أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد قروق كركيش - العنف الرمزي:نحو تفكيك استراتيجي للسلطة والقهر والهيمنة















المزيد.....



العنف الرمزي:نحو تفكيك استراتيجي للسلطة والقهر والهيمنة


محمد قروق كركيش

الحوار المتمدن-العدد: 4802 - 2015 / 5 / 10 - 19:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة:
إن نظرية العنف الرمزي من أهم المشاريع التي جاء بها بيير بورديو في إطار دراساته للظواهر المجتمعية في علم الاجتماع، وتركز هذه النظرية على أن المجتمع بظواهره ومشكلاته لا يمكن أن يفسر بمنطق أحادي الجانب، كما حدث مع التحليل الماركسي للمجتمع الذي ركز على البعد الاقتصادي مهملا في نفس الوقت أبعادا أخرى، وكما حدث أيضا مع بعض التحليلات السوسيولوجية التي ركزت على الأبعاد الاجتماعية فقط، فالعنف الرمزي بالنسبة إليه هو عنف لطيف وغير مرئي، لكنه محسوس بالدرجة الأولى، ويتصادم في نفس الوقت مع مستويات أخرى، فهو يحتك مع الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي والثقافي والرمزي ومع عوامل أخرى متعددة تتحدث انطلاقا من بنية المجتمع، لأنه كما يقول فإن العنف الرمزي متعدد الأبعاد وهو أقرب إلى الاحساس منه إلى المادة، وهذا العنف لا يؤثر فقط على الأفراد، بل يؤثر في علاقة جدلية بين الأفراد من جهة والطبقات أو البنيات الاجتماعية من جهة أخرى، إنه عنف يتسرب إلى كلا الجانبين ضمن خط جدلي ودينامي مستمر لا ينقطع مع تطور وتغير المجتمع، إن بيير بورديو استقى هذه النظرية من خلال بحوثه القيمة التي تتميز بطابعها المعرفي العالي، وبسمتها الحقلية الإمبريقية، فهو لا ينفك أن يدخل في معترك البحث عن معاني الظاهرة إلا وكان الحقل/الميدان بالنسبة إليه هو الحاكم الأول والأخير، كما أننا لا يمكن أن نقرأ لبورديو في مواضيعه واهتماماته إلا ونجد العنف الرمزي حاضرا وقائما، وكأنه ركيزة من ركائز الهيمنة والظلم واللاتوازن، يحضر هذا العنف في المجتمع بشكل يطغى عليه بعد التسلط والضغط والخضوع والهيمنة واللاتوازن وغياب العدل واختلال الحق، ويبدو أن حياة بورديو قد أثرت على أعماله ومفاهيمه وأدواته في الدراسة.
فقد ولد بيير بورديو كما هو معروف في آب من سنة 1930م، في منطقة تدعى دنكه والتي تقع جغرافيا في جنوب فرنسا، من والد ذو أصول ريفية كان حينها موظفا حكوميا في مكتب البريد، وقد درس بورديو أول الأمر الفلسفة في مدرسة المعلمين العليا في باريس، ونال فيها شهادة الأستاذية في الفلسفة في عام 1954م، وكان صاحب المنهج التفكيكي جاك دريدا الفيلسوف الفرنسي ذو الأصول الجزائرية الشهير من الذين تخرجوا في نفس الدورة، ومن نفس الجيل، وقد اطلع بورديو في مراحل مطالعاته الأولى على أعمال كارل ماركس في تحليلاته حول الطبقات والبنيات الاجتماعية، وقد تأثر بما قدمه ماركس رغم أنه انتقده في النهاية، كما تأثر في الجانب الفلسفي بأعمال جان بول سارتر مؤسس المذهب الوجودي الذي كان في وقته يطغى على الأوساط الفلسفية، توجه بورديو نحو دراسة المنطق وتاريخ العلوم ثم تابع حلقة دراسية في التعليم العالي حول فلسفة الحق عند هيجل، ولكن بعد تجربة قصيرة له كأستاذ في إحدى الثانويات دعي من قبل المكتب النفسي للجيوش في مدينة فرساي، ولكن لأسباب تأديبية أرسل بسرعة إلى الجزائر في إطار إحلال السلام حيث أدى هناك القسم الأساسي من خدمته العسكرية. ومن سنة 1958 إلى 1960م، تمنى أن يتابع دراساته عن المجتمع الجزائر، فدرس في كلية الآداب في الجزائر واهتم بالدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية و كتب بعد عودته إلى فرنسا مباشرة كتابا بعنوان: سوسيولجيا الجزائر ثم أصدر كتابا آخر بعنوان: أزمة الزراعة التقليدية في الجزائر . وبدأ يدرس الفلسفة في السوربون ثم أصبح مديرا لقسم الدراسات في مدرسة الدراسات العليا، ثم مديرا لمعهد علم الاجتماع الأوربي، كما انتخب عام 1982م لكرسي علم الاجتماع في «الكوليج دو فرانس» وهي أعلى هيئة علمية في فرنسا، وكانت محاضرته الافتتاحية في «الكوليج دو فرانس» بعنوان درس في الدرس وقد جال فيها بجدارة في ميادين النقد الاجتماعي والسياسي والتربوي والنفسي وختمها بالتحذير من ظاهرة التسامي الزائف التي تنشأ عن إساءة استخدام المعرفة، وهكذا ظل يدرس ويحاضر فيها لغاية عام 2001م، إذ كان بيير بورديو على موعد مع الشهرة مبكرا بعد إصداره كتاب: الورثة بالاشتراك مع زميله وصديقه الدائم جون كلود باسرون، وبعدها بعام؛ أي في سنة 2002م، وقف نجمه وأفل أحد أهم رجالات السوسيولوجيا بالعالم المعاصر، مخلفا دراسات وأدوات ومفاهيم مهمة سنأتي على ذكر بعضها في هذه الورقة مهتدين بأسئلة مقلقة وجادة توجهنا نحو تبيان نظريته في العنف الرمزي، من قبيل:
1- وكيف يمكن أن نعرف هذا العنف ما دامت هناك مفاهيم أخرى من قبل الرمز والرأسمال الثقافي والاجتماعي وغيرها من المفاهيم؟ ومن يحتوي من؟
2- وما هي آليات هذا العنف الرمزي وآثاره؟

أولا: أدوات ومفاهيم متاخمة لنظرية العنف الرمزي
لقد سعى بيير بورديو طيلة حياته إلى تقديم معرفة اجتماعية للظواهر تكون دقيقة وحاسمة أكثر مما هي نسبية، وانطلاقا من هذا المعطى –البحث الإمبريقي والحقلي- أراد بورديو تحويل علم الاجتماع إلى علم تكون له أهميته كباقي العلوم، له لغته الخاصة به وقوانينه ومبادئه ومفاهيمه التفسيرية ونظرياته القائمة بذاتها، لذلك فإنه في مشروعه الواسع نجده يبتكر ويخلق أدوات مهمة كفيلة بمدنا بمعرفة اجتماعية تخرج من كنه العلم من جهة، ومن باطن المجتمع من جهة أخرى، وذلك ليس إلا لتحويل الخطاب السوسيولوجي إلى خطاب علمي ممنهج، وهو بهذا الكلام يوجه نقدا متعدد الأبعاد لمجموعة من علماء الاجتماع الذين أساؤوا إلى هذا العلم ومنعوا تطوره الطبيعي؛ مثل التفسير الماركسي ذو البعد الواحد، والذي يفسر لنا الظواهر انطلاقا من معطى وحيد هو العامل الاقتصادي، بالإضافة إلى النزعات الوصفية المعروفة التي تكتفي فقط بالملاحظة والكشف عن الظواهر الاجتماعية دون أن تقدم تفسيرا في النهاية لهذه الظواهر، فتظل حسب بورديو تدور في حلقة مفرغة، والحق أن من يطلع على أعمال بورديو سيجد أنه ليس من طينة الدارسين الذين ينظرون إلى المجتمع بوصفه ظواهر اجتماعية جاهزة يقوم الدارس فقط بوصفها وتبيان أجزائها، بل ينظر إلى المجتمع كموضوع للبحث العلمي، بل ينظر إليه بشكل أعم باعتباره مجموعة من التناقضات، أو بالأحرى فهو ينظر إليه كعملية بناء تقوم على التمييز بين مجموعة من الحقول المختلفة، بحيث لا يمكن فهم مستوياتها إلا بالنفاذ إلى نسق من العلاقات الداخلية الجوهرية التي كانت بعيدة من قبل عن المساءلة والدراسة، لذلك فهور يقول:"أن تشييد الموضوع العلمي يعني، أولا وقبل كل شيء، قطع أواصر الصلة بالحس المشترك؛ أي ببعض التمثلات التي يقتسمها الجميع، فما هو مشيد مسبقا يوجد في كل مكان، ويجد السوسيولوجي نفسه محاصرا به مثل جميع الأفراد، فهو ملزم بأن يعرف عالما يعتبر هو نفسه نتاجا له"، إن هذه الصيغة في البحث لدى بورديو ستجعله يكشف عن معرفة اجتماعية مهمة غذت علم الاجتماع وأعطته قوة، لا في الموضوع ولا في المنهج العلمي، هذه الدفعة كشفت أيضا عن مفاهيم وأدوات متنوعة للاشتغال، فنظرية العنف الرمزي تعد إحدى النظريات المهمة والتي تكشف في داخلها عن مفاهيم وأدوات متنوعة للتحليل، نخص بالذكر إعادة قراءة بورديو لمفهوم الرأسمال؛ واستخراجه منه مفاهيم متنوعة مثل الرأسمال الثقافي، الرأسمال الاجتماعي، الرأسمال الرمزي، ثم مفاهيم أخرى مهمة ضمن هذه النظرية؛ منها مفهوم الهابيتوس ومفهوم سلطة اللغة، ومفهوم الهيمنة، ومفهوم الحقل، ثم مفهوم إعادة الإنتاج الذي يعد المفهوم الأضخم ضمن مشروعه العلمي في الحقل التربوي على وجه الخصوص، بل نحن نرى أن إعادة الإنتاج -الذي يسم عناوين إحدى كتبه- يعد المفهوم البارز الذي يحتوي كل تلك المفاهيم المذكورة، وإننا نؤكد أن المفاهيم والأدوات التي ابتكرها بورديو في نظرية العنف الرمزي لا تنفك أن تتشابك عوض أن تتشتت، بمعنى أن مشروع بورديو يشتغل في كل وقت وحين بمجموع هذه المفاهيم لأنها مترابطة للغاية فيما بينها، لذلك سنسعى بشكل مقتضب أن نبين المعاني الأساسية لبعض المفاهيم المرتبطة بما نحن بصدده.

