أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - التنوير؛ الأنا والآخر















المزيد.....

التنوير؛ الأنا والآخر


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 5011 - 2015 / 12 / 12 - 19:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتشكل الهُوية، ويُعاد تشكيلها في أفق الزمن والتجربة. ولهذا فهي تقتضي شرط الحرية حين نعاينها من منظور تنويري عقلاني لتكون مسعى اختيارياً يضمن الاتصال في ضمن مجال أنسني رحب ومفتوح على الآخر.. إن الذات المتحققة بوجود آخر( ها ) في ضوء المعيار الذي ذكرناه هي التي توفر فرص الفهم والتعاطف والتسامح والتعايش، في مدار كوني يسع الجميع، ويوفر أسباب النماء والسعادة وتحقيق الذات للجميع.
ربط مفكرو عصر التنوير الأوروبي مبدأ التسامح بالعلمانية، أي بالمجتمع المدني القائم في إدارته على فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، مع ضمان حرية الضمير. وعلى الرغم من أن بعضهم انطلق من ثقافة دينية إلا أن تأويلهم للنصوص المقدسة كان يصب غالباً في تعزيز قيمة التسامح وتأكيدها بالتوسل ببراهين منطقية، عقلانية. وها هو بيير بيل يكتب في العام 1681 بأنه "عدوان أكيد على حقوق الله أن يريد الإنسان إكراه الضمير". وقبل ذلك يكتب جون لوك في العام 1667 بحثاً في التسامح ناكراً أن يكون للحاكم المدني أية سلطة على الرعية فيما يتصل بالدين، قائلاً: "ليس من المعقول أن يكل الناس إلى الحاكم المدني سلطة أن يختار لهم الطريق إلى النجاة، إنها مسألة خطيرة لا يمكن التسليم فيها". ومؤكداً أن "عدم التسامح يتنافى مع الفضائل المسيحية"، وفي المقدمة منها؛ المحبة. ليصل إلى نتيجة غاية في الأهمية وهي أن الكنيسة حتى لو طردت عضواً أصر على هتك قوانينها فهذا "ينبغي ألا يتضمن حرمانه من أي حق من حقوقه المدنية".
فكر التنوير كما تمثّل آخره:
انطلق فكر التنوير عقب الحروب الصليبية، والاستكشافات الجغرافية، ومع ازدهار التجارة عبر البحار، فكان من المنطقي الاحتكاك بالآخر، غير الأوروبي. وأية مقاربة لتاريخ ذلك الفكر ستطلعنا على كيفية استحضار خطابه لـ ( الآخر ) الذي هو الشرقي القابع داخل هالة من الغرابة والسحر.. فهو المختلف ( الذي لا يشبهنا ) العالق في زمنه الساكن المرمنس، اللاعقلاني العاجز عن تمثيل نفسه، والراغب بأن يُخضع، وأن يُمثّل.
هناك من مفكري عصر التنوير من وقع في فخ التمركز حول الذات، والشمولية. وهؤلاء هم الصنف الذي وجد في قيم الغرب وأعرافه وحقيقته التي اعتقدها عن العالم المعيار الذي بموجبه يُحكم على الآخرين. وبذا يغدو كل الآخرين الذين لا يماثلونهم برابرة. وبحسب تفسير تودوروف لهذه الإشكالية فإن ( الحقيقي ) من وجهة النظر تلك "معرّف انطلاقاً مما هو ( حقيقتنا ) مما لا يمنع هذا ( الحقيقي ) من أن يأتي فيما بعد ليرفع مقام ( حقيقتنا ) بتزيينها بألوانه الجميلة".
يصبح مثال الإنسان هو الغربي الحامل لرسالة التحضّر والمدنية. فهو العقلاني الذكي العارف بالأسباب، والأخلاقي ذو القيم النبيلة والذائبة. أما ما عداه فيمكث في درجة أدنى، ولذا فهو لا يستحق مكانه وأرضه وثروته.. هذا المنطق برر الغزو الكولونيالي.
