أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أدباء دمروا الأدب الفلسطيني محمود درويش















المزيد.....

أدباء دمروا الأدب الفلسطيني محمود درويش


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4638 - 2014 / 11 / 19 - 11:40
المحور: الادب والفن
    


كان أول لقاء ما بيننا في أوائل السبعينات، على سطح مقهى غير بعيدة عن قوس النصر، لم يكن محمود درويش معروفًا، لم تكن صوره في كل الجرائد، لكني أول ما رأيته من بعيد، أومأت قصيدته إليه، فكانت دهشة الشاعر كبيرة: كيف عرفتني؟! كلمتان دمغتا كل شخصية محمود درويش فيما بعد وكل مسيرته الأدبية: الشخص أم القصيدة؟ رافقته إلى فندق آخر في الحي اللاتيني، حسب طلبه، لأنه الحي اللاتيني، ولأن الفندق ثلاث نجوم بدل اثنتين، ومنذ تلك الساعة تعامل النظام العربي مع "الشاعر الكبير" محمود درويش: فندق خمس نجوم للشاعر الكبير محمود درويش، تذكرة طائرة درجة أولى للشاعر الكبير محمود درويش، مطعم عشر نجوم للشاعر الكبير محمود درويش، أكبر قاعة للشاعر الكبير محمود درويش، أفخم سيارة للشاعر الكبير محمود درويش، أجمل وأعرق امرأة للشاعر الكبير محمود درويش: زواج الشاعر الكبير دام عشرة أشهر من بنت عائلة أرستقراطية عمها نزار قباني وشهرة الشاعر الكبير دامت حتى موته... على حساب قصيدة الشاعر الكبير. الآن وقد مات الشاعر الكبير، ماتت قصيدة الشاعر الكبير معه، فلا أحد يتكلم عن قصيدة محمود درويش، لأن حضورها كان من حضور الشاعر، حضور عُنِيَ بفبركته الإعلام العربي على أكمل وجه، ولأن هذه القصيدة لم تكن كبيرة كالشاعر الكبير، قصيدة صغيرة أمها الطبلة وأبوها الدف، أغنية من أغاني الشيخ حسب الله، قصيدة جميلة لأنها لشاعر جميل، صوته وحركته هما المعيار، ولهذا كان جمهوره كثير الكثير، لأن هذا محمود درويش، لا لأن هذه قصيدة محمود درويش، كما لو كان المطرب محمود درويش، كالمطرب عبد الحليم حافظ. وتأكيدًا لكلامي، في "حفلاته" الأخيرