أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان علي - الموت الثمين والحياة المؤجلة.. قراءة في مجموعة قصائد مختارة للشاعر العراقي المغترب- رحمن النجار















المزيد.....

الموت الثمين والحياة المؤجلة.. قراءة في مجموعة قصائد مختارة للشاعر العراقي المغترب- رحمن النجار


حسين علوان علي
(Hussain Alwan)


الحوار المتمدن-العدد: 5032 - 2016 / 1 / 2 - 23:45
المحور: الادب والفن
    


( لسنا علينا أن نتخيل أو نفترض، لكن علينا أن نكتشف ما الذي تصنعه الطبيعة أو ما الذي هي مؤهلة لصنعه)
فرنسيس بيكون

يتناول االشاعر رحمن النجار بتلقائية كبيرة ثيمة الموت باعتباره الحقيقة الكبرى .. فتحسه يقف لصق هذا الفعل القاهر وكأنه قد اختاره اختيارا مصيريا ليواجه به كل المجهول الذي يقبع قبالته .. وعلى الرغم من الجسامة التي تكمن خلف هذا الاختيار فانه لايبدو مباليا بما يمكن أن يلحق به من الخسائر:


(وكم تمنيت لو أن الحكمة
تأتي بعد رصيف خيبة.)
جاءت الحكمة إذن دون رصيف خيبة... فهل امتلك الشاعر الحكمة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي الحكمة التي امتلكها النجار؟
يهتم الشاعر الذي احترف مهنة النجارة بأصابعه كثيرا ..
(أية أصابع
من إله
أو من شمع الانبياء)

هذه الاصابع التي تطوّع خامة الطبيعة الى فن مصنوع هي أداة الشاعر في الخلق .. وهو يتوسم منها أن تكون قد قدّت من شمع الأنبياء أو من فيض اله .. لكنه يعترف أنه لم يستطع أن ينحت مثلما يجب .. كانت تعوزه الدقة على وجه أصح .. والامر برمته لم يكن نتيجة لقصور في المقدرة بقدر ماهو فعل من مؤثرات خارجية أفضت الى القصور .. وهنا تكمن الخطورة .. إذ ينبغي بهذا المبرر أن يأخذ أبعاده الكاملة لكي لا يبدو تبريرا غير مقنع .. حتى لو هو تعثر بتماثيل اخوته التي بلا وجوه .. هكذا منذ البداية يقرر رحمان النجار أن يقطع الجانب الأصعب من الطريق ..

(فلنبدأ إذن:
أية بداية
بتلاوات مما لا نفهم)

(أية حياة
في أي غصن أو طحلب
في أي أنا
تتأرجحُ أملاً في البقاء)

لا يمكن لطلب الموت إلاّ أن يتجسد بهذا الشكل .. لم يزل الشاعر حائرا في فهم أناه التي يواجه بها العالم .. الأنا التي تمثل أملا يلوح بالبقاء .. ليس ذاك فحسب بل هو يمتلك اجابة محددة وواضحة .. وهي أنه لا يعرف نفسه

(لا اعرف نفسي
لا و لا هذا الظل الذي يتبعني كملاك أحمق.)
هل يكون ذلك الظل هو ملك الموت؟!

(الدماء
تجربة الأرباب المقدسة
منهم و تعود إليهم
ما الذي لي؟)

القداسة فكرة منفصلة دائما عن المرء الفاني الذي هو محكوم بالموت .. الآلهة أهل للقداسة .. لكن الشاعر مع ذلك يسأل .. أسئلة مستمرة وحاسمة حول الغرض من تجربة وجوده هو .. وهو لا يدخل الأجساد إلا من خلال الظلال .. وحين يدخل ظلال الأجساد ليبحث عن الإجابات لايجد غير بقايا أرواح بشرية في كل قطرة دم منها يتجول إله ليشهد المجزرة .. والمجزرة ليست بعيدة عن الشاعر .. حياة أهرقت دماءها الحرب وبشر يسيرون بلا ريب الى المحرقة. لذلك يمتلك الموت بمعناه الشامل ثقلا كبيرا في نصوص الشاعر .. الموت باعتباره سؤالا أخر دون إجابة .. وإجابة جاهزة لأسئلة قاهرة أخذت تعمي البصيرة والبصر:

(للعالم ظل ضاحك في مرآته
وعلى أرصفتهِ
خُطىً من قبور.)