1- مفهوم إعادة الإنتاج:
يستخدم بيير بورديو هذا المفهوم بمعية صديقه باسرون في كتابهما المشترك الذي يحمل نفس العنوان، و"يعد كتاب إعادة الإنتاج الحصيلة النظرية لبحوث كان كتاب الورثة 1964م هو الحلقة الأولى منها" ، فبورديو يحول انطلاقا من أعماله الإمبريقية بناء نظرية عامة لأفعال العنف الرمزي وللشروط الاجتماعية لتورية هذا العنف، ويشير أنطوني غدنز ويشيد بهذا المفهوم الضخم فيقول:"ربما كان مفهوم إعادة إنتاج الثقافة هو الوسيلة الفضلى لربط عدد كبير من الموضوعات التي تناولتها المنظورات المعاصرة حول التربية والتعليم، ويشير هذا المفهوم إلى الوسائل والطرق التي تنتجها المدارس بمشاركة المؤسسات الاجتماعية الأخرى، لإدامة نواحي اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية جيلا بعد جيل، ويلفت هذا المفهوم انتباهنا إلى السبل التي تتمكن بها المدارس عبر مناهجها الدراسية من ممارسة التأثير على تعليم القيم والتوجهات والعادات" ، بمعنى أن هذا المفهوم يشير إلى دورة غير طبيعية تكرسها المدرسة لصناعة نفس الأجيال دون تجديد في ذلك، فمفهوم إعادة الانتاج يأخذ مكانا مركزيا، ويشكل نقطة تقاطع المفاهيم الأخرى في نظرية بورديو وباسرون السوسيولوجية، وهذا يعني "إن مفاهيم من قبيل الهابيتوس والرأسمال الثقافي والاجتماعي والعنف الرمزي والإقصاء الاجتماعي والسلطة الرمزية هي مفاهيم تتمحور حول مسألة إعادة الإنتاج" ، وبكل وضوح وبساطة فإن مفهوم اعادة الإنتاج يشير "إلى مجموع إجراءات تاريخية، هي في الوقت نفسه مستقلة ومتقاطعة، بحيث تندمغ بواسطتها داخل السياقات الأكثر تنوعا، فالتعارض ذكر/أنثى، إذا اكتفينا بهذا المثال فقط، فإنه موجود داخل الاستعدادات وداخل المؤسسات، في الأجساد وفي العقول، في الكلام وفي المعايير القانونية، ويتغير بطريقة جد مختلفة في ارتباط بحقول ومناطق الفضاء الاجتماعي التي تؤول فيها إلى الزوال، إن مفهوم إعادة الإنتاج إذن هو مرتبط بمقاربة ذات نزعة بنيوية لوصف الوقائع" ، وبكل اختصار فإن مفهوم إعادة الإنتاج صاغه بورديو في دراسته للنظام التعليمي، ويعني فعليا أن المدرسة بأنظمتها وقوانينها تعيد إنتاج نفس التقسيمات الطبقية في المجتمع ذاته، أو في الوقت نفسه هو أداة المجتمع نفسه في إعادة إنتاجه لنفسه على نحو طبقي، فالمدرسة هنا تفعل فعلها في انتاج التفاوت والتباين الاجتماعي والثقافي.

2- مفهوم الهابيتوس:
لقد أسس بيير بورديو لهذا المفهوم في كل أعماله تقريبا، لأنه مفهوم أداتي وسوسيولوجي يكتنف مجموعة من الأشياء، فهو حمال لكثير من المعاني التي اختزلها بورديو فيه، وهو مصطلح فلسفي استخدمه أول الأمر أرسطو ثم استخدمه في فترات متباعدة مفكرون وفلاسفة وسوسيولوجيين أمثال هيجل وهوسرل وماكس فيبر وإيميل دوركهايم، وهو يعد مفهوما مركزيا لتحليل الحياة الاجتماعية لدى بورديو، ويعني به "الخصال المترسخة في داخل عقول البشر وأجسادهم، وعرف هذه الخصال بالترتيبات المتقلبة والمعمرة التي من خلالها يدرك الناس ويفكرون ويقدرون وينفذون ويحكمون على العالم، ويعني بالترتيبات أنها مجموعة متنوعة من التوجيهات المستمرة والمهارات وأشكال من المعرفة الفنية التي يلتقطها الناس ببساطة من معاشرة أناس من ثقافات وثقافات فرعية معينة، ويمكن أن تتراوح هذه من أشكال السلوك الجسدي والحديث والإيماءة والملبس والأخلاق الاجتماعية، وقد استطاع بورديو أن يخرج المفهوم لما رأى أن هناك تطابق وتجانس قريب بين التنظيم الاجتماعي وديناميكيات العالم الخارجي والترتيبات المجسمة الداخلية للأفراد" ، فالهابيتوس إذا شئنا أن ترجمناه فسيعني الاستعدادات المضمرة في الفرد، لذلك فهو نسق من الاستعدادات المستمرة والقابلة للتحويل والنقل، أو هو بنى مستعدة للاشتغال بوصفها مبادئ مولدة ومنظمة لممارسات وتمثلات معينة داخل المجتمع، بهذا المعنى فالهابيتوس هو المجتمع وقد استقر في الجسم والذهن عن طريق سيرورة التربية والتنشئة الاجتماعية والتعليم والترويض، فالمجتمع هنا بكل قيمه وأخلاقياته، بل بكل محددات السلوك والتفكير والاختيار يسكن الأشخاص في صورة نظام قار لمجموع المؤهلات والمواقف، "إن الهابيتوس بصيغة الجمع هو نتاج استدماج البنيات الاجتماعية على شكل أنظمة ادراك(رفيع/وضيع، مبتذل/متميز، مؤنت/مذكر...) واستعدادات دائمة(للحب، للإحترام، للهيمنة...) بمقتضى التطبع المزدوج الذي ينتج عن الوضع الاجتماعي في الأشياء والأجساد، والهابيتوس يوجد في قاعدة التواطؤ اللامعقول للمسيطر عليهم مع الاكراهات الموضوعية التي يمارسها عليهم" ، الأبيتوس عند بيير بورديو إذن دليل على قوى الأصل في الوسط الاجتماعي، وكأن الهابيتوس هو مجموع العادات التي درج الناس على التعامل بها في بنياتهم الاجتماعية، ولو أنه لا يعني البثة التطابق مع مفهوم العادة، فالهابيتوس مضمر ومستبطن من خلال التربية والتنشئة وهو صنيع المؤثرات الداخلية للأفراد والطبيعية للمجتمع والبيئة الاجتماعية، والهابيتوس بحسب بورديو يدخل في الأفعال اللاعقلانية، لأن الفاعلين هنا يحددون اختياراتهم تلقائيا بفعل الهابيتوس الخاص بهم، وذلك لكونه مندمجا ومتأقلما معهم، فهم لا يتصرون من خلاله بدون أن يفكروا في افعالهم ما إذا كانت عقلانية أم لا، فهو مستبطن فيهم.

