أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم عرفة - الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [14]















المزيد.....



الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [14]


محمد عبد المنعم عرفة

الحوار المتمدن-العدد: 4780 - 2015 / 4 / 17 - 08:16
المحور: الادب والفن
    


اهتمام الإمام بأمراض العلماء والدعاة

أسهب الإمام في ذكر وبيان أمراض كل سقم وكذا طرق العلاج، مما لا تتسع الاوراق هنا لذكره، ولكننا نشير إلى اهتمامه الأكبر بأمراض العلماء وأمراض الدعاة إلى الحق .. فقال:
العلماء الذين أعنيهم في كلامي هذا : هم الذين منحهم الله تعالى الفقه في دينه ووهب لهم سبحانه وتعالى علم الرعاية في أحكامه حتى علموا حكمته في كل حكم فسارعوا إلى المراد لـه جل جلاله فيما حَكَم، لا الحكم كما يفعل أهل التقليد الذين لا هم لهم إلا تأدية المأمور به بحركات وسكنات وألفاظ مجردة عن الرعاية التي بملاحظتها يصير العالم كأنه يرى الله، أو تحصل لـه الخشية من رعاية أن الله يراه، فيكون إما في مقام الإحسان لاستغراقه في شهود آيات الله وحكمته معاينة آثار وأنوار عجائب قدرته فيكون روحانيا وهو جسماني، وملكوتيا وهو إنسان حيواني، جامع بين الضدين، غلبت عليه أنوار الروح فأخْفَت ظلال جسمه ففارق لوازم البشرية استحضارا، أو مقتضيات الآدمية حضورا، فقام عاملا مخلصا لله بالله كأنه يرى الله أمامه، أو مخلصا لله محجوبا عن شهود أنه بالله فيكون موقنا أن الله يراه في عمله، وهؤلاء هم العلماء الذين أعنيهم بكلامي.

ثم ذكر أمراضهم فقال:
1- وأمراضهم خفية عن العقول غامضة عن النفوس، لأنهم مع كمال الإخلاص يشوب توحيدهم شوب بواعث الهمة على العمل، فيحجبون عن خالص مشاهد التوحيد أما للعلة الباعثة أو لعدم تصفية مشهد التوحيد من شوب نسبة العمل لأنفسهم بشهود المجاهدات منهم، وهو أمراض الأخفى التي تظهر أنها قربات إلى الله وشوق إليه وحب فيه. وقد يقوى هذا المرض حتى يدعو إلى شهود الإلهية في العامل من حيث لا يشعر فيأنس بالعمل ويطمئن بالعرفان. والأنس بالعمل والطمأنينة بالعرفان شرك أخفى في طريقنا هذا، ومن شغله العرفان عن المعروف والعمل عمن هو مولى وجهه شطره واحتجب بنسبة العمل لنفسه.. فهو مشرك في طريقنا وإن كان أهل الفردوس الأعلى.
2- ومرض الإلهية اعظم مرض عضال يصاب به الربانيون. وقد جعل الله لـه من أنواع العلاجات أمرها ومن العقاقير أحدها. قال تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (الاسراء: من الآية82). ومن دواء هذا المرض قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون:12) ، وقوله (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى ) (الواقعة: من الآية62)، وقوله تعالى (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الانسان1 :2) . وأهل العلم يعلمون أن الغواية غير الضلال، فإن المؤمن قد يغوي ولا يضل لأن الضلال هو الكفر بالله تعالى، وأما الغواية فهي معصية الله تعالى شهودا أو ذوقا أو وجدا أو علما أو بالجوارح. وإن من حجبه العلم والعمل والمعرفة والتقوى عن كمال التوحيد الذي هو الجوهر المقصود بالذات لله تعالى غوى. والغواية قد تحصل من الإنسان بالتأويل أو لقصد نيل الخير الذي يظنه – قال تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)(طـه: من الآية121).
3- الفرح بإقبال الناس سكونا إليهم من غير ملاحظة، وقد جعل الله سبحانه لهذا المرض علاجا للمؤمنين، قال تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ )(آل عمران: من الآية14). وقد خاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأراد بخطابه المؤمنين، وهم من أعلم الناس مقاربة لله وخشية منه، فقال تعالى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)(النصر:1) تناول من هذا الطهور وأسكن بكلك إلى ربك وافرح بفضل الله وبرحمته وسبحه واستغفره عند إقبال الخلق، ولا تفرح بحالك وعملك لأن العصمة من الزلل لله تعالى.
4- وهنا مرض آخر فوق هذه الأمراض كلها ينتج عن الشوق إلى المفارق فيخفي على العالم واجب وقته في مرتبة الوجود الذي أقامه الله فيها فيأنس بالمفارق أنسا بنسبة لازم رتبته الكونية فيحصل لـه الشوق الشديد الذي يخرجه عن الوسط فيفارق مكانته الإنسانية التكلف بما لاح لـه من أنوار الملكوت في نفسه وفي الآفاق وفي السموات وفي الأرض فقد يقع في الفتنة المضلة أو الضراء المضرة، ودواء هذا المرض قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ )(البقرة: من الآية143)، وقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أسألك الشوق إليك بغير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة).
5- وهناك مرض فوق هذا كله: وهو أن ينكشف لـه نور قوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ )(الجاثـية: من الآية13) فتسخر لـه الكائنات كلها طوعا لأمره ومسارعة إلى هواه لأنه بجواذب العواطف الإلهية يتفضل الله عليه فيصير عند ربه ويمن عليه بأن يجعل لـه ما يشاء سر قوله تعالى (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (الزمر: من الآية34)، فيلتفت لفتة تدعو إليها الرحمة التي جمله الله بها لعباد الله تعالى، فيتجاوز حدها إلى حال الغيرة التي لا يكون إلا لله تعالى عند انتهاك حرمانه تنفيذا على تعدي حدوده بسيف أو بسوط الشريعة لا بنار الحال وشرار الابتهال فيسرع بعامل الغيرة للغضب وليس بيده سوط ولا سيف الشريعة فيكون نظر بعين التقييد في الإطلاق، مع أن هذا الناظر بعين التقييد في الإطلاق قد ينظر بعين الإطلاق في التقييد فيما يلائمه فيكون انحط عن الرتبة العلية. وقد داوى الله هذا المرض بقوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (لأعراف:199)

