أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - الحكيم البابلي - صور تذكارية قديمة حانَ زمن دفنها !.















المزيد.....

صور تذكارية قديمة حانَ زمن دفنها !.


الحكيم البابلي

الحوار المتمدن-العدد: 4760 - 2015 / 3 / 27 - 08:28
المحور: سيرة ذاتية
    


صور تذكارية قديمة حانَ زمن دفنها !.

* يُعتَبَرُ الشهر الثالث ( آذار) في تأريخ حضارة وادي الرافدين من أهم وأسعد وأمتع الشهور، حيث يُمثل بداية السنة والربيع وعودة الحياة والطبيعة وقيام الإله من موته وسباته، وهو أيضاً شهر إحتفالات (الأكيتو) الذي إقتبسته -تقريباً- كل شعوب وأمم العالم وأعطته أسماء وأوقات وأسباب وقصص مُختلفة، ولا زالت تحتفل به لحد اليوم. وسيبقى دائماً عيد الربيع والخير وعودة الروح والحياة والأمل والإشراقة إلى نفوس ووجود وكيان البشر التواقين لإستقباله وإحتضانه والإحتفال به بكل فرح وسرور.
لكنه وللأسف لم يكن كذلك بالنسبة لي ولعائلتي وبعض الأقارب حولي هذا العام!، حيث تزامنت مع بداية هذا الشهر ولحد الآن -وبقدرية عجيبة- ما لا يقل عن عشرة حوادث مؤسفة لبعضنا، وكانت حصتي الدخول إلى المستشفى بسبب ثلاث إنسدادات جديدة في أوردة القلب تم معالجتها وفتحها بكل نجاح، شكراً للتكنلوجيا وللعلم وبلاد "الكفار" التي ضَمَنَت لنا أن نعيش في الوقت الفائض!!، وربما كان بعضنا سيكون قد رحل نهائياً عن هذا العالم بسبب ضعف وتردي وحتى إنعدام العلاج الطبي لو كان قد قُدِرَ لنا البقاء في أوطاننا الشرقية التي تُطارد الأطباء والعلماء والعباقرة وتُبيدهم بدم بارد كما تُبادُ الصراصر والفئران !!.
أما أقسى تلك الحوادث المؤسفة وأكبرها فكانت الوفاة الفُجائية غير المتوقعة أبداً لأحد أقرب وأعز أصدقائي، وبنفس الوقت هو شقيق زوجتي الراحل عماد، ذلك الإنسان الطيب الكريم الشهم الذي سيفتقده كل من عرفه من ناس لخصاله الإيجابية التي من الصعوبة حقاً جمعها في إنسان واحد!؟.
كل هذه الأمور الحياتية الحزينة جعلتني أبتعد تلقائياً عن الكتابة لبضعة أسابيع، ولكن … الأفكار نهر يصعب صده لزمن طويل، والسدود ستتهاوى بصورة حتمية، فالحياة يجب أن تستمر !.

* من عاداتنا العراقية الكلدانية في المهجر الأميركي أن نقوم بعرض الصور الشخصية لأمواتنا بعد رحيلهم. نضعها في قاعة مجلس العزاء، قريباً من الباب، ليراها ويستعرضها ويتذكر أصحابها الداخل والخارج.
تبدأ تلك الصور بالصورة الأولى التي إلتُقطت للراحل أو الراحلة، وتمضي تدرجاً إلى أخر صورة له، وبحسب إمكانية وجود تلك الصور، وحتماً سيكون من ضمن الصور أهم أيام ومُناسبات حياة الراحل أو الراحلة من ( ولادة وعماذ وتناول أول)، إلى مدارس وتخرج وخطوبة وزواج، ثم ولادة أول طفل للعائلة، وربما صور أول محل تجاري، أو أول وظيفة حصل عليها بأتعابه وجهوده ودراساته، كذلك صور مع أعز الأصدقاء والأقارب … وهكذا.

