أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد قروق كركيش - في سوسيولوجيا القيم:قراءة تحليلية لقيم الفرد و الجماعة















المزيد.....


في سوسيولوجيا القيم:قراءة تحليلية لقيم الفرد و الجماعة


محمد قروق كركيش

الحوار المتمدن-العدد: 4970 - 2015 / 10 / 29 - 02:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعد القيم من بين أهم المواضيع التي اهتمت بها مختلف العلوم الإنسانية ، وهذا راجع من جهة إلى اختلاف مواضيعها ، ثم إلى تعدد مقارباتها من جهة ثانية ، وهذا لا يعني البتة أن موضوع القيم موضوعا سهلا ومتناولا للغاية ، بل أن القيم تبقى من أهم التيمات الفكرية غموضا رغم تعدد دراساتها و تعدد مناهجها و مقارباتها ، وذلك يعود من وجهة نظرنا – على الأقل - إلى نقطتين اثنتين هما : أولا أن القيم لا ترتبط بأي مجتمع بصفة نهائية ؛ لأن بعض القيم مشتركة بين الجميع و نطلق عليها اسم القيم الإنسانية الكونية ، و أخرى قيم جزئية ترتبط بمجتمع دون غيره و خصوصا بجانبها الديني ، إلا أن هذا يبقى أمرا نسبيا ، ثانيا أن القيمة مهما كانت يصعب حصرها و بالتالي يصعب لمسها ولو فكريا لأنها تعبر عن سلوك وجداني و نفسي عميق جدا يُعبر عنه من خلال سلوكياتنا اليومية المعيشية ، لذلك تبقى مشكلة القيم مطروحة أمامنا بشكل يومي ، ومعالجتها تتطلب فكرا أعمق ونظرة أشمل .
وأهم ما يمكن أن تقوم به القيم ؛ هي أنها تصقل كل الجوانب المتعلقة بالإنسان مما يجعلها مقياسا لتصحيح المسارات اليومية ؛ أي تصبح بمثابة مقياس لتحديد الصواب من الخطأ ، وذلك يجعلها بشكل مباشر قوانين للمعاملات و أجهزة لضبط العلاقات الاجتماعية ، سواء في الشارع أو داخل الأسرة كأصغر مؤسسة من مؤسسات المجتمع إلى أن تكبر الدائرة لتشمل التنظيم الاجتماعي بشكل عام ، ولما كانت كذلك ، فإنه ينبغي في دراساتنا للقيم أن نكون ملمين بمختلف الجوانب التي يتحرك داخلها الإنسان ، سواء كانت جوانب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية بل حتى ثقافية و روحية و تربوية و أخلاقية إلى غيرها من المجالات التي تكوّن الحياة اليومية للإنسان .
وليس هناك أدل من أن تقوم به القيم من وظائف تلعب الدور المتميز في حياة كل من الفرد و الجماعة، فهي تلعب نفس الدور تقريبا ؛ فإذا كانت تمد الفرد بآليات لمواجهة الواقع ، فإن مجموع الأفراد التي أمدتهم بتلك الآليات ، يكونون في النهاية نسقا تنظيميا جمعيا نطلق عليه المجتمع ، و هذه الدورة تحكمها مجموع القيم المكونة لهؤلاء الأفراد في النهاية ، لذلك فإننا سنركز في هذه المداخلة على الوظائف التي تؤديها القيم ، سواء في حياة الفرد من جهة ، أو في حياة المجتمع من جهة ثانية ، ولتوضيح هذه الوظائف سنقسم هذه الورقة إلى محورين صغيرين ، يتكلف الأول بوظائف القيم في حياة الفرد ، و الثاني بوظائف القيم في حياة الجماعة ، على أن نخرج بخلاصة تشمل هذه الوظائف مجتمعة وتوضح ما للدور الذي تقوم به القيم في المجتمع بشكل أشمل ، وللوصول إلى هذا المبتغى نطرح جملة من الأسئلة تنويرا للبحث وتعزيزا للمعنى من قبيل :
• ما هي الوظائف التي تقوم بها القيم في حياة الفرد ؟
• ما هي الوظائف الأساسية التي تقوم بها القيم في حياة المجتمع ؟
• وهل تشترك هذه الوظائف ما بين الفرد والمجتمع أم تختلف ؟
• وعلى أي أساس يمكن أن نقول بأن للقيم بصفة عامة وظائف تؤديها من أجل الفرد و الجماعة ؟

