هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 4979 - 2015 / 11 / 8 - 16:20
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
رواية
"ترمي بشرر"
المحظورات في دولة تدعي صيانة الحرمات .
رواية " ترمي بشرر" للروائي السعودي عبده خال الصادرة عن دار الجمل 2009 ,والتي وصل عدد طبعاتها الى خمس طبعات في مدة قياسية وخاصة بعد أن تُوِجّتْ سنة 2010 بجائزة الرواية العالمية للبوكر
تبدأ الرواية بإهداء, ثم بعتبة أولى , وعتبة ثانية , ثم فصل البرزخ
وهذا فيه نوعا ما من مخالفة التقسيم المتعارف عليه وكأنه أراد بذلك تجديدا في الشكل على شاكلة المجددين
وفيه تنويعا مختلفا , وكأنه يقدم للقارىء – القاضي أوراق و وثائق تصدّق على أقواله وحكايته .
تأويل عنوان العمل هو تضمين للآية القرآنية رقم (32) (33) من سورة المرسلات
"إنّها تَرمي بِشرَرٍ كَالقَصرِ , كأنّه جِمالةٌ صُفْرٌ "
ففيها إشارة لما ستحدثه الرواية من شرر يرمي بتوابعه لمؤسسة الحكم الدينية هناك , حيث التناقض بين الخطاب الرسمي لدولة تطبّق أحكام الشّريعة ,وبين ما يحدث خلف الأسوار من كل أنواع الفسوق والفجور.
الجدير بالذكر أن كل الروايات التي تنفض النسيج السّاتر للمجتمعات المنغلقة , وتكشفه هي الأكثر صدقا والأكثر تداولا لدى القراء , فلطالما كانت الأسرالمخبوءة هي الجذور التي تبنى عليها الروايات الناجحة .فالحياة باسرارها كما القارىء الشغوف بكشف المخبوء والمستور والمدارى والمحجوب .وربما جاء فوزها بالجائزة تتويجا لكشف تلك الحجب .
تبدأ الرواية ببوح على لسان المتكلم الذي سيروي لنا قصة حياته في مهماته القذرة التي يتكل فيها السيد- كما أسماه وربما يكون أمير أو وزير أو أي شيء مهم في الدولة وخاصة أن بمقدوره أن يستولي على شاطىء البحر لبناء قصره حارما سكان المنطقة من الصيد الذين عاشوا طوال عمرهم يعتاشون منه
الرواية وكأنها سرد متتابع في بناء حياة جديدة تهدد حياة الفقراء وترسم بخطى متأنية خط سير بنيان القصر كدلالة على التوسع واستيلاء الدولة على مقدرات الأمة ويأتي سيد القصرليمعن في الإستيلاء على الحياة برمتها عندما يجيّش السكان المحليين لخدمته وخدماته القذره في تعذيب ضحاياه مستغلا شذوذ البعض منهم كما هو البطل في معاناته .
تأخذ الرواية - في جزء من مادتها من التقرير الصحفي, و تعتمد على الوثائق التي يقول أنه يحتفظ بها فيضعها في نهاية الرواية مصداقا لكلامه , لذا نجد قصاصات من جرائد تتحدث عن إنهيار سوق البورصة والتي أخبرتنا الرواية عن إلإجتماعات المريبة للّسيد- صاحب القصر في التخطيط لإنهيارالسوق للحصول على ما خسره صغار المستثمرين, ذوي الطموح بالثراء السريع , لتصب في النهاية في جيوبه .
ونجد في ملحق خاص باسماء حريم القصر , ونبذة مختصرة عنهم
هذه الفئة الّلواتي امتهنّ مهنة إمتاع السيد وزائريه في الحفلات التي يقيمها في القصر ,وأن لم يقدم لنا رأيا في تلك النساء المخمرات بالخمار الأسود , فلا تبدو منهن سوى العيون الكحيلة , فقد كان حيادا في نقد تلك النسوة التي رمت بهن الأقدار في تلك المهن القذرة .وهذا يحسب له لأن الكاتب أثناء كتابة الأدب يجب ان يصف ويعرض الواقع بدون محاكمته ,فليس من بين مهامه الإفتاء و القضاء والحكم على الآخرين .وهكذا نجد أن الرواية عند عبده خال تحولت لتقرير صحفي وأدب ما يسمى ( (non fiction أو ما يدعى الأدب الغير خيالي الذي يتضمن وثائق ومتعلقات وصور ونسخ من صحف وتقارير سرية وملفات .
يحاول الراوي في نهاية العمل إظهار صدق التقارير والمعلومات التي وصلته عن طريق وضع صور لعيون الفتيات المخمرات بعنوان: " نساء القصر "
وهو جيش ينوف عن الثلاثين فتاة مع ذكر بعضا من سيرتها الذاتية التي تكشف ما تعانيه النساء من قمع مجتمعي وتفكك وعنف أسري ,والتي أودتهم جميعا الى هذه الهاوية التي هي عبارة عن حفلات السمر والبغاء حيث يركضن وراء الحظوة والمال من سيد القصر
في جزء من الرواية يبدو خارج النص ,يخبرنا المؤلف عبده خال - المتحفظ نوعا ما من أن يساء فهمه , كيفيه حصوله على هذه القصة , فهو يريد أن يقول لنا أن أحدهم أستوقفه ,وبثه لواعج قصته كاملة وما هو الاّ ناقل للخبر ويمعن بذلك عندما لم ياخذ الأمر بشكل جدي . فيقدم له الراوي – صاحب القصة مفاجأة على وزن تصريح صادم إ" لوطي" و هي ما جعلته يقبل على كتابة ما يسمع ,لأنه كان يتوقع صداها في مجتمع شرقي يرفض الشذوذ بل يحاربه
..... ربما ذكر عبده خال - تلك الإضاءة أو التلميح من أجل الاّ تلصق به التهمة , وهذه تهمة جاهزة لكل كاتب فيما يسمى " التخييل الذاتي ". حيث يحمل على أكتافه وزر شخصياته التي قد تصبح وئيقة إدانة كما حدث لأوسكار وايلد التي اصبح عمله "دوريان غراي" مصدر إدانة ودليل على إنحرافه وزجه بالسجن .
فقد سئل "اوسكار وايلد صاحب العمل الأدبي "دوريان غراي " عمن يكون في الرواية
فقال : " أن اللورد "هنري" هو الشخص الذي يعتقد الناس أني هو,
والرسام "بازيل" هو ما أحسب أني إياه, بينما أطمع في النهاية أن أكون "دوريان غراي".
وهكذا فالراوي - دائما في موضع الإتهام , وخاصة إذا جاءت الرواية بلسان المتكلم فهي ستحدث أثرا في القارىء سيجعله يعتقد ان الراوي هو نفسه البطل
أما كيف نجعل القارىء يطرد فكرة إلصاق الشخصيات بالراوي , فهذا شيء عسير , فقارىء الرواية ليس بالضرورة قارىء للنقد والأدب لكي يتفهم خصوصية الكاتب , وكيفية تناوله لشخصياته في العمل الأدبي لذا سيكون حديثنا موجها للّكتاب وليس للقراء لآن الكاتب من اليسير حصره وإيصال الرسالة له على عكس القارىء الذي لا تهمه الإيدولوجيات و رؤى النظريات , لذا نصيحتي للمؤلفين والكتاب :
دعكم عما سيفكر به القراء ولنترك لهم فرصة التخييل واللعب بهم , فما الأدب سوى لعبة مسلية في ختامها ينتحر المؤلف ويتلاشى إتكاء على ما بشرت به نظرية موت المؤلف .
في النهاية " القصر "هو تصغير لما يحدث في قصور المملكة , من دولة تطبق أحكام الدين , وتحرم سفر الإمراة بدون محرم , وتحرمها من قيادة السيارة في بلادها , وتحرسها بهيئة دينية تلاحقها وتعاقبها فيما لو طلت أظافر يديها بطلاء لامع ,وتلّزمها بالغطاء والخمار في حين أن أغنياءها أصحاب القصور - يشكلون في قصورهم ممالك مستباحة لكل شيء ابتداء من الخمر وانتهاء بحفلات الجنس
القصر مكان مصغر لمكان أرحب وأكبر منه و ما هو الاّ كناية عما يحدث في الدولة كلها فالقصر هو وصف مجازي للدولة المنتهكة في استقلالها حيث سيف الوهابية مازال يبطش بالفقراء فقط .وهذا ما جعل الكاتب ينهي روايته بالبرزخ حيث يقول "
"لا خير في أمة تقيم الحد على الضعفاء , وتغض الطرف عن الوجهاء ".
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