ومن أمراض الدعاة إلى الحق:
1- النظر إلى أهل المعصية بعين ملؤها المقت والغضب: وقد جعل الله لهذا المرض دواء قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ) (فصلت: من الآية33)، وقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (النحل: من الآية125)وقوله تعالى (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (الفتح: من الآية29).
2- الأنس بما يشاهدونه وأن خالف ما عليه الجماعة: وقد جعل الله تعالى لـهذا الداء دواء وهو قوله تعالى (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ )(النور: من الآية63)، وقوله تعالى (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات: من الآية2).
3- استعجال النقمة لمن خالفهم والكرامة لمن وافقهم: جهلا بسر القدر، فقد يتوب المخالف فيكون من أكمل أولياء الله، وقد يكون الموافق لهم عدوا لله وحفظنا الله من المعاصي. وقد شفي الله هذا المرض بقوله ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) (البقرة: من الآية216)، وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ) (الحجرات: من الآية11)وكم سارع إلى الكفر رجال أظهروا الإيمان ولم يحصل لهم الأنس بالإيمان ولم ينالوا مآربهم فارتدوا على أعقابهم- قال تعالى (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ) (آل عمران: من الآية176). وسر القدر غيب على النفوس الزكية.
4- الغضب على من لم يقم بالواجب عليه لهم: وذلك مما يدسه عليهم عدوهم من أن المقصر في حقهم مقصر في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحقيقة غير ذلك مرض خفي لأن المريد قد يقوم بالواجب عليه لله ولرسوله غير ملاحظ الواجب عليه للعالم لأنه إنما حجبه ليسارع إلى مرضاة الله ومرضاة رسوله باتباعه، وشفاء تلك الأمراض قوله تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (الحشر: من الآية9).
5- الغرور بما يهب الله لهم من الفقه والفهم: حتى قد ينظروا إلى من سبقهم بعين المساواة، أو يظنون فيهم التسامح والتساهل أو عدم الضبط، وقد يرمونهم بما لا يليق أن يكون بين المؤمنين. ودواء المرض قوله تعالى ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(الحشر:من الآية10).أقول قولي هذا وأعتقد أنه لا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عصمه الله بقوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى)(لنجم:3) وعصمة من الناس بقوله: ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (المائدة: من الآية67). وأعتقد أن الحكمة الإلهية يهبها الله لمن يشاء وأن خبر من سلفنا قد يكون بعصمة من الله وإلهام منه وكمال إخلاص من العالم لله تعالى بالله ويكون فهمنا عن عجلة وحظ وخفي علينا وشهوة دعا إليها أمل أو طمع.. والله يغفر لمن يشاء وهو الغفور الرحيم.
6- ميل نفوسهم إلى مجالسة الأمراء وزيارتهم لدسيسة خفية عليهم: هي أن يكونوا أعوانا للحق فيعظم الداء، ومن جالس جانس، وقد عد الله لهذا المرض أنفع الأدوية وهي قوله (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (هود: من الآية113) . وهذه أن لم تكن كل الأمراض فهي أصولها التي تتفرع منها كل الأمراض، وقد يكون مرض واحد يتفرع منه عدة أمراض فيجهل الطبيب أصل المرض فيعالج الفروع ويترك الأصل فيزداد المرض، ولو أن الطبيب اعتنى بالمرض الأصلي لزالت كل الأمراض الأخرى وشفاه الله.
7- ومن أمراضهم: أن الرجل منهم إذا أخطأ في حكم وفشي بين الناس وعورض فيه كره أن يخضع للحق وقام مجادلا للباطل ينصر نفسه على الحق غير مبال بسخط الله وغضبه إذا أقام الحجة على خصمه أنه محق ورضي الخلق عنه فيكون أبطل الحق وأحق الباطل خوفا على نفسه من الفضيحة بين الناس، ولو أنه عالم كما يدعي لأعلن خطأه وغلطه بين العالم ليرضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم غير مبال بالخلق، فإن الإنسان محل النسيان. ومن كبرت نفسه أن يرجع للحق بعد الخطأ أقام الحجة أنه من أهل جهنم، أعاذنا الله من سوء الأدب مع الله تعالى ومن تعظيم الخلق في جانب الحق حتى يكره أن يحتقر أمامهم فيتمادى على الباطل، وقد داوى الله هذا المرض بقوله تعالى (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ )(الأحزاب: من الآية39). ومعلوم أننا مكلفون باتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وقال تعالى مداويا هذا المرض العضال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْأِسْلامِ )(الصف: من الآية7)، وقال تعالى في أنفع دواء لهذا الداء (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(المائدة: من الآية45)، وقال الله تعالى مثنيا على أهل مقام الخوف (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (الرحمن:46)، فالعالم الذي يخطئ في الحكم ثم يذكر بالحق فيأبى أن