أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - بورخيس كاتب على الحافة 5: التراثات وصراعات التجديد عند بورخيس















المزيد.....



بورخيس كاتب على الحافة 5: التراثات وصراعات التجديد عند بورخيس


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 4722 - 2015 / 2 / 16 - 08:50
المحور: الادب والفن
    


بورخيس كاتب على الحافة 5: التراثات وصراعات التجديد عند بورخيس
(فى فصول)
تأليف: بياتريث سارلو
ترجمة: خليل كلفت
بياتريث سارلو (1942-) ناقدة أدبية وثقافية أرجنتينية. ومنذ 1978 أدارت المجلة الثقافية وجهة نظر، أثناء فترة استمرارها على مدى ثلاثة عقود، وكانت أهم مجلة للنظرية الاشتراكية في الأرجنتين وقد أُغلقت بعد تسعين عددا طوال ثلاثين عاما. تفتح مقالات سارلو الكثيرة في مجلة وجهة نظر ومجموعة كتبها إمكانيات جديدة للقراءات، أكثر مما تقدم المزيد من القوالب النظرية أو النماذج النقدية.
الفصل الثالث
5: التراث وصراعات التجديد عند بورخيس
لا يمكن الإحساس بالحنين إلا إلى شيء جرى فقدانه، في الواقع أو في الخيال. وفي بوينوس آيرس، التي حولتها عمليات التحديث الحضري، والتي كانت المدينة الكريولية مجبرة فيها على أن تلوذ بقليل من الحواري والأزقة، وتعرضت حتى هناك لتغيرات أثرت في كل من صورتها المادية والجغرافية، اخترع بورخيس ماضيا. وقد عمل بورخيس بعناصر اكتشفها (أو نسبها إلى) الثقافة الأرجنتينية للقرن التاسع عشر، وكانت في رأيه ثقافة ذات صلابة لا توجد في الكتب بقدر ما توجد في نوع من التراث العائلي. ومع ذلك فحتى هذه الشذرات، الماثلة في الصور والمآثر المضمحلة لأسلافه الكريوليين، كانت مهددة بالزمن والحداثة والنسيان.
أسلافي بدأوا صداقة
مع هذه الأصقاع النائية
فاتحين انغلاق السهول ...
وأنا، كساكن مدينة، لم أعد أعرف هذه الأشياء.
إنني أتحدر من مدينة، من حي، من شارع.(1)

وكأرجنتيني، كان بورخيس جزءًا من تراث مهدد بالأخطار. ومهما كان حضور هذا التراث عنيدا فقد كان يحس بأنه ينتمي إليه بقدر ما ينتمي هو أيضا إليه. غير أن بورخيس ، مثل أسلافه الإسپان، الذين أقاموا صداقة مع سهول الپامپا، فقدَ صلته "الطبيعية" بأوروپا. ورغم أنه تعلم في جنيف وكان صديقا، في مدريد، للكتاب الألترايستا ultraista (الراديكاليين، المتطرفين) الذين التقى بهم عندما كان ما يزال صغيرا جدا، ورغم أنه يوضح بصورة متكررة أن الروايات الأولى التي قرأها طفلا- حتى دون كيخوته، التي قرأها مترجمة- كانت بالإنجليزية، لم يكن بوسع بورخيس إلا أن يحس بمشكلة ثقافة كانت توصف بأنها أوروپية ولكنها لم تكن كذلك مطلقا، لأنها تطورت في بلد طَرَفِيّ peripheral وامتزجت بالعالم الكريولي. وإذا كان بمستطاعه أن يدخل ويخرج كما يحلو له بين ثقافتين، فقد كان لهذه الحرية ثمنها. وكان بوسع بورخيس أن يجيب: هذه هي حرية الأمريكيين اللاتينيين، وهو ما يؤيده إدراك وجود شيء مفقود. والحقيقة أن قراءة كل الأدب العالمي في بوينوس آيرس، وإعادة كتابة بعض نصوصه، تجربة لا يمكن أن تقارن بتجربة الكاتب الذي يعمل أو الكاتبة التي تعمل على الأرضية الآمنة لوطن يقدم له أو لها تراثا ثقافيا نقيا. ورغم أنه يمكن الجدال في أنه قلما يكون هذا هو الحال مع كبار الكتاب الأوروپيين في القرن العشرين إلا أن أولئك الذين خارج التراث الأوروپي يعتبرون أن الأوروپيين المنتمين إلى ثقافات قومية متعددة تربطهم صلة وثيقة بثقافاتهم "الطبيعية" natural. غير أن واقع أنهم منغرزون بعمق في ثقافة هي محتومة، بالنسبة لهم، يجردهم من ذات الحرية التي يمكن أن يتمتع بها الأمريكيون اللاتينيون. إن الحرية هي قدرنا.
وقد أبرز بورخيس حدود وتناقضات هذه الحرية في العديد من القصص المتماثلة جدا في اختلافاتها: "الجنوب" El Sur، و"النهاية" El fin، و"قصة المحارب والأسيرة" Historia del guerrero y de la cautiva. وسنرى الآن كيف تكشف هذه القصص بعض الموضوعات الرئيسية في أدب بورخيس.
وتتناول "النهاية" معنى ومكان الثقافة الأرجنتينية وتحاول الإجابة عن السؤال الآتي: ما هي العناصر التي تشكل الأدب الأرجنتيني، وكيف يرتبط الأدب الأرجنتيني بالأدب العالمي؟ وهي كاشفة أيضا فيما يتعلق بإحساس بورخيس بامتلاك ماضٍ أدبي وثقافي: الطرق التي يُحوّر بها تراثا ثقافيا.
وكان على الطليعة الأرجنتينية في العشرينات والثلاثينات، والتي انتمى إليها بورخيس، أن توازن نفوذ بعض الكتاب المهمين جدا، وبصورة خاصة ليوپولدو لوجونيس، الذين كانوا يتبوأون مركز النظام الأدبي. والحقيقة أن لوجونيس لم يكن فقط الحداثي modernista الأكثر أهمية، النِّدّ الوطني لداريو، بل كان أيضا المثقف الأبرز والأكثر نفوذا. وباعتباره الشاعر المتوّج، كان لوجونيس يمثل ما كانت تنفر منه الطليعة الأدبية، وما كان ينفر منه بورخيس نفسه: القوافي الأنيقة، الصور الفخمة، الغرائبية البالغة التنميق، الإثارة الجنسية المنحطة. وكشخصية عامة، أكد لوجونيس بوقار تفوقه واستغل على نطاق واسع نفوذه الهائل في إصدار الأحكام على قيمة الأدب المعاصر. وكان ينشر في الجريدة الذائعة الصيت لا ناثيون .La Nació-;-n وكانت آراؤه الأشد تباينا حول موضوعات كثيرة مختلفة يجري تبنيها باعتبارها موثوقة وكانت النخبة الاجتماعية والثقافية، بما فيها رئيس الجمهورية ووزراؤه، يحتشدون في محاضراته، التي كانت بمثابة أحداث كبرى في الحياة الثقافية لبوينوس آيرس.