1- القيم في حياة الفرد

قبل أن نتحدث عن الوظائف المهمة التي تؤديها القيم في حياة الفرد ، لابد من الإشارة أن الذات الفردية الحاملة لهذه القيم تخضع لقواعد مهمة ، من خلالها تتكون الشخصية طبقا للصيرورات المجتمعية المتفق عليها من طرف الجماعة ، إذ على الفرد أن يستبطن هذه القواعد قصد الوفاق و التعايش في الجماعة التي ينتمي إليها ، لذلك لا يمكن أن نتصور بتاتا فردا بعينه ، أنه قادر على العيش ضمن جماعة لا يتقاسم معها ابسط المقومات الاجتماعية التي تمنحه هوية المجتمع ، وهي التي نطلق عليها هنا القيم ، فكيف إذا سيحدد هذا الفرد المعايير و القواعد الاجتماعية التي تعاش في جماعته ما لم يكن حاملا لثقافتها ، قيمها ، قواعدها ، معاييرها ، ضوابطها ... الخ ؟ .
هنا تظهر لنا أول وظيفة ، والتي نعتبرها من الأهمية بمكان في بناء الشخصية الفردية داخل الكيان المجتمعي ، وهي أن القيم بقواعدها تمنح الفرد سهولة الاندماج في الجماعة التي ينتمي إليها ، مما يجعل معاملاته و تصرفاته خاضعة للقواعد الكلية للمجتمع و التي على أساسها يكتسب معايير للفرز و الفعل. وهنا لابد من القول أن هذا الاندماج بين القيمة و الشخصية يخضع بدوره لعمليات معقدة تفتح عددا من المجالات التي ترتبط بالقيم و علاقتها ببعض متغيرات الشخصية الفردية ؛ أهمها الجنس و الديانة و التخصص أو الدور و المستوى العلمي أو الثقافي ، وكذلك بعلاقتها بالقدرات المعرفية و ارتقاء القيم و تغيرها عبر العمر ، على اعتبار أن العمر من المتغيرات المهمة و المسئولة عن إحداث تغيرات في قيم الأفراد .
وهنا لابد من أن نتحدث على ما يسميه الباحثون بحيز القيم لدى الفرد و الذي يختلف من عمر لأخر ومن مجتمع لأخر ، فهو نتاج ثقافي-اجتماعي ، ولهذا يميز الباحثون بين عملية اكتساب القيم و ارتقاء القيم أو تغيرها ، فلو أن العملية تظهر على أنها بناء معرفي محض ، إلا أنها تتيح لنا معرفة الوظائف الرئيسة التي تكونها القيم في حياة الفرد الواحد و من تم في إطار الجماعة ؛ فالأولى - اكتساب القيم – تعني انضمام قيم جديدة إلى نسق القيم الأصلية أو التنازل عنها و اكتساب قيم جديدة ، أما الثانية؛ فيقصد بها تغير وضع القيمة على هذا المتصل ( التبني – التخلي ) داخل النسق القيمي ، و الاكتساب و الارتقاء يحدثان معا في وقت واحد و من الصعب الفصل التام بينهما .
ويقسم " موريس " بهذا الصدد ثلاث فئات أساسية تحددها القيم بالنسبة للفرد ، وهي محددات لابد من أن تلعب دورا مهما في علاقات الفرد منها :
- أن القيم تتأثر بالمحددات البيئية و الاجتماعية ، حيث يمكن تفسير أوجه التشابه والاختلاف بين الأفراد في ضوء اختلافات المؤثرات البيئية و الاجتماعية ؛ مما يعني أن من وظائف القيم بالنسبة للفرد أنها تحدد لنا أوجه الشبه و الاختلاف من خلال البيئة و الحياة الاجتماعية.
