أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - تفروت لحسن - الرياضة الفلسفية في زمن العدمية















المزيد.....

الرياضة الفلسفية في زمن العدمية


تفروت لحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4729 - 2015 / 2 / 23 - 22:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لما كان الإنسان يبحث عن معنى لوجوده، لمعاناته، لآماله وآلامه، فإنه يجد نفسه في مواجهة الفراغ، فراغ المعنى. ولما كان الإنسان يتميز عن باقي جنس الحيوان بإرادته للمعنى، فإنه يسعى دائما لتملك ذلك المعنى، تحصيل الامتلاء. فالإنسان يخشى الفراغ كما تخشاه الطبيعة التي هو جزء منها. وحتى في الحالات التي يجد فيها نفسه مسلوب الإرادة، يفضل أن يريد العدم بدل عدم الإرادة، عوض أن يبقى بدون إرادة. وهذا هو معنى العدمية. ففي لحظة الإشباع البهيمي، وبعد تحصيل الضروري للجسد، يبحث الإنسان عن السعادة، عن السكينة والبحر الهادئ، عن الأمان العاطفي والاستقرار الروحي، عن الطمأنينة والتوازن الداخلي. وبمجرد أن يبتعد عن الجماعة ويعانق خلوته في ظلمة بيته، يبدأ في التساؤل والتوهم، جريا وراء إجابات تشفي غليله. هذا شيء طبيعي مادام الإنسان يبحث عن ملئ وقت الفراغ.
العمل وتكرار العمل، التعب ومشقة الحياة، الجد والاجتهاد...أمور تجعل الإنسان يبحث عن وسائل لتخفيف الضغط والإرهاق، عن ملئ الفراغ. هذه الرغبة هي التي تحفزه لخلق آليات تمنحه الوفرة النفسية والتوازن الروحي والطاقة الذاتية !!!
أكيد أن مجتمع العولمة باعتباره، مجتمع العدمية بامتياز، وفر الكثير من أسباب الترفيه بشكل يزيد في تخدير هذا الإنسان المرهق ومنحه قدرة الاختيار بين المسكنات والمخدرات، فالحداثة وحفيدتها العولمة وفرت له الجريدة و الكلمات المتقاطعة، التلفاز، الحاسوب والحساب البنكي...بل السفر حتى إلى القمر. لكن إذا كانت هذه الأسباب قد تكاثرت اليوم، فإن التاريخ البشري يشهد على أن البشرية، على امتداد تاريخها، خلقت هي الأخرى أصنافا من الرياضات، إما باسم الدين أو باسم الفلسفة.
معلوم أن الديانات باختلاف مصادرها، سماوية أو بشرية، وعت بآثار الفراغ في العالم السفلي، وتفطنت لانعكاسات الجفاف والجفاء على حياة الفرد والجماعة. لذا نجدها ترشد الناس إلى علاجات بدون مواد، بدون عقاقير. إنها وصفات تخفف من العدم وتمنح لمريديها الاستقرار النفسي والروحي. ففي الديانة البويدية و ديانة البراهمة والمسيحية واليهودية والإسلام تجد وصفات تخفف من قهر الدنيا و تمنح إمكانات لملئ الفراغ. فالصوم والصلاة والعفة والحمية والخلوة ... مظاهر لهذه العلاجات. ومن أمثلة هذه الوصفات، نتذكر ما يصطلح عليه ب" التمارين الروحية ". هذه الرياضة التي أدرك القدّيس إغناطيوس دي لويولا ، مؤسس "الرهبانيّة اليسوعيّة"، احتياجنا لها لكي نصون حياتنا الروحيّة أيضًا. فدوّن بين عامي 1522م- 1524م دليلاً للخلوات الروحيّة، وأطلق عليه اسم "الرياضات الروحيّة". فالرياضات الروحيّة تبدأ بنص "المبدأ والأساس" الّذي يوجّه هدف حياتنا لأن نكون في حياة شراكة مع الله للأبد. نحيا في حياة امتنانٍ عميق للنعم التي نلناها من الله، ونعيش وفق محاكمةٍ داخليّةٍ، لئلا نساوم في استبدال أيّ عطيّة إلهيّة مع أيّ شيء في هذه الدنيا. الرياضات الروحي صُممت لكي تساعدنا على الوصول، والحفاظ على هذا "الميزان الداخليّ".