* قامت إبنتي -وبمساعدتي- بنبش آرشيف الصور العائلية الخاصة بنا، في محاولة لإيجاد أجمل الصور لخالها الراحل، ومن ثم جمعها مع عدد آخر من الصور التي سينتقيها أخوته وأخواته وأولاده وزوجته ومن ثم تكبيرها لغاية عرضها داخل قاعة مجلس العزاء في اليوم المحدد.
الحق لم أكن قد راجعتُ الصور التذكارية الكثيرة التي في حوزتي منذُ سنوات طويلة مضت، لِذا بَقيتُ مع إبنتي لساعات طويلة نتفرج على تلك الصور والتي بعضها يعود لتواريخ قديمة جداً لِذا فهي بالأسود والأبيض، وكنتُ قد وَرثتُ أغلبها من عائلتي يوم أرسلها لي بعض الأقارب من بغداد بعد موت والدتي وأخوتي ووالدي الذي كان آخر الأحياء من العائلة في بغداد الحبيبة، وبهذا أصبَحتُ أنا من إستقرت عنده كل تلك الصور العائلية القديمة.
من بين بعض الصور القديمة جداً وجدتُ صوراً لأناس لم يسبق لي التعرف عليهم سابقاً في العراق!. حتماً هُم أقارب والدي أو بعض أصدقائه أو زملاء دراسته أو موظفين معه في الدائرة الحكومية التي كان يعمل فيها لسنوات طويلة .. ربما !!.
كانت صوراً لا أعرف لماذا أعطتني شعوراً بالحزن والأسى وبعبثية دورة الأفلاك والحياة الشبيهة بالطاحونة التي لا ترحم أحداً.
هؤلاء الناس في الصور القديمة كانوا مُبتسمين وفرحين وأحياناً كانت بين أيديهم أقداح الشراب وكأنهم يحتفلون بذكرى أو عيد أو مناسبة خاصة عزيزة عليهم !. وكان ظاهراً جداً مقدار أناقتهم ونوعية ملابسهم (على المودة) رغم كون كل تلك الصور عائدة لزمن الثلاثينات والأربعينات وبداية الخمسينات من القرن المنصرم!!.
ربما يرقد هؤلاء الناس اليوم في مقبرة مهجورة مُترَبَة صامتة في بغداد!، بعد أن خلت مسالكها وممراتها من زوار أضرحتها المتناثرة بصمت مطبق هنا وهناك، حيث لا زائر إلا الريح، بعد أن هاجر كل الأقارب والأصدقاء إلى جهات الأرض الأربعة طلباً للحياة والحرية والعيش الكريم!!.
أو ربما هُم الآن عظام مكسورة مهشمة مختلطة مع عظام غيرهم في مقبرة إستباحت صمتها وهدوئها جرافات وبلدوزرات داعش التي وصل حقدها لحد نبش قبور الناس الآمنين المسالمين الذين ترقد بقاياهم في تلك القبور منذُ آلاف السنين !.
مساكينٌ نحنُ أبناء الرافدين !!، فقد تم تحريمنا حتى من مترين أو ثلاثة من أرضنا الطيبة التي ما عاد يُزرعُ فيها غير السم الزعاف والحنظل والصبار!.
لحد عشرة سنوات خَلَتْ كان سكان الرافدين يتوسلون الحكومات الكارتونية المتعاقبة من اجل السماح برد بضعة جثامين لمُبدعين عراقيين ماتوا ودُفنوا خارج العراق، بينما نحنُ اليوم نتوسل حكوماتنا القرقوزية عسى أن تسمح لنا بإخراج عظام أهلنا وأحبابنا من أجل دفنهم في أرض وقبر لا يُنبش ولا يتم فيه معاقبة الأموات بسبب جذورهم الدينية والقومية يوم كانوا على قيد الحياة !!!!.

راحت إبنتي تسألني: من هو هذا الرجل، ومن هي هذه السيدة ومن هم هؤلاء الأطفال الحلوين والناس المتحلقين حول جدي أو جدتي في هذه الصورة أو تلك!!؟ لكني لم أكن أملك الجواب لإسئلتها الكثيرة، حيث إستطعتُ التعرف على بعض هؤلاء الناس، ولكن … الغالبية الأخرى بقيت بالنسبة لي علامة إستفهام !.
بعدها قامت إبنتي بتفجير السؤال الأهم من خلال كل أسئلتها: ما نفع وقيمة أغلب هذه الصور التذكارية القديمة إذا كُنا لا نعرف من هم أصحابها، وما المعنى من الإحتفاظ بها، وربما علينا إتلافها كونها لا تُمثل أحداً وليس هناك من هو بحاجةٍ لها!، بالضبط كما نتخلص من الآثاث القديم!؟.
ثم إنصرفت من غير إكتراث لسماع رأيي في الموضوع، حيث كان قد تأخر لها الوقت، ولا تود أن تكون متأخرة على وظيفتها صباح الغد.
لأكثر من ساعة كنتُ لوحدي أُحدق في تلك الصور القديمة بالأسود والأبيض، ومر عبر ذاكرتي كل التأريخ الذي علمتني إياه الكتب، فرأيتُ حياة الإنسان ليست إلا دقائق من عمر هذا الكون وعمر البشرية الذي يقدرهُ العلماء بملايين السنين!، وتعجبتُ مرة أخرى من كون الإنسان يموت وينتهي ويتبخر كأي شيء آخر من حوله، كالحيوان والنبات، ليُعطي من خِلال فنائه ديمومة جديدة لكائنات أخرى بشرية أو حيوانية أو نباتية !!، وربما كان هذا هو عماد الفكرة من الإحتفال بعيد الأكيتو لإنسان بلاد ما بين النهرين، (الموت والفناء .. ثم الولادة من جديد)، موتٌ وحياة متواليان ومتعاقبان ومستمران إلى ما لا نهاية !!.
جمعتُ كل الصور القديمة الجميلة التي لا أعرف أصحابها، وضعتها في حقيبة جلدية صغيرة، دسستُ تلك الحقيبة تحت وسادتي، ونمتُ .. بينما أفكار وعواطف وأحاسيس وأمواج مُختلفة تتقاذفني يميناً ويساراً.