يخشع للحق خوفا من أن يشاع عنه الخطأ بين الناس فيستحقر كان من الذين شنع الله عليهم بقوله تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ) (النساء: من الآية108). ومثل هذا عند العلماء بالله تعالى أدنى من الجهلاء لأن هذا من أكبر أمراض المنافقين. ولو أن مدعي العلم صدق الله تعالى فيما أخبرنا به من يوم القيامة ومن الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى وأن الإنسان أما إلى الجنة وإما إلى نار لذات قلبه خشية من الله تعالى أن يرضى الناس ويغضبه وأن يخشى الناس ولا يخشاه، وأن يحب المنزلة عند الناس بسقوطه من عين الله تعالى.. أعوذ بالله من الذنوب التي توجب النقم، وأعوذ بالله من الذنوب التي تغير النعم، ومن الذنوب التي تهتك الحرم، ومن الذنوب التي تديل الأعداء، ومن الذنوب التي تحبس غيث السماء.
8- تأويل الأحكام بما يناسب هوى الخلق والعمل بالرخص لجلب الأموال وميل القلوب إليهم خصوصا فيما يتعلق بالطلاق والميراث والمعاملات، فترى الرجل منهم يفتي بغير ما أنزل الله تعالى اجتراء على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ليكسب مالا أو شهرة أو منزلة في قلوب الأمراء. وقد ضرب مالك بن أنس وأهين ليفتى أن طلاق المكره يقع عليه فأبى، وضرب أو حنيفة رحمة الله تعالى لتولي القضاء فأبى، وكان الرجل يسأل أحد الصحابة عن المسألة المعلومة لأقل صحابي فيرده إلى غيره حتى يرجع إلى المسئول الأول لأنهم م يعلمون الناس بقول: لا أدري حتى يقتدي بهم من بعدهم، وكان إذا سئل أحدهم عن الفتيا يرد السائل إلى الأمير ليكون خاملا بين الناس. وإنما يتعلم العلم ليعمل الإنسان به في نفسه حتى يكمل نفسه بالعلم والعمل، وهذا المرض داواه الله تعالى بقوله (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) (المائدة: من الآية13)، وهؤلاء هم الذين يكذبون على الله تعالى وعلى رسوله معتمدين الكذب- قال صلى الله عليه وسلم (من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار). ومن أفتى بحكم عالما أنه برأيه وحظه ليس لـه مأخذ من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من سنة الهداة المهتدين فهو من المعتمدين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
9- إهمال الغاية بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأئمة الهدى وضياع الأنفاس النفيسة والأعمال الطويلة في خدمة كتب أهل الجدل والمناظرة والفرق المختلفة من المتكلمين مما يثير ثائرة الأخلاق ويفسد العقائد ويمزق الجماعة ويكثر الخلاف بين المسلمين، هذا الداء عضال جدا لأنه أذهب نور الإيمان من القلوب ومحى لين الأعضاء لعبادة الله، فتراهم هم وتلاميذهم يمضون سواد الليل وبياض النهار في فهم الأقيسة والنفي والإثبات والسلب والإيجاد، وجعلوا المواضيع التي يمرنون عليها نفوسهم صفات الله تعالى كما يتمرن المتعلمون بحفظ أراجيز الجاهلية وقصائدهم ليطبقوا عليها القواعد النحوية والصرفية تقوية لاستقامة ألسنتهم حتى صارت العقائد الدينية كالمسائل الحسابية والهندسية التي تعطي للتلاميذ ليشحذوا بها قواهم الفكرية ضبطا للقواعد، أدى هذا المرض والعياذ بالله تعالى إلى سوء الأدب، فصار من السهل عندهم أن يوردوا الاعتراضات على الصفات الإلهية وعلى الكلام الإلهي وعلى عمل القدرة الإلهية، ولا يصدر هذا الاعتراض والانتقاد من قلب فيه خشيه لله تعالى، وتراهم مع هذا كله يجعلون هذا الجهل علما وتلك البدع المضلة عملا ويقررونه في المجتمعات أمام النشء من طلبة العلم حتى يملأ قلوبهم استهانة بكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنكارا على آيات الله تعالى التي أجراها على أيدي رسله وأوليائه حتى بلغ منهم سوء الأدب أن أحدهم إذا قال لـه خصمه: قال الله أو قال رسول الله أو قال فلان الفلاني.. قال لـه تكلم معي بالعقل. ومن أراد أن يظهر التقوى خوفا على نفسه من تشنيع العامة أول الآية أو الحديث إلى ما يلائم حظه وهواه غير هياب من الله تعالى ولا وجل من لقاء الله، وقد انتشر هذا المرض حتى عم أكثر طلبة العلم إلا من عصمهم الله، وقليل ما هم، وصارت تلك البدع المضلة هي السنة عندهم ، وإن اختبار العلماء لرفعة شأنهم بين الأمة لا يكون إلا بإتقان تلك البدع حتى كأن السنن الماضية للإسلام والمآخذ الحقة لأحكامه نسخت بأفكارهم والله تعالى يقول ( وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ )(الأحزاب: من الآية40)، ومعنى ذلك أن شريعته لا تنسخ أبدا، فمن ابتدع بدعة سيئة في دين الله كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. وقد داوى الله هذا المرض العضال بقوله تعالى (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (الفرقان:30) وقوله تعالى (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً)(الاسراء45، 46) .