3- مفهوم الرأسمال:
إن مفهوم الرأسمال لم يظهر مع بورديو ولكنه ظهر أول الأمر بشكل واضح وجلي في النظرية السوسيولوجية مع كارل ماركس، وهو مصطلح يدل على توجه معين، هو توجه اقتصادي بالخصوص، لذلك لا يمكننا القول أن بورديو تنكر لذلك، بل أخذه منه وانتقده في بعده هذا، انتقد بورديو النظرة الماركسية للرأسمال التي حصرت هذا المفهوم في الجانب المادي، واعتبرت المجتمع ما هو إلا صراع مستمر بين الطبقات الاجتماعية في إطار مادي تاريخي، مع العلم أن المجتمع تتنافس فيه مجموعة من الرساميل، الكل يسعى إلى تحصيلها ومراكمتها واستثمارها في نفس الوقت، بعض هذه الرساميل يمكن أن تتحول إلى رأسمال رمزي، حتى يتم الاعتراف بها اجتماعيا، تصبح بذلك مصدرا لسلطة مشروعة فعالة في لحظات الصراع، فأضاف أن الرأسمال لا يتعلق فقط بالاقتصاد بل أيضا بما هو ثقافي واجتماعي ورمزي أيضا، لذلك نجد أن النظرية البرديوزية للعنف الرمزي قد ولدت من هذا المفهوم، مفاهيم وأدوات أخرى من قبل:الرأسمال الثقافي والرأسمال الاجتماعي والرأسمال الرمزي.
أ- الرأسمال الثقافي:
لقد كان بيير بورديو أول من أورد مصطلح الرأسمال الثقافي، إلى جانب الرأسمال الاجتماعي، وذلك من أجل التنظير لدور المعرفة والأذواق الثقافية في تكون الطبقات، وارتبط هذا المفهوم لديه بالنظام التعليمي، حيث رأى هو وباسرون أن الرأسمال الثقافي أداة مهمة في نقل القوة والامتيازات بين الأجيال، فاستخدم هذا المفهوم كوسيلة ليفسر بها توزيع القوة والمكانة ضمن الطبقات المتوسطة والعليا، وقد "أورد هذا المصطلح بشكل دقيق عندما درس النظام التعليمي والتربوي في كتابه المشترك مع باسرون حول إعادة الإنتاج" . و"الرأسمال الثقافي حسب بورديو يظهر ببساطة القدرات والأذواق الطبيعية للطبقات، حيث تصبح بعض الاختيارات مجموعة من الإشارات التي يستخدمها أفراد مجموعة اجتماعية معينة من أجل تقوية روابطهم الداخلية، والحفاظ على تميزهم عن الآخرين، وكان هذا هو الأسلوب القائم ضمن الطبقات الاجتماعية وليس بين الأفراد" ، بهذا المعنى يكون الرأسمال الثقافي مجموع المعارف والكفايات والمهارات من مختلف الأصناف النظرية والعملية في إطار ثقافة معينة، واستثماره في حقل اجتماعي معين، يجلب لمالكه قيمة مضافة مادية أو رمزية أوهما معا، ويتوضح أكثر حينما يعرف بــــ"أنه طاقة اجتماعية أو رصيد ثقافي يمتلكه الفرد ويعتمد عليه في التميز والمنافسة داخل النظام الاجتماعي، لذلك فإن له دور اصطفائي خطير، وخصوصا داخل حقل التربية والتعليم" كما بينه بورديو وباسرون، يقول كل منهما –بورديو وباسرون- في شرح هذا المفهوم ما يلي:"فلو أخذنا الصيغة التربوية لهذه الدورة الثقافية للرأسمال الثقافي لأمكن القول إن أبناء المهمشين يعانون في وسطهم الاجتماعي ثقافيا، عندما يدخل الأطفال(أبناء الورثة)؛ أي أبناء الطبقة البرجوازية إلى المدرسة فإنهم يمتلكون رأسمال ثقافي جدير بالاهتمام، والمدرسة بقوانينها وأنظمتها تنمي فوائد وفوائض رؤوس الأموال المودعة فيهم، أما زاد أبناء الطبقات المهمشة فيتميزون بضعفه وهامشيته، ولذلك فإن القوانين الرأسمالية للثقافة تقف عاجزة عن رعايته وتنميته، وهذا يعني أن أبناء البرجوازية يزدادون غنى فكريا وثقافيا بينما يزداد أبناء المهمشين فقرا أو هوة، ما يجعلهم يحقرون ثقافتهم وذواتهم أيضا" ، والرأسمال الثقافي "يتكون من مجموعة من الثروات الرمزية التي تحيل:من جهة إلى المعارف المكتسبة التي تمثل في الحالة المدمجة على شكل استعدادات دائمة للبنية، ومن جهة أخرى، على انجازات مادية، ورأسمال في حالة موضوعية هو ميراث ثقافي(لوحات، كتب، أدوات...)، وأخيرا يستطيع الرأسمال الثقافي أن يكون اجتماعيا في الحالة المؤسسة عبر ألقاب ودبلومات ونجاح في المباريات...التي تجعل الاعتراف من لدن المجتمع موضوعيا، والرأسمال الثقافي لا يكتسب ولا يورث دون جهود شخصية، إنه يتطلب من الفاعل عملا طويلا ليجعله ملكا له، كما يتطلب اكتساب الرأسمال الثقافي الوقت والوسائل المادية، لذلك فهو على ارتباط بالرأسمال الاقتصادي" .

ب- الرأسمال الاجتماعي:
تتلخص الفكرة في أن أشكال التنظيم الاجتماعي تقوم كلها على شبكة معقدة من الصلات الشخصية المتبادلة لتماسكهم معا، وحسب روبيرت بوتنام:"فإن الفكرة الجوهرية لنظرية الرأسمال الاجتماعي هي أن للشبكات الاجتماعية قيمة اجتماعية تؤثر على انتاجية الأفراد والمجموعات" ، ففي كتاب إعادة الإنتاج يكتب بورديو وباسرون اقتصارا للتوضيح ما يلي:"إن الرأسمال الاجتماعي هو مجموع الموارد سواء فعلية أم افتراضية، التي تحدث لشخص أو لجماعة، بسبب امتلاك شبكة مستمرة من العلاقات المؤسسة، سواء قلت أم كثرت، من المنفعة والتقدير المتبادل" ، فيكون الرأسمال الاجتماعي بهذا المعنى هو مجموع الثروات الفعلية أو المفترضة التي يتوفر عليها فرد ما أو جماعة معينة بسبب امتلاكه لشبكة مستمرة من العلاقات، ومن المعارف والاعترافات المتبادلة الممأسسة تقريبا؛ أي مجموع الرساميل والسلطات التي تخول لشبكة ما إمكانية تداولها، كما ينبغي التسليم بأن الرساميل يمكن أن تتخذ أشكالا متعددة، إذا ما تطلب الأمر تفسير بنية وحركية المجتمعات المتمايزة.
يزدد التوضيح حينما يجيب بورديو على سؤال جوهري بهذا الخصوص، لماذا تكون بعض الجماعات قادرة على التآزر بخصوص مكانتها الاقتصادية والاجتماعية المميزة؟، فهم إذن يجيب بورديو يحشدون رأسمال جماعتهم، مثل أفراد الأسر القوية، أو التلاميذ القدامى في مدارس النخبة أو أعضاء نادي ما أو النبلاء، وتتطلب بهذا الصدد موارد الشبكة، باعتبارها شكلا من الرأسمال استثمار للعمل، والقدرة الاجتماعية المستمرة، من أجل الابقاء على قيمتها، فالرأسمال الاجتماعي social capital يعني أن العلاقات التي يكونها الأفراد تمثل مصدراً قوياً للحصول على منافع وأرباح، ولذلك فإن هذا النمط من رأس المال يتشكل من العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد والأسر والجماعات، بحيث تتيح هذه العلاقات الفرصة للوصول إلى فوائد أو موارد قيمة، ويردف بورديو في تعريف آخر ما يلي:" لن يكون رأس المال الاجتماعي سوى كم من الموارد الواقعية أو المحتملة التي يتم الحصول عليها من خلال امتلاك شبكة من العلاقات الدائمة المرتكزة على الفهم والوعي المتبادل، وذلك في إطار الانطواء تحت لواء جماعة معينة، فالانتماء لجماعة ما يمنح كل عضو من أعضائها سنداً من الثقة والأمان الجماعي" . وقد أسهمت رؤية بورديو لرأس المال الاجتماعي في إثارة العديد من الأفكار والأطروحات حوله، وأصبح أداة منهجية يستخدمها الباحثون في مختلف العلوم الاجتماعية، فيرى وليم والترز أن علماء الاجتماع يستخدمون هذا المصطلح بصورة نمطية للإشارة إلى قدرة الفاعلين actors على الحصول على منافع benefits بموجب عضويتهم في الشبكات الاجتماعية Social networks أو أية كيانات اجتماعية أخرى.