* في صباح اليوم التالي قمتُ بحفر موضع عميق في حديقتي التي تستعد لإستقبال فصل الربيع، طمرتُ في قاعِها الحقيبة الجلدية الصغيرة !، ثم وضعتُ فوق التراب صخرة متوسطة الحجم مع بضعة دموع تساقطت بالرغم عني فوق تراب الحفرة !، ولم أنسى أن أضع بضعة ورود حية حول القبر الصغير لهؤلاء الناس المسالمين الطيبين !.
كذلك قررتُ أن أُخبر عائلتي برغبتي في أن تُدفن كل صور آبائي وأجدادي معي بعد موتي!، كي لا تبقى بيد من لا يعرفها أو يتذكرها من الأبناء والأحفاد والأقارب!، إذ يعز عليَ أن يكون مصيرها المزبلة ذات يوم !.

ناموا قريري العين أيها الناس الطيبين الذين لا أعرفهم، لكني لا أشك لحظة واحدة في طيبتكم ونوع الحياة والفرح التي أشعتموها حولكم يوم كانت قلوبكم تضخ الدم ليس عبر أجسادكم فقط، بل عبر كل الأرض والأنهار والنخل العراقي والإنسان الذي سكن تلك الجنة الأرضية منذ ملايين السنين، وقبل أن تظهر نكتة "آدم وحواء" إلى حيز الوجود قبل حفنة سنين "إلهية" !.
ناموا ولا تخافوا غدر وأذى الجرافات والبلدوزرات والمعاول الحاقدة اللئيمة، فأنتم معي وفي حديقتي ولو إلى حين، إلى أن ينتهي وجودي وأرقد بسلام وراحة أبدية بين أحظان أُمي الأرض، في أرض ستعوضني عن الأذى المُحتمل لعظامي وذِكرايَ فيما لو تم دفني في أرض أجداد أجدادي.

المجدُ للإنسان.
طلعت ميشو.
March- 27- 2015



#الحكيم_البابلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور العنف والفوضى، الضاحِكُ الباكي. (3) .
- جذور العنف والفوضى، وأثرها في إضطهاد مسيحيي العراق. (2).
- جذور العنف والفوضى - البيت، المدرسة، الدين . (1).
- مُُفردات سومرية أكدية آرامية لا زالت مستعملة في اللسان العرا ...
- مُفردات سومرية آكدية آرامية لا زالت مُستعملة في اللسان العرا ...
- بابا نويل أسيراً عند داعش !.
- كيف تعامل الرافدينيين مع الموت والمصير ؟.
- (( قصيدة للموت والسيف المكسور ))
- حينَ يصبح التهريج سيد الفنون !.
- البحث عن اللآلئ .. تأريخي مع الكِتاب.
- الجذور التأريخية لشخصية الشيطان الغيبية .
- وضاح اليمن .. الشاعر الذي غُيِبَ لأنه أحب زوجة الخليفة !.
- هَلَوينهم وهَلَويناتِنا !.
- سفينة نوح ... زبدة سخافة الأديان الأرضية !.
- مُذكرات حزينة على هامش دفتر الوطن.
- الكائنات الدينية الخيالية الطائرة !!.
- نقد .. من أجل موقع للحوار أكثر ديمقراطيةً وعدلاً !.
- نقد وتثمين لقصة -الرقص على الأحزان- للسيدة الأديبة فاتن واصل ...
- أسباب هجرة مسيحيي العراق ، ومن كان روادها الأوائل ؟.
- الشعراء الصعاليك في الجاهلية ، ( تأبط شراً نموذجاً ) .


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - الحكيم البابلي - صور تذكارية قديمة حانَ زمن دفنها !.