أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح نيازي - نظرة في المقامة الاصبهانية














المزيد.....

نظرة في المقامة الاصبهانية


صلاح نيازي

الحوار المتمدن-العدد: 4948 - 2015 / 10 / 7 - 23:27
المحور: الادب والفن
    


صلاح نيازي

نظرة في المقامة الاصبهانية للهمذاني


حّث عيسى بن هشام، أنه كان بأصبهان وهو على أهبة السفر إلى الري، وبين توقعه لقافلة الرحلة، وترقبه لها في كل آن، فإذا بمنادٍ يدعو إلى الصلاة، فأصبحت إجابتها فرضاً. يقول ابن هشام:"فانسللت من بين الصحابة، أغتنم الجماعة أدركها، وأخشى فوت القافلة أدركها."
كذا ومنذ البداية، أحكم الهمذاني عنصر التشويق والإثارة بخلق آلة الشد والجذب بين فرض الصلاة، وبين الوقت أي العجلة للحاق بالركب. وحتى يقطع على بطله عيسى بن هشام خط الإنسلال والهروب، جعله يتقدم إلى "أول الصفوف" ابتدأ الصراع عملياً مع الوقت، على الوقت، حينما تقدم الإمام "وقرأ قاتحة الكتاب بقراءة حمزة، مدة وهمزة" يقول الشارح: «أراد أن الإمام كان يطيل في القراءة ويمد بها صوته، فيأخذ وقتاً طويلاً "فيشتغل بالي وتعتريني الهموم والخوف من أن تسافر القافلة».
ثم تبع الإمام الفاتحة، سورة الواقعة، فما كان من عيسى بن هشام " إلا السكوت والصبر، أو الكلام والقبر، لما عرفت من خشونة القوم في ذلك المقام، أن لو قطعت الصلاة دون السلام".
إذن يئس عيسى بن هشام أو كاد من السفر. وهنا، وربما نتيجة لما شعر به من إحراج وتذمر، التفت إلى الإمام، فوجد طقوسه مختلفة عليه وقال: "ثم حنى قوسه للركوع، بنوع من الخشوع، وشرب من الخضوع لم أعهده من قبل، ثم رفع رأسه ويده وقال: سمع اللع لمن حمده وقام، حتى ما شككت أنه نام، ثم ضرب بيمينه واكبّ لجبينه ثم انكبَّ على وجه".
إن تراكم هذه الصورة التفصيلية، التي ظاهرها بريء، وباطنها الإحباط والألم، لا تختلف عن ضحك في بطن مجروح. وهي إلى ذلك تفضح حالة ابن هشام نفسه، لأنه مجرد تتبع حركات الإمام بدقائقها، فذلك ينم على أنه لم يكن مستغرقاً في صلاته ومنقطعاً لها. وهنا ندرك أن العجلة للحاق بالركب أهم. أخذ عيسى بن هشام يتحين الفرصة للإنسلال قائلاً:"ورفعت رأسي أنتهز فرصة، فلم أر بين الصفوف فرجة. فعدت إلى السجود، حتى كبر للقعود إلى الركعة الثانية "أطال بها إلى يوم القيامة واستنزف أرواح الجماعة".
وكما هو واضح، لم يصف ابن هشام الإمام ولا حركاته في هذه القراءة الثانية، وكأنما أطبقت عليه غيبوبة، فانسلبت حواسه إلى حين، كالذي ضاق حيلة، فقنط عاجزاً عى مضض. ويبدو أن ابن هشام لم يصحُ إلا على الإمام وقد "فرغ من ركعته، وأقبل على التشهد بلحيي (عظم الحنك الذي عليه الاسنان ) فماال إلى التحية بأخدعيه وقلت "قد سهل الله المخرج، وقرّب الفرج".
يظهر أن استعمال المثنى هنا (ركعتيه، لحييه، أخذعيه )أفاد أيضاً أن عيسى بن هشام عانى من مصيبته مرتين.
لم يكتف الهمذاني، بما أنزل على صاحبه من تأخر، فكرب، فهم، بل جعل رجلاً آخر يقوم بعد كل ما حدث ويقول "مَنْ كان منكم يحبّ الصحابة والجماعة فليعرني سمعه ساعة".
لو ألقينا نظرة أخرى عى هذه المقامة لرأينا أن الهمذاني، شغل نفسه بعنصرين أساسيين: الحركة والزمن وأصعب ما في العلاقة بينهما، أنه كلما اشتدت الحركة بطؤ الزمن. هذه العلاقة العكسية هي مصدر الإثارة الحقيقية التي لا تجعل من القارىء متفرجاً، تقع الأحداث بالصدفة وخارجه، بل مشاركاً فعلياً فيها،و هذا من أول مبادئ الأدب الحقيقي..لنأخذ أولاً الحركة ونتبين كيف عالجها الهمذاني. هناك ثلاث حركات في هذه المقامة. الحركة الأولى، هي قرب رحيل القافلة وقلقه المستميت على مرافقتها، فحين يقول عيسى بن هشام:" كنت بأصبهان، أعتزم المسير إلى الري، فحللتها حلول الفيّ، أتوقع القافلة كل لمحة، وأترقب الراحلة كل صبحة»" فإنه بكلمة ألفيّ (الظل أي التنقل من حال إلى حال)، فإنما وصف نفسه باللاآستقرار وبضرورة السفر. وبكلمة كل صبحة أي في كل آن، فإنه إنما دلل على مدى تحرقه للرحيل.
تختفي هذه الحركة الأولى، حالما يلبّي ابن هشام نداء الصلاة ولكنها وإن اختفت من على مسرح الأحداث، إلا أنها القوة الخفية التي ستؤثر في مجمل الأحداث اللاحقة، ولولاها، لما كانت المشاهد التالية، إلا يومية عادية تمر دون أن تأخذ معاني لوأهمياة إضافية.
من الجدير بالذكر، أن القوى الخفية في مسرحيات شكسبير، ومنها موت الملوك هي المصدر الرئيسي والمحرك، لكل الشخصيات والأحداث الدائرة على المسرح.
الحركة الثانية: هي مجموعة الحركات الطقوسية التي قام بها الإمام. وحتى يزيدها الهمذاني بطئاً، فقد أرفقها بالصوت وقراءة حمزة والتكرار، تمطيطاً وتمديداً وإطالة. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الحركة جعلت الزمن داوياً متورماً يراوح في مكانه وكأنه زمن متجمد. وهذه الحركة، على براءة صاحبها الإمام ـ مؤذية لمنْ هو يسابق الزمن.
الحركة الثالثة مقيدة تعتمل في داخل عيسى بن هسام، وتجهد في إيجاد منفذ لها. فهو لا يستطيع إلا" الوقوف بقدوم الضرورة، عى تلك الصورة، إلى انتهاء السورة"، وأنه وإن كان قد فكر بالهرب، إلا أنه لم يقو عى ذلك لأنه كان في أول الصفوف، أي محط النظر. حتى حينما انكب القوم في السجود، لم ير "بين الصفوف فرجة" بالإضافة فهو مهدد بالقتل، إن أقدم على فعلة كهذه، وأُمسك متلبساً بها.
يمكن بالطريقة نفسها تقسيم الزمن في هذه المقامة إلى ثلاثة أقسام، وهي رغم تزامنها الواحد، إلا أنها مختلفة متضادة.
الزمن الأول: وقت الرحيل، وهو رغم حياديته، يقرر نوعية الزمنين الآخرين.
الزمن الثاني: هو ساعة الدخول في طقوس الصلاة، وهو زمن لولا عجلة عيسى بن هشام، لمر كبقية الأيام من دون أية علاقة له بالزمن الأول أي الرحيل.
أما الزمن الثالث فهو الذي يعتمل في صدر عيسى بن هشام وقد ظهر بصيغتين يائستين مملوءتين بالقلق. صيغة إيجاد توافق بينه وبين زمن الرحيل، وصيغة إلغاء أو في الأقل اختزال الزمن الثاني البطيء (زمن الطقوس ) وقد جعل المؤلف ذلك مستحيلاً وعقوبة اختزاله الموت.
بهذه المعادلة الصعبة من الأزمان الثلاثة المتزامنة، جعل الهمذاني قارئه طرفاً فعلياً مسؤولاً عن اتخاذ موقف، بل فيه ما في عيسى بن هشام من "الغم المقيم "..



#صلاح_نيازي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمارة الشعرية في الانشودة الثالثة والثلاثين لدانتي
- موسم الهجرة الى الشمال
- أحمد شوقي وأبو الهول
- قنديل امّ هاشم
- الترجمة معنى أو تقنية؟
- المنظورية والحواس في فهم
- من تقنيات الترجمة
- عصفور من الشرق
- اللون الابيض يفترس مكبث
- قراءة في نص شيكسبيري
- عن ترجمة القرآن
- العين البريئة لهربرت ريد
- دور المنظورية في تضخيم الرعب
- ثلاث قصائد
- قلعتا المتنبي وشيكسبير
- اكبادنا تمشي على الارض
- من أفانين شيكسبير
- الوجه الثالث للعملة
- لا نهاية الكائن الحيّ
- الشعر وصغار العقارب


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح نيازي - نظرة في المقامة الاصبهانية