كل مؤمن أن يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم معه ولو كان في القرن العشرين، لأن المراد من الرسول الكتاب والسنة، ومن استظهر على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلك الآيات تجره بذيلها إليها، فإن من خالف رسول الله في حياته المحمدية ومن خالفه بعد عشرين قرنا سواء عند الله تعالى، وإنما هي نفوس شريرة أعدت للضلال والإضلال، أعاذنا الله من هذا الشر، وقد شنع الله بقوله (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(المنافقون:4).

الأولى بالمؤمن أن يجتهد في عمارة قلبه باليقين الحق، ومجاهدة نفسه في ذات الله مخلصا في عمله فانيا عن إثبات عمله لنفسه كذا فانيا عن العمل بعد إتقانه. هذا المرض جعل الله لنا منه وقاية وهي قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (الناس:1) ، وقوله سبحانه وتعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(الحج: من الآية78)، وقوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق). لعل بعض من يجهل حكمة الأحكام يظن أني أحب التساهل في الأعمال البدنية، لا، ولكني أحب أن تكون العناية العظمى بالقلوب، فإن الأعمال البدنية سهلة ميسرة ليس هناك ما يعارض فيها أو يعرض عنها، بخلاف أعمال القلوب فإن القلوب ميدان الجيش الحق والباطل وليس القلب تحت سلطان الإنسان ولكن الجوارح تحت سلطانه بكل ما في وسعه خوفا من أن يتسلط عليه العدو من الحظ والشهوة والطمع والأمل والشيطان الرجيم فيفسده على العامل، وهؤلاء العلماء إما أن يكونوا جهلوا حكمة الأحكام أوعملوا بغير العلم.
ولا يخفاك في ذلك من النقص، فإن كانوا جهلوا الحكمة فالواجب أن يسارعوا إلى البحث عن العارفين بالله فيتلقون علوم اليقين وطرق تزكية النفوس وعلاجها من أمراضها الأخلاقية، ومتى أسعدهم الله بعارف بالله وسلموا لـه أنفسهم عمر قلوبهم باليقين وأشهدهم آيات الله الظاهرة في الآفاق وفي أنفسهم، فاشتغلوا بالله تعالى مقبلين عليه بالكلية متشبهين برسول الله صلى الله عليه وسلم، فداه روحي وأبي وأمي.

ولعل من ألم به هذا المرض يعتقد أنه أكمل النساك لاعتماده على التشديد على نفسه، والحقيقة أنه ظلم نفسه وتعنى في العبادة،والعبادة ليست تعنيا ولا تمنيا وإنما هي قيام لله بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقدر استطاعة العامل ابتغاء مرضاة الله مع رعاية مشاهد التوحيد في أن الموفق المعين الهادي هو الله، وعلاج هذا المرض الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الاستظهار عليه صلى الله عليه وسلم حتى لا يعمل إلا بعد أن يتبين لـه أنه على ما يحبه الله ورسوله، فإن المراد القبول من الله، ولا يتحقق إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أقبل على الله تعالى مستظهرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعنيا كأنه هو والمتساهل المتمني سواء، وكيف يقبل العبد المؤمن على الله تعالى بمخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم بالقول أو بالعمل، وما جاءنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جاءنا به من عند الله تعالى، وقد فرض الله تعالى علينا طاعته صلى الله عليه وسلم وجعل التولي عن طاعته صلى الله عليه وسلم كفرا- قال الله تعالى (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:32) . فإذا كانت طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي طاعة الله فمخالفته صلى الله عليه وسلم هي مخالفة الله تعالى، وهذا العامل لو أشرقت عليه أنوار حكمة الأحكام لذاق حلاوة الإيمان ولذة التقوى ولكنه وقف عند نفسه فأفسد عليه الشيطان عمله، والأولى لـه أن يتوب إلى الله تعالى من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ابتدعه في العبادة، وإنما نعبد الله تعالى بما أمرنا به وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول والعمل والحال حتى نفوز بمحبة الله لنا لقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )(آل عمران: من الآية31)، وكيف يقبل الله عملا يخالف العامل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كره صلى الله عليه وسلم لأصحابه التعني فيما هو خير من مواصلة الصيام ومواصلة قيام الليل والزهد في بعض المباح، كما كره للإمام الجليل سيدنا عبد الله بن عمر بقوله لـه (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى). وكما كره لغيره من المستظهرين عليه ممن عزموا أن يتركوا الكلام مع الناس فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحياهم فلم يردوا عليه فقال صلى الله عليه وسلم (من رغب عن سنتي فليس مني)

أما معاملات القلوب والأحوال التي تنتج عنها فإن كان يحبه صلى الله عليه وسلم وكان أصحابه م ونفعنا الله بهم على أكمل الأحوال النبوية وأجمل المعاملات فكان الرجل منهم يبذل ماله لأخيه ويبذل دمه ويؤثر على نفسه مع الخصاصة وينافس فيما يرضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مما عجز العقل عن تصويره وتقف الأفكار أن تحوم حواليه لأنه فوق الطاقة البشرية وبه أثنى الله تعالى عليهم وبه نشر الدين في أنحاء الأرض، وبتلك الأحوال بعينها صارت كلمة الله تعالى هي العليا وجاء الحق وزهق الباطل، ولكن هذا العامل يشدد على نفسه في الطهارة جسما وبدنا ومحلا ويترك قلبه ميدانا للوساوس والمفاسد، ولو اعتنى بقلبه لشهد جمال ربه.

ومن أمراضهم الدعوة إلى الحق بالفظاظة والغلظة والجفوة، مع أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة مع رعاية قوله تعالى (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )(الفتح: من الآية29) حتى يقهر المؤمن الشيطان فينجيه الله منه. وقد قص الله علينا أخبار الرسل صلوات الله على نبينا وعليهم في الكتاب العزيز لتستبين لنا أحوالهم من الصبر والرضا والعفو والرأفة والرحمة والحب في الله والبغض في الله وتحمل الأذى في الله ومعاداة الوالدين والأولاد في الله تعالى، والتبرئة من الخليل والرفيق والصاحب واصاحبة والولد لله تعالى حتى يكون البعيد البغيض أحب إليهم من الوالدين والأقربين إذا آمن بالله ورسوله، ويكون الشقيق الرفيق أبغض إليهم من النار إذا كفر بالله تعالى أو عصاه سبحانه وتعالى، شرح الله لنا ما كان عليه رسله صلوات الله وسلامه عليهم، وكرر أخبارهم وقصصهم في القرآن لتستبين المحجة وتتضح الحجة فتكون الحجة البالغة لله، ولم يكن تكرار أخبار رسل الله صلوات الله وسلام عليهم عبثا، فإن كل قصة كررت مزيد بيان لحال أو مقام أو خلق جميل أو صبر من الله تعالى أو شكر منه جل جلاله أو كشف خفي لطفه بعباده، كيف صبر الله تعالى على من خالفوا رسله وأمدهم بالمال والبنين حتى طغوا وضلوا وأضلوا، ومن لم يتق بالأسرار الحكمة من العقيدة والأخلاق والمعاملة والأحوال والمقامات من أخبار رسول الله تعالى غوى.. اسأل الله تعالى أن يحصني وإخواني جميعا بحفظه من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم من البدع المضلة والأهواء المضرة إنه مجيب الدعاء.