- المحددات السيكولوجية وتتضمن العديد من الجوانب كسمات الشخصية ودورها في تحديد التوجهات القيمية للأفراد ، بمعنى أن القيم تلعب وظيفة بنيوية تتحكم إلى حد ما في بناء سمات الشخصية .
- المحددات البيولوجية و تشتمل على الملامح و الصفات الجسمية و التغيرات في هذه الملامح وما يصاحبها من تغيرات في القيم .
ولقد توصلت بهذا الصدد " فلورانس كلوكهون " أن لكل ثقافة من الثقافات نسقا من التوجهات القيمية الخاصة بها ، وتحاول من خلال التنشئة الاجتماعية أن تغرسه في أفرادها ، وذكرت أن هناك خمسة أنواع من التوجهات القيمية :
1- التوجه الطبيعي أو الفطري للبشر؛
2- توجه الفرد على مدى الزمن؛
3- توجه نشاط الفرد؛
4- توجه الفرد في علاقاته بالطبيعة؛
5- توجه العلاقات بين الأفراد؛
لذلك يمكن القول بأن أهم وظيفة للقيم أنها تحدد لنا ضوابط التنشئة الإجتماعية ، من خلال التوجهات القيمية التي تعيد إنتاجها في الأفراد ، وإلى جانب هذه التنشئة ، لابد للقيم أن تلعب دور المراقب ، لأنها تحدد لنا معايير الاختيار ، مما يجعلها في النهاية ضابط اجتماعي يخطط للعلاقات و ينظم الأدوار داخل نسق المجتمع ، وتقيس هذه الضوابط و العلاقات الأفراد بالدرجة الأولى ، لأنهم يتواجدون ضمن فاعلية جماعية و فردية تخضع لجدلية التأثير و التأثر داخل دينامكية و حركية المجتمع ، و إلى جانب المراقبة و الضبط و تنظيم العلاقات فإنها تمكن الفرد من خلق جسور التفاهم و التسامح و التضامن مع بني جنسه داخل المجتمع ، وتحضر هنا قيم التعاقد بالدرجة الأولى.
تؤثر القيم من جهة أخرى بشكل كبير على سلوك الأفراد و اتجاهاتهم وعلاقاتهم ، وهي بذلك توفر إطارا مهما لتوجيه سلوك الأفراد و الجماعات ، فهي تقوم بدور المراقب الداخلي الذي يراقب أفعال الفرد و تصرفاته ، لذلك لا يمكن إغفال دراسة القيم الشخصية عند تحليل السلوك الإنساني ، وبالتالي فهم السلوك فيما يحيط بطبيعته و دوافعه و اتجاهاته.
وإذا كان مفهوم الشخصية قد عرف منحنيات عدة في المقاربة و البناء ، مما يعني أن الشخصية في تكونها ترجع إلى عوامل الوراثة و البيئة ، فإن القيم أضافت عامل أخر بدأ الاهتمام به يسود مجموعة من الدراسات الحديثة اليوم وهو الموقف كعامل من عوامل تكون الشخصية ، وفي هذه النقطة يمكن القول بأن القيم تلعب الوظيفة الكبرى في ذلك ، لأنها تتيح للإنسان في مراحل تربيته من اكتساب مواقف معينة تظل عنده معيارية بالدرجة الأولى ، لأن وظيفة القيم من جانب أنها تغرس أنماط معينة من العملية التربوية ، بالإضافة على تكون مواقف مهمة في قضايا الحياة تكون مصدر تعلمه الذاتي وبالتالي تكون البيئة و الوراثة و الموقف عوامل تساعد الفرد على اكتساب قيم تساعده على التفاعل داخل مجاله المعيشي .
وللقيم تأثير مباشر على أداء الفرد في عمله ، فمتى ما التزم الفرد بقيم شخصية معينة ظهرت تلك القيم و اتسق مضمونها مع الأداء الجماعي و العكس صحيح.