ثانيا:العنف الرمزي في أسطر
لا يقتصر معنى العنف على الانتهاك البدني أو الأذى المادي فحسب، وإنما يتجاوز ذلك ليصف الضغط المعنوي وما ينجم عنه من إيذاء مشاعر الآخرين وجرح كرامتهم،أو عدم الاكتراث بأحاسيسهم، ووضعهم تحت ضغط وقهر نفسي مستمر، لهذا نجد بورديو يعرفه بكونه " العنف الرمزي هو هذا القهر الذي لا ينشأ إلا عبر وساطة الانخراط الذي لا يتأخر المسيطر عليه عن منحه للمسيطر (إذن السيطرة)، حيث لا يتوفر؛ من أجل التفكير في ذلك، والتفكير هو نفسه أو بتعبير أفضل، لكي يفكر في علاقته معه، سوى بأدوات معرفة لديه فهي ليست سوى شكلا مدمجا لبنية علاقة السيطرة،فتظهر من ثمة هذه العلاقة كما لو أنها طبيعية، أو بعبارة أخرى حينما تكون الأنظمة التي يشغلها لكي يدرك ويقدر أو ليدرك ويقدر المسيطرين (رفيع /وضيع، ذكر / أنثى ، أبيض / أسود ...)، الذين هم نتاج التصنيفات التي تم تطبيقها على هذا النحو، والتي يكون كيانه الاجتماعي نتاجا لها.
يتحدث بيير بورديو عن العنف الرمزي الذي هو عنف غير فيزيائي يتم أساسا عبر وسائل التربية وتلقين المعرفة والإيديولوجيا، وهو شكل لطيف وغير محسوس من العنف، وهو غير مرئي ولا محسوس بالنسبة إلى ضحاياه، ويتمثل في اشتراك الضحية وجلادها في التصورات والمسلمات نفسها عن العالم، حيث "يتجلى في ممارسة قيمية ووجدانية وأخلاقية وثقافية تعتمد الرموز وأدوات في السيطرة والهيمنة، مثل: اللغة ، والصورة ، والإشارات ، والدلالات ، والمعاني، وكثيرا ما يتجلى هذا العنف في ظلال ممارسة رمزية أخلاقية، والسلطة الرمزية هي سلطة كما قلنا لا مرئية ، ولا يمكن أن تمارس" إلا بتواطؤ أولئك الذين يأبون الاعتراف بأنهم خاضعون لها، بل ويمارسونها، فهي سلطة بناء الواقع، وهي تسعى لإقامة نظام معرفي وإعادة إنتاج النظام الاجتماعي" ، ويخلص بورديو إلى اعتبار "السلطة الرمزية، من حيث هي قدرة على تكوين المعطى عن طريق العبارات اللفظية، ومن حيث هي قدرة على الإبانة والإقناع، وإقرار رؤية العالم أو تحويلها، ومن ثم قدرة على تحويل التأثير في العالم بفضل قدرته على التعبئة" ، وهي قدرة يراها بورديو "شبه سحرية"، والسلطة الرمزية لا تعمل إلا إذا اعترف بها، وهي تتحدد بفضل علاقة معينة تربط من يمارس السلطة بمن يخضع لها، أي أنها تتحدد ببنية المجال التي تؤكد فيها الاعتقاد ويعاد إنتاجه..
تكمن خطورة هذا الشكل من أشكال العنف في أنه " يتسلل بهدوء إلى شتى الأنساق القيمية، قبل أن يتمفصل في الأبنية الثقافية والمرتكزات السوسيولوجية، ويتبدى بعد ذلك على شكل ممارسات يقوم الفاعلون الاجتماعيون بشرعنتها باعتبارها ضرورة لحفظ المجتمع ووقايته من الفتن والشرور، وبشكل يأخذ موافقة ضمنية من الذين يمارس عليهم، وهو عنف إشكالي وظيفي، وقد يحمل في ثناياه نزوعا أيديولوجيا، أو بعدا دينيا يحمل في ذاته طابعا أيديولوجيا.
هكذا إذن، تكون كل سلطة في نظر بورديو تمثل عنفا رمزيا، والمقصود هنا هو كل سلطة تتمكن من تكريس دلالات وتطال فرضها على أنها شرعية لما لها من قدرة على مواراة علاقات القوة وفرض سيطرتها، وهو ما يعبر بشكل عام عن أي نفوذ يتمكن من فرض دلالات معينة، وفي فرضها بوصفها دلالات شرعية حاجبا علاقات القوة التي تؤصل قوته. ويهدف العنف الرمزي إلى خلق حالة من الإذعان عند الآخر، والذي غالبا ما يكون بعيدا عن السلطة أو يمثل أقلية تخضع لهذا النوع من العنف بدرجات متفاوتة وفقا لوزنها النسبي في المجتمع، فيحاول الطرف المسيطر فرض نسق من الأفكار والمعتقدات، ويتسم العنف الرمزي بالقدرة الدينامية على إنتاج معتقدات جديدة ورسم أطر وأسيجة أيديولوجية يمكنها تكريس خطاب اجتماعي يرتكز على قواعد قيمية ويخرج من منطلقات ثقافية يحددها الطرف المهيمن ويقوم بتوظيفها وفقا لقناعاته وأهدافه.

ثالثاً: آليات ممارسة العنف الرمزي
تعتبر نظرية العنف الرمزي بالنسبة لبيير بورديو النظرية الأكثر وضوحا واتساقا، لذلك فهذه النظرية هي باكورة أعماله بخصوص دراسة الظواهر الاجتماعية، فبيير بورديو يسخر كل أدواته المعرفية والمنهجية التي ابتكرها لكي يبين أن المجتمع يتصارع ليس في شكل مادي محض كما جاءت به النظريات الكلاسيكية في علم الاجتماع، كالأطروحة التي تعتمد على التحليل الماركسي، ولكنه يقول بصريح العبارة أن هناك صراع رمزي لين متخفي له من الأهمية الشيء الكبير في تدبير وتسيير وبناء النظام الاجتماعي لأي مجتمع، فالرمز يحضر عند بيير بورديو كإرث فردي وجماعي يغذي الفارق الكبير بين الطبقات داخل بنية واحدة، إن العنف الرمزي بهذا المعنى يجعل الكفة دائما كما يقول بورديو تميل لمن يسيطر أو لمن يمتلك هذا الرأسمال الرمزي، وهم في الغالب أبناء الطبقة العليا أو البرجوازية الذي يتمتعون برأسمال ثقافي واجتماعي ورمزي يجعلهم دائما يسيطرون، إن هذه النظرية من خلال البحوث الإمبريقية التي أقامها بورديو بينت بشكل واضح أنه لا يمكن أن نحلل بنية أي مجتمع دون أن نغفل أطروحة العنف الرمزي، لأن بورديو يؤكد أن هذا العنف في أحيان كثيرة يكون هو الدافع الأول والأخير للسيطرة، بالإضافة إلى ما هو اقتصادي مادي، وقد قام بورديو بعدة دراسات بهذا الخصوص لا يسع المجال لذكرها كاملة، اللهم أننا سنركز على بعضها كي يتضح لنا ماذا نقصد بآليات العنف الرمزي، فالآليات بالنسبة لبورديو تتجلى بالوسائل التي من خلالها يمارس هذا العنف، ونحن نعرف أ بورديو تحدث في كتابه المشترك مع باسرون عن النظام التعليمي والتربية واعتبر أن المدرسة في نظمها وقوانينها آلية من آليات هذا العنف الذي ينمي طبقة على حساب أخرى، كما نذكر أن بورديو وجه نقده اللاذع للهيمنة الذكورية كآلية من آليات ممارسة هذا العنف، ولا يخفى علينا أيضا ما تحدث عنه بخصوص سلطة اللغة باعتبارها أيضا إحدى الىليات الخطيرة لممارسة هذا النوع من العنف، كما نعرف من جهة أخرى كتابه المتميز عن التلفزيون الذي أعتبره أيضا وسيلة للسيطرة وممارسة هذا العنف، فهو يركز من خلال كتبه على هذه الآليات التي يعتبرها خطيرة للغاية للدف بالهوة الحاصلة بين الطبقات في المجتمع، وأنه لتحقيق التوازن ينبغي أن نحط هذه الآليات محط النقد والعلاج حتى تكسب البنية المجتمعية توازنها، لذلك سركز نحن في هذه الورقة على هذه الآليات.