ومن أمراضهم النظر إلى أنفسهم بأنهم لا يخطئون ، ودليل ذلك أن الرجل منهم إذا قيل لـه اخطأت في رأي أو قول أو عمل، كبرت عليه نفسه أن يرى مخطئا فيثور ثورة الليث مشنعا على من نبهه لخطئه متعصبا لنفسه مفارقا للحق، ويبلغ به العنا وأن يكتب فيه الرسائل ويشيع فيمن نبهه للحق، أنا لا أنزله العلماء من الحدة والانفعال النفساني عند الصولة لله، ولكن هذه الصولة تكون من العالم غيرة لله على من تعدوا حدوده أو خالفوا صريح البيان أو الاجماع، ولا تلبث تلك الصولة إلا ريثما يظهر للعالم الحق إما برجوع المخالف وتوبته، وإما ببيان الحجة أنه على الحق فيرجع إلى الله إما مستغفرا لذنبه وإما شاكرا لـه على حسن عنايته بأخيه المؤمن ومثنيا على أخيه المؤمن التي من أعظمها الرجوع إلى الحق. أما الصولة على من لاحظ عليك وأنكر عليك والثناء على من تملق لك ووالاك فهما الأمران المنكران وذلك أن إبليس لعنة الله عليه علم أن الباب الذي يدخل منه على قلوب العلماء هو باب الحسد، فإنه لعنة الله عليه يدخل على النساء من طريق الكيد، وعلى التجار من طريق الخيانة، وعلى قلوب الحكام من طريق الظلم، وعلى قلوب الشبان من طريق النساء، حفظنا الله من مكره وكيده إنه مجيب الدعاء.

وشفاء هذا المرض أنه يعتقد في نفسه أن العصمة لرسول الله، فلا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أنزل نفسه منزلة الرسل- صلاة الله وسلامه عليهم- فاعتقد أنه لا يخطئ فقد أقام الحجة على أنه مخطئ وظالم لنفسه، وإنما هو رأي يراه الإنسان فإن كان حقا فمن الله بحسن توفيقه وعنايته وإن كان باطلا فمن الإنسان العجول قال تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (طـه:115) وقال تعالى )إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (لأعراف:201) ، وقال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55) . وكل مؤمن بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم ضالته المنشودة الذكرى، فإن المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن لا يرى عينيه اللتين يكشف بهما الأشياء إلا بمرآة، فكيف لا يقبل من أخيه المؤمن ما بينه لـه من عيوب نفسه التي لا يراها بنفسه اللهم إلا إذا تمكن الشيطان من قلبه فأنساه ذكر ربه. هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- وفداه أبي وأمي- أمر الكاتب أن يكتب لرجل من الولاة في شأن من الشئون بينه لـه فكتب الكاتب، هذا ما أراه الله أمير المؤمنين، فلما أسمعه الكتاب غضب غضبا شديدا وقال: من أعلمك أن هذا رأي أرنيه الله تعالى؟ هذا رأي عمر إن كان حقا فمن الله تعالى وإن كان باطلا فمني بعجلتي واسأل الله أن يغفر لي، وهو من أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نفتدي به بقوله "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" وبشر صلى الله عليه وسلم بأن عمر من المحدثين بقوله صلى الله عليه وسلم "إن كان منكم لمحدثون فعمر" وسماه صلى الله عليه وسلم (الفاروق). ومع تلك المقامات العلية تراه كما أخبرك أدبا مع الله ورسوله ومجاهدة لنفسه، فكيف يدعي غيره العصمة لنفسه ويغضب إذا نبه للخير ويرى أنه أكبر من الحق.

