل، والتشارك، لا على الاستغلال، والتسلط، وإلا كانت الأخلاق صناعة يتقتنها دهاة الأغبياء. وإذا كانت الأخلاق صناعة، زالت عنها فطريتها، واستحالت ظلما تتحقق بها مصالح الفاسدين، والجائرين. وحينئذ تكون المنفعة هي الخلق القويم، لا حق العدالة، والحرية، والمساواة.
قد كانت تلك الصفة جمالا لكل واحد في مرتبته، لكن حين فقد العالم حرية الروح، ضعفت قوته، وهانت صفته. وإذ ذاك، رأى ما في أيدي غيره قوة، فاستقوى بما لغيره من صفاته، وأذل ما كان له عظمة في غوره، فجاءت منه الزلات، والهنات. ولذا، فإن حرية روح العالم، تعني أن يكون حرا في ذاته، وشخصيته. فذاته هي عمقه، وشخصيته هي المظهر الخارجي المميز له عن غيره. وإذا ماتت هذه الحرية، ابتدأ عهد العبودية، والإكراه، والإرغام. وحينئذ لا إحساس بالقيد، ولا بالنخس، ولا بالوزن. وإذا لم نحس بالأغلال، والآصار، كانت الحدائق والبساتين والمتنزهات والأهوية الطلقة والأماكن السمحة رداءا يسجننا، ويعذبنا، ويؤلمنا. وتلك هي النهاية المخزية لكل من فقد صفته، واستظهر مشية غير مشيته.
إن العلم حين كان معنى، لم يكن تخويفا، ولا ترهيبا، كلا، بل كان صناعة للنوع، لا للجنس، لأن الجنس يستحيل أن تكون الصفة فيه عامة على جميع أفراده، لكن النوع على عكس ذلك. ومن هنا، فصناعةُ الإنسان من مادة الخوف، لن تفضي به إلى أن يتكاثف في مجتمعه مع غيره. لأن الإنسان في مظهره الخارجي، لا يتأثر إلا بما في عمقه. وإذا أتينا البيت من بابه، وأضأنا السروج، فلا محالة سنطيق إعانة الإنسان على صناعة شكله، ومظهره، وإغاثته في واقعه، وأوضاعه. لكن إذا اعتقدنا أن مهمتنا هو صناعة الإنسان من دوافع خصوصياتنا، ونحن لم نكتمل بعض في الخطوط، ولا في الحظوظ، فكيف يجوز لنا أن نحرره من عبوديتنا، وعبودية غيرنا، ونحن أسارى لشهواتنا، ونزواتنا.؟
تلك هي قصة الحرف الذي دبر مكيدة وأد الحصة، ودون ما تناثر على الأحجار والأشجار من نقوش الطفولة، واليفوعة. فلا عجب إذا رأى ما ورثه من أدلة توحي إليه بأن بناء ذلك العالم الجميل الذي انصرف إليه نظر المعذبين، والبائيسن، ما هو إلا وحي خيال جامح، وجانح، لا يكاد يتوقف على رجل حتى تتعثر به الثانية. فقصارى جهده أن يشهد الأدلة، وهي تؤكد له أن قيام الحقيقة في خمرتها المعتقة، لا يتأتى للذات المتولدة من السؤال، ما لم تنبع منابعها من جونها. وإذا أفضت به فكرة إلى تقديم مهر ثمين لها في برانيه، غدا مفارقا لذاته التي هي محيط لكل زفراته، وجمراته، بل هي أفق لكل استشراف يتطلع به إلى نجاته من صقور فارقها على قنن الجبال، أو من ببغاوات تدندن برِكَّة بين الأفقاص النتنة.



#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات فلسفية 1
- تأملات فلسفية 2
- صيد الذكرى
- رسائل إلى السماء الرسالة الثانية 2-2
- رسائل إلى السماء الرسالة الثانية 1-2
- رسائل إلى السماء الرسالة الأولى
- عطر الصباح جنون الكتابة
- عطر الصباح مقالات نافرة، وزافرة
- عطر الصباح وقفة مع كتاب سر الصباح 1
- عطر الصباح وقفة مع سيدي أحمد بن الحسن أبناو في كتابه: سر الص ...
- عطر الصباح تعليق على قصيدة ميثاق كريم الركابي: كانت لنا قضية ...
- عقيدة الكاتب
- إزالة الالتباس عن مُشكَلات الإصلاح الديني 2
- إزالة الالتباس عن مُشكَلات الإصلاح الديني 1
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 8
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 7
- تجديد المسار... أي دور للمنبر 6
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 5
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ رقم 4
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 3


المزيد.....




- قضية مقتل فتاة لبنانية بفندق ببيروت والجاني غير لبناني اعتدى ...
- مصر.. تداول سرقة هاتف مراسل قناة أجنبية وسط تفاعل والداخلية ...
- نطق الشهادة.. آخر ما قاله الأمير بدر بن عبدالمحسن بمقابلة عل ...
- فشل العقوبات على روسيا يثير غضب وسائل الإعلام الألمانية
- موسكو تحذر من احتمال تصعيد جديد بين إيران وإسرائيل
- -تهديد للديمقراطية بألمانيا-.. شولتس يعلق على الاعتداء على أ ...
- مصرع أكثر من 55 شخصا في جنوب البرازيل بسبب الأمطار الغزيرة ( ...
- سيناتور روسي يكشف سبب نزوح المرتزقة الأجانب عن القوات الأوكر ...
- ?? مباشر: الجيش الإسرائيلي يعلن قتل خمسة مسلحين فلسطينيين في ...
- مصر.. حكم بالسجن 3 سنوات على المتهمين في قضية -طالبة العريش- ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جميل حسين عبدالله - تأملات فلسفية 3