وقد اتسعت صفات قراءة و تحليل القيم الفردية ، فعلم النفس الاجتماعي يبحث في هذا الجانب ، في نتائج التحولات الاجتماعية و أثرها و تداعياتها من زاوية القيم و الأعراف على شخصية الفرد و أبعادها المختلفة ، فيرى أن القيم الشخصية هي مجموع حالات ادراكية واقعية توجه سلوك الفرد في مختلف المواقف ، أي أنها ترتبط بثقافة المجتمع التي تقع ضمن إطاره و خلال تفاعله معه.
وفي نفس الإطار يرى علماء النفس أن وظيفة القيم تظهر في سلوك الإنسان الظاهري ، بل حتى في الإدراك الباطني وكل اتجاه للعمل أو السلوك يمكن ملاحظته أو رصده ، وبالتالي فإن القيم هي مكون أساسي من مكونات الشخصية. والقيم الشخصية الفردية هي في إطار تصنيفها تعتمد على الوسيلة أو الغاية كما قسمها " روكيش 1973 م " ، فالاختلاف بين الأفراد ليس اختلافا في محتوى القيم بل اختلاف في هرمية التركيب. ومفهوم القيم الشخصية هي منظومة القيم التي يتبناها افرد باختياره ويحرص على تمثيلها في سلوكياته سواء تضمنت ما اتفق مع الأنساق القيمية الأخرى كقيم الجماعة التي ينتمي إليها أو ما اختلف ، فدور القيم ووظيفتها هي تحديد مراجع السلوك .
كما تهيئ القيم للفرد خيارات معينة ، فتكون لديه امكانية الاختيار و الاستجابة لموقف معين ، كما تلعب دورا هاما في بناء شخصيته ، ويمكن للقيم أيضا أن تعطي للفرد إمكانية القيام بما هو مطلوب منه كفرد داخل المجتمع ، ولا يمكن للفرد أن يتكيف في أدواره داخل الأفراد الآخرين بدون قيم ، فهذه الأخيرة تتيح له الإحساس بالأمان لأنها تقويها على مواجهة ضعف النفس ، كما تساعد القيم بالنسبة للفرد على تحسين أفكاره و تصحيح معتقداته ، كما تساعده على فهم الآخرين من حوله ، زد على ذلك أنها توسع من دائرة علاقاته مع الآخرين وتزيد من دقة معاملاته معهم ، و القيم لها وظيفة إصلاح الفرد اجتماعيا وأخلاقيا و نفسيا و فكريا و ثقافيا ، فهي بالنسبة للكائن الفرد وسيلة علاجية ووقائية ، و القيم بمختلف مجالاتها تجعل الفرد يضبط نزواته و شهواته و مطامعه.
تعد الذات القاطع الرئيسي في خماسي تحليل القيم حيث لا يمكن أن تكون للمجتمع قيم بلا ذات ، ولذلك تدل الذاتية على التمسك بانطباعات المجتمع وقيمه التي تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى ، ولهذا لا يمكن أن يكون الإنسان ذاتيا ما لم تتجسد قيم المجتمع في أفعاله و سلوكياته ، ويدل هذا على أن الذاتية يمكن أن تكون على مستوى الفرد ، ويمكن أن تكون حتى على مستوى الجماعة وحتى على المجتمع بأسره.
ومن الوظائف التي تلعبها القيم أنها تحقق الموضوعية الذاتية من خلال :
- تجرد القيم من رغبات الأنا و أطماعه و مصالحه الشخصانية؛
- تأدية الأفعال الواجبة؛
- تقيم الأنا و الذات و الأخر بمنظور قياسي؛
- تستبطن السلوك و الأفعال الحضارية المتماثلة مع الثقافة المستوعبة لكل خصوصية؛
- الاعتراف بوجوبية أخد الحقوق؛
- الاعتراف بأحقية أداء الواجبات؛
- الاعتراف بأهمية تحمل المسؤوليات؛

