أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيرينى سمير حكيم - فى عرض *وحيدا* إحساس *دالى* لا يرقص وحيدا















المزيد.....

فى عرض *وحيدا* إحساس *دالى* لا يرقص وحيدا


إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)


الحوار المتمدن-العدد: 4788 - 2015 / 4 / 26 - 01:47
المحور: الادب والفن
    


لا شك أن الألوان مجنونة وأن الجنون ألوان وأنواع

ولا غريب أن عاشق الألوان يحبها كحب قيس المجنون لليلى لوحته الخاصة، فمن يتوه فكره فى سحر الألوان لابد وأن تُسقِط حدود عقلة من على كاهل خطواته لوقت طويل، ومن الأكيد أن ليس كل الجنون عبث إنما بعض الجنون عذوبة!، وإن ارتبط جنون بالألوان فلابد وأن تتنوع صبغته بها بين حرارة وبرودة درجاتها، وهذا ما كان فى حياة سلفادور دالى برغم ما تُقاس به حياته من صخب السريالية السائدة على لوحاته، فتلك السريالية احتوت عذوبة أيضا تتضح فى تفاصيل الألوان الهادئة فى أعماله والتى تدرجت غالبا بين الأبيض والأسود والأخضر الزيتوني والبني الداكن والأزرق الفاتح، فجاءت ألوانه هادئة إلى حد كبير ليجعلها حالة مضادة لصخب التعبير المرسوم والمصور فى أعماله.

فربما كان يُطفئ صراخ الانقسامات الشخصية بداخله، والتى عكسها برسومات وصور سريالية بتلك الألوان الباردة، فربما كان يبحث فيها عن احتواء دافئ لهذا الإزعاج الجم، لما تحتويه فى اللوحة من تفاصيل مصوره، والتى ما هى إلا مرآة فنيه لما يدور فى كيان نفسه الخاص.

أما عنك كمشاهد فتدخل هذا العرض وتجد نفسك وكأنك فى مرسم دالى المادى والنفسي معا، حيث يصبغك العرض من البداية باللون الذى يشبهك، لتجد نفسك فى إحدى لوحاته المتناقضة الرمزيات، وبين زوايا رقص الاثنان من دالى، حيث تجد نفسك فى وسطهما تصارع خيالات أحاسيسك وأفكارك الخاصة.

ولقد كان من الجيد استخدام المخرج لرمزيات الممثلين القليلة لتجسيد أركان العرض، فلقد وجدت نفسي اشعر وكأنى داخل بوتقة كيان دالى، واننى داخل حربه النفسية، وأتأرجح بين طرفى النزاع واصعد واهبط مع أنفاس ذهنه التى تتسع وتضيق حسب صراعات نفسه، فمرة يغلب ويتمدد ومرة ينهزم أمامها وينكمش.

وما دالى إلا رمز لنا

وكما قد أُشير برمزية استخدام المرآة إلى مواجهة الجمهور مع نفسه، والذى ربما يجلس عددا كبيرا منه ينتقد تناقض دالى، فعند انعكاس الجمهور فيها أثناء الأحداث حيث حركها القائم على دور "حكمة العقل"، وجدنا أنفسنا أيضا داخل هذا الصراع ونواجه تلك الحقيقة بإدراك انه لا مفر منه، فإن اتهمنا دالى بالعبث فنحن أيضا فى تلك الدائرة وتتفاوت قدراتنا على التصريح بذلك، بل وتتفاوت قدراتنا على إدراكه أيضا.

فالإنسان اصغر من أن يكون خارج تلك الصراعات واكبر من ألا يتغلب عليها، إنما الاختلاف بين إنسان وأخر هو ما يفعله بصدد تلك الصراعات، ولقد اختار دالى أن يعبر من نفق مرضه النفسي وألمه الشخصي إلى مرحلة التعبير وتخطى قيد الوحدة، وصرخ بألوانه مستنجدا، والحقيقة أن تحويل السلبيات الإنسانية إلى ايجابية فنية تصرخ بالتعبير عن تناقضات العجز البشرى فينا، لهو احد أهم أوجه منافذ التغلب عل هذا الصراع، أما نحن كجمهور فعلى كل منا أن يسأل نفسه بعد مشاهدة العرض: ماذا علىَّ أن أفعل؟!!