الشفاء من هذا المرض: ذق حلاوة قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )(الأنعام: من الآية159)،وقوله سبحانه )أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ )(الجاثـية: من الآية23)، وقوله سبحانه (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (لأنفال:2) ، وقوله سبحانه (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ )(المائدة: من الآية83)، وقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن يكفيه قليل الحكمة) . إذا ذاق المؤمن حلاوة تلك الآيات والأحاديث الشريفة علم حق العلم أنه ذو قلب ينقلب وذو جوارح مجترحة وذو نفس تنزع إلى مقتضيات فطرها ولوازم طبعها وأنها في حاجة إلى التزكية والتهذيب وإنها لا تصلح إلا بالتزكية كما قال سبحانه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (الشمس:9). وبعد أن يجاهد نفسه حق الجهاد، ولتزكيتها يجب أن يجاهدها مجاهدة أخرى ليفنى عن شهود تزكيته إياها حتى يتحقق بمشهد التوحيد بقوله تعالى( وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) (النور: من الآية21).

وعالم يجهل تربية نفسه منفردا، والمسارعة إلى علاجها عندما يلم بها نقص في العقيدة، أو عيب في الأخلاق، أو نزوع إلى حظ أو ميل إلى معصية، فيسارع إلى معالجتها بما بينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبما أخذ به أهل المعرفة بالله أنفسهم من فادح الرياضات وشديد المجاهدات حتى تلين للحق وتنقاد مسالمة فليس بعالم، لأن العلماء كما قال صلى الله عليه وسلم "سرج الدنيا ومصابيح الآخرة" والسراج يضيء نفسه وما حوله- فكيف يكون السراج مظلما ويشهد غيره منه نورا؟! فإن كان العالم مفسود الأخلاق كيف ينفع غيره بعلمه وعمله وخلقه؟ والعالم مسئول عن العمل بعلمه. وقد ورد (أعوذ بالله من قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع ومن عمل لا يرفع). وأدعياء العلم الذين هم أضر على المسلمين من أعدائهم لأنهم ينظرون إلى الخلق بعيون الانتقاد فيحتقرون عباد الله، وينظرون إلى أنفسهم بعين الإعظام والإجلال فيغفلون عن نقائصهم وعيوبهم وأمراضهم، فترى الرجل منهم يبذل ما في وسعه للتقرب من الأمير أو من المتكبرين في الأرض بغير الحق لينال دنيا أو جاها ويتقرب إلى الأمير بما أحب مما حل أو حرم وإذا رأى مسلما سها عن مندوب قام فشنع عليه وسبه، وينسى عظائم الأنام من نفسه حتى كأنه عميت عينه عن تطهير نفسه أو كأنه لم يطالب بآداب الشريعة .
___________________________________________________

المرجع : كتاب "خاتم الوراث المحمديين" للإمام القائم السيد محمد علاء ابو العزائم

يتبع



#محمد_عبد_المنعم_عرفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [13]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [12]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [11]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [10]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [9]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [8]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [7]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [6]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [5]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [4]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [3]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [2]
- الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [1]
- فن الإستمتاع بالحياة [2]
- فن الإستمتاع بالحياة [1]
- النقاب عادة لا عبادة وليس من الإسلام [2]
- النقاب عادة لا عبادة وليس من الإسلام [1]
- إضاءات ورؤوس أقلام حول مسألة (الشيعة والسنة) [1]
- حوار مع القاضي المستشار عبد الجواد ياسين صاحب كتاب (السلطة ف ...
- من الجيش الإلكتروني المصري إلى ضباط الشرطة والقوات المسلحة ب ...


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم عرفة - الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [14]