2- القيم في حياة المجتمع

نتيجة للتنوع و التناقض بين الثقافة السائدة و الثقافات الفرعية و الثقافة المضادة ، ونتيجة للالتقاء مع الثقافات الأخرى ، و للتحديات و المشاكل و التناقضات والاختراقات و الاكتشافات الداخلية و الخارجية تتغير الثقافة باستمرار ، فلا يجوز النظر إليها على أنها في حالة ركود وتبات ، إنها في حالة صيرورة مستمرة ديناميكية ، بفعل تحرك القيم داخل هذه الثقافة ، وكما للقيم وظائف معينة في حياة الفرد ، فإن لها وظائف تندرج في إطار الجماعة أو المجتمع ، و هي الوظائف تتكامل فيما بينها ، لأن القيم التي تغرس في الأفراد تصبح في النهاية قيم جماعية تلعب تقريبا نفس الأدوار ، بحيث تحافظ القيم على تماسك المجتمع و تساعده على مواجهة التغيرات التي تحدث ، وتقوم بوظائف أكثر نبلا منها أنها تربط بين أجزاء الثقافة في المجتمع لأنها تعطي للمجتمع في النهاية نظاما اجتماعيا و أساسيا عقليا ، و القيم تحمي المجتمع من الأنانية و الدونية ، كما تحسن القيم سلوك الجماعة و تجعله منطبقا وفق قواعد معينة تتيح له إمكانية تبادل الخبرات مع المجتمعات الأخرى.
و القيم يتوجه سلوك الإنسان و تنظم علاقاته بالآخرين و الواقع و الزمن و نفسه داخل المجتمع ، وأهم وظيفة تلعبها أنها تحدث علاقة بالواقع المعاش مما يجعل الكائن البشري ذا قدرة على العيش وسط الجماعة ، وقد تحث القيم الأفراد داخل المجتمع على السعي و الجهاد في سبيل السيطرة على الواقع او تغيره أو على العكس ، كما أنها تمنح الأفراد معنى التعاقد الإجتماعي لا على مستوى السلوك ولا على مستوى الممارسات ، وبالتالي تجعل كل فرد ملتزم التزاما تعاقديا جزئيا أو كليا.
و التنظيم الاجتماعي يجري طبقا لقواعد ومقاييس وهي في حقيقتها قيم خلقية لم ينتجها ، ولكنها تنظم نشاطه في سبيل غايته ، وكلما حدث إخلال بالقانون الخلقي في مجتمع معين حدث تمزق في شبكة العلاقات التي تتيح له أن يصنع تاريخه ، لذلك كانت وظائف القيم داخل المجتمع من أهم لبنات تكونه واستمراره ككيان ثقافي ، وبالتالي تكون القيم تؤدي وظيفة التنظيم القانوني و التعاقد الجماعي في مختلف الممارسات و العلاقات.
ولكن الطاقة الحيوية قد تهدم المجتمع ما لم يسبق تكيفها ، أعني ما لم تكن خادعة لنظام دقيق تمليه فكرة عليا تعيد تنظيم هذه الطاقة ، وتعيد توجيهها فتحولها من طاقة ذات وظائف بيولوجية خالصة في المقام الأول – حيث تشترك في حفظ النوع - إلى طاقات ذات وظائف اجتماعية يؤديها الإنسان ، حيث يسهم في النشاط المشترك لمجتمع ما ولابد في هذه الناحية للقيم أن تحفظ هذه الطاقة في إطار ما نسميه بالتربية الاجتماعية ، وهذه الوظيفة تجعلنا أمام جانبين الأول نفسي و الثاني اجتماعي لتكون في الأخر – القيم – نقطة التقاء بين ما هو روحي و ما هو اجتماعي.
وكما نذهب إلى أن بعض الأنظمة الأخلاقية خير من أنظمة أخرى ، يجب علينا أن نعترف بأن بعض الضمائر خير من غيرها ، إلا إذا كنا قد بلغنا من الجهل حدا لا ندرك معه أن الضمائر تختلف ، ومن تم يجب أن يكون هناك معيار غير الضمير يمكن على ضوئه أن نحدد أن هذا سلوكا مرغوبا فيه ، ولا يمكن أن نستمد هذا المعيار من قواعد السلوك " لا تقتل " أو " لا تسرق " ، لأنه كما رأينا ليس هناك اتفاق عام على مثل هذه القواعد. ، وربما كان الضمير هنا معقل تطبيق القيم ، لأنها تبقى في الفعل قابلة أو غير قابلة للتطبيق ، لذلك تمثل القيم وظيفة التعقل و تربية الضمائر في المجتمع الواحد.
فالقيم الإنسانية من مسلمات الطبع الإنساني السوي في كل عصر و ثقافة ، ومع هذا فهي تشكل كل حياة الإنسان في حالتي وعيه أو لا وعيه ؛ أي أنها من الخطورة في البناء الشخصي و الاجتماعي و الحضاري ، بحيث يغدو البحث فيها من أشد القضايا ضرورة و إلحاحا في أمة نابهة ، و القيمة هي نموذج ذهني نسبي من المعتقدات و التصورات الإيجابية أو السلبية ، منسوبة حول شيء أو معنى أو نمط سلوكي يتحكم في نفوس الناس و طرائق تفكيرهم و أحكامهم و اختياراتهم و مواقفهم و تصرفاتهم ، وذلك بصيغة مستمرة نسبيا ، وتترتب عليه نظرة المجتمع الإيجابية أو السلبية إلى أفراده ، ومن ثم فإنه يسهل في تنظيم شبكة العلاقات الحيوية التي تحدد هوية الإنسان و معنى وجوده وغاياته فيما بينه و بين نفسه ثم بينه وبين الآخرين و المؤسسات و الواقع العام ، مكانا و زمانا.
إذن هي مبدأ سلوكي تمليه الرقابة الذاتية و الاجتماعية ، لا تمسه القوانين ولا تحاسب عليه ، ومن هنا فإنه يختلف عن المعيار القانوني ، ولا خلاف على ذلك ، وسواء أكانت القيم وقائع اجتماعية أو حاجات نفسية ، وسواء قيل : أن الدين هو محرك القيم لو أضيف إلى الدين أو الاقتصاد ، فلقد باتت القيم تدرس في العصر الحديث على أنها مثالية مجردة ، بل على أنها حقائق اجتماعية تقوم على أصول سلوكية مشتركة في المجتمع كما تجلى ذلك في فينومينولوجيا القيم عند ماكس شلر أو علم اجتماع المعرفة عند كارل منهايم على سبيل المثال .

لابد إذن من معرفة أساسية مفادها أن القيم سواء تعلقت بالفرد أو بالجماعة فهي لبنة مهمة لإدماج المجتمع والفرد في السيرورة الطبيعية للأفعال الأخلاقية والثقافية والاجتماعية والسياسية أيضاً، فأينما غابة القيم زاد الفرد عدوانية وأصبح بذلك المجتمع مجتمعا دون معنى، مجتمع منحل على تصادم عوض أن يكون منفتح على التكامل، ما يخلق في ذات الوقت أزمة في العلاقات والروابط الاجتماعية، وكلما كان ذلك واردا تصدرت أزمة القيم موقع الصدارة.

مراجع ومصادر:

1- عبد الله بن أحمد سالم الزهراتي ، " نموذج مفتوح للتوافق بين القيم الشخصية و القيم التنظيمية بمؤسسات التعليم العالي السعودية : دراسة تحليلية " ، جامعة أم القرى - مكة المكرمة ، طبعة 1430 هـ .
2- عبد اللطيف محمد خليفة " ارتقاء القيم ".
3- الطويل هاني ، " التقييم و المساءلة كمدخل لإدارة النظم التربوية " ، ضمن مؤتمر الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية – لبنان ، سنة 2001 م .
4- بطاح أحمد " قضايا معاصرة في الإدارة التربوية " ، دار الشرق للنشر و التوزيع ، عمان – الأردن ، الطبعة الأولى 2005 م .
5- بلانكارد كينيتك ونور ، " الأخلاق الحديثة للإدارة : الإدارة بالقيم " ، ترجمة عدنان سليمان ، دار الرضا للنشر ، دمشق – سوريا ، طبعة 1999.
6- مجموعة من المؤلفين " القيم وطرق تعلمها و تعليمها " .
7- عقيل الحسين العقيل ، " خماسي تحليل القيم : قراءة جديدة في تحليل العلائق الإجتماعية والإنسانية " ، دار الكتاب الجديد المتحدة ، بيروث – لبنان ، الطبعة الأولى كانون الثاني/ يناير 2004.
8- حليم بركات " المجتمع العربي المعاصر : بحث استطلاعي اجتماعي " ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى نيسان / أبريل 1984.
9- مالك بن نبي " ميلاد المجتمع : شبكة العلاقات الاجتماعية " ، ترجمة عبد الصبور شاهين ، دار الفكر ، دمشق – سوريا ، الطبعة الثالثة 1046هـ / 1986 م.
10- برترند راسل " المجتمع البشري في الأخلاق و السياسة " ، ترجمة عبد الكريم أحمد ، مراجعة محمود حسن ، مكتبة الإنجلو المصرية للطبع و النشر ، القاهرة – مصر ، طبعة 1997.
11- عبد الله الفيفي " نقد القيم : مقاربات تخطيطية لمنهاج علمي جديد " ، الإنشاء العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 2006.



#محمد_قروق_كركيش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعي بالسياسة وعي بقضاء المصلحة العامة:نحو الإصلاح والتشبيب
- من النمو إلى تنمية الشخصية:اسهام مدرسة التحليل النفسي
- العنف الرمزي:نحو تفكيك استراتيجي للسلطة والقهر والهيمنة
- وُجودي مِن عَدَمي:هل يشكل ذلك فارقاً ؟
- حول مسألة التعدد اللغوي بالمغرب:مقاربة سوسيوتاريخية
- الرقصات الاحتفالية بمنطقة الريف شمال المغرب:رؤية سوسيوأنثروب ...
- سوسيولوجيا التصوف الشعبي المغربي:نظرات في قضايا المدنس
- دراسة سيكولوجية للخطاب الصوفي في الملحون المغربي: نموذج قصيد ...
- المسرح الأمازيغي:من منبت الأصول إلى رياح التحديث
- تمثلات المرأة في الشعر الشعبي الجبلي بشمال المغرب
- فن أحيدوس بالمغرب: دلالات الإبداع ورمزية الحركات


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد قروق كركيش - في سوسيولوجيا القيم:قراءة تحليلية لقيم الفرد و الجماعة