لكن لا ينبغي أن نخلط بين " التمارين الروحية " ذات الأصل الديني، خاصة المسيحي، وبين نفس المفهوم، أي " التمارين الروحية " ذات التداول الفلسفي، وهو المفهوم الذي استخدمه " بيير أضو " في مؤلفه " التمارين الروحية والفلسفة القديمة " أو مفهوم " التمارين الروحية " الذي أعمله ميشيل فوكو للنظر في موضوع الانشغال بالذات و استخدام الرغبة عند فلاسفة الإغريق، في مؤلفه " تاريخ الجنسانية " – جزء أول وثان -.
صحيح أن اللجوء إلى الآبار الدينية مازال معمولا به في المجتمع المعاصر، فمنه يرتوي العطشى روحيا، وبه يعالج المعانون نفسيا، أو يعتقدون ذلك. لكن، في هذا المجتمع نلاحظ انتشار تمارين أخرى، ليس لها أساس ديني، بل هي نتاج العدمية التي تتخفى حول أقنعة وأقنعة، خلف الحداثة والعولمة والتقدم...
خلافا لهذه التمارين، الدينية والتمارين المقنعة، تظهر الرياضة الفلسفية، أهميتها، فائدتها وراهنيتها.
وإذا كان مدلول الرياضة، في تعريفها الأولي، يحيل إلى مجموع التمارين التي تخص الجسد، أي مختلف الأنشطة البدنية والحركات الجسدية التي تقصد اللياقة والرشاقة للبدن ومنح الجسم المزيد من الإمكانيات للعمل بطريقة صحية و التخلص من العوائق التي يمكنها أن تحد من قوة الجسد و تقلل من أدائه، و كانت التمارين البدنية فد لازمت الإنسان منذ الأزل دون أن يقعد لها، بل ودون أن يعرف لها أسماء، فإن تفنن الشعوب والأمم في إضفاء صفات الألعاب والألقاب بمنحها القواعد والرموز والشواهد، جعل رياضة البدن تتخذ طابعا مؤسساتيا، ثقافيا ومجتمعيا، بل وسياسيا. ولما كان لهذه الطبائع تاريخ طويل، كالألعاب الأولمبية عند قدماء اليونان، الذين كانوا يعتبرون الرياضة البدنية ضرورية في إكساب الفرد والمجتمع المزيد من وفرة القوة، إن لم تكن هي عمود الحرب والمنازعة والمصارعة، وصولا إلى الألعاب العالمية في شتى الرياضات.
وإذا كان للحركة البدنية أدور مهمة في مجالات عدة، بحيث أصبحت بمثابة الوصفات الصحية التي تعتمد لرد الصحة أو لحفظها، إضافة لأدوارها الثقافية والاقتصادية والثقافية...، فإن الرياضة الفلسفية لها وظائف أهم، فإليها يعود أمر صحة النفس وتوازن الذات.
والحق أن الرياضة الفلسفية التي اقصدها تخالف السموم التي أفرزها مجتمع العدمية المعاصر، مجتمع العدمية. فاليوم نجد أن الناس تفننوا في اختلاق تمارين روحية جديدة ظنا منهم أنها تخفف أو تعالج كليا أو جزئيا يقمهم وعللهم. ورغم أن هذه التمارين تختلف حسب درجة الانتماء الاجتماعي والوضع الطبقي، فإما تشرك في خاصيتها التخديرية، في قدرتها السحرية على خلق النشوة عند الإنسان المريض، هذا الحيوان المريض، المريض بحساسية الحداثة والعدمية.
ويمكن رصد بعض المسكتات والمخدرات التي يرعاها المجتمع العدمي اليوم في هذه الأمثلة :
- اختلاء الناس إلى المقاهي، وتصفح الجرائد الصفراء والاعتكاف طول النهار على التيه في شبكات الكلمات المتقاطعة والمسهمة، وإضاعة الوقت في الأحاديث الفارغة والآراء الخاوية عن جزئيات الأخبار، دون تمحيصها ولا معرفة مقاصدها وتناقلها طول اليوم والساعة.
