أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلاح رحيم - المُعتمد ورفوف الكتب















المزيد.....

المُعتمد ورفوف الكتب


فلاح رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4820 - 2015 / 5 / 28 - 02:41
المحور: الادب والفن
    


المعتمد canon في أدب كل ثقافة هو بديهياتها المُكرّسة. إنه مجموع الأعمال التي عُدّت "عظيمة" و "قيّمة" و "خالدة"، وهي لذلك تستحق أن تُقرأ وتُدرس وتُدّرس جيلاً بعد جيل. وكما هو الحال مع كل المفاهيم الأدبية والنقدية، أثار مفهوم المعتمد ردود أفعال متنوعة: دافع عنه مفكرون كبار لأسباب فلسفية ونقدية عميقة مثل هانز جورج غادامير ونورثرب فراي وهارولد بلوم، ودافع عنه مخططو سياسات ثقافية لأسباب أيديولوجية محض (كما في المُعتمدين المختلفين للأدب الألماني في الألمانيتين قبل التوحيد). لكننا نجد بين المدافعين عن المعتمد لأسباب نقدية محضة خلافاتهم أيضاً بصدد انتقاء ما يستحق عبور بواباته الضيقة، كما في الخلاف بين غادامير و ولفغانغ آيزر في طبيعة الأعمال الجديرة بالتكريس. إذ رأى الأول أنها الكلاسيكية المؤسِسة للتقليد بينما ذهب الثاني إلى أنها تلك التي تتحدى التقليد وتوفر الفجوة المحرّكة لفعل القراءة (هذا بالرغم من أن آيزر تبنّى الكثير من مفاهيم غادامير المحورية).
إن جولة في مكتبة عامة عامرة بمئات الآلاف وربما الملايين من الكتب كفيلة باستحضار أسئلة المُعتمد بكل حدّتها وشرعيتها. يشكو الكثير من الكتاب الكبار من أنهم كابدوا وهم يتجولون بين رفوف الكتب الطويلة جزعاً وقنوطاً يتعلق بمهمتهم ككتّاب (عبّر عن ذلك نجيب محفوظ في سلسلة لقاءاته مع رجاء النقاش). ما الذي يمكن أن يضيفه الأديب الفرد الضائع في متاهتها إلى ما قال كل هؤلاء من قبل؟ وإذا كانت غزارة رفوف الكتب تمثل تهديداً بابتلاع أي جهد يبذله الأديب في غياهبها السحيقة، فإن المعتمد يمثل عقبة من نوع آخر أشد صعوبة: كيف يمكن للأديب تأمين مكان راسخ بين كوكبة النخبة المتحصنة في قلاعها الشاهقة الأبدية؟
هنالك عدّاد متحرك على الشبكة العنكبوتية يتابع ما يُسجّل لدى اليونسكو من كتب تصدر في كل أنحاء العالم، وهو عداد نابض متسارع لا يهدأ. سجّل مع نهاية الشهر الأول من هذا العام (2015) رقماً يزيد على 223250 (علماً أن الكثير من الإصدارات في العالم لا تُسجل لدى اليونسكو). لن يتمكن القارئ مهما كرّس من وقت أو جهد الإحاطة بما يملأ كأساً صغيراً من ماء هذا البحر المتلاطم. وهي مشكلة يعاني منها كل القرّاء وحلّها يمثل بدوره مشكلة أخرى لا تقل صعوبة: هنالك من ينتقي لنا ما نقرأ؛ إنه الناقد والصحفي ولجان تحكيم الجوائز الأدبية ثم المعتمد الأدبي الموروث في كل ثقافة. تمارس كل هذه الجهات في سياق تقديمها العون لنا وتنويرنا ضرباً من القوة المتعسفة على أذواقنا واختياراتنا لما نقرأ. الجوائز الأدبية أصبحت في يومنا هذا البوابة الأوسع للنجاح والتكريس. ولا ضير في ذلك كما أرى، لأن الجوائز التي تحترم اسمها تحرص على عدم الترويج لعمل ضعيف ركيك. هنالك حدٌّ أدنى من الجودة الأدبية يضمنه القارئ عندما يقرر منح وقته لعمل فاز بجائزة مرموقة. لكن لهذه الجوائز وجهاً كالحاً يختفي عن جمهور القراء عادة؛ ذلك أن الأعمال الفائزة ليست أفضل ما كُتب بالفعل، وهنالك في الغالب عشرات الأعمال الأفضل منها التي لا تحوز على رضا لجان التحكيم لأسباب فنية أو أيديولوجية أو سياسية متنوعة، وهذه الأعمال تتعرض لضرر كبير بسبب الاحتكار الذي تمارسه الجوائز وأصحابها على خيارات القراء. الجوائز العربية تحديداً، شأنها شأن أية ممارسة للسلطة في حياتنا، تعاني من غَلَبة المعيار السياسي عليها على نحو سافر لست في معرض التوسع فيه هنا.
ما دعاني إلى هذه المراجعة السريعة لبديهيات المُعتمد والرعاية الأدبية كتابٌ صدر عام 2014 عن فيرار وشتراوس للكاتبة الأمريكية فيليس روز Phyllis Rose بعنوان "الرف من ل ي ك إلى ل ي س: مغامرات في القراءة القصوى" The Shelf from LEQ to LES: Adventures in Extreme Reading. تتصدر الكتاب مقولة للحكيم خورخه لويس بورخيس يطمئن بها الوساوس التي تثيرها الرفوف الطويلة في "مكتبة بابل" بالقول: " في المكتبة الهائلة، لا يوجد كتابان متماثلان حدّ التماهي." وهي مقولة مدهشة وصائبة تعيد الاعتبار إلى كل الكتب التي تحتويها مكتبات العالم وتقول لنا إن لكل واحد منها خصوصية وفرادة تبرر وجوده وتجعله إضافة لا تكراراً يمكن أن ينسخه بديل منافس فيطويه.
تنطلق فيليس روز من مقولة بورخيس هذه لمشاكسة بديهية المُعتمد والمُكرّس بتجربة قراءة أقرب إلى النزوة. بدلاً من اعتماد حرّاس بوابات القراءة في اختيار ما تقرأ (وهؤلاء الحراس هم في العادة من القائمين على إعادة الكتابة بتعريف لوفيفر لهم)، تعتمد موقفاً يحيّد دورهم لقناعتها أن لكل كتاب بصمته الخاصة الجديرة بالتأمل. تقرر روز أن تختار عشوائياً رفاً يبدأ بالحروف LEQ وينتهي بالحروف LES في إحدى مكتبات نيويورك فتقرأ كل ما فيه من كتب دون اعتماد دليل خارجي. لا يحدّ خيارها في الواقع إلا أن يكون الرف لمجموعة من الكتّاب لا يختص بكاتب واحد بعينه لتضمن التنوع.
ما يتبقى من كتاب روز قراءات معمقة في كتب غير معروفة كُتبت وطواها النسيان لسبب أو لآخر. وهي تبدأ القراءة من فراغ، أي أنها لا تكتفي بالاستغناء عن توصيات النقاد، بل ولا تختار الكتاب سعياً للحصول على إجابة عن سؤال أو لشاغل محدّد. من هنا طرافة المغامرة؛ إنها تعطيل لأية حواجز بيننا وبين الكتب التي لا نقرأها. ما يتكشف أثناء مناقشتها الكتب المغمورة يؤكد بصيرة بورخيس؛ إن كلّ كتاب منها عالمٌ فريد يقود القارئ إلى شبكة واسعة من المشاغل والتأملات. ولكن، بالرغم من تحوطات روز في معانقة الكتب دون حواجز فإنها تكتشف أن القارئ يبقى يتأثر بكل ما يتصدر الكتاب من آراء ويتناثر على متنه من هوامش ( تجربتها في قراءة ترجمة فلاديمير ناباكوف لرواية ليرمنتوف "بطل من زماننا" من الروسية إلى الإنجليزية تقودها إلى قراءة ترجمات أخرى للرواية ذاتها تلاحظ عند مقارنتها مع ترجمة ناباكوف أن مترجميها قد تنحّوا جانباً عن النص على خلاف ناباكوف المشغول بنفسه ومواهبه.)
لاحظت روز أيضاً أن القارئ في يومنا هذا صار وثيق الصلة بشبكة الانترنت لا يكاد يستغني عنها فهو يقفز إليها ما أن يمسك كتاباً جديداً للحصول على معلومات إضافية عن مؤلفة وعن آراء النقاد فيه، وهو مصدرٌ محمود يزيد من غزارة القراءة وإن كان يعيدنا إلى سطوة النقد. لكننا كقراء نعلم أن للمعتمد والسلطات التي يمثلها حضوراً لا يُرد. الكتب التي تبقى على الرف مثلاً ولا تستغني عنها المكتبات في مزاداتها السنوية تخضع لتصفية خفية لم تأخذها روز بنظر الاعتبار. كما أن المغامرة خارج المعتمد لن تكتسب عمقها وتكشف مفاتنها بدونه حضوراً غامراً تقيس به المغامرة نفسها.
تنتهي الكاتبة إلى استبصار جدير بالتأمل: إن للقارئ دوراً كبيراً في إغناء تجربة القراءة. حين ننتهي من الكتاب نكتشف نجماً جديداً هو القارئة فيليس روز التي حوّلت بمهاراتها وعمق اسقاطاتها على الكتب كل ما قرأته إلى مادة مثيرة جديرة بالتوقف عندها وتأملها. أما ما نتعلمه نحن من هذا الكتاب الممتع فهو الحركيّة الحيّة جيئة وذهاباً بين المعتمد والرف بوصفها مصدر تجديد للعقل والحياة.