تعظيم العجز الانسانى

وأنا هنا لا أتحدث بدافع تعظيم دالى كشخص وبروزة فنه، إنما لتعظيم العجز الانسانى الذى فى اشد أوجه معاناته وقبحه بإمكانه أن يتحول لفن، له قدر من الجمال المُعبر والمعالج (أحيانا)، ولأبروز إبداع هذا العجز، وهذا ما قد شعرت به أن العرض يشير إليه أيضا، ربما كانت الواجهة هى دالى إنما الجوهر هو جميعنا بنسب متفاوتة، حيث هوجة الصراعات النفسية فينا والإبداعات المتفاوتة التحقيق لنا، والتى هى نتاج تعاملات كل منا مع عجزه.

وأنا لا أتوقف عند دالى كشخص يُحتذى به، إنما كحالة إنسانية تستحق التأمل لاستنشاق الايجابيات من مقاومتها وعدم استسلامها لسلبية الوضع النفسي والنقد الاجتماعى، فقد وثق فى أهداف فنه الذى وجد فيه فى الأساس بوق لتعبيره عما بداخله بموهبة خلاقة وغير مقيدة.

لذا نجد العرض بصورة غير مباشرة يشير فى تكوينه الفنى إلى الإجابة على السؤال السابق الذى طرحه الجمهور على نفسه، عما عليه فعله، والإجابة هى أن نحول تلك النفايات الإنسانية من الصراعات الداخلية والعجز إلى طاقة إبداع معُبر ومُعالِج بقدر ما نستطيع أن نثق فى قوة تأثير مصداقيته فينا.

إبداع أركان العرض

تنقسم أركان العرض من الممثلين إلى دالى المنقسم على ذاته فى تجسيد من اثنين يعبران عن ازدواجية عقله، فمنهما دالى المنطلق بعنانه فى همجية خُلق وثورة إبداع، والأخر دالى الذى يمثل الضمير اللائم لدالى الأول، ليكملهما صوت العقل الراصد من الخارج والذى يتحدث بحكمة تارة ويغنى بمشاركة فى الإنسانية تارة أخرى، ويستكمل المخرج تجسيد رمزيات لوحة دالى الإنسانية بوجود حبيبة دالى، تلك التى اختارت إنصافها للجانب العبثى من دالى لا المتعقل، وكأنها بين رجلين اختارت الطفل الأهوج منهما، وربما هذا إشارة للحب الحقيقى لزوجته وحبيبته (جالا) الذى تمسك بدالى وحاول تشذيب عبثه حتى النهاية، ولإلقاء الضوء على مصداقية فنان مجذوب لم يفتعل احتياطات العقل أمام من أحبها.

أما عن طريقة سرد العرض للأسئلة والمواجهة والإجابات، فقد تنوعت أركانها الفنية بين النص والاستعراض والحكى والغناء، وبداية يجب الإشارة إلى المجهود الواضح فى بذل الممثلين لإتقان الأداء باللغة العربية.

ولقد كان لتصميم الرقصات (choreography) حالة انسيابية رائعة من التعبير عن تناقضات الحال بألوان صادمة وصادقة، ولقد احتوى مساحات كافية للتعبير التمثيلى الذى يعتمد على الملامح لا على حركة الجسد فقط، وقد جسد كل من شخصين دالى حالة الانقسام الذاتى بعنفوانها وقسوتها وسخريتها من واقعها.

وحسب التصميم الحركى لقد قسمت حبيبته المشهد بين دالى المُحاسَب ودالى المُحاسِب، وقد احتضنت المُحاسَب المجذوب وأصبحت هى نصفه الأخر عوضا له عن ضميره اللائم، وعوضا عن عقله الذى تركه خلفه منذ الطفولة، وكما قيل عن دالى انه بعد وفاة زوجته وجبيبته جالا انه كان يقول للقليلين الذين كانوا يلتقونه: "كيف يمكن لنصف إنسان أن يرسم لوحة كاملة؟!، فلقد كانت عكاز جنونه الذى يرتكز على التعقل وقد أشار التصميم الحركى عن هذا بجدارة واستطاع الإخراج أن يسلط الضوء على تلك الحقيقة فى حياة دالى.