- الجري وراء سراب ألعاب الحظ، فقد حلقت العدمية لدى الإنسان الحالي، ابتلاء بالبحث عن الربح السريع انطلاقا وجعله يلهث خلف أصناف القمار، الرديئة والمصنفة. فالعاب رهان الخيل وحظ الأرقام تستهوي هذه الإنسان الطامع في الربح السريع واليسير. ولما كان تعريف القمار هو " دفع القليل بنية ربح الكثير "، فان المذياع والتلفاز يمارس نفس الوصفة بتقنيات جديدة، إرسال رسالة عبر الهاتف للإجابة عن سؤال بليد، مع توهم أن يربح هذا العدمي شقة أو سيارة أو على الأقل قسيمة شراء...
- إثارة المشاعر الفياضة : وتتمثل في خلق حفلات أعياد الميلاد مثلا أو حفلات نهاية الأسبوع أو المهرجانات...ففي مثل هذه المناسبات تحضر موسيقى صفارات الإنذار، فنلاحظ الرقص الجماعي، الهذيان الجماعي، وهذه الطاهرة تتفشى في مجتمع العدمية بامتياز، ومثال ذلك ما تعج به العلب الليلية من ضجيج لدرجة نسميها بالعلب الليلية. وهذه الظاهرة هي نفسها ما يسود في مدرجات كرة القدم، أو ما يعرف ب"الألتراس".
- الملاهي الإلكترونية : خلقت العولمة للإنسان العدمي العالم الإلكتروني، فأصبح الأخير مدمنا على ولوج الشبكات العنكبوتية. لم يعد له كيان إلا داخل هذا العالم. فتجده دوما يتناول هذه المسكنات كما لو كانت تمارين روحية تعبدية. رياضة تجلب له القوة والنسيان والراحة النفسية,
تتكاثر أمثلة التمارين الروحية العدمية بنفس الكيفية التي توالدت بها التمارين الدينية. وما يجعل الرياضة الفلسفية تخالف هذه الأصناف هو كونها رياضة عقل لا رياضة وهم، تمارين للنقد لا آليات للابتلاع، ابتلاع المعلبات الجاهزة. فالرياضة الفلسفية تقي صاحبها من الوثوقية وتجنبه خطر الإيديولوجية. بل إن هذه الرياضة هي الطريق نحو السعادة الحقيقية المخالفة للذة البهيمية. ولنا في تاريخ الفلسفة أمثلة على فاعلية الرياضة الفلسفية. هذه الرياضة التي تجعل من الفلسفة فنا للحياة، وتقي من هاوية التمارين الفارغة للعدمية. إن الفلسفة تجعلك إنسانا، في كامل إنسانيته، لا عبدا حائرا أو تائها خلف الأوهام. وما أكثرها في مجتمع العدمية !!!



#تفروت_لحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان اللاهث أو - إنسان : - هذا لي -
- القرف والاشمئزاز في المجتمع المعيف ( المعيوف )
- الإنسان الهجين و ثقافة - البغال -
- - أنا مدمن، إذن أنا موجود، عفوا أنا معدوم -
- راهن الفلسفة ورهان الفكر النقدي
- إشكالية تحديد معايير اختيار الكتاب المدرسي بالتعليم المغربي
- نيتشه : الفيلسوف طبيب المجتمع
- لدروس الخصوصية لعلوم التربية : صورة جديدة لأزمة التعليم المغ ...
- - الفلسفة كما نحيا بها - : تجربة بيير أَضُو Pierre Hadot
- الفلسفة والتربية : الإبهام المزدوج
- في الحاجة الى -الفلسفة التطبيقية-
- الفلسفة في متناول الجمهور : انتعاش أم انكماش
- درس الفلسفة بين : - الأستاذ - الطبيب - و - الأستاذ - الكناشي ...
- بعض مفارقات - مفهوم العقل - عند عبد الله العروي
- في التربية على حقوق الإنسان


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - تفروت لحسن - الرياضة الفلسفية في زمن العدمية