يحاول بعض من مفكري التنوير بطرق ماكرة ومراوغة أن يتركوا قناعة لدى قرائهم بأن الأعراق لا يمكن حشرها في خانة واحدة.. فهم قد يقرون أولاً أن الفلسفة وعلم الأخلاق والدين تسلّم بوحدة الجنس البشري، وبالمساواة التي هي حق لكل الكائنات الإنسانية، بيد أنهم يضعون بالمقابل ذلك التخريج الذي ينسبونه للعلم والذي يدّعي العكس.. ومثلما يقول ديدرو فإن "في مواجهة التاريخ، لا تمثل الأحكام الأخلاقية عنصراً ملائماً". وهم يختزلون العقل بالعلم وحده. ومثلما يحاجج تودوروف في صيغة تساؤلات: "أهو أمر مشروع أن نرى في العلم سيد الحقيقة الأوحد؟ أمن العدل أن نختزل العقل في العلم، وأن نلقي بالفلسفة باتجاه الدين وبالحكمة في سلّة مهملات الغباء؟ أليس الأحرى بنا أن نرى في العقل العنصر المشترك بين الفكر العلمي والأخلاق الشاملة وله إذذاك الحق في إصدار الحكم على نتائج العلم بدلاً من أن نتركها تسيطر علينا، مهما تكن ماهيتها؟".
وظف الخطاب الكولونيالي علم الأعراق ( الأثنوغرافيا ) لدعم وتسويغ الفعل الاستعماري.. فالأعراق، من منظور جوبينو ( في سبيل المثال ) ليست متشابهة، والأعراق هي المحدِّدة للسلوك وطريقة التفكير اللذين يجري توارثهما بيولوجياً. وهي التي تملي على الناس قواعد حياتهم، "توحي لهم برغباتهم، تعيّن ما يحبون وتؤجج أحقادهم، إنها تقود لا مبالاتهم". وجوبينو يكتب هذا كله تحت مسمى ذي دلالة واضحة ( بحث في اللامساواة البشرية ). وهكذا تنتفي الإرادة في التغيير، والتطور، لصالح فكرة الجواهر الثابتة والهويات المشكلة خارج التاريخ ومعطياته. وبذا يغدو الآخرون الذين ( لا يشبهوننا ) برابرة ومتوحشين، وهؤلاء بحسب دوجيراندو "لا يستطيعون امتلاك عدد كبير من الأفكار المجردة... والمفاهيم التي من المرجّح أن تشغل المتوحشين أقل ما يمكن هي تلك التي تنتمي للتفكير". ولأن كل شيء مثبت مسبقاً ولا قوة في الأرض يمكن أن تمنعه وتغيره فلا معنى إذن لما ننعته بالأخلاق، وهذا ما يؤكده جوبينو "بما أن وجود مجتمع يعتبر بادئ ذي بدء واقعاً لا يتوقف على الإنسان إنتاجه ولا منعه. فهو لا يحمل له أي تأثير يكون الإنسان مسؤولاً عنه. إنه لا يتضمن على أخلاقية إذن. لا يكون مجتمع ما، بحد ذاته، فاضلاً أو فاسداً، إنه ليس عاقلاً ولا مجنوناً. إنه مجتمع كائن".
يمكن أن نجد خيطاً رابطاً بين فكر التنوير وطروحات المستشرقين والرحالة والخطاب السياسي الذي سوّغ الاستعمار. وقد صاحبت مغامرة العقل الأوروبي بدءاً من عصر النهضة، ومن ثم عصر التنوير، مغامرة الاستكشافات الجغرافية وناظرتها، فمهّدت المغامرتان الكبيرتان للعهد الكولونيالي.
إن عدّ القيم الغربية كونية، وهي الصحيحة وحدها، في مقابل قيم الآخرين ( المتوحشين والبرابرة ) المتدنية، شرعنت عملية السيطرة وممارسة العنف. وكانت الفكرة الدافعة، ها هنا، هي إخضاع الآخر بزعم تمدينه على وفق المعايير الغربية. وفي لعبة السياسة القائمة على المصالح انتصر ذلك الجانب ( الشمولي ) من فكر التنوير ليجري تمثله في نسيج الخطاب السياسي الكولونيالي.
إن الخطاب الكولونيالي الذي طرح في تضاعيفه، مخفياً على درجة عالية من المكر أحياناً، دونية المستعمَر وجوداً وثقافة، وهمجيته، مسوِّغاً ممارسة العنف ضده إن لم يمتثل.. فالخطاب الكولونيالي المتخم بالوعد والوعيد، بالعنف الرمزي المعنوي والصريح، كان ينصح الآخر ( الهمجي المتخلف ) الموجّه إليه الخطاب، بالاستكانة والخضوع للبرنامج الاستعماري والذي ( ربما ) سينقذه من طبيعته الدونية وقدره السيء.
ترك الوضع الكولونيالي عند المستعمَر رضوضاً نفسية وشعوراً حاداً بالدونية، والمهانة ستبقى آثارها ماثلة في وعيه ولا وعيه عقوداً طويلة.. ويرى المفكر الهندي أمارتيا صن الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد 1998: "إن دور المهانة الكولونيالية في خطاب الشعوب التي وقعت تحت سيطرتها يستحق على الأقل من الانتباه ما يماثل النفوذ الاقتصادي والسياسي غير المتعادل الذي فرضته السلطات الإمبريالية".