القبور تخطو على الارصفة .. وللعالم ظلاله الضاحكة ومرآته .. أما هو فلاشيء من ذلك له.. لا يخدعنك الظل الضاحك في مرآة العالم .. فان على الارصفة تخطو القبور .. الموت حقيقة يحس بها الشاعر في خطوه بين المرايا الخادعة الضاحكة .. انه الحقيقة الوحيدة غير المخادعة:


(العيش شعاع
ينفلت من ذاكرة الموت)

الموت الذي هو الاصل وما الحياة الاّ شعاع ينفلت منه:

(ماتَ الذي كان يتشكى بالألم و غير الألم
وبخط يده، كتب على شاهدة قبره :
ما الذي أتصبرُ به الآن؟)
كان يتصبر بالحياة متشكيا بالألم وغير الألم .. هو لا يذكر ما يعنيه بغير الألم .. هل اللذة أم السعادة .. ومهما كان ما يقصد فانه لا يجد أن من المناسب ذكره جنب مفردة الالم .. يريد منها أن تحتل المشهد كله، كان يتصبر بالحياة من أجل مرحلة أخرى قادمة .. وهي الموت .. انه يكتب شاهد القبر بخط يده .. ولا يوحي بذلك انه إنما يميت نفسه بقدر ما يريد الإيحاء أنه يحيها بإماتتها .. فبالموت يريد رحمن النجار أن يخلق حياة جديدة .. هكذا حينما يجد الشاعر أن الخراب الماثل أمامه لم يعد يمثل أقل قدر من حياة متاحة ، لا يجد غير الموت بديلا لتنهض بعده حياة جديدة .. الموت مرحلة تحوّل مابين حياتين :

(ستموت كزوال نُدبه)

الموت البديهي التلقائي .. لا الموت المفاجئ العنيف .. موت هو بمثابة ممارسة عادية كما هي الحياة ممارسة عادية .. موت من نوع آخر غير الذي نعرفه .. فيه الخلاص من حياة انحدرت الى الحد الذي بات الخلاص منها مطلبا حتميا:

(من الأكثر موتاً ؟)

وهو الموت الذي يقبل المفاضلة .. حتى يمكن أن نجد من يموت أكثر من الآخر:


(قد مات الشاعر على طاولته
تحت سماء غرفته
بقلوبٍ جمّة.)

مرة أخرى يربط النجار الموت بوجهة للحياة .. القلوب الجمة لا تكون كذلك ما لم تكن حية .. لكن هذه هي قلوب الشاعر .. إذ هي لا تموت مالم تمت جمة .. وهو لا يموت الاّ على طاولته حيث يكتب .. وتحت سماء غرفته حيث ينعزل .... ليموت:


(و بمرور كل هذا الوقت أصبحتُ لا أصدق،
كل من يتناهى عبر موته و لا يعود.)

كل الوقت الذي يمر بعيدا عن الموت هو وقت غير قابل للوثوق .. يدفع به لأن لا يصدق من يتناهى عبر موته ولا يعود .. الشاعر يفترض بالمتناهي ذاك أن يعود بعد موته .. فالموت لدى رحمن النجار ليس نهاية لفصل من الفصول .. انه فصل من الفصول بحد ذاته .. يمر وتعقبه فصول .. وفي الموت الذي يرتبط بالعودة كذلك :

(ما الذي يهدأ و يعود من سبات
من موت)

هو غير واثق بشيء ولا ينتظر من التجربة التي تمثل أمامه ويراقبها أي شيء .. ولأن هذا الموت يبدو أمامه غير دان مادام يقصد تمنيه بهذا الشكل .. فهو يخطط حتى لشراء كل أثاث الموتى:

(أخطط لشراء كل أثاث الموتى(

الأثاث هو ليس صورة مادية حاضرة لذكرياتهم، بل هو كيان قائم بذاته عن الموتى يريد أن يفصله عنهم ليهبه حياة جديدة وهو النجار الصانع الماهر .. لكنه لم يشتريه بعد فهو يخطط حسب .. فقد لايتمكن من شراءه أصلا. رغم بحث الشاعر عن أجوبة لأسئلته الملحاحة وبحثه الدؤوب عن المخرج ، فهو لاينفك من أن يؤجل كل الاشياء.. هي مؤجلة عنده حتى لتخاله يستعذب البقاء في تلك المنطقة، وبالأحرى يستعذب عذابها .. حتى يحل موته .. ساعة أن تحين ساعته:

(أقراط البحار في أُذنه،
أجرة دفنه، يدفعها للقبطان عندما يموت)

وفي الموت المرتبط بالشراء مرة أخرى ينبغي أن يفكر البحار باجرة دفنه التي ينبغي
أن يدفعها للقبطان عندما يموت:


(أن يعيش المرء على صورة رب
و أن يموت وقت تحين ساعته)
هل الاستسلام القدري هو الحل؟ دعه يجرب .. لكنه يطلب كثيرا .. الحياة على صورة الرب طلب قاهر بالنسبة للإنسان المجدول بكتلة من المشاعر والأحاسيس .. يطلب حياة ثمينة جدا على أن يكون الموت هو المقابل الذي يقدمه لها .. الموت الثمين:


العقد في بداية حياة الشجرة لا تُعد)
صغيرة صلدة و ناعمة
موت يأنُّ بين ضلوع شجرية.)

الموت ينشأ منذ الصغر .. يبدأ منذ بداية حياة الشجرة، هو موت ملازم، يتصاعد مع الشجرة الصغيرة في أول طرقها نحو النضارة .. يأن بين أضلاعها طالبا الحياة :

(بهذا فالشمس لا تختفي في الليل
تبيعُ ما تبيع، تنضبُ و تموت)
الشمس لا تغيب . بل هي تموت بعد أن تنضب وتبيع ماتبيع . ولكن كيف يحدث أنها تعود ثانية الى الحياة في الفجر القادم .. لايهتم الشاعر بالاجابة .. المهم أن لديه في الصورة موت في حالة عمل .. وذلك يكفي ليجعله حيا فيها:

(من سيزور موتاه بعد خمسة قرون؟)

لانه سيكون ميتا بعد خمسة قرون لذلك لن يكون بمستطاعه أن يزور موتاه

(التراب في حالة القبر شخصيٌّ جدا
دماء
و فكرة ميتة.)

التراب هوية شخصية بحتة داخل القبر .. دماء مراقة ميتة وفكرة حية ... لأنها ميتة.



(حفار القبور يخطط لشراء مقبرة
مقبرة صغيرة تتطور تدريجياً و بهدوء
إلى حديقة عامة.

الموت ليس ذنبهُ
و عمر المقابر قصير)

ليس ذنب حفار القبور أن الموت حقيقة تضمن له حياته حين يحفر قبور الموتى .. وهو لذلك يخطط هذه المرة لشراء مقبرة يطورها شيئا فشيئا طالما الموتى بازدياد .. وطالما أن الحرب تدفع الى مقبرته بالمزيد من الموتى .. والحروب التي تتوالد على الدوام تجعل عمر المقابر قصيرا .. لأن كل حرب جديدة بحاجة الى مقبرة جديدة.. وكما تنشب حرب إثر حرب يشتري حفار القبور بعد كل منها مقبرة جديدة.. وباختياره لثيمة الموت كمقطع رئيسي يقرر النجار أن يركب أقسى الامواج وأكثرها خطرا .. ليبحر الى وجهة يبدو أنه يعرفها .. ونظن أنها حقيقة أن الموت هو الحقيقة الوحيدة .. فقد تكون الحياة حلما .. أو وهما .. أو خدعة .. قد تكون الحياة تحليقا قصيرا لسرب تاه في السماء .. لكن الموت جلي .. وقريب .. حتى نكاد أن نلمسه كل هنيهة.

04 – 1 – 10
الولايات المتحدة



#حسين_علوان_علي (هاشتاغ)       Hussain_Alwan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثية إلى ياسين عطية*
- أبواق حزينة
- جزيرة الغرقى المحبين
- أول الموج
- فيلم عازف البيانو- تحفة لرومان بولانسكي وفيض من ثرائه
- قراءة في فلم (غراند تورينو) لكلنت ايستوود
- الفلم الالماني حياة الاخرين - الخيار الاخلاقي في مواجهة سلطة ...
- فيلم السقوط.. الساعات الاخيرة من حياة هتلر والرايخ الثالث.
- يا وجود
- أصل الشر!
- مسرحية فان كوخ - الطريق إلى الشمس
- السومري الدائن في زاهي الكتابة.
- حين تقع في غرام مدينة


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان علي - الموت الثمين والحياة المؤجلة.. قراءة في مجموعة قصائد مختارة للشاعر العراقي المغترب- رحمن النجار