وفي 1916 ، قدَّم لوجونيس تفسيرا واسع التأثير للغاية للقصيدة الجاوتشية، مارتن فييرو، التي كتبها خوسيه إيرنانديث Herná-;-ndez José في القرن التاسع عشر، والتي قرأها لوجونيس على أنها ملحمة قومية.(2) وفي نظر لوجونيس، كان الجاوتشو مارتن فييرو، الشخصية الرئيسية في القصيدة، رمزا للسجايا والقيم الأرجنتينية. وقد اكتسبت هذه الأسطورة قوتها من ذات واقع أن الجاوتشو، كأعضاء ينتمون إلى سكان ريفيين أحرار فقراء لم يتم دمجهم بالكامل في سوق العمل لكنْ كان يتم إكراههم على دخولها وفقا لاحتياجات استغلال بدائي جدا لسهول الپامپا، وإلا تم تجنيدهم في الجيش للدفاع عن الحدود ضد الإغارات الهندية، لم يعودوا يوجدون في السهول. كانوا قد اختفوا، ليحلّ محلهم الأجراء الريفيون الذين عملوا في المزارع الكبيرة estancias، وحذقوا المهارات التقليدية لآبائهم وأجدادهم بالسكين، وحبل صيد الأبقار، والحصان، غير أنه كان لم يعد لديهم شيء من تمرد وعصيان الجاوتشو.
قدّم لوجونيس قصيدة مارتن فييرو (المنشورة في جزأين، في 1872، و1880) على أنها قصيدة رمزية allegory للماضي الأرجنتيني ورمز للجوهر الأرجنتيني. وكان هذا تلفيقا مناسبا لتلك الفترة التاريخية. ذلك أن المهاجرين القادمين من إيطاليا، وكذلك من ألمانيا وأوروپا الوسطى، كانوا يصلون بالآلاف إلى بوينوس آيرس، وكان المثقفون قلقين إزاء مستقبل ثقافتهم ومستقبل ما أخذ بعضهم يسميه "العِرْق الأرجنتيني"، الذي كانوا يعنون به النخبة وذلك القسم من سكان الطبقة العاملة الذين يمكن تتبّع أصولهم إلى العهد الاستعماري الكولونيالي. وقد اعتاد الناس أن يحفظوا القصيدة الجاوتشية مارتن فييرو عن ظهر قلب، وكان يتم تدريسها في المدارس جنبا إلى جنب مع الرواية الرسمية للتاريخ المحلي التي كان الجاوتشو وفقا لها يبذلون أرواحهم عن طيب خاطر في حروب الاستقلال ضد إسپانيا فلا يكون جزاؤهم إلا عدم الاستقرار الاجتماعي، فيما وسَّعت الدولة القومية سيطرتها على كل أراضي الأرجنتين، حيث قامت بتصفية المقاومة الإقليمية وشنت حملات إبادة جماعية ضد الهنود. وقدَّمت القصيدة الأساس لإعادة تنظيم أسطورية لتاريخنا في القرن التاسع عشر ولنموذج لا يقل أسطورية للجنسية (القومية) nationality. وكثيرا ما كان يستشهد بثيمات من مارتن فييرو وكثير من مقاطعها، ليس فقط أعضاء من السكان الكريوليين بل أيضا مهاجرون اتخذوا الجاوتشو رمزا للجنسية(القومية) التي كانوا يحاولون فهمها والاندماج فيها.
اعتبرت النخبة الكريولية، التي ينتمي إليها بورخيس، أن مارتن فييرو قصيدة ينبغي أن تتبوأ مكانتها عند الأصول الأسطورية للثقافة الأرجنتينية وأنها، في الوقت نفسه، نصٌّ مكرَّس كقاعدة معيارية canonical. وكان الجاوتشو بوصفهم كذلك قد اختفوا، غير أن فضائلهم امتزجت في الشخصية الأرجنتينية وكان من الممكن تقديمهم كنموذج ومرشد للاندماج الأيديولوجي والثقافي للمهاجرين. والواقع أن الجاوتشو مارتن فييرو لم يكن مجرد شخص مفعم بالفضائل. وفي قصيدة خوسيه إيرنانديث، أساءت إليه الشرطة، وفقد أسرته وممتلكاته القليلة، وصار طريدا للعدالة. وكان قد حارب الهنود بعد تجنيده الإلزامي في الجيش الحدودي، حيث لقي بؤسا وظلما أكثر. وكان قد هرب وفرّ إلى منطقة الهنود لكي يتفادى عواقب هذه الجريمة وعواقب أعمال أخرى، ليست كلها مشرفة. كان قد قتل دون سبب واضح، واستفزّ إلى مبارزات دون دافع جلي، وأهان أناسًا بدافع الاستئساد أو بسبب السُّكْر، كما كان الحال في حادثة الجاوتشو الأسود الذي يواجه مارتن فييرو أخاه في نهاية المطاف في قصة بورخيس. وعلى وجه العموم، كان مارتن فييرو شخصية معقدة، ضحية لنظام جائر وكذلك مقاتلا ريفيا بالسكاكين غير مروَّض. ومن المدهش أن النخبة الكريولية نجحت في تحويله إلى مثال للشخصية القومية (متغاضية عن طبيعته المتمردة)، في حين حوَّله فوضويون من ذوي أصول من المهاجرين إلى نموذج وملهم للتمرد الاجتماعي. وهكذا كان على أيّ شخص يكتب في الأرجنتين في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين أن يبحث ويجاهد في سبيل فهم أسطورة الجاوتشو، سواء ليرفضها، أو يُنقحها، أو يتبناها. وقد استخدم كل من الطليعة والفوضويين اسم مارتن فييرو عنوانا لمجلتين هامتين جدا: الملحق الثقافي لمجلة فوضوية، ومجلة ثقافية، أصدرها في منتصف العشرينات شعراء وكتاب شبان، بينهم بورخيس (انظر الفصل السابع). كان فييرو ميراثا ثقافيا لدى كل شخص تقريبا في المجال الفكري والسياسي شيء يقوله عنه. وكان معنى القصيدة موضوعا لمجادلات وصراعات كثيرة في تكوين الهيمنة الثقافية، وعندما أعادت الطليعة تفسير القصيدة دخلوا في جدال جمالي وأيديولوجي مع القراءة التي تكرسها كقاعدة معيارية canonical التي عبر عنها عدوّهم الأدبي لوجونيس.