#فلاح_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفجوة بين المثقفين والمجتمع: خرائط البداوة والشرعية
- السجل الأسود للنفط: الديمقراطية والحروب الأهلية
- ما بعد العلمانية ومجالس بغداد
- الحقيقة والمصالحة في رواية كوتزي -العار-
- “اعترافات كائن” والتمثيل الروائي للفاجعة
- أنسنة الشعر: حسن ناظم قارئاً لفوزي كريم
- قصائد في يوميّات: أحلام صحراوية
- -مدينة الصور-:الفوتغراف بين اللوحة التشكيلية والمشهد الروائي
- ديفيد لودج ودليل حرفة الرواية
- كُتب في يوميّات: المجموعة الكاملة لقصص مارك توين القصيرة
- كُتُب في يوميّات: العصافير لا تموت من الجليد لأفنان القاسم
- كُتُب في يوميّات: الطاحونة الحمراء لبيير دي مور
- مصر وحمى الربيع والصيف
- كتب في يوميات: تونيو كروجر لتوماس مان
- كتب في يوميات: فيلكس كرول لتوماس مان
- موعظة الهوتو والتوتسي: أنف ومليون قتيل
- الموسيقى الألمانية واجتثاث النازية والأمريكيون
- فتحي المسكيني و ترجمة -الكينونة والزمان-
- ذكريات موسى الشابندر البغدادية : السيرة واضطراب لحظة التنوير
- سرد الذاكرة المضادة في أدب ألمانيا واليابان


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلاح رحيم - المُعتمد ورفوف الكتب