تآكلت الحرية مع تسيد العقلانية الأداتية محققة نوعاً هشاً من الهيمنة.. الهيمنة بالمعنى الذي عناه غرامشي؛ السيطرة التي يتقبلها المسيطر عليه لقاء وعود وامتيازات صغيرة تافهة، وليكون جزءاً من عمل منظومة مؤسسية؛ الاستعمار في البدء، ومن ثم المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية التي تديرها سلطة رأس المال، وأخيراً مؤسسات العولمة بآلياتها وأذرعها الممتدة في كل مكان.
ازدهر الاقتصاد العالمي في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية.. كانت الرأسمالية بعقلانيتها الاقتصادية البراغماتية تحقق نجاحات كبرى في مستويات النمو الاقتصادي والدخل الحقيقي ووضع العمال.. وكانت التكنولوجيا تتطور بشكل هائل وصادم، مسببة بهدر غير مسبوق للموارد القابلة للنضوب، وتغيرات مناخية مؤذية واتساع رقعة التصحر، وبالمقابل، في الوقت نفسه، حيث الحرب الباردة قائمة، كانت الحروب الإقليمية والحروب بالإنابة والنزاعات الأهلية تفتك بسكان مناطق كثيرة من بلدان ما كان يُعرف بالعالم الثالث، وتخرِّب البيئة الحيوية للبشر.
"زرعت الحرب الباردة بذور عدم الاستقرار في العالم الثالث، وتركت حروبها العديدة بالوكالة في الدول النامية تراثاً مكوِّناً من مجموعات مسلحة وأسلحة رخيصة وشبكات تهريب. ودفعت السياسات الاقتصادية لليبرالية الجديدة ـ الخصخصة المتطرفة ورفع التحكم الاقتصادي ـ التي فرضت من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على اقتصادات عديدة في العالم الثالث ـ أو إذا شئت عالم الجنوب ـ نحو أزمة دائمة وعدم مساواة شديدة. في هذه المجتمعات تحوّلت الدولة إلى صدفة فارغة خالية من أي قدرة مؤسساتية هي بحاجة إليها لتوجيه التطور الاقتصادي أو معالجة الأزمات الاجتماعية".
ويرى الصحافي الأمريكي كريستيان بارينتي مؤلف كتاب ( مدار الفوضى: تغير المناخ والجغرافيا الجديدة للعنف كيف راحت تبرز "جغرافيا مكوّنة من حروب أهلية وتدفق لاجئين ومذابح جماعية وانهيار اجتماعي مدفوعة كلها مناخيا".
صار العنف ينمو، في بقاع كثيرة من العالم، بالتوازي مع زيادة السكان ونضوب الموارد، وشحة المياه، وانحسار مساحة الغابات والأراضي الصالحة للزراعة، وارتخاء قبضة الحكومات، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، والصراعات الدامية والباردة حول السلطة والثروة والنفوذ. وبدأت جماعات كثيرة تنكفئ على هوياتها الاثنية والطائفية، وراح أناس منها يبحثون في كتبهم المقدّسة وغير المقدّسة، وتواريخهم المكتوبة وغير المكتوبة، عمّا يميز جماعاتهم عن الآخرين وعمّا يسوِّغ الكراهية ضدهم، ويشرعن محاربتهم.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الهوية ومعضلتها: الذات والآخر
- في كتاب -الأجنبية-: البحث عن الذات
- سياسات الهوية ومفهوم الهجنة
- عالمنا الذي يتهرأ: السلطة، الثقافة، الهوية، والعنف
- حول مفهومي النهضة والتنوير
- تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية
- ذلك الجندي الذي يقرأ: شهادة قارئ روايات
- عصرنا، والوظيفة العضوية للمثقف
- الاحتجاجات المدنية والوظيفة العضوية للمثقفين
- أن نتعلم ألفباء السياسة بالممارسة: ساحات الاحتجاج مثالاً
- جيل جديد.. مثقف جديد
- تأملات عبر اللحظة العراقية الآنية
- المثقف محتجّاً مدنيّاً
- هذا الحراك المدني
- الروائي الساذج والحساس
- التعصّب صَنْعَة فاشيّة
- ولادة ثانية 2 2
- ولادة ثانية
- هل أنعشت ثورات الربيع العربي الإرهاب؟ ( 2 2 )
- قراءة في رواية ( جحيم الراهب ) لشاكر نوري


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - التنوير؛ الأنا والآخر