أما عن مشاركة صوت الرمز إلى حكمة العقل من خارج خشبة المسرح ووجوده وسط الجمهور، فهو إشارة مباشرة إلى حلقة وصل لما يدور فوق حلبة المصارعة بين الاثنين من دالى، ونحن كجمهور بالصراعات الشخصية لكل منا، وكان للغناء حالة من الأنين والصراخ أحيانا لما تعكسه من حالة استنجاد إنسانية، ومع إضافات الكلام الموجَه والمواجِه من الشخصية إلى الجمهور واستخدامها للمرآة، فهى طريقة أكثر تأثيرا لكسب مساحات من الانتباه الذهنى إلى الرسالة التى يبغى توصيلها العرض للمتلقى، حيث لا عليك أن تنشغل بإدانة تناقضات دالى، فعليك أن تبحث أنت فى أعماقك لترى تناقضاتك إلى اى مدى وصلت، وان تنصت إلى صراخك الخاص الذى تكتمه، وان تتسائل ماذا صنعت بهذا التناقض، فدالى لم ينشغل بالتناقضات بل شغلّها واستثمرها فاخرج إلينا هذا الإبداع، الذى سواء تفهمناه جميعا أو لا، أو اتفقنا عليه أوم لا، ولقد كان لوجود تلك الشخصية من غناء حى بين الجمهور والمسرح تأثير أكثر ايجابية، حتى انه فى أداء ما يحكيه فى غناه يُعبِّر مرة عمن فوق المسرح ومرة عمن يجلس يشاهد ما يحدث على المسرح، ولقد أضفى عزفه بالعود فى المشهد النهائي مصداقية لذروة التواصل بين الممثلين والجمهور والمتكلم عزفا وغناءا بينهما.

تجربة فنية تستحق التأمل

العرض الراقص "وحيدا" مأخوذ عن قصة حياة سلفادور دالي، وأبدع فى هذا العمل محمد فوزى فى تصميم الرقصات، وفى أداء دور دالى "الواقعى"، وعلاء النقيب فى دور دالى "الخيالى"، وماهر محمود غناءً وتمثيلا فى رمزية حكمة العقل، ومنة الجمل فى دور الحبيبة، والعمل من إخراج رضا حسنين، ومن تقديم البيت الفنى للمسرح "مسرح الشباب" على مركز أوبرا ملك.

إن عرض وحيدا تجربة فنية تستحق التأمل، لأنها قد نُفِذَت عن تأمل حقيقى فى إنسانية وفن، لا عن مجرد تأثر بشخصية عالمية وحسب، خاصة وان اختيار شخصية دالى والرمزيات التى طُرحت فيه تستحق احترام العقلية الفنية التى للقائمين على تنفيذه، وهذا ما نرجو أن نشاهد وان نستمتع به من فن، حيث فن يعقب روح وفكر ويقدم رسالة مميزة، غير ركيكة بتكرار وجوفاء فى الجوهر، ولقد اسعدنى كثيرا أن نرى على المسرح المصرى تأمل راقص ومُغنَّى لحياة رسام دخلنا فى لوحاته، هذا بالإضافة إلى انه غير مصرى، بل وغير مفهوم وغير مقبول لدى الكثيرين طباعا شخصية وفنا، فلقد كان مجرد اختيار تلك الشخصية لتحليلها وتبرئتها فنيا على المسرح، تميُز وتحدى صعب، أرى أن القائمين على العمل قد نجحوا فيه بشكل كبير.

وأرى انه مع قليل من الصُقل لجوانب العمل، سيبلغ أعلى درجات التأثير.




#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)       Ereiny_Samir_Hakim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعطنى بصمتى
- كرامة الدموع
- يوم الجمعة العظيمة هو عيد الحب الحقيقى
- لا تبكون المسيح اسبوعا وتصلبونه عاما!!
- البحر مايعرفش إن لونه ازرق
- تهويد الأهرامات وألحدة النبي موسى فى فيلم آلهة وملوك
- لن تسلبنى بصمتى (إهداء لسارقى الفنون)
- فاجِئنا بمجيئك كما فاجِئت المعمدان
- بين لحى ماركس ورجال الدين
- النار حُرة فلا تحاول امتلاكها
- فى فيلم *غدى* جورج خباز يبحث عن الإنسان بين ملاك وشيطان
- جورج خباز يبحث فى فيلم غدى عن الإنسان بين ملاك وشيطان
- فى اليوم العالمى للمرأة، أين المرأة العربية؟!
- فيلم خطة بديلة يدعو المسئولين لتوفير حق الخطة الأصلية
- الجوكر على طريقة الفنان طارق لطفى فى جبل الحلال
- قاوموا داعش التى بداخلكم أو حرروها واظهروا على حقيقتكم
- هل كان الشهداء أقباط ليبيا مخدرون أمام داعش الموت؟
- لا تحسبنَّك هابيل وأنتَ قايين
- اختار ألوان حياتك
- حواء وخطيئة التفاح


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيرينى سمير حكيم - فى عرض *وحيدا* إحساس *دالى* لا يرقص وحيدا