أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الخويلدي - التسوية وحرب المواقع والثورة السلبية عند أنطونيو غرامشي















المزيد.....

التسوية وحرب المواقع والثورة السلبية عند أنطونيو غرامشي


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 4896 - 2015 / 8 / 14 - 22:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



" طالما أن الفلسفة مازالت تعتقد بأنها صاحبة رؤية أكيدة تتناول كلية الطبيعة والتاريخ ، فهي تتصرف بالإطار الذي نأمل أن تنتظم فيه الحياة الفردية وحياة الجماعات"1
يندرج هذا المبحث ضمن دائرة التفكير في صياغة إستراتيجية التسوية التاريخية للتدافع السياسي العربي في مرحلة ما بعد الحراك الثوري ومآلاته المعقدة وإفرازاته المجهولة بالنسبة للمجتمع والثقافة والاقتصاد.
على هذا الأساس يحاول الفكر الفلسفي الإمساك بالواقع العربي الملموس والتركيز على الخصائص النوعية للحال السياسية العربية ويشرح الرموز الحضارية ويكد في دراسة الأطر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي ينغرس فيها العمل الثوري ويتتبع الأدوات التي استعملت في النضال الشبابي ضد الشمولية ورصد بؤر الهيمنة ودوائر الاحتكار وتحديد أشكال الاستغلال وحجم التفاوت وتحليل أساليب المواجهة المتبعة وطرق التصدي للمشاريع المعولمة ومكافحة الفساد وإيقاف عمليات الإهدار.
لقد شهدت الملحمة الكثير من التعقيدات والحبكات وعرف المسار الاحتجاجي تقلبات ومطبات واستحال على الحركة الإصلاحية التحول إلى ثورة برجوازية وفق النموذج الغربي ولم تتطور الهبة الاجتماعية إلى ثورة شعبية ولم يقع افتكاك الحكم السياسي بشكل تام ولم تتبلور قطيعة جذرية مع الماضي السلطوي.
لقد قدمت العديد من التفسيرات على ذلك ومن أبرزها ضعف الوزن الاجتماعي للطبقة الثائرة والتبعية وعدم الانفصال عن الهيئات الخارجية الداعمة (الليبرالية واليسارية والقومية والإسلامية) والحساسية المفرطة تجاه التنظيم والطاعة وغلبة الفوضى على الحرية والنهب على الملكية والانقسام على التوحد والدور المركزي للإيديولوجيا الدينية في تطعيم الوعي السياسي للمنتفضين وغياب نظرية ثورية متكاملة.
لقد استحال على القوى الفاعلة الانخراط في حرب حركة من أجل استكمال المسار الثوري والاستيلاء على الدولة من قبل الفريق المنتصر بعد استبدال النظام المتهرئ بنظام سياسي تعددي وتم تفضيل خيارات رأب الصدع بين القديم والجديد وبين العميق والسطحي وبين الإصلاحي والجذري وجنح الكثير نحو التفاوض والتفاهم والتوافق والصفح والمصالحة دون المصارحة والمحاسبة ولكن في المقابل دشنت العديد من الأطراف الناجية من المطحنة حرب مواقع من أجل افتكاك المبادرة السياسية من الأجهزة القمعية للدولة والاستحواذ على معاقل في المجتمع المدني تسمح لهم بالهيمنة والقيادة الفكرية والأخلاقية للدولة.
اذا كان الأجهزة القمعية التابعة للمجتمع السياسي تقوم بوظيفة السيطرة وتحرص على استمرارية النظام فإن الهيئات والمنظمات الحقوقية التابعة للمجتمع المدني تقوم بوظيفة الهيمنة وتحرص على استمرارية الدولة وتعمل على صياغة استراتيجية التسوية التاريخية بين المنافسين السياسيين بإجراء تسوية اقتصادية واجتماعية بين الطبقة القائدة والفئات الاجتماعية المتحالفة معها والجماعات والأحزاب والمنظمات القريب منها وبدل القضاء عليها وتصفيتها واجتثاثها تقوم بإدماجها وترويضها وإخضاعها وتشريكها في الحياة السياسية عبر اتفاقات وباتباع تكتيكات ومناورات تعتمد على محاربة المركزية البيروقراطية وتجنب القوة المسلحة والصراع الايديولوجي الحاد وإتباع مركزية ديمقراطية ترسي تفاعلا بين القادة والجمهور.
على هذا الأساس تتضاعف هيمنة الكتلة الاجتماعية التي تمثل الأكثرية ليس من خلال احتكار القيادة والصلف الإيديولوجي للحزب الحاكم الواحد وديكتاتورية الثورة بل بتوسيع أفق انتظارات الناس والتركيز على ترجمة وطنية للمطالب والتحرك وسط ثورة سلبية تعول على المثقفين العضويين والمجتمع المدني.
من هذا المنطلق لا يقتضي الأمر بناء حزب أو تكوين جبهة يكون وريثا للمسار الثوري وإنما المطلوب هو الاشتغال على احتلال المواقع وافتكاك زمام المبادرة من الفوضويين والملتفين ضمن كتلة تاريخية.
ينبغي معرفة الطريق الذي يسمح بالذهاب إلى الشعب والحديث معه عن مشاكله بلغته والتعرف على حسه السليم وجملة التصورات القبلية التي يرى من خلالها العالم والإنصات إلى نبض الشارع وصوت الناس والإعداد الرصين للثورة الثقافية ليس بالتعويل على موظفي البنى الفوقية بل بالصراع ضد الثقافة التابعة.
تعتمد الكتلة التاريخية الجديدة على مفهوم للعالم مستمد من الحس المشترك للطبقات الرافضة والفئات المتمردة ويلعب الحس المشترك القادم من التقاليد دورا محركا في تغيير الذهنية وتنمية الوعي الشعبي وتتدخل فلسفة الممارسة لكي تؤثر في التجانس بين المثقفين والجمهور وتقطع الصلة بالشمولية التراجعية وتنجز عملية قلب في صلب المجتمع وتجعل من الانفصال إعادة تأليف ومن عملية الاستيعاب تجاوزا.
لا تمتلك الكتلة التاريخية استقلالا نسبيا عن البنى الاجتماعية التي شكلتها ولا تمتلك إيديولوجيا خاصة بها وإنما تطبع المجموع السياسي والقانوني والثقافي بطابعها الخاص وتقترح تنظيم عملي ومتكامل للمجتمع.
لقد تضمن وعي الطبقات المنتصرة إرادة التجاوز والتكامل والبناء والتجديد والالتزام والمثابرة وفقدت الطبقات المغلوبة التماسك والصلابة وحضرت بخوائها الفكري وفراغها الروحي وتجريدها البرجوازي. لقد اتضح للجميع غياب الجدية في التدارك وصعوبة استعادة ما فات وزال وأهمية المضي قدما واستقبال الآتي وعقد الأمل في المشروع السياسي الذي قد يتمخض عن حركية الكتلة التاريخية واندفاعها الحيوي.
رأس الأمر أن النفوذ الذي تمارسه الدولة الشمولية عن طريق سلطة المؤسسات القمعية لن يمثل حجر عثرة أمام الطموح الثوري للكتلة التاريخية وأن التسوية الاجتماعية لا يجب أن تتحول إلى ترضيات للمتحكمين في مراكز النفوذ والى رسكلة للنظام القديم ولا تعطيه فرصة من أجل إعادة ترميم نفسه وإعادة إنتاج آليات الاستيلاء التقليدية على المجتمع والغلبة على مفاصله بل يفترض أن تخلق هذه التسويات مناخا إيتيقيا للعمل المشترك بين قوى سياسية متنوعة ومتعددة تتحرك في إطار حركة اندماجية تؤطرها قيم المشاركة والعفو والتصافي. وبالتالي" قد يصبح التنظيم الاندماجي هو الشكل الجديد للتغيير ولكننا نتساءل هل نتعرض لخدعة من خدع القدر التي حدثنا عنها فيكو ، حيث يجد الناس أنفسهم مجبرين على الانصياع لأوامر التاريخ وضروراته، بصرف النظر عما يريدون ويدبرون؟"2 . لماذا تغلبت العقلانية العسكرية البونبارتية التي ميزت النظرية الشمولية السياسية على منطق نقاء الديمقراطي التعددي وطهرية المسار الثوري؟ وكيف انقطع الطريق في اللحظة التي أفصح فيها التجديد التاريخي عن أسرار مشروعه الواعد؟ والى أي مدى يمكن الحديث عن منافع سياسية ومزايا ايجابية على الصعيد العربي لهذه الثورة السلبية؟

الإحالات:
[1] هابرماس (يورغن)، مستقبل الطبيعة الإنسانية، ترجمة جورج كتورة، مؤسسة كلمة ، أبو ظبي، المكتبة الشرقية، بيروت، طبعة أولى، 2007، ص26.
[2] غرامشي (أنطونيو)، كراسات السجن، الجزء الثاني ، ترجمة عادل غنيم، الناشر دار المستقبل العربي، القاهرة،1994.ص19
المراجع:
غرامشي (أنطونيو)، كراسات السجن، الجزء الثاني ، ترجمة عادل غنيم، الناشر دار المستقبل العربي، القاهرة،1994.
هابرماس (يورغن)، مستقبل الطبيعة الإنسانية، ترجمة جورج كتورة، مؤسسة كلمة ، أبو ظبي، المكتبة الشرقية، بيروت، طبعة أولى، 2007،

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حال تدريس الفلسفة في العالم العربي
- باراديغم المحاكاة بين الواقعي والتراجيدي
- مفهوم الجميل بين المعطى الطبيعي والبعد الفني
- العدالة الإجرائية والمساواة الديمقراطية عند جون رولز
- المنعرج التداولي للفلسفة المعاصرة مع يورغن هابرماس
- أولانية دراسة الوضع البشري
- ميلاد الفنون الجميلة ودلالاتها
- المقاربة الفنومينولوجية للسياسي عند حنة أرندت
- تأرجح الكائن بين اللاوعي والوعي عند سغموند فرويد
- الإنسان المنتج عند كارل ماركس
- ماهو الفعل الإبداعي في الذوق الفني؟
- كيف يتحقق العيش المشترك في ظل التصادم بين الحضارات؟
- الفنان بين اتساع نطاق التسمية وتقلص رقعة المعنى
- ميديولوجيا الصورة وعرض جمالية الوجود
- الثورة والحشود والامبراطورية المضادة عند أنطونيو نيغري
- الفلسفة بين مواجهة الحدث وصنعه واعادة بنائه
- أنطولوجيا اللغة وإيتيقا التفاهم عند هانز جورج غادامير
- النشاط الاجتماعي بين العقلنة والشرعنة عند ماكس فيبر
- معالجة ايريك فروم للنزعة التدميرية عند البشر
- تقنية الحياة وإيتيقا المعرفة عند جاك مونو


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الخويلدي - التسوية وحرب المواقع والثورة السلبية عند أنطونيو غرامشي