1- النظام التعليمي والتربية:المدرسة كآلية لممارسة العنف الرمزي
يحاول بورديو وباسرون من خلال كتابهما إعادة الإنتاج أن يصورا لنا النسق التعليمي بكونه عاملا لممارسة السلطة وللضغط الرمزي، فالمدرسة بالنسبة إلهما آلية من آليات الهيمنة وآلية من آليات تزكية الخلخلة التي يعاني منها المجتمع، يقول بورديو:"إن كل سلطة عنف رمزي، أي كل سلطة تطال فرض دلالات وتطال فرضها على أنها شرعية أن تواري علاقات القوة التي هي منها مقام الأس لقوتها، إنما تزيد إلى علاقات القوة تلك، قوتها المُخِصًّة بها، أي تحديدا قوتها الرمزية" ، فالمدرسة بهذا المعنى تتيح أوهاما أثارها أبعد من أن تكون وهمية، هكذا فإن وهم اللاتبعية والحياد المدرسيين، إنما هو مبدأ للمساهمة، الأكثر نوعية، التي تدلي بها المدرسة لإعادة إنتاج النظام القائم، لذلك فإن محاولة إماطة اللثام عن القوانين التي تعيد المدرسة وفقها إنتاج بنية توزيع رأسمال ثقافي تعني ليس فقط أن توفر وسائل فهم التناقضات التي تمس اليوم أنساق التقليد فهما كاملا، بل أيضا أن تسهم في بناء نظرية للممارسة التي يتم تشكيلها باعتبارها نتاجا للبنى القائمة، أي أن المدرسة تمارس الضغط نفس لتعيد إنتاج نفس البنى، هذه البنى التي هي نفسها تعيد إنتاج نفسها من خلال المدرسة، لذلك فإن المدرسة بالنسبة لبورديو وباسرون "بكل تقنياتها وتعيناتها نتاج للتقسيم الطبقي في المجتمع ذاته، وهي في الوقت نفسه أداة المجتمع نفسه في إعادة إنتاجه لنفسه على نحو طبقي، فالمدرسة بوظائفها وفعاليتها تتخذ مكانها في دائرة الرهان الطبقي في الحياة الاجتماعية، وهي تفعل فعلها في إنتاج التفاوت والتباين الاجتماعي والثقافي" ، وعلى هذا النحو يحدد النظام الرأسمالي هدفين أساسيين للمدرسة حسب بورديو:
- إنتاج أناس لأداء أدوار رأسمالية توفيقية في خدمة النظام الرأسمالي.
- إنتاج طبقة عمالية بروليتارية قادرة على الوفاء بمتطلبات هذا النظام الرأسمالي.
ففي المرحلة الأولى من هاذين الهدفين، يؤكد باسرون وبورديو أن المدرسة تعمل بنظامها على إخضاع التلاميذ والطلبة لمنطق الطبقية، ومن ثم يتم تعليمهم وفقا لمتطلبات الحياة الرأسمالية المتغيرة عبر الزمان والمكان، في حين أنه في الحالة الثانية فيتم انتاج طبقة عاملة ويتم تزويدها بالقدرة على إنتاج نفسها بنفسها، وهنا حسب ما يطرحانه في كتبهما يميزان بين ثلاث مراحل من مستويات الصراع الطبقي في المدرسة:
- المستوى الأول:يتم فيها تأسيس المدرسة من قبل البورجوازية كمؤسسة تربوية لأداء أدوار إديولوجية مؤثرة ضد الإقطاع والبروليتارية، حيث تحول المدرسة في هذا المستوى إلى أداة من أجل فرض الهيمنة الثقافية في مجال العمل والحياة والإنتاج، وهنا تكون المدرسة مطالبة ببناء أجيال صالحة=مطيعة يخضعون للأخلاق البورجوازية وينقادون لها.
- المستوى الثاني:يعهد للمدرسة تزويد النظام الرأسمالي باليد العاملة المؤهلة والكفاءات والمميزات العملية الضرورية من أجل الصناعة ونمو المؤسسات الرأسمالية، هنا يؤكد بورديو انه بعد الوظيفة القيمية التي تمارسها المدرسة في المستوى الأول، تأتي في المستوى الثاني لتحول المعارف العلمية من أجل الإنتاج والعملية الإنتاجية، وهنا تؤدي المدرسة دورا اقتصاديا واضحا.
- المستوى الثالث:هنا تتم عملية إدماج المدرسة في العملية الانتاجية وتحويلها إلى مؤسسة رأسمالية ترتبط جوهريا بعملية الإنتاج الرأسمالي والصناعي، ودمج المدرسة في نسق الحياة الوظيفية للمجتمع الرأسمالي الصناعي، وتلبية إنتاجياته التربوية والإستهلاكية.
هنا تظهر المدرسة باعتبارها آلية للعنف الرمزي، وتظهر داخلها السلطة الخفية التي تفعل فعلها في توجيه السلوك الإنساني والتأثير عليه رمزيا، فهي تبني هنا مواطن الرضوخ والإذعان والقبول الثقافي لكل معطيات ودلالات الحياة الفكرية والثقافية للسلطة السائدة في دائرة العلاقات الطبقية القائمة في المجتمع خفية وفي منأى عن الجميع، وكأن المدرسة هنا تلعب لعبة الاختفاء وراء بناء الأجيال، لكنها في العمق تعيد بناء نفس الأسس المجتمعية المهيمنة، هذه اللعبة تجعل من المدرسة لا تمارس عنفا ماديا واضحا وظاهرا وإنما عنفا رمزيا لينا لا يظهر بالواضح، يعلن بورديو إذن "أن العنف الرمزي للمدرسة ونظامها يرتدي حلة سلطة معنوية خفية تقر نظاما من الأفكار والدلالات والمعاني والعلامات بوصفها مشروعة، وفي كل الأحوال فإن هذه السلطة تعمل على إخفاء علاقات القوة الكامنة في اصل هذه السلطة أو في تكوينات العنف الرمزي عينه" ، فالعنف الرمزي المدرسي يأخذ صورة سلطة قادرة على فرض نظام من الدلالات والمعاني بوصفها مشروعة، وذلك عبر عملية إخفاء علاقات النفوذ والقوة التي توجد في أصل هذه القوة ذاتها، وهذا يعني أن العنف الرمزي يأخذ هنا معاني، منها :
- تأخذ صورة سلطة تفرض نفسها على نسق من الأفراد.
- هذه السلطة تفرض نظاما من الدلالات والقيم والمعاني الرمزية.
- هذا العنف يأخذ طابعا رمزيا اعتباطيا، هذه الاعتباطية ناجمة عن دور هذا العنف في تعزيز اللامساواة الاجتماعية، وتأصيل الفوارق الطبقية، وإضفاء طابع الشرعية على معطياتها من أجل تمجيد طبقة اجتماعية بعينها لما تملكه تلك الطبقة من نفوذ وقوة وقدرة اقتصادية وثقافية.
يمكن القول إذن، أن العنف الرمزي ولد من صميم تحليلات بورديو وباسرون للنظام التربوي في شقه المدرسي، فهو يشكل أداة للمدرسة في إعادة الإنتاج الإجتماعي بشبكاته وآلياته وتقاطعاته الطبقية، يقول بورديو:"كل فعل بيداغوجي إنما هو موضوعيا، عنف رمزي، على اعتبار أنه فرض، بواسطة سلطة اعتباطية لاعتباط ثقافي" ، هنا تصبح المدرسة تشكيل من تشكيلات القهر والتطبيع الثقافي، حيث يأخذ القهر الثقافي صورة عنف رمزي، وبالتالي فإن الآثار النفسية لهذا النوع من العنف تكون أشد وأخطر من مختلف الأشكال الأخرى للعنف، وذلك عندما نأخذ بعين الاعتبار أن هذا العنف يتدفق باستمرار ويستمر متواترا بفعاليته الرمزية على مدى سنوات متلاحقة ومتعاقبة في الحياة المدرسية، حيث يعمل على تجريد التلاميذ من مظاهر الثقة بالنفس.
زد على ذلك يظهر العنف الرمزي في أكثر صوره الاستيلابية في أوضاع التقييم المدرسي ولاسيما الإمتحانات، حيث يوضع القوي والضعيف في عجلة صراع واحد، هكذا يكون ابناء الأميين والفقراء في صراع خبيث مع ابناء المثقفين والنبلاء والأغنياء، فيرسخون للفقراء فكرة أنهم ضعاف يقادون إلى مذابح بهدوء، وذلك لإقناعهم وبصورة خفية ورمزية أنهم غير قادرين على الحياة، ما يجعلهم أطيافا من المهملين ثقافيا واجتماعيا، وبما أن العنف الجسدي منذ عقود يقول بورديو أصبح ممنوعا في مختلف البلدان، فإن المؤسسات المدرسية بدأت تقوم اليوم، وبصورة تدريجية على العقاب الرمزي مثل الازدراء والتهميش والتبخيس والاهمال والسخرية والتهكم.

2- سلطة الكلمات:اللغة كآلية للهيمنة والعنف الرمزي
على الرغم من أن بورديو خصص لسلطان اللغة حيزا مكانيا مهما في كتابه إعادة الإنتاج، إلا أنه سرعان ما حول هذه السلطة إلى نظرية صغرى تحكم الخطاب المنطوق من خلال كتبه الأخرى وبالخصوص كتاب الرمز والسلطة، فبورديو وإن كان ظاهريا يذهب مع اللساني الاجتماعي دي سوسور حول قوة الكلمة التي تخرج من الباطن؛ أي سلطة اللغة بما هي كلمات تخرج من الداخل، فإنه يصرح أن قوة هذه اللغة وسلطتها تكسب أيضا من الخارج، فهو يقول:"إن من يحاول أن يفهم، عن طريق اللسانيات، سلطة الظواهر اللغوية ونفوذها، ومن يبحث في اللغة عن علة تفسير فعالية لغة المؤسسة والمنطق المتحكم فيها، ينسى أن اللغة تستمد سلطتها من خارج، كما ينبهنا إلى ذلك الصولجان عندما يمد في أشعار هوميروس إلى الخطيب وهو يأخذ الكلمة، وأقصى ما تفعله اللغة هو أنها تمثل هذه السلطة وتظهرها وترمز إليها" ، بالإضافة إلى ذلك فإنه في الفصل الثاني إبقاء النظام في كتابه المشترك مع باسرون، يقوم بتحليل العلاقة بين سلطان اللغة وقوة الرمز في تشكيل البناء الاجتماعي، ومعاودة إنتاج علاقات القوة والطبقية، "فاللغة هي مهماز الفعل التربوي وهي الأداة الفاعلة في تشكيل العنف الرمزي، ومنه التأثير في تشكيل العقول البازغة تشكيلا طبقيا، فالأساطير واللغات والفنون والعلوم تشكل أدوات رمزية لبناء المعرفة، وبالتالي فإن المنظومات الرمزية باعتبارها أدوات للمعرفة تفرض نفسها كسلطة بناء الواقع وإنتاجه على نحو رمزي" .
إن بورديو في معالجته هذه يقر أن اللغة كخطاب هي آلية خطيرة، لا تقل خطورة عن باقي الآليات لممارسة عنف رمزي على وجه الخصوص، يقول بهذا الصدد:"وفي الواقع، إن استعمال اللغة، وأعني فحوى الخطاب وكيفية إلقائه في ذات الوقت، يتوقفان على المقام الاجتماعي للمتكلم، ذلك المقام الذي يتحكم في مدى نصيبه من استعمال لغة المؤسسة واستخدام الكلام الرسمي المشروع(...)إن الناطق باللسان مضلل عهد إليه بأمر التكلم" ، وكأن بورديو بهذا الخصوص يعلن أن اللغة الرسمية تعتمد على المكانة الاجتاعية، هذه الأخيرة تكون لها قوة قادرة على السيطرة وقادرة على إبقاء المسيطر عليهم تحت نير الإخضاع، فاللغة هنا قبل أن تكون خطابا فهي إديولوجيا تعتمد على قوة الشخص الذي يعهد إليه برأسمال ثقافي ورمزي يزيد من تأثيره اللغوي، فيصبح خطابه خطاب مشروعا ورسميا على نحو ما، على العكس من هؤلاء الناس الذين لا مكانة لهم، تصبح لغتهم وخطابهم اللغوي ولو أنه مبني على نفس النسق من حيث البناء اللغوي، يبقى خطابا دون تأثير خطابا مهمشا لا مكان له داخل البنية المجتمعية، إن اللغة على هذا النحو تعيد إنتاج نفس الطبقية.
فالسلطة الرمزية من حيث هي قدرة على تكوين المعطى، عن طريق العبارات اللفظية، ومن حيث هي قوة على الإبانة والإقناع، تمتلك القدرة على بناء رؤية عن العالم، وتستطيع أن تبدع قدرة على تحويله والتأثير في تشكيله ذهنيا، وهي وفقا لهذا التصور تشكل قوة سحرية تعادل تأثير القوى الطبيعية والاقتصادية، وذلك لما تمتلكه من قوة على التعبئة، فبورديو يؤكد مشروعية السلطة الرمزية لكي تأخذ طابعا فاعلا في حياة الناس، وذلك لأن ما يعطي للكلمات قوتها، ويجعلها قادرة على حفظ النظام أو خرقه، هو الإيمان بمشروعية الكلمات ومن ينطق بها، يقول بورديو:"يكفي أن نشير إلى أن اللغة السلطوية ليست إلا الحد النهائي للسان المشروع، الذي لا يستمد سلطته من مجموع تغيرات النطق وكيفية التلفظ التي تحدد النطق "اللهجة" كما تقول النزعة العنصرة الطبقية، ولا من تعقيد تراكيبه الصرفية وغناه اللفظي، أي من خصائص تتعلق بالخطاب ذاته، وإنما من الشروط الاجتماعية لإنتاج وإعادة إنتاج المعرفة بذلك اللسان المشروع والعمل على الاعتراف به داخل الطبقات الاجتماعية" ، إن اللغة بهذا المعنى ليست تركيب لفظي أو نسق بنائي من الكلمات، لكن اللغة هنا أداة فاعلة في بناء الخطاب الإديولوجي الذي يدعي الرسمية، إنها اللغة التي تؤدي إلى الهيمنة والسيطرة وتجعل من الطبقات الاجتماعية الدنيا خاضعة دائما، هنا تكون آلية من آليات العنف الرمزي الخفية، فاللغة في هذا المستوى لدى بورديو تفعل فعلها بشكل يبدو أنه عادي، لكن بالأحرى تكون أمرا بالغ الخطورة، سيما عندما ترتبط بالمشروعية، أي بالمؤسسة التي تكون هي أصلا مسؤولة عن الهوة الحاصلة بين الطبقات الاجتماعية.
إنه من المعروف لدى بورديو وباسرون أن الطبقات الاجتماعية تدخل في صراع رمزي من أجل فرض التصور التي ترسمه كل هذه الطبقات عن العالم، ويتم هذا الصراع عن طريق الإنتاج الرمزي الذي يشكل بدوره مجالا مصغرا للصراع بين الطبقات الاجتماعية، من هذا المنطلق فإن الطبقة الاجتماعية التي تسود اقتصاديا وتمتلك السلطة الاقتصادية، ترمي إلى فرض مشروعية سيادتها رمزيا عن طريق إنتاجها الرمزي، أو عن طريق أولائك الذين يدافعون عن إديولوجيا هذه الطبقة، كما أنه "غني عن البيان أن السلطة الرمزية للغة تأخذ مجالها الحيوي في مجال المؤسسات التربوية ولاسيما في مجال المدرسة التي تتحول إلى ساحة للصراع الرمزي بين مختلف القوى الاجتماعية الفاعلة داخل المجتمع" ، فبيير بورديو وباسرون يؤكدان مباشرة ويعلنان حول السلطة الرمزية للغة والعنف الرمزي، بأن الفعل التربوي فعل رمزي لغوي بالدرجة الأولى، وبالتالي فإن أي نشاط تربوي هو موضوعيا نوع من العنف الرمزي، وذلك بوصفه قوة تفرض من قبل جهة اجتماعية معينة، وهنا تكون اللغة بوصفها سلطة آلية من آليات الهيمنة.

