أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - صَباغُ ثيابُ الحُزن














المزيد.....

صَباغُ ثيابُ الحُزن


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4882 - 2015 / 7 / 30 - 13:31
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    




صورة الحزن في وجوه المعدان لم أجدها حتى في آخر صورة لعائلة القيصر رومانوف يوم صفوهم البلاشفة لإعدامهم ، ويوم وقف ابناء محلة السيف في مدينة الناصرية خلف نعش المناضل الشيوعي ( سيد وليد ) الذي اغتاله الحرس القومي في 1963.
وفي صورة للممثلة النمساوية ( رومي شنايدر ) يوم رأيت ولدها يسقط من النافذة على نبال سياج الحديقة الحديدي ويموت ، وبعده بأيام تصاب بكآبة وحزن مضطرب ثم تنتحر بعد ذلك.
وأخيرا الحزن السريالي الذي انتشر بغيوم معتمة ولامعة والتي رأيتها تحت اجفان ريكان يوم أتوا بولده شهيدا من جبهة خرم شهر ( المحمرة ).
هذا الحزن في تعريفه الروحي يمثل بوصلة الاستقرار في حياتهم ، فمنذ أن تشتت الشعب السومري في مجاهل الاهوار وصعد شمالا هاربا الى قرى بابل بسبب الاحتراق الاخير لأور ومسح ممالكها من الوجود ، ومرورا بكل مآثر الحزن العلوي في مصلى مسجد الكوفة وطف كربلاء وانتهاء بنحيب امهات ضحايا حرب برزان ومخافر زرباطية والشيب والطيب وانتهاء بموتى العطش عندما صنع القدر السياسي قرار تجفيف الاهوار ، وانتهاء بمن يموتوا اليوم من الامراض الحضارية الجديدة التي لم يألفوها من قبل مثل الضغط والسكر والربو يسجل التأريخ وقائع حياة شعب له مع الحزن ودمعته غراما عجيبا.
هذا الغرام تجسد في موسم راقبته جيدا عندما يأتي صباغ الملابس ( الحاج كاظم ) من الناصرية حاملا قدوره الكبيرة واكياس اصباغه النيلي والسوداء ويحط رحاله في قريتنا ( أم شعثه ) ليومين حيث يخلع المعدان دشاديشهم بالدور ويسلمونها اليه ويرتدون اخرى قديمة لديهم في انتظار ثيابهم المصبوغة الجديدة بلونها المعتم ، ولهذا تعودوا على ارتداء هكذا نيلي غامق بالسواد ويصيبهم قلق انتظار صباغ الملابس مع اقتراب اول يوم شهر محرم.
قبل ثلاثة ايام من بداية الشهر القمري ، يفاجئنا في الصباح منظر الحبال الممتدة على ثايات قصب وقد تطايرت عليها الدشاديش الملونة فيما يتطلع اليها التلاميذ من خلال نوافذ الصفوف في حلم أنها ستتجفف تحت الشمس وسيرتدونها وقد استعان بنا الصباغ بتثبيت ورقة بأسم صاحب كل ثوب بورقة صغيرة.
لا أدري إن كان الصباغون يعاودون اليوم زيارة القرى مع قدورهم الكبيرة ليغيروا في اناقة اهل القرى هاجس الفرح ويحولوه الى اعلان تضامن مع صاحب مصيبة عاشوراء ، وتبقى الملابس السوداء على اجسادهم ولن تغيرها النساء الى اثواب ملونة إلا في يوم ( فرحة الزهراء ) .
تغادر الثياب مساحة حزن مؤجل الى عالم آخر ، ويضاف صباغ ثياب الحزن الى جوقة من الجوالين الذين يأتون الى القرية بأوقات متفرقة ، العطارون ، العرافون ، الغجر مركبي الاسنان ، المندائيون الذين يصلحون المناجل ويمارسون الطي والتنجيم ، بائع الخشالة ، وآخر ايام في ذكريات مهنة التعليم وصلهم ذات يوم زورق فيه رجل ومعه صندوق فلين كبير يبيع صاحبه فيه ( المثلجات ــ الموطا ).
أولئك كل لهم خصوصيتهم في التعامل مع هؤلاء البسطاء الذين يحفظون عن ظهر قلب مواقيت وصول كل جوال ، غير أن لموعد وصول صباغ ثياب الحزن طعمه وقلقه لأنهم يعتقدون ان في هذا الشهر بدون ارتداء الثياب السوداء بنيلي غامق سوف لن يرزقوا بشيء وسوف يصابون هم ودوابهم بلعنة خفية.....!



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدراعة الانجليزية
- محمد الجزائري ( قطار البصرة ساعة 11 )
- الوصيُ وداخل حسن
- دموع ليلة الجمعة
- مليون عريف ومدينة واحدة
- الحلة والدلة
- براغيث قطار طوروس
- يامن بقيتم هناك ( أذكرونا )
- فرارية أثينا
- دشداشة لحية ابن صباح
- العيد وأرجوحة ارمسترونغ
- الإسكندر ينتظرُ البرابرة
- عمتي لميعة توفيق
- خرافة نهاية العالم
- ملح وسمك وغاندي
- دشداشة الملك
- مواويل البادَم والچِرك
- زمزم الغزلان
- الطبيخ والمريخ
- نزهات نوبخذنصر


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - صَباغُ ثيابُ الحُزن