ولم يكن بورخيس استثناء. وقد كتب الكثير جدا من المقالات عن مارتن فييرو والأدب الجاوتشي، وتصديرات ومقدمات لطبعات كثيرة من مارتن فييرو، وكتابا صغيرا عن القصيدة في منتصف الخمسينات. وكانت مارتن فييرو أحد هواجسه الأدبية، وحتى في وقت متأخر كالستينات نجده يعلن في الصانع hacedor El أن معارك الحروب الأهلية وحروب الاستقلال يمكن أن تُنْسَى، وأن پيرون Peró-;-n ذاته يمكن أن يُنْسَى ذات يوم، غير أن إيرنانديث كان قد حلم بمبارزة بين اثنين من الجاوتشو سوف تتكرر إلى أجل غير مسمى: الجيوش المنظورة ذهبت إلى حال سبيلها وتبقى فقط مبارزة بائسة؛ هذا الحلم لرجل واحد صار جزءا من ذكريات الجميع".(3)
وفي معارضة لوجهة نظر لوجونيس عن مارتن فييرو باعتبارها ملحمة قومية، يوضح بورخيس أنها تحتوي على عناصر عديدة ذات طابع روائي. فالأبطال الملحميون، فيما يؤكد بورخيس، ينبغي أن يكونوا معصومين؛ أما مارتن فييرو فإنه غير معصوم أخلاقيا، ومن خلال عدم العصمة هذا ينتمي إلى تراث الشخصيات في الروايات. وبخلق هذه الشخصية وصل إيرنانديث بالتراث الجاوتشي إلى نهايته، لأن قصيدته كانت الأكثر كمالا في مجموعة القصائد الجاوتشية ولم يكن بالمستطاع بعدها أن يُكتب إلا أدب جاوتشيّ رديء. غير أنه كان قد ترك أيضا لكتاب المستقبل كِتابا يمكن أن يُقرأ وتُعاد قراءته، ويُعَلَّق عليه وتُعاد كتابته مثل (وفقا لمقارنة بورخيس) الكتاب المقدس وهوميروس.
إذن، من ناحية، كان ينبغي اعتبار مارتن فييرو نصًّا أساسيا من نصوص الأدب الأرجنتيتي. وقد اعتبر بورخيس تفسير لوجونيس عديم الجدوى ومؤسفا بعمق: كان تشبيه الجاوتشو بالشخصيات الهومرية يمثل إحدى أفكاره الأكثر ادِّعاء وحمقا. وكان لا مناص من تحرير القصيدة من العبء الثقيل لملحمة لوجونيس والنقد المبالغ فيه ثم إعادة دمجها في تراث يمكن أن يتضح أنه مُثر للأدب الراهن. والواقع أن القصيدة كان ينبغي قراءتها، ثم تحريرها من القيود الثقيلة للتفسيرات السابقة.
وقد حقق بورخيس هذا بطريقتين: من خلال مقالاته عن مارتن فييرو وقصائد أخرى من مجموعة القصائد الجاوتشية، ومن خلال بعض النصوص القصصية المهمة جدا. وسنبحث هنا هذه الإستراتيجية الثانية: ما فعله بورخيس ب مارتن فييرو في قصصه القصيرة. ورغم أنه يمكن العثور على دلائل في قصص عديدة فقد اخترتُ واحدة، هي "النهاية"، لأنه يبدو لي أنها في آن واحد تُنْهِي مجموعة القصائد الجاوتشية وتعترف بأهميتها في الأدب القومي- رغم أن هذا شيء ما كان يمكن أبدا أن يفعله بورخيس، وكذلك أولئك الأكثر كوزموپوليتانية من الكتاب الأرجنتينيين، بصورة صريحة.
وفي قصة "النهاية"، المكتوبة، في 1944،يصور بورخيس موت مارتن فييرو، في مبارزة. وفي النشيد الأخير من قصيدة إيرنانديث، يفارق فييرو أولاده بعد سماع قصة حياة كل منهم (كانوا قد ظلوا مفترقين طوال عشرين سنة، وكانت فترة عانت خلالها الأسرة كلها). وهم يتفرقون الآن من جديد لأن الحياة المأساوية للجاوتشو، كما يقول فييرو، تمنعه من تأسيس بيت والعيش مع أسرته. وهو طريد للعدالة، لأنه قتل رجلا، أسود Moreno، بلا سبب؛ وهو طريد العدالة لأنه هرب من الجيش عندما كان يخدم على الحدود ضد الهنود. ورغم أن فييرو ندم على جرائمه (التي يعتقد أن المجتمع مسئول عنها جزئيا) وتاب، إلا أنه يعلم أنه ليست لديه فرصة العيش في سلام داخل العالم الكريولي الريفي. ومتقبِّلا قدَر الترحال هذا، يركب مبتعدا، واعدا بأن لا يعاود الظهور وبأن يظل صامتا إلى الأبد بعد ذلك. غير أنه يؤكد، قبل الرحيل، أن كل الأخطاء المقترفة لا مناص من دفع ثمنها، في بيت شعر شهير:
hay plazo que no se cumpla No
se pague. no que deuda ni
كل دَيْن يحلّ أجله لا مفرّ
كل حساب تأتي ساعته لا مفرّ

وفي قصيدة إيرنانديث، ذبح مارتن فييرو الجاوتشو ذا الأصل الأسود، عند مدخل پولپيريا pulperí-;-a [مطعم ومشرب ريفي] بلا أيّ سبب، مدفوعا بمجرد النزوة والتحامل الاجتماعي. وفيما بعد، تحدّاه أخٌ لهذا الجاوتشو الأسود أن يغنّي لكي يكتشف أيهما أفضل في ارتجال الموضوعات الراهنة بمصاحبة جيتار. وفي هذه المسابقة (التي سمّاها الجاوتشو "پايادا" payada) يكون فييرو هو الفائز من جديد. غير أن هناك دَيْنًا أخلاقيا عليه أن يسدده، وأخو الأسود له الحق في أن يتوقع أن يعود فييرو ويمتثل للقانون العرفي للثأر لقتل غير مشروع. وفييرو يعرف هذا ولا يحاول الهرب من قدَره. ومع هذا فإن هذا اللقاء الثاني بين فييرو وأخي ضحيته لا يحدث في القصيدة أبدا.
تخيَّل بورخيس قصته من هذه النقطة فصاعدا، أيْ أنه تخيل ما لم يكتبه إيرنانديث مطلقا، وكتبه بنفسه. لقد مضت سبعة أعوام منذ اليوم الذي غنَّي فيه فييرو "الپايادا" مع أخي الأسود. وفييرو الآن رجل مسن تقريبا، ينتظر الموت دون آمال سوى أمل واحد: أن يموت موتا لائقا. ووفقا لقانون الشرف عنده، يمكن أن يوجد الموت اللائق، في حالة رجل هناك ديون أخلاقية عليه أن يسددها، في مبارزة. ويشاركه الأسود هذا الاعتقاد: رغم أنه لم يقاتل فييرو في المرة السابقة إلا أنه رآه، لأنه كان غير راغب في إجراء مبارزة أمام أولاد فييرو، فهو صبور بما يكفي لانتظار فرصة ثانية. إنه يعرف أنه سيلتقي من جديد بفييرو عما قريب، وهو يعرف أن فييرو سوف يأتي إليه لكي يسدد دَيْنه، لكي يلقى جزاءه عن الجريمة المقترفة عندما قتل فييرو أخا الأسود.
وتبدأ قصة بورخيس بالأسود بمفرده في پولپيريا ينتظر فييرو: إنه يعرف أن فييرو سيفي بهذا الموعد الضمني. وفييرو، من جانبه، لا رغبة عنده في الهرب، لأن المبارزة المحتومة التي ستحدث تُعَدّ طريقة طيبة كأيّ طريقة أخرى لوضع حد لحياته. وهو يعرف أن كل دَيْن لا مفرّ من سداده بطريقة أو بأخرى، والمبارزة طقس عتيق يحترمه: إنها راسخة الجذور في ثقافته وفي حسِّه بالشرف. "القدَر جعلني أقتل والآن، مرة أخرى، وضع سكّينا في يدي"؛ هذا ما يقوله فييرو للأسود عندما يصل، أخيرا، إلى ال پولپيريا. وينهمك الرجلان في حوار يكون الشرف والقدَر موضوعيه الرئيسيين: "كنت واثقا، يا سنيور، من أنني يمكن أن أعتمد عليك"، يقول الأسود. "وأنا عليك"، يردّ فييرو، ويضيف: "جعلتك تنتظر أياما كثيرة، لكنْ ها أنا ذا". ويستدعي الأسود لقاءهما السابق، قبل سبعة أعوام، عندما لم يقبل فييرو المبارزة لأن أولاده كانوا حاضرين. "قلتُ لهم، بين أشياء أخرى، أنه لا ينبغي أن يسفك رجل دم رجل آخر". ويردّ الأسود: "حسنا فعلتَ. بهذه الطريقة لن يكونوا مثلنا".(4)
وهذا كل ما حدث تقريبا: يستدعي كل من الشخصيتين ماضيه، الماضي الذي رواه إيرنانديث في قصيدته في 1872 و 1880. ويكتب بورخيس نهاية لها- ونهاية لمجموعة القصائد الجاوتشية. وعلى هذا النحو، يدمج بورخيس هذه المجموعة في الأدب ويرسم لوحة نهائية لفييرو كرجل مسنّ يوشك على الموت. وفييرو بورخيس، بالاختلاف تماما عن اللوحة التي رسمها لوجونيس للجاوتشو كبطل قومي ملحمي، رجل رزين يحترم قدَره ويعرف أنه لا يمكن عمل شيء لتبديله. غير أنه، بعيدا عن أن يكون نموذجا قوميا، رجل مهزوم لا يمكنه إلا أن ينتظر موتا لائقا. ومن وجهة نظر أخلاقية، تتلاءم هذه النهاية مع ثقافة ريفية، حيث القدرية نوع من الفلسفة الشعبية؛ وحيث الانتقام حق. وبهذا المعني فإن بورخيس يضع يده على البُعْد الأيديولوجي لقصيدة إيرنانديث ويحررها من التفسير الملحمي للوجونيس وأمثاله من الكتاب. إن فييرو ليس بطلا، بل هو رجل راسخ الجذور بعمق في الثقافة البدائية للسهول. والحقيقة أن فييرو، بقبوله لقدَره، يصير شخصية من شخصيات قصص بورخيس.
ومن وجهة نظر أخرى، لِنَقلْ إنها رمزية، يفعل بورخيس هنا ما لم يفعله لوجونيس ولا إيرنانديث: إنه يضع نهاية للمجموعة الجاوتشية، وكأنه يؤكد أن قصيدة مارتن فييرو يجب أن تُعاد كتابتها، بإضافة موت فييرو إلى النهاية المفتوحة لقصيدة إيرنانديث قبل أن يكون بوسعها أن تصير، من جديد، مصدرا منتجا للأدب الأرجنتيني. غير أن إعادة الكتابة هذه تعني أيضا، رمزيا، نهاية فييرو كشخصية ورمز: يسدد فييرو ديونه بموته و قبل كل شيء فإن فييرو يهزمه شخص ما (أسود Moreno، رجل من عِرْقٍ آخر، يُعَدّ أدنى من السلالة الكريولية) ما كان ليهزمه في قصيدة إيرنانديث.
وتمثل علاقات التناصّ بين القصيدة والقصة مفتاحا لأدب بورخيس ولموقفه تجاه الماضي التاريخي والثقافي للأرجنتين. ومرة أخرى، يعلن بورخيس بوضوح في تأمل حول قصيدة مارتن فييرو (في قطعة صغيرة يقوم فيها بإعادة رواية قصة حياة إحدى الشخصيات الرئيسية في القصيدة، الجندي وطريد العدالة لاحقا تاديو إيسيدورو كروث(xvi)) أن قصيدة مارتن فييرو "كتاب رائع؛ أيْ أنه كتاب يمكن أن يكون موضوعه ، ذلك أنه قابل لتكرارات، وروايات، وتحريفات لا تنفد تقريبا".(5)
الروايات والتحريفات: هذه بالضبط هي قراءة بورخيس للتراث الأدبي. أوّلا، كان هناك إيباريستو كارييجو، وكان شاعرا شعبيا ثانويا حوّله بورخيس إلى نوع من الاستباق لأدبه هو؛ ثم جاءت القصص الثانوية التي أعاد حكايتها في تاريخ عالمي للعار وأخيرا هناك إعادة كتابته ل مارتن فييرو، التي يتخذ فيها ما يقول إنه الموقف الوحيد الذي يمكن أن يكون لشخص إزاء التراث: الخيانة. ويتمثل أسلوب هذه الخيانة في معارضة تفسيرات أخرى للنص، وفي العودة إلى إيرنانديث ذاته، وتخطي القراءة المدعية للقصيدة على أنها ملحمة. وهو بهذا يطور في "النهاية" إحدى ثيماته الأكثر ثباتا: أن "المرء" يجب أن يمتثل لقدره، الذي يعيد في صورة قدر داخل قدر en abîme إنتاج المصير الذي عاناه آخرون.
غير أن بورخيس- بتقديم موت مارتن فييرو- إنما يقوم بقتل أشهر شخصية أدبية في الثقافة الأرجنتينية. إنه يغلق القصيدة التي كان إيرنانديث قد تركها مفتوحة: يمثل موت مارتن فييرو في آن معا موت شخصية ونهاية مجموعة- أسطورية أدبية. وبهذه الطريقة، يجيب بورخيس على سؤال أيديولوجي وجمالي: ماذا ينبغي أن يفعل كاتب طليعي مع التراث؟ ويمثل دمج قصته "النهاية" في المجموعة الجاوتشية طريقة أصيلة في التعامل مع هذا السؤال. والحقيقة أن بورخيس لا يرفض الماضي بأكمله in toto، إنه على العكس يتصدى للنص الأهم (النص المقدس) وينسج قصته هو بالخيوط التي كان إيرنانديث قد تركها سائبة في قصيدته. وهكذا تجرى إعادة تصوير، وفي الوقت نفسه تعديل، قصة مارتن فييرو إلى الأبد.

وسأبحث الآن "الجنوب" و"قصة المحارب والأسيرة"، آخذةً كلتا القصتين معا إذ أنه، بمعنى ما، يمكن أن يقرأهما المرء باعتبارهما نسختين مختلفتين من نفس الثيمة. ويُعَدّ خوان دالمان Juan Dahlmann ، الشخصية الرئيسية في "الجنوب"، مثل بورخيس نفسه، نتاج تهجين الثقافات. ومن المعروف جيدا أن جدة بورخيس كانت امرأة إنجليزية انتقلت إلى أسرة كريولية بالزواج من رجل كان، في حوالي 1870، يقود منشأة عسكرية على حدود الإقليم الهندي. كما أن من المعروف جيدا أيضا أن بورخيس أخبر قراءه، في مناسبات عديدة، أنه تربّى في حيّ نمطي من أحياء بوينوس آيرس هو حيّ پالميرو (حيث عاش إيباريستو كارييجو أيضا)، وأنه يتذكر أنه كان يسمع موسيقى الجيتار ويرى الكومپادريتو أو رجال السكاكين الذين كانوا شجعانا بصورة أسطورية وكانوا خارجين على القانون أو حراسا شخصيين لسياسيين محافظين- أو كلا النوعين في الوقت نفسه. وهو يحكي لنا عن بيت طفولته القديم، الذي كانت تفصله عن الشارع البوابة الحديدية ذات المعمار الكولونيالي، و، في تلك البيئة الكريولية التقليدية تماما، عن مكتبة ضخمة لكتب إنجليزية قرأ فيها لأول مرة ألف ليلة وليلة The Arabian Nights (في ترجمة [السير ريتشارد] بيرتون Burton [Sir Richard])، و[روبرت لويس] ستيڤ-;-نسون Stevnson [Robert Louis]، ومارك توين، ودون كيخوته في طبعة إنجليزية أحبها أكثر كثيرا من الأصل الإسپاني. ونحن نعرف أن أول عمل أدبي له، عندما كان في التاسعة أو العاشرة، كان ترجمة قصة لأوسكار وايلد Wilde Oscar نُشرت في صحيفة في بوينوس آيرس وكانت ترجمة متقنة إلى حد أن الجميع ظنوا أن والد بورخيس هو الذي ترجمها.
ومثل جدته الإنجليزية، التي كانت قد عاشت من قبل في قرية متواضعة في قلب سهول الپامپا، محاطة بالإقليم الهندي، يشعر بورخيس بأنه ينتمي إلى هذين العالمين المختلفين جدا: العالم الكريولي لجده العسكري، والتراث الإنجليزي (والأوروپي، بوجه عام) لجدته. وفيما بعد سوف يبلور هذه الأسطورة عن الأصل المزدوج في القصة القصيرة المعنونة "قصة المحارب والأسيرة"، التي تكتشف فيها امرأة إنجليزية، جدة بورخيس، أن امرأة إنجليزية أخرى كان الهنود قد استدرجوها وأسروها قد فضلت، عندما عُرض عليها الاختيار، أن تعود إلى القرية الهندية حيث كان قلبها، وأكثر من قلبها، قد صار مفتونا بوحشية حياة جديدة. إن المرأة الإنجليزية مفتونة ب، وفي الوقت نفسه مرتعبة من، هذا التبني لثقافة مختلفة، وغريبة من كل النواحي، أو- كما يمكن أن يعبر والدا بورخيس وبورخيس نفسه- من هذه العملية من التحول إلى امرأة بربرية:
ربما أحست المرأتان للحظة بأنهما أختان؛ فقد كانتا بعيدتين عن جزيرتهما المحبوبة وفي بلد عجيب. تفوهت جدتي بسؤال من نوع ما؛ وأجابت المرأة الأخرى بصعوبة، باحثة عن كلمات ومرددة إياها، وكأنما أدهشتها نكهتها القديمة. ذلك أنها لم تتكلم لغتها الأصلية على مدى خمسة عشر عاما ولم يكن من السهل عليها أن تستعيدها. قالت إنها كانت من يوركشاير، وإن والديها كانا قد هاجرا إلى بوينوس آيرس، وإن الهنود قد اختطفوها وإنها الآن زوجة زعيم أنجبت له إلى الآن ابنين، وإنه شجاع جدا. كل هذا قالته بإنجليزية ريفية، مختلطة بالأراوكانية Araucanian أو الپامپية Pampan، ووراء قصتها كان يمكن أن يلمح المرء حياة وحشية: مخابيء من جلد الخيل، والنيران الموقدة من السماد الجاف، وأعياد اللحوم المحروقة أو المصارين النيئة، والنهب، والحروب، والهجمات الكاسحة على المزارع الكبيرة haciendas من جانب الفرسان العراة، وتعدد الأزواج، والروائح الكريهة، والمعتقدات الخرافية. لقد نزلت امرأة إنجليزية بنفسها إلى مستوى هذه البربرية. ألحت عليها جدتي، وقد حركتها الشفقة والصدمة، أن لا تعود. وأقسمت على أن تحميها، وأن تستعيد أطفالها. ردت المرأة بأنها سعيدة وعادت في تلك الليلة إلى الصحراء.(6)
ويعتقد بورخيس بوضوح أن عبور حدود ثقافية والعيش على حافة حدود (ما يسميه هو في شعره الحواف (las orillasيمثل نموذجا ليس لقصة الأسيرة فحسب بل له هو، وككناية metonymically للأدب الأرجنتيني. ويمكن التعبير عن الأسيرة الإنجليزية بمجاز تناقض لفظي oxymoron: جنية، زرقاء العينين، امرأة هندية. وفي بداية "قصة المحارب والأسيرة"، يستشهد بورخيس ببنيديتو كروتشه Benedetto Croceالذي كان بدوره قد استشهد بمؤرخ لاتيني حول موضوع دروكتولفت Droctulft ، المحارب اللومباردي الذي، "أثناء حصار راڤ-;-ينّا، ترك رفاقه ومات وهو يدافع عن المدينة التي كان قد هاجمها من قبل".(7) ويعترف بورخيس بأنه ظل أعواما حائرا إزاء- ومتعاطفا بصورة غريبة حقا مع- قرار دروكتولفت. فقط عندما انتهى إلى الربط بين هذه القصة وبين قصة جدته الإنجليزية استطاع أن يدرك المعنى الذي تضمنه استعمال المفرد "قصة" (وليس "قصص") في عنوان نصه. إن دروكتولفت لم يكن خائنا، بل كان معتنقا (مهتديا) جديدا:
تأتي به الحروب إلى راڤ-;-ينّا وهناك يرى شيئا لم يره من قبل مطلقا، أو لم يره تماما. إنه يرى النهار، وأشجار السرو، والرخام. يرى الكل الذي لا يتمثل تعدده في الفوضى، يرى مدينة، كائنا عضويا يتألف من تماثيل، ومعابد، وحدائق، وحجرات، ومدرَّجات مسارح، وزهريات، وأعمدة، ونطاقات منتظمة ومفتوحة. لم يترك فيه (إني أعرف) أيّ من هذه الإنشاءات أيّ انطباع بأنه جميل؛ لقد تأثر بها كما قد نتأثر اليوم بآلية معقدة قد لا يمكن أن نسبر غور الهدف منها ولكن ربما أمكن حدس ذكاء خالد في تصميمها. (8)

وكانت الأسيرة الزرقاء العينين أيضا معتنقة (مهتدية) جديدة، مع أن معنى تبنيها للثقافة الهندية كان يمكن أن يبدو لنا (لكن ليس ل "ذكاء خالد") أنه النقيض لموقف دروكتولفت. لقد اختار كل من المحارب والأسيرة أن يهجرا عالمهما مسحوريْن بآخرية لم يفهماها.
ويستخدم بورخيس نفس الثيمة في قصته "الجنوب". إن خوان دالمان، الشخصية الرئيسية للقصة هو، مثل بورخيس، سليل أسلاف مختلطين. إذ كان جده يوهانس دالمان Johannes Dahlmann قسيسا بروتستنتيا من أصل ألماني وكان أبو أمه، فرانثيسكو فلوريس Francisco Flores ، رجلا عسكريا كريوليا من أصل إسپاني كان قد حارب ضد الهنود. وكان دالمان- مثل بورخيس في الأربعينات عندما كُتبت هذه القصة- أمين مكتبة مغمورًا ذا عواطف كريولية مبهمة وكان يحتفظ، وإنْ ببعض الصعوبات الاقتصادية، بالمنزل الريفي لمزرعة كبيرة كان قد ورثها في جنوب إقليم بوينوس آيرس. ومثل بورخيس أيضا، يُولَع دالمان بالكتب القديمة والطبعات النادرة. وذات مساء، عندما يصل إلى البيت ومعه مجلد من ألف ليلة وليلة، يصاب دالمان بجرح في رأسه إذ يصطدم بنافذة مفتوحة غير منتبه أثناء صعوده على السلالم إلى مسكنه. والجرح في جبهته عميق وخطر. ويتلوث الجرح ويصاب دالمان بحمى. وبعد أيام عديدة من فقدان الوعي والهذيان، يعلن الأطباء أنه تجاوز مرحلة الخطر. وفي حالة من الضعف والتشوش، يقرر أن يقضي بعض الوقت في المزرعة، التي لم يزرها منذ أعوام.
وعند هذه المرحلة تأخذ القصة اتجاها غير متوقع. يكتب بورخيس: "الواقع يُؤْثر تماثلات مع قليل من المفارقات".(9) وتنقلب قصة مرض دالمان إلى قصة شفائه المستحيل، لأنه سيتم توضيح أن قراره بأن يتجه جنوبا، إلى داخل السهول، أخطر كثيرا من جرحه الجسماني الذي التأم بالفعل تقريبا.
يأخذ دالمان قطارا ويحمل معه مجلد ألف ليلة وليلة الذي كان يقرأه في مساء الحادث الذي وقع له. ومع هدهدة حركة القطار، ورتابة المشهد، والابتهاج الطفولي الذي أحدثته الرحلة، يردد لنفسه بصورة متواصلة أنه في اليوم التالي سيكون في المزرعة، في قلب سهول الپامپا، في عمق الجنوب، حيث كان الجاوتشو، الهنود والرجال العسكريون، ذات يوم يحاربون آخر معاركهم أو آخر مبارزاتهم. "كانت الوحشة كاملة وربما معادية وكان بوسع دالمان أن يبدأ في الارتياب في أنه يتجه جنوبا بل أيضا نحو الماضي". وتبدأ بعض التفاصيل الغريبة، مثل "إزاحات صغيرة"، التأثير في هذه السعادة الكاملة تقريبا: لا يقف القطار في المحطة المعتادة وينزل دالمان في مكان مجهول، حيث يقال له إنه سيكون من الممكن له أن يذهب إلى مزرعته بسيارة أو عربة. ويقبل دالمان، كما يقول بورخيس، هذا التغيير "باعتباره مغامرة صغيرة".(10) ويصل إلى پولپيريا حيث يلاحظ عددا من الجاوتشو الذين يذكّرونه بالأطباء والممرضات الذين قاموا برعايته أثناء مرضه. وتشوش الواقعَ تماثلات ومصادفات، غير أنه لا يظهر شيء شاذ للوهلة الأولى من هذا التشوش. ويفسر دالمان هذه التغيرات الصغيرة، والأشكال الغريبة من التعرف أو عدم التعرف، واندياحات الضوء على أنها أشياء تحدث بصورة مستقلة عن رغبته في تغيير أو قبول شيء. ويستسلم للمسار المجهول والممتد لمصيره. وجالسا إلى مائدة في پولپيريا، منتظرا أن يقدموا له عشاءه، تحت مراقبة جاوتشو لا ينتمون إلى الزمن الراهن (تجري القصة في 1939 ويرتدي هؤلاء الجاوتشو ملابس القرن التاسع عشر)، ولا يبدون مع هذا في غير مكانهم الصحيح، يتعشى دالمان بالسردين واللحم البقري المشوي والنبيذ الأحمر القوي.
"فجأة أحس دالمان بشيء يمس برفق وجهه. وبجوار الكأس الثقيل من النبيذ المعكر، فوق تقليمة في مفرش المائدة، استقرت كرة من كسرة الخبز قذفها شخص ما. كان هذا كل شيء". كان من الجلي أنه يجري استفزاز دالمان، غير أنه كان ينبغي أن لا يعرف أحد مَنْ هو، أو على الأقل ماذا يتصور، إلى أن يسمع اسمه: "سنيور دالمان، لا تُعر اهتماما لهؤلاء الأولاد؛ إنهم أنصاف سكارى".(11) ويحسم دالمان أنه لم يعد يمكن، الآن وقد عرف الناس مَنْ هو، أن يتجاهل الإهانة ويتفادى الصراع، لأن الناس سيقولون إنه تصرّف كجبان أمام حفنة من الجاوتشو السكارى.
وعلى الفور تغدو المعرفة اليقينية بأنه سيقاتل جلية، ومحتومة، وعبثية. يُلقي شخص في ال پولپيريا، وكان جاوتشو مسنا جدا، سكينا نحو قدميه؛ يلتقطه دالمان ويخرج إلى الليل ليخوض مبارزة- مواجها بهذا قدره الأمريكي الجنوبي. "بدا وكأن الجنوب قد قرر أن دالمان يجب أن يقبل المبارزة".(12) وعندما ينحني ليأخذ السكين، يحس بأن "فعلا غريزيا تقريبا قد حكم عليه بالقتال" وبأن "السلاح في يده التي أصابها الخدر لم يكن مطلقا للدفاع بل كان سيصلح فقط لتبرير قتله". ومع هذا تنتهي القصة على هذا النحو: "متشبثا بحزم بسكينه، الذي ربما كان لا يعرف كيف يقبض عليه ويستخدمه بمهارة، خرج دالمان إلى السهل".(13)
ومثل مارتن فييرو في "النهاية"، يقبل دالمان قدره. غير أنه على خلاف مارتن فييرو، الذي لا يمكن إلا أن يتصرف وفقا للعرف الأخلاقي الوحيد الذي يعرفه، قام دالمان بصنع قدره عبر اتخاذ خيارات صغيرة من بين الإمكانيات التي قدمها له أصله المزدوج: كان مولودا في العالم الكريولي الريفي، وهو يختاره ببساطة منقادا للنزوة التي تحولت إلى مصير. وكما في قصة المرأة الإنجليزية الأسيرة التي تقرر العودة إلى القرية الهندية وترفض تعاطف جدة بورخيس فإن دالمان، عندما يتجه جنوبا، إنما يبدأ في قبول جانب من تراثه، تراث جده فرانثيسكو، والحقيقة أنه، عندما يفكر في أن يتجه جنوبا، إلى المزرعة، ليستعيد صحته، إنما يتجه جنوبا ليستعيد صورة ماضيه. وهذا، أيضا، معنى "المفارقات الطفيفة": الجاوتشو يرتدون ثياب القرن التاسع عشر، البيئات البدائية ذاتها، الرجل المسن، رمز- "شفرة"، كما يقول بورخيس- يقدم سكينه لدالمان، موجها إياه صوب قدره: قبول تراث، ولكنْ أيضا قبول الموت.
ومن الجلي أنه يمكن النظر إلى هذه التفاصيل على أنها دعائم الأدب الفانتازي: إبهام الزمان والمكان، والأشكال الزائفة من التعرف أو عدم التعرف، والتماثلات، والمراجع المشوشة. غير أن هذا جلي. وما أحاول أن أقوم به هنا هو أن أنظمها ضمن نموذج "نظري" يمكن أن يكشف معنى ومكانة الأدب الأرجنتيني، والطريقة التي يمكن أن يصل بها المرء إلى قلبه وإلى حقيقته نفسها المنطوية على الخطر.
ومثل المرأة الإنجليزية الأسيرة، تستحوذ على دالمان القوة الرمزية للبدائية، لأن ما يمكن التفكير فيه على أنه بدائي يتوافق مع مجموعة من القيم والتقاليد (احترام القضاء والقدر، قبول المصير، الشجاعة الجسدية) التي تفتقر إليها الثقافة الحديثة. وفي كلتا القصتين، ينتقم البُعد الكريولي أو الهندي من النطاقين الحضري والمتعلم. وفي كلتيهما، تجري إعادة فتح الشخصيات الرئيسية عبر السحر الذي تمارسه البربرية عليهما. ويقبل دالمان، أمين المكتبة الذي يبحث في الجنوب عن شيء ما أكثر من مجرد شفاء صحته، المبارزة الكريولية التي تستعصي على الفهم مع غريب بلا سبب أو على الأقل بلا سبب يمكنه أن يسميه. وتختار الأسيرة الإنجليزية العودة إلى المستوطنة المحلية، منجرفة ب "دافع خفي، دافع أعمق من السبب"(14).
ويشتغل الأدب على مادة هذا الدافع الذي يرشد بورخيس أيضا في ابتكاره الشعري المتمثل في الحواف las orillas، الحدود بين المدينة والريف، أو بين عالمين: أوروپا وأمريكا اللاتينية، الكتب، والزعماء caudillos أو الكومپادريتو compadritos ، أسلافه الإنجليز والدم الكريولي. والحقيقة أن شيئا ما في الماضي الأرجنتيني يرتبط بعمق بهذه الثقافة الريفية، التي يضعها بورخيس في مقابل التراث الحضري، والمتعلم، والأوروپي. وما من أصل من هذين الأصلين يمكن قمعه أو إلغاؤه تماما؛ وما من أحد منهما يجب التشديد عليه إلى حد طمس الآخر. غير أن تعايشهما لا ينتهي إلى تناسق كلاسيكي بل إلى صراع.
وهذا التوتر الناشيء عن الأصل المزدوج ماثل في صميم الأدب الأرجنتيني. وهو ماثل داخل دالمان، القادر على الاستشهاد بمقاطع من مارتن فييرو عن ظهر قلب، وكذلك على معرفة قِيمة طبعة نادرة أو رائعة من ألف ليلة وليلة. وقد سحر كلا الكتابين بورخيس. ويقدم له كل منهما قالبا لعدد هائل من القصص، التي يمكن قراءتها وإعادة قراءتها في نصوص جديدة. ولا حاجة إلى القول إن ألف ليلة وليلة هي أيضا ترجمة، الصورة التي يتخذها نصّ شرقي كلاسيكي في لغة أوروپية. وبطريقة ما تمثل الترجمة أيضا مشكلة الأدب الأمريكي اللاتيني، على الأقل من وجهة نظر بورخيس: بلده مكان طرفي (هامشي) بالمقارنة بالتراث الأدبي الغربي، ووضع كتابها في حد ذاته إشكالي. ويقودهم واقع أنهم لا يتعرفون في إسپانيا على بلد أم ثقافي إلى ربط أدبهم القومي بآداب بلدان أوروپية أخرى. غير أن واقع أنه يوجد أيضا تراث ثقافي محلي لا يبسّط هذه العلاقة. وعلى مدى أعوام تناول بورخيس هذه المشكلة بطريقة رمزية وإلى حد ما تهكمية. وهو، مثل دالمان، يحفظ عن ظهر قلب مارتن فييرو التي تخصه (وأعاد كتابة بعض مشاهدها)؛ وهو مثل دالمان يعرف قيمة التراث الكريولي؛ وهو مثل دالمان يمزج هذا التراث في مزيج أوروپي. وهو يعرف أن الماضي الكريولي لا يجب البحث عنه بل الحصول عليه، لا يجب تبنيه بل تلقيه- وهذا الاقتناع يمنحه رأيا، أيضا، حول دمج المهاجرين الجدد في الثقافة الأرجنتينية.
و"الجنوب" في آن معا مأساوية وتهكمية. وهي تحمل إنذارا مزدوجا: قد يكون المزيج الثقافي قدرنا، غير أنه ينطوي على خطر. ويتمثل أحد أخطاره في إضفاء الطابع الرومانسي المهذب على الماضي الكريولي وهذا يفضي إلى نوع من الأدب الريفي، القائم على تصوير المناظر، الذي يرفضه بورخيس ويتفاداه في ممارسته القصصية والنقدية. يكتب بورخيس: "عُمْيانَ عن كل خطأ، يمكن أن يكون القدر قاسيا لا يرحم عند أدنى حالة شرود من المرء".(15) وربما كانت هذه الجملة تشير إلى حالة الشرود العقلي لدالمان عندما يصعد السلالم إلى مسكنه، غير أنه قد يكون من الممكن أيضا قراءتها على أنها استباق تهكمي لمصيره. ومصعوقا بروعة المناظر الطبيعية للبيئة الريفية التي طالعته، لا يستطيع دالمان أن يقاوم سحر نهاية كريولية لحياته، يمكن النظر إليها ليس على أنها قدر فحسب بل أيضا على أنها عقاب على بوڤ-;-اريته Bovarism وكلتا النهايتين ممكنتان على قدم المساواة في تهكم متعدد الطبقات للقصة.
ويمكن وصف نموذج الأدب الأرجنتيني عند بورخيس على أنه يتمثل في التنظيم الأوروپي لتراث أمريكي وليس على أنه سيادة السمات المحلية على الثقافة الأوروپية أو المجلوبة. وقد حاولتْ قراءتي ل "الجنوب" أن تقدم، في حدوده الرمزية، هذا المزيج الثقافي الذي لا يقدم أبدا نهاية سعيدة بل يقود بالأحرى إلى الصراع. ولموت دالمان مغزى مهم ليس فقط لأنه يتم تقديمه تحت سماء سهول الپامپا وفي مبارزة كريولية (وهذا انقلاب درامي مفاجيء peripeteia جرى استباقه في مارتن فييرو)، بل أيضا لأن أمين مكتبة والحفيد لراعٍ بروتستانتي أوروپي هو الرجل الذي يتحقق من خلاله القدر على هذا النحو. ويقول بورخيس إن دالمان قد صقل "كريولية" criollismo طوعية ولكنْ غير متباهية أبدا" كانت ملائمة لرجل من المدينة وقارئا ل ألف ليلة وليلة- وهو، على كل حال، غريب على البُعد العتيق (الذي ربما أحدثه هذيانه) لل پولپيريا الفقيرة حيث كان عليه أن يتلقى التحديات إلى مبارزة. والحقيقة أن تحقيق هذا التغاير (وهو مجاز تناقض لفظي حقيقي، مثل المرأة الهندية الجميلة الزرقاء العينين) يُحيل ليس فقط إلى الأصل المزدوج لدالمان وبورخيس، بل للثقافة الأرجنتينية ذاتها.
والمزيج في آن معا لا غنى عنه وإشكالي. وبورخيس بعيد تماما عن الحلول التركيبية السلمية التي يمكن أن تحول الأرجنتين إلى الفضاء الشاعري لبوتقة انصهار ثقافي. إن كل أدبه، على العكس، ممزق بأحاسيس الحنين, لأنه يدور على الحد بين عالمين، على خط يفصلهما ويربط بينهما، غير أنه، عبر وجوده ذاته، يكشف عدم أمان الصلة. وبهذا المعنى، ينتمي أدب بورخيس إلى حافة بين أوروپا وأمريكا؛ إنه يكشف المسافات والتحولات، بنفس الطريقة التي يفصل بها نقش الكتابة مسافات الصفحة عن مسافات الحياة(16).
إشارات

1: ”Dulcia Linquimus Arva”, in J.L. Borges, Selected Poems, 1923-67, London 1972, pp. 49-51.
2: Leopoldo Lugones, El payador, Buenos Aires n.d.
3:J.L.Borges, El hacedor, Buenos Aires 1960, p. 38.
4: كل هذه الاستشهادات من قصة "النهاية" The End في: J.L. Borges, A Personal Anthology, London 1972, pp. 137-8.
5: قصة "سيرة تاديو إيسودورو كروث " Biography of Tadeo Isodoro Cruz في: A Personal Anthology, p.132.
6: "قصة المحارب والأسيرة" The Warrior and the Captive في: Labyrinths, London 1970, pp. 161-2.
7: Ibid., p.
8: p. 160. Ibid., 9: قصة "الجنوب" The South في: A Personal Anthology, p.113.
10: Both quotations, ibid., p. 15.
11: For both quotations, ibid., pp. 16-17.
12: Ibid., p. 17.
13: Ibid., pp. 17-18.
14: "قصة المحارب والأسيرة": p. 162
15: "الجنوب":p. 12 .
16: العبارة من إدوارد سعيد في: Edward Said, Beginnings, New York 1986, p. 237.
إشارات أسفل الصفحات

* الفصل الثالث
xvi: في قصة: سيرة تاديو إيسيدورو كروث 1829- 1874 Biografí-;-a de Tadeo Isidoro Cruz 1829-1874- المترجم.



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورخيس كاتب على الحافة 4: بورخيس والأدب الأرجنتينى
- بورخيس كاتب على الحافة 3: صورة عامة لبورخيس
- بورخيس كاتب على الحافة 2: مدخل لمؤلفة الكتاب
- بورخيس كاتب على الحافة 1: مقدمة چون كينج
- أحلام مُحالة إلى التقاعد
- المثقف والسلطة بين التناقض والتحالف
- الرسوم المسيئة وتأجيج الإسلاموفوپيا
- الثورة الشعبية بين سياقين تاريخييْن مختلفين
- نحو نظرية علمية للثورات الشعبية
- زيارة جديدة إلى ثورة يناير
- العيد الرابع لثورة يناير
- الطابع القانونى للثورات
- تسييس محاكمة مبارك؟
- الثورات الشعبية عفوية بالضرورة
- انظر أمامك فى غضب
- مفهوم جديد للثورة الشعبية
- تسييس محاكمة مبارك وعصابته
- تهجير رفح المثير للجدل
- مصير الثورات الإسلامية الراهنة
- تاريخ وتحليل الثورات الشعبية فى مصر عند لويس عوض


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - بورخيس كاتب على الحافة 5: التراثات وصراعات التجديد عند بورخيس