3- وسائل الإعلام والاتصال:التلفزيون كآلية من آليات العنف الرمزي
لقد قدم بيير بورديو في نظريته حول العنف الرمزي لآليات مهمة تغذي هذا العنف، منها كما سبقت الإشارة، المدرسة واللغة، لكنه في هذا المقام يقدم آلية أخرى لا تقل أهمية في المجتمع الحداثي الذي وسم نفسه بنفسه، بكونه "مجتمع المعرفة أو المعلومات"، يتنبه بيير بورديو لهذا الجانب فيقدم لنا بهذا الخصوص دراسة جادة جاءت بعنوان: التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول ، وهذه العبارة تذكرنا ضمنا بما قدمه هاربيرت شيللر في كتابه: المتلاعبون بالعقول ، والتي يقول شيللر في مقدمتها ما يلي:"يقوم مديرو أجهزة الإعلام في أمريكا بوضع أسس علمية تداول "الصور والمعلومات" ويشرفون على معالجتها وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها، تلك الصور والمعلومات التي تحدد معتقداتنا ومواقفنا، بل وتحدد سلوكنا في النهاية، وعندما يعمد مديرو أجهزة الإعلام إلى طرح أفكار وتوجيهات لا تتطابق مع حقائق الوجود الاجتماعي، فإنهم يتحولون إلى سائسي عقول، ذلك أن الأفكار التي تنحو عن عمد إلى استحداث معنى زائف، وإلى إنتاج وعي لا يستطيع أن يستوعب بإرادته الشروط الفعلية للحياة القائمة أو أن يرفضها، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، ليست في الواقع سوى أفكار مموهة أو مضللة" ، إن خطورة الإعلام هي خطورة قصوى تهدد التوجه الأساسي لعقول البشر، إنها تربيهم تربية طواعية وإخضاع، تربيهم على ما تريد لهم هي دون أن تشاورهم على ذلك، يقدم لنا في هذا الجانب باولو فرير جملة مهمة وجميلة في هذا الصدد، يلخص فيها ما يريد أن يقوله بورديو بصدد التلفزيون، يقول باولو:"إن الإعلام يضلل عقول البشر، إنه أداة للقهر، إنه يمثل إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها إلى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة" .
فإذا كان التلفزيون بالنسبة لباولو أداة للقهر فإنه بالنسبة لبورديو أداة للعنف الرمزي ومن ثم لإحكام السيطرة وضمان الهيمنة، إننا إذن بصدد آلية خطرة، تتمثل خطورتها بكونها تضلل وتقدم مادة خادعة وملغومة، تظهر على أنها مفيدة لكنها في النهاية مادة سامة، هكذا يجيبنا الفتى بورديو على "أن القنوات التلفزيونية وبشكل خاص الفضائية منها لم تعد مجرد قنوات تقدم برامج للتسلية أو للتثقيف(حتى وإن كانت برامجها تتضمن ذلك) وإنما هي قد أصبحت أدوات للضبط والتحكم السياسي والاجتماعي في المجتمعات الراهنة، أو هي وفقا للمصطلح الذي نستخدمه عبارة عن أدوات للعنف الرمزي الذي تمارسه الطبقات الاجتماعية التي تهيمن على/وتسير هذه الأدوات" ، فالموضوع المباشر لبورديو بهذا الصدد يشير مباشرة إلى الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الحديثة وفي القلب منها التلفزيون من تلاعب وتأثير في عقول الناس، يجب عن كيف تقوم هذه الوسائل بتشكيل الأفكار والوعي العام؟ وعن كيف تعمل هذه الآليات في توجيه الوعي العام وتشكيلهما؟ وعن من يقوم بالتحكم في هذه الآليات وبإدارتها؟ هل هم الصحفيون الذين يعملون في هذه الأجهزة أم أنه النظام أو البنية التي يعملون في إطارها؟
هكذا إذن يطرح بورديو موضوعه عن التلفزيون، فيستخلص أن هذه الآلة إن لم تكن تخضع لأوامر البرجوازية فإنها تخضع للدولة، بل أنها أداة في يدهما هم الإثنين، وبالتالي فإنها آلية في يد المهيمن والمسيطر، هذه الآلة تقوم بدور مهم للغاية؛ هي أنها تبقي على المسيطر عليهم قابعين في أماكنهم، إن التلفزيون بهذا المعنى آلة تعمل على الدفع بالهوة الاجتماعية، فتقدم طبقا شهيا على خاطرة البرجوازية، لكنها بهذا الطبق تمارس عنفها الرمزي الدائم على الطبقات الفقيرة والدنيا أو التي لا تملك رأسمالا ماديا أو ثقافيا أو اجتماعيا رمزيا، فبورديو يصرح:"بأن هذه الآلة المركبة؛ أي المجتمع، تخضع لأدوات ضبط وتحكم تهدف إلى توجيهها نحو استراتيجيات محددة، فدور أدوات الضبط والتحكم هذه هو إحكام السيطرة على المحاور والتروس والحركات المختلفة التي تتم داخل هذه الآلة، أي المجتمع" ، ويعد التلفزيون أحد هذه الأدوات التي تسهم في هذا الضبط، فهذه الأداة حسب بورديو لا تمتلكها إلا الدولة أو النظام، وبالتالي فهي تزكي قرارات الدولة وتعمل تخدير المواطنين الذين يريدون تحقيق نوع من الديموقراطية والعدالة، وهي إذا لم تفعل ذلك، فإنها من جهة أخرى تعمل على إبقاء الحالة؛ نقصد هنا، على إبقاء البنية الاجتماعية على حالها، وإن هي لم تكن في يد الدولة، فإنها لن تكون سوى في يد الطبقة البرجوزاية التي تعمل بدورها على صد الناس وتمويههم، فبورديو يؤكد أن تلفزيونا من هذا النوع لن يزيد سوى بخلق الهوة عوض التوازن بين الطبقات الاجتماعية، فالبرامج المقدمة بهذا الخصوص لا تقدم سوى عنفا رمزيا للطبقات الأخرى.
يظهر ذلك جليا حينما يقول بورديو في كتابه:"آمل أن تسهم هذه التحليلات في إعطاء أدوات وأسلحة إلى أولائك الذين يتعاملون مع مادة الصورة، ويناضلون من أجل أن لا يتحول هذا الذي يمكن أن يكون أداة رائعة للديموقراطية إلى أداة للقمع الرمزي" ، وإنه كذلك يلعب دور التفريق عوض أن يلعب دور الموازن بين الطبقات، إنني أريد إذن يكمل بورديو "تفكيك سلسلة من الآليات التي تثبت أن التلفزيون يمارس نوعا من العنف الرمزي المفسد والمؤذي بشكل خاص، العنف الرمزي هو عنف يمارس بتواطؤ ضمني من قبل هؤلاء الناس الذين يخضعون له و أولائك الذين يمارسونه بالقدر الذي يكون فيه أولائك كما هؤلاء غير واعين ممارسة هذا العنف أو الخضوع له، هذا العمل يمكن أن يسهم في تقليل العنف الرمزي الذي يمارس في العلاقات الاجتماعية وبخاصة في أدوات الاتصال الإعلامية" ، يظهر إذن أن للتلفزيون خطورته في ممارسة العنف، بل يبدو أن هذه الممارسة لها وجهين:الأول أن الناس يخضعون له تحت تأثيره دون قصد، أما الوجه الثاني فيظهر في أولائك الذين يسيرون التلفزيون ويقدمون مواد معينة للناس، إن بورديو يذهب أبعد من ذلك، فهو إذ يعترف أن الناس أولائك الذين يعتمدون في معارفهم واستيفاء أخبارهم على التلفزيون فقط عوض وسائل أخرى كالجرائد مثلا، إنما يروضون بغير وعي منهم ويتواطئون مع معدي هذه البرامج، بقدر ما يتحدث أيضا عن الصحافيين الممارسين الذين يخدرون بوعي أو من غير وعي داخل عملهم من قبل الطبقات العليا، فالصحفي إذ يرى انه يقدم للناس مادة معينة هي من صميم عمله فإنه لا يقدم سوى طاعته للمسؤولين عن التلفزيون كنظام مهيمن، إن جزء كبير من العنف الرمزي للتلفزيون كما يقول بورديو "على مستوى المعلومات مثلا يتمثل في جذب الانتباه نحو أحداث تتميز بأنها تهم كل الناس، ومنها ما يمكن أن نقول أنها أوتوبيس أو حافلة عامة يستقلها كل الناس، أحداث الحافلات العامة هذه هي كما يقال أحداث لا يجب أن تصدم أحدا، إنها بلا مجازفة لا تسبب الانقسام وتؤدي إلى التراضي والتفاهم وتهم كل الناس، لكن بشرط أن لا تأخذ شكلا لا يمس أي شيء ذو أهمية، السلع الغذائية الأولية بالنسبة للمعلومات هامة جدا لأنها تهم الجميع دون أن تؤدي إلى نتيجة ما، وهي تستهلك وقتا يمكن استخدامه لقول شيء آخر مفيد، إذا كان الأمر كذلك فإن الزمن سلعة غذائية نادرة للغاية في التلفزيون" ، هكذا يكون تضييع الوقت أو الزمن المفيد إحدى أثار هذا العنف، بالإضافة إلى الأخبار والمعلومات التي لا يستفيد منها الناس، هنا يكون التلفزيون يتميز بنوع من الاحتكار بدل تكوين العقول وذلك فيما يتعلق بشريحة او جزء كبير من السكان.
في نفس الوقت يسعى التلفزيون إلى دفع الأمور نحو إضفاء طابع الدراما وذلك بمعنى مزدوج، إنه يضع في المشهد، في الصورة، واقعا أو حدثا ثم يقوم بالمبالغة في أهميتها، في خطورتها وفي صفاتها الدرامية والتراجيدية، يصنعون كلمات خارقة للعادة، وهنا يقول بورديو يكمن وجه التناقض، لأن عالم الصورة عالم زائف فقط تهمين عليه الكلمات، وقد رأينا في السابق، كيف أن الكلمات أو اللغة تكون أكثر آلية للهيمنة، "إن للصورة تلك الخاصية التي يمكنها أن تنتج ما يسميه نقاد الأدب "تأثير الواقع" الصورة يمكنها أن تؤدي إلى رؤية أشياء وإلى الاعتقاد فيما تراه، هذه القدرة على الاستدعاء لها تأثيرات ونتائج تعبوية، يمكنها أن تخلق أفكارا وتغيرات، يمكن أن تعبئ وتشحن بتورطات ومضامين سياسية وأخلاقية قادرة على إثارة مشاعر قوية غالبا سلبية على المجتمع" ، فالتلفزيون يمتلك القدرة على الخداع الحاذق الذي يشد اهتمام الناس، وله في نفس الوقت باع في التنكر وارتداء القناع الماكر، لذلك فإنه إذا استعمل لغير احقاق التوازن يكون آلية خطرة لتدمير بنية المجتمع، "إن التلفزيون هو عالم يجسد لدينا الانطباع، بأن كل الشركاء الاجتماعيين بكل ما يتمتعون به من مظهر الأهمية والاحترام، والاستقلالية وحتى أحيانا هالات رائعة خارقة للعادة(يكفي أن تتابع نشرات الأخبار في التلفزيون) هم دمى لضرورة من الواجب شرحها، دمى لبنية يجب التحلل منها وكشفها وإخراجها إلى النور" .
هكذا إذن ينظر بورديو إلى التلفزيون كآلية من آليات ممارسة نوع من العنف الرمزي، الذي وإن لم يتبدى بشكل مادي واضح فإنه يكون عنفا رمزيا موجها بالخصوص للطبقات الدنيا التي تعاني من بون وهوة واسعة، إذ باستطاعة التلفزيون إذا ما استعمل لتحقيق التوازن بين الطبقات أن يصلح بينها وأن يقلص هذا البون المهول، إلا أنه وإن استعمل لإبقاء النظام فإنه يكون وسيلة للحفاظ على الوضع والضغط على الفئات الهشة لضمان الطاعة والخضوع. وقد كان بودنا أن نطرح قضية أخرى أعطى لها بورديو اهتماما كبيرا، يتعلق الأمر بما سماه الهيمنة الذكورة ، فهو يرى أن الذكورة كآلية من آليات العنف لا تنفك أيضا أن تحتفظ على تمثلات هي في الأصل غير طبيعية، رغم أن الناس يعتقدون بأنها أمر طبيعي، وإن هذه التمثلات الغير الطبيعية التي استقرت ورسخت في البنيات الذهنية بشكل لاواعي إنما تؤدي بدورها إلى نوع من العنف تجاه الآخر، والحق أن بيير بورديو طيلة حياته أولى اهتماما كبيرا لعديد من القضايا وإن لم تكن رئيسية كغير التي تطرقنا لها، والتي أبرز من خلالها هذا العالم الذي يتصرف فيه العنف الرمزي بشكل عجيب وغريب.

رابعاً:آثار العنف الرمزي وتداعياته
تتطلب منا الضرورة الإبستيمولوجية في هذا المستوى من التحليل أن لا نسرف في فحوى قولنا، ذلك أننا إذا أردنا أن نحلل كل ما قلناه بالنسبة للآليات الثلاث(نقصد:المدرسة/النظام التعليمي، اللغة كسلطة، التلفزيون كعامل تأثير) كآليات لممارسة العنف الرمزي والضغط بطريقة غير مباشرة ومباشرة في بعض الأحيان على شريحة معينة داخل المجتمع، أن نكون أكثر اقتصارا، لضرورة كما قلنا معرفية ومنهجية في نفس الوقت، وإلا وقعنا في إعادة تكرار ما قلناه، فآثار العنف الرمزي تبدو غير واضحة للوهلة الأولى، لكن إذا ما تعمقنا فيما يمارسه هذا العنف ضمن الآليات الثلاث، لرأينا بشكل واضح ولتبينا خطورته.
فعلى مستوى الآلية الأولى التي جاءت في سياق كلامنا عن نظرية العنف الرمزي، ونقصد بالخصوص المدرسة/النظام التعليمي كوسيلة للضغط وممارسة العنف على شرائح معينة، تظهر آثار هذا العنف جلية، يقول بورديو:"فالمدرسة تشكيل من تشكيلات القهو والتطبيع الثقافي، حيث يأخذ القهر الثقافي صورة عنف رمزي، وبالتالي فإن الآثار النفسية لهذا النوع من العنف تكون أشد وأخطر من مختلف الأشكال الأخرى للعنف، وذلك عندما نأخذ بعين الاعتبار أن هذا العنف الرمزي يتدفق باستمرار، ويستمر متواترا بفعاليته الرمزية، على مدى سنوات متلاحقة ومتعاقبة في الحياة المدرسية، حيث يعمل على تجريد التلاميذ من مظاهر الثقة بالنفس، ويضعهم تحت هيمنة عملية تبخيس ذاتية مستمرة ومتواصلة، فالعنف الرمزي وفقا لهذه الصيغة يأخذ صورة ضغط ثقافي استلابي غامض ليقع التلاميذ في الاستسلام والرضوخ غير قادرين على المواجهة وليس لهم الحق في أن يفعلوا شيئا آخر" ، فهذه العبارة تلخص جزء من آثار العنف الرمزي للمدرسة الذي يتجلى بصورة أوضح في:
- الإبقاء على النظام الاجتماعي؛ أي يبقى المسيطر نفسه محتكرا على المسيطر عليهم؛
- خلق هوة لا تهدف إلى التوازن من حيث اكتساب الرأسمال الثقافي والاجتماعي والرمزي؛
- إبقاء الطبقات الدنيا تحت الطاعة والخضوع للرأسمالية المتوحشة التي تنبذ القيم الإنسانية؛
- جعل الطبقات الدنيا تحس باحتياجها للطبقات البرجوازية التي تعمل لخلق ذلك؛
- خلق قوانين وأنظمة تعليمية لا توافق جميع الشرائح وتميل أكثر للطبقات البرجوازية على حساب الطبقات الأخرى؛
- جعل المدرسة والنظام التعليمي بصفة خاصة آلية من آليات الهيمنة؛
هذه إذن بشكل مختصر، آثار واضحة للعنف الرمزي على مستوى النظام التعليمي أو المدرسة، وهناك آثار أخرى على مستوى اللغة كسلطة أو كآلية للعنف، فبيير بورديو ما فتئ يؤكد أن اللغة كسلطة هي آلية من آليات تكسير الخطاب العمومي، أي يصبح فيها الرأي المحسوب على الطبقات الدنيا رأيا غير معترف به، ما يجعل الديموقراطية في النظام الرأسمالي مجرد وهم أو كذبة صدقها التاريخ، ونلتمس هذه الآثار في:
- تؤدي اللغة كسلطة إلى احتكار الخطاب وتدمير آلية الديموقراطية؛
- تخلق اللغة الرسمية المسيطرة هوة في البناء الاجتماعي نظرا لغياب التأثير والـتأثر بين الطبقات الاجتماعية؛
- إن اللغة كعنف رمزي تؤثر نفسيا على الجماهير وتجعلهم يخضعون لقرارات فئة معينة تميل إلى احتكار امتيازاتها؛
- تبدو آثار اللغة كسلطة جلية حينما تظهر التفاوتات الطبقية داخل البنية العامة للمجتمع؛
هكذا إذن تظهر بعض آثار العنف الرمزي للغة بشكل عام، وهناك آثار أخرى للآلية الثالثة في مشروع بورديو، ونقصد بهذا الخصوص، التلفزيون كوسيلة للممارسة هذا النوع من العنف، فهو يؤكد في كتابه عن التلفزيون، أن هذا الأخير له تداعيات ومخلفات خطيرة إذا لم يستعمل استعمالا من شأنه أن يطور المجتمع ويجعل منه بنية متوازية ومتوازة، نلمس بعد الآثار فيما يلي:
- يجرد التلفزيون المجتمع إذا ما استعمل للتمويه من الحقائق المطورحة مجتمعيا؛
- يخلق التلفزيون التابع للنظام أو لطبقة بعينها من احتكار القرارات وبالتالي تمويه الجمهور بخصوص هذه القرارات؛
- يقدم التلفزيون للمجتمع مادة مخدرة ليست لها اهمية في الوقت ذاته الذي يصرف فيه نظر المواطنين إلى القضايا المهمة؛
- يوجه التلفزيون عقول الأفراد، وخصوصا أولائك الذين يناضلون من أجل العدالة والحق بشكل سلبي؛
- يدمر التلفزيون في نفسية المواطنين حس المشترك ويشتتهم طبقيا كي تظل بنية المجتمع خاضعة للمسيطرين؛
- إن للتلفزيون كآلية من آليات العنف الرمزي قناعا يهدم القيم الأخلاقية الصالحة لبناء مجتمع متماسك ويزيد من قيم أخلاقية تهم طبقة بعينها دون الطبقات الأخرى؛
هذه إذن أهم الآثار التي يخلفها العنف الرمزي من خلال الآليات الثلاث التي تم تقديمها، وهي آثار ظاهرة، لأن بيير بورديو يصرح في أكثر من موقع أن للعنف الرمزي آثار نفسية داخلية أكثر ما هي آثار نفسية.

خلاصة:
إن أحسن خلاصة يمكن أن نهتدي إليها هي نفسها التي يقف وينتهي عندها بيير بورديو في أعماله مفادها، أن العنف الرمزي هو ذلك العنف اللطيف واللين والغير محسوس الذي يفعل فعله في الناس بشكل مستمر ومتدفق دون أن ينقطع، على خلاف العنف الجسدي أو المادي مثلا، الذي يمكن أن يحصل له انقطاعا مفاجئا، فكل أنواع العنف هي أنواع يحدث فيها انقطاعات على مستوى الأفراد أو المجتمعات، لكن العنف الرمزي دون غيره عنف مستمر ولا ينقطع، بل يزد تدفقا كما عبر عن ذلك بورديو نفسه، وهذه إحدى أهم خصائصه، والتي تبرز مباشرة خطورة هذا العنف، فبيير بورديو في مشروعه هذا يدعو أصحاب العلوم الانسانية والاجتماعية إلى اعتبار المجتمع مجتمعا مركبا تتصارع فيه البنيات الاجتماعية على غرار النموذج المركسي، لكن في نفس الوقت ينبههم من عدم السقوط في براثن ذاك التحليل الذي يكون هدفه وحيدا هو الاقتصاد، وينصح خلافا لذلك أن يحلل الصراع وفق أبعاد ونوافذ متعددة تتداخل فيها عوامل كثيرة، هذه الرؤية لدى بيير بورديو جعلته يكتشف هذا الاكتشاف الذي لم يستطع أحدا أن ينفض الغبار عنه.
وإذا كان العنف الرمزي كما سبق عنف له خصائص معينة، فإنه الأكثر تأثيرا في البنية الاجتماعية لأي مجتمع، لأن بورديو ما فتئ يؤكد دائما على أن أي مجتمع له من الحمولات الرمزية ما يجعله أعمق وأشمل من التحليلات السطحية العقيمة التي لا تعي الوجهة الإمبريقية في البحث وأهميتها، في نفس الوقت يكون العنف الرمزي هو الآلة الكبرى التي تفعل فعلها في مجموع الآلات الأخرى الطبيعية، بل تزداد خطورته حينما يصبح أداة طبيعية وغير طبيعية للسيطرة، لذلك فإن العنف الرمزي كنظرية هو مفتاح يمكن من خلاله أن نتعرف على صراعات المجتمع الداخلية والخارجية بمساعدة أدوات ومفاهيم عميقة ومهمة تدخل في صلب هذه النظرية من قبيل الرأسمال الثقافي والاجتماعي والرمزي، بالإضافة إلى أدوات أخرى تخص الهابيتوس أو الاستعدادات و إعادة الإنتاج وغيرها من المفاهيم والأدوات الثقيلة التي ابتكرها هذا الفرنسي الريفي.

لائحة المصادر والمراجع
أولا:المصادر
1- القواميس:
1. ابن منظور: لسان العرب، الجزء الرابع، دار الحديث القاهرة، طبعة 1422هــ – 2002 م.
2. المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، مصر، طبعة 1403 – 1983 م.
3. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الرابعة، مصر ، طبعة 1425 -2004م.

2- الكتب:
1. بيير بورديو وجان كلود باسرون، إعادة الإنتاج:في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم، ترجمة ماهر تريمش، المنظمة العربية للترجمة، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى نوفمبر 2007م.
2. بيير بورديو، التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول، ترجمة وتقديم درويش الحلوجي، دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية، دمشق-سوريا، الطبعة الأولى 2004م.
3. بيير بورديو، الرمز والسلطة، تر عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء – المغرب، الطبعة الثالثة، 2007م.
4. بيير بورديو، الهيمنة الذكورية، ترجمة سلمان قعفراني، المنظمة العربية للترجمة، بيرت-لبنان، الطبعة الأولى أبريل 2009م.

ثانيا:المراجع
1- الكتب والمجلات العربية:
1. أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة وتقديم فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى أكتوبر 2005م.
2. جون سكوت، علم الاجتماع:المفاهيم الأساسية، ترجمة محمد عثمان، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى 2009م.
3. سامح محمد إسماعيل، المكون التاريخي لإشكالية الولاية في ضوء العنف الرمزي ودلالاته، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، قسم الدراسات الدينية، الموقع الإلكتروني، الرباط – المغرب.
4. ستيفان شوفالييه وكريستيان شوفيري، معجم بورديو، ترجمة الزهرة إبراهيم، النايا للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق-سوريا، الطبعة الأولى 2013م.
5. عصام العدوني، السوسيولوجيا والمجتمع لدى آلان تورين وبيير بورديو، مجلة إضافات( المجلة العربية لعلم الاجتماع)، العدد 12، مركز دراسة الوحدة العربية، بيروت-لبنان، خريف 2010م.
6. علي أسعد وطفة، إعادة الإنتاج:في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم، مجلة إضافات، العدد5، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، شتاء 2009م.
7. علي أسعد وطفة، من الرمز والعنف إلى ممارسة العنف الرمزي، قراءة في الوظيفة البيداغوجية للعنف العنف الرمزي، مجلة شؤون اجتماعية،العدد 104 ، شتاء 2009م.
8. هربرت أ. شيللر، المتلاعبون بالعقول، ترجمة عبد السلام رضوان، مجلة عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، عدد 102، محرم 1407هـ/أكتوبر 1986م.

2- الكتب والمجلات الأجنبية:
1. A.Accardo, P.corcoff : La sociologie de Bourdieu(textes choisis et commentés) -;- le Mascaret -;- Bourdeaux -;- 1986 .
2. Paulo Freire :Pedagogy of the Oppressed -;- Herder and Herder -;-New York -;- 1971.



#محمد_قروق_كركيش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وُجودي مِن عَدَمي:هل يشكل ذلك فارقاً ؟
- حول مسألة التعدد اللغوي بالمغرب:مقاربة سوسيوتاريخية
- الرقصات الاحتفالية بمنطقة الريف شمال المغرب:رؤية سوسيوأنثروب ...
- سوسيولوجيا التصوف الشعبي المغربي:نظرات في قضايا المدنس
- دراسة سيكولوجية للخطاب الصوفي في الملحون المغربي: نموذج قصيد ...
- المسرح الأمازيغي:من منبت الأصول إلى رياح التحديث
- تمثلات المرأة في الشعر الشعبي الجبلي بشمال المغرب
- فن أحيدوس بالمغرب: دلالات الإبداع ورمزية الحركات


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد قروق كركيش - العنف الرمزي:نحو تفكيك استراتيجي للسلطة والقهر والهيمنة