|
ذكريات العيد التي لا تبلى ..
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 20:38
المحور:
الادب والفن
كلما تقدم بنا الزمن نستذكر الماضي ونستحضر ذكريات أعياده القديمة التي كانت بحق تستحق أن تسمى أعيادا ، قبل أن يبهت البريق الذي كان لها فيما سبق من الأعوام ، وتفقد تأثيرها على الأطفال قبل الكبار، وتصبح رتيبة مملة ، تدفع لتردد ما قاله فيها الشاعر : عيد بأي حال عدت يا عيد ... وذلك لو عدنا بذاكرتنا قليلا إلى الوراء ، لوجدنا الفرق كبير بين طقوس العيد اليوم وطقوسه بالأمس ، وكف أصبحت غير معمولا بها لدى الأجيال الحالية والقادمة ، بعد أن تلاشى الكثير من تقاليدها وحكاياتها التي طالما كانت مصدر فرحة طفولتنا ونحن نرتدي ملابسنا الجديدة ونستلم عيديات الأهل والأقرباء السخية .. لذلك أجدني أعود معه طفلا ، كلما جاء العيد ، أي عيد كيفنا كان، واسترجع " هبل " الطفولة اللذيذ في الأعياد ، واستعرض ذكريات ما حصل خلالها من أحداث طريفة ، كالبوم صور بالأبيض والأسود ، واضحك من الأعماق ، من أعياد كانت زمن الطفولة ، مجرد انتظار لـ"نفار" العيد، ونفاذ صبر على ثياب جديدة معلقة في مسمار على الحائط ، وعيدية حاتمية من الوالدين والأهل والعشيرة ، والذهاب للسينما ، والتي لم تكن سوى سينما " أبولو" القريبة جدا من مسكننا ، لمشاهدة أفلام في الغالب ما تكون افلام رعب و "كاوبوي" وازدراد "ربع صوصيط " لذيذ –الذي والله لازلت لا اعرف هل "الصوصيط " بالسين أم بالصاد-.. لا أدري لماذا تذكرت "الربع دالصوصيط " خاصة في هذا العيد الذي تتفنن كل ربات البيوت في تحضير أحسن وألذ "الشهيوات" المغربية الأصيلة ، ربما لأن من عادة رواد سينما "لابولو" أن يتناولوا "الصوصيط " خلال الاستراحة "لانتراكت" .. وربما تذكرته لما حصل لي معه في يوم عيد من أعياد ما سبق من الأعوام ، التي كان فيها للأعياد بريق مؤثر على الكبار قبل الصغار ، وكان العيديات في الجيوب رنين ووقع يملأ الأطفال سطوة وعزوة ، ويدفع بهم للإنفاق والصرف مزهوين .. انطلقت مزهوا ، في ذاك العيد الأغر بما في جيبي من قطع معدنية ، إلى الـ"أبولو" اقرب قاعة سينما ، لمشاهدة فلم a fistful of dollars لكلينت إسوودClint Eastwood ، قطعت التذكرة من تقب صغير في الحائط .. ، استلم مني التذكرة "شارلوا" –كما يسميه الرواد أبولوا- بزعيقه الخاص وسبابه المحفوظ لدى شباب الحي مدمني هذه القاعة.. دخلت القاعة ، فصدمتني روائح الرطوبة ، وأشاء أخرى خانقة .. انغرست في كرسي خشبي غير مريح ، رفعت رأسي نحو الشاشة المهترئة قدامي مباشرة .. أنيرت الأضواء بعد زمن معلنة انتهاء العرض الأول الذي كان فلما عن حياة هرقل – للعلم ، لقد كانت سينما "لابولو" تعرض فلمين – خرج جميع من في القاعة تقربا .. خرجت أنا أيضا .. وقفت عند بائع "الصوصيص" التهمت "ربيع" في رمشة عين ، وراق لي أن أزيد "ربيع" الثاني بدافع طعم الفلفل الحار اللاهب الذي يمنحه لذة لا تقاوم وتدفع للمزيد من "الربوعة" . مددت يدي إلى جيبي لأدفع ثمن الـ" الجوج ربوعة "، فكانت الكارثة ، إذ لم أجد في جيبي شيئا ، يا الهي ماذا افعل ؟ وأنا بلا نقود؟ والجرس يعلن بداية الفلم الثاني " الكاوبوي " الذي اعشقه، وصاحب "الصوصيط " ينتظر مني الدفع ، وفي لحظة أنشغل المسكين بشي نقانقه وتلبية طلبات زبائنه المتحلقين حول "كروسته" بكثرة ، اتخذت ساعتها قراري مستغلا تكاتف غيوم الدخان التي حجبتني عنه .. تراجعت للوراء قليلا ، ثم هربت راكضا إلى قاعة السينما ، حيث تكومت في المقعد الخشبي إياه ، أتابع الفلم في شره ، دون أسلو عن مراقبة "مول الصوصيط " الذي دخل القاعة يتفرس في وجوه الأطفال بحثا عن الذين لم يدفعوا ثمن ما أكلوا .. شعرت بالخوف بل بالرعب ، وأحسست بشيء دافئ يبلل سروال العيد الجديد.. ومهما عدنا لتلك ذكريات يبقى لكل عيد منها طعم خاص وذكريات لا يمكن أن تسعها الذاكرة . حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنما هي قضية أخلاقية بالمقام الأول !!
-
تشابه الفكر الظلامي واختلاف طرق تصريف المواقف..
-
ليس محض صدفة انتشار المرجعية الفكرية الظلامية على امتداد الب
...
-
مقابرهم ومقابرنا ؟؟ -المقابر المَشَاهد-cimetières paysage نم
...
-
ظاهرة التطوع لنشر حب المطالعة وثقافتها..
-
شياطين الإنس أشد ضررا من مردة الجن ..
-
على هامش تكريم مولاي مسعود
-
رحيل نقابي متميز ..
-
الجنين إلى الطفولة !!
-
الاعتذار للأقوياء الذين يتحملون مسؤولياتهم ...
-
استديو -باب جنان السبيل طالع وهابط- بفاس الجديد ..
-
مراسلة عاجلة تكريم المقاوم مولاي مسعود اكوزال
-
قصص سائقي الطاكسي بباريس 2 ..
-
مسلكيات مجتمعية مناقضة للفطرة السليمة والذوق الرفيع ..
-
قصص سائقي الطاكسي بباريس ..
-
إلغاء منصب الوزير من الحكومات .
-
صبيحة يوم جميل في إحدى ضواحي باريس .
-
الاسقالة (2)
-
الاسقالة (1)
-
ما أبشع طعم الديمقراطية في البلاد العربية ، 4
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|