أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غياث منهل - -برررررد قلبك-















المزيد.....

-برررررد قلبك-


غياث منهل

الحوار المتمدن-العدد: 4916 - 2015 / 9 / 5 - 11:20
المحور: الادب والفن
    


الملامح الباهته لفقره لم تكد تخفي جمال مختلط ببراءة، تشوهها سوقيته الفجة التي يحتمها باب الشرقي او "الشرجي" كما يسميه البغداديون. من يوجد في تلك المحلة يعرف ماذا يعنيه هذا المكان. في مثل عمره، عليه ان يتسم بحدية وفطنة ليعيش بين وحوش المكان، المهم انه يجب ان يكون اكبر من عمره، "لازم يوعى لزمانه من صغر"، عليه ان يصبح رجلا، حتى يعيش.
نحول جسمه، ملامح وجهه الجميلة رغم غطاء الفقر كانت دائما موضوع لانجراره للمشاكل والتحرش، حتى من اصدقاء والده ومن يعمل معهم. طالما كان يرسله لقضاء بعض صغار الاعمال لهم او توصيل حاجة ما. جعله هذا مستعدا دائما للأسوأ، وغير مبال بالكثير مما يحدث له.
اليوم كان له واجب اخر غير كل مرة. باب الشرقي مكتظة مساءا كما في كل جمعة، هذي الجمعة الثانية(او الثالثة)، لا يهمه، المهم ان الناس كلها متجمعة هناك والوالد لن يضيع الفرصة ليحصل "كم فلس". الناس بين نار غضبها الاكبر من ان يفهمه من هو في مثل عمره وبين حرارة اواخر نهارات الصيف. والعطشى لا يطفئ نارهم غير باعة الماء وعرق السوس الذين اختلطوا –فرادى بالمتظاهرين. ينطلقون من "مراكز" لهم في الشوارع المتفرعة من ساحة التحرير، حيث يحتفظون بصناديق الماء وقوالب الثلج المغطاة ببطانيات مبلله. مجاميع من الاطفال بملابسهم المتسخة والمبللة يتراكضون بين تلك الاماكن وبين ساحة التحرير حيث قلب التظاهرة. سباق مع الزمن قبل ان تحل السابعة، سباق على من يبيع اكثر، سباق على من يشاهد سيقان وارداف فتيات اكثر بين المتظاهرات القليلات هنا وهناك.
مهمته كانت ببساطة ان يبيع قناني الماء في التظاهرة، كان يجيد بجسمه النحيل ان يقحم نفسه في اشد الاماكن اكتظاظا بالأجساد، لا ليبيع فقط، ولكن ليروي فضوله لما يجري.
احد المتظاهرين- يمازحه- سرق علبة ماء، اخفاها خلف ظهره، اندلق الماء الذي يبرد به علب المياه المعدنية من الدلو الذي يحمله. تبللت ملابسه. اخرين يتهكمون عليه بذات الاسلوب ، طفل اخر، اكبر منه قليلا- يبيع الماء هو الاخر- يشاكسه ويسخر منه "ها ولك نصبوا عليك لو سوولك غير شي؟"، يكتفي بإخراج كومة الارباع الورقية من جيبه ليريها له واعادتها سريعا واعادة ترتيب العلب في سطل الماء. ثم يبتعد الى زاوية ابعد، مجموعه اخرى اطمئن لهم، المهم ان يبتعد عن هذا. شاهد بنات شابات ونساء، توجه هناك، وراح يحدق بالوجوه والاجساد المتعرقة وهي تتصايح وتهتف، تزاحم الاجساد واحتكاكها، حرارة المشاعر من جهة وحرارة الرصيف اللاهب، اصوات تتعالى وتخفت، اصوات تبدأ بخجل بارد، تتعالى مع انضمام الجوقة لها، ومع التحول لشعار وهتاف اخر، يبرد الحماس تدريجيا ليتلاشى بخجل اخر بين اصوات فرادى تصمت قليلا لتتلقف الهتاف الجديد بخجل بداية وبتصاعد اخر، يتحرش به احدهم بطريقة فجة، يضحك اثنين من اصدقاء هذا وهم يحيطون به، يتلاقفون علب المياه منه، " تبيع مي بس لو غير شي؟"، "يروحلك فدوة ال...". يتضايق جدا وقبل ان يبكي بلحظة واحدة يعطوه الف دينار ثمن الماء. يمسح يديه بملابسه المهترئة حيث تختلط خطوط تعرقه وطبقات الماء الناشف راسمة خرائط باهته ومناطق عازلة بين طبقات الماء المندلقة على القماش المتسخ في فترات متباينه. بين تلعثمه بكلمات النقمة وفرحته بانتهاء فاصل المزحة الثقيلة، يخرج "ربع" مهترئ، باقي المبلغ ليعطيه لهم. يمسح على راسه شخص اخر، يدفعهم عنه رجل كبير:
- شجابك وي ذولة عمي، روح منا..
- عمو على باب الله غير.
- دروح منا هسه وكتك
- مي بارد بربع، بررررررد
شخص اخر يبدو من جماعة هذا الرجل الكبير، بحركة اغرائية لبائع متجول، يعطيه ورقة نقدية: "تعال عمو، هذي خمسة الاف بس تلزم هذي الكارتونه.. حتى اصورك"
يصفن، يحك اذنه.. ثم يجيبه: "بس؟.. اكيد مرايد غير شي؟"
- لك اني بكد ابوك!
–لنفسه-"كلكم هيج تكولون خوات ال..."
- هسه شنو تشيلها حتى اخذلك صورة لو اصيح لذاك الولد؟ ياولد!
- يلله، بس جيب الخمسة." وحاول ببلاهة ان يبتسم للصورة وهو يحمل اللافتة.
- "هاي شدتسوي؟منو كللك تضحك؟ المفروض انت ضايج. انت تعرف شمكتوب هنا؟"
-"اني شعليه"
تجمع عليه شباب وفتيات وناس مختلفي الاعمار يصورونه ولوحته، احتدم نقاش بينهم: "هذا استغلال.. انت منو سمحلك؟ .. هو شيعرف اصلا..؟ "
-"انت ياهو مالتك؟"..
بعد قليل، نهره احدهم وهاجمه اخر: "هاي ششايل ابن الكلب؟ هذا منو قشمرك؟"
بحركة سريعة اعاد اللافتة لصاحبها، تلمس جيبه ليتأكد من نقوده. حمل السطل وانسحب بعيدا
شق طريقه وسط حشد من الشباب، كان صاحبه بائع الماء الاخر يتبعه عن قرب. بين الحشود احس بيد تمتد الى مؤخرته، ثارت ثائرته، سقط السطل من يده وهو يحاول الامساك باليد، وهو يلتفت ليضرب صاحبها اومن يكون قد فعلها وهو يمسك به متلبسا. مع استدارته، اكتشف انه اصبح محط اطماع شباب اثنين اخرين بعد مشاهدتهم لما فعله صاحبه، حاول ان يتجاوز غضبه ويتصرف بحنكة الموقف وما يتطلبه انيا، سيعود فيما بعد لهذا "الكلب ابن الكلب." الان عليه ان يركز بالشغل. الساعة سبعة وصندوق الماء المخصص له لم ينفذ باكمله، بعد قليل ستنتهي التظاهرة ويتفرق الناس. عندها يا ويله من ابيه وغضبه. عاد بسرعة الى سطل الماء الذي اسقطته وما فيه اقدام المتدافعين بلا اتجاه. تمكن بصعوبة من تجميع ما تبقى من قناني، عاد الى زاوية الشارع ووضع علب المياه من الصندوق في السطل. هو مطمئن لان المبلغ المطلوب جمعه كان لديه، لكن المشكلة انه يريد "تصريف" ما تبقى من علب الماء حتى يبرر كيف حصل عليه بهذه السرعة. في طريق عودته الى قلب التظاهرة يعجبه منظر شرطة مكافحة الشغب المنتشرون بنسق مميز وقيافة مبهرة مع عصيهم الغليظة ومصداتهم الزجاجية وخوذهم اللماعة. شعر انه سيكون اكثر امنا هناك، التزاحم هنا مربك، لا يعرف الى اي جدار عليه ان يستند، او اي اتجاه يسلكه ليجد المزيد ممن يشترون ماءه. هناك الامور اوضح، هناك خط واضح، فاصل من المنظمين الذين يمنعون التصادم، ثم حاجز اسلاك شائكة صغير ومن ثم صف الجنود المنظم. يقترب منهم عارضا بضاعته بسذاجة وحذر. ينهره ضابط كبير يقف وسطهم في الخط الثاني، يتعثر بصخرة ويبتعد خائفا. يركض تجاه المتظاهرين ليستكشف ضجة ما اخذت تجتاحهم.. فورات الحماس اخذ يعتاد عليها، يتكتلون لمشاهدة انفجار احد الشباب بكاءا وهتافا اخذ منهم الحماس مأخذه حتى اختلط كلامهم وهتافهم بالبكاء. بدهشة وتعجب كبير اخذ يركز على ما يجري هناك. شاب اخذ يضرب نفسه ويبكي، جماعته يحاولون تهدئته، بعد موجه عابرة من الالتفاف والتعاطف ومحاولات تهدئته، انطلق المتظاهرون من هذه الدائرة الصغيرة الى دوائر وهتافات اخرى. ابتعد الجميع تقريبا الى اماكن اخرى حيث اخذت اصوات وخطابات ختامية اخرى تعلو، اعترض البعض على انهاء التظاهرة اختلط هؤلاء ببعضهم في تكتلات غير مفهومة وانساق لامعنى لها، تناقشوا بعصبية، تدافعوا ببعضهم وتعالت اصواتهم. فكر بالانتقال الى الدوائر الاخرى وتجمعات اكبر. نظر من حوله، شاهد الشاب الذي مزق قميصه قبل قليل وعليه اثار الاعياء والانهاك. اقترب منه واعطاه بطل ماء. شكره الاخير، غسل راسه ووجهه، شرب قليلا، وبينما اخذ يبحث في جيوبه عن ما يعطيه لبائع الماء، تلاشى الاخير بين الحشود المتفرقة وعلى وجهه ابتسامته السمراء الباهتة.
على الجزرة الوسطية لساحة التحرير التي اخذت تتضح معالمها مع بداية تفرق المتظاهرين، افرغ سطل الماء وما تبقى من قناني، ثم عاد من هناك الى مدخل شارع السعدون.



#غياث_منهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوالف فيسبوكية عن اليسار والغربجية
- عن التنمية البشرية
- من اوراق ميت


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غياث منهل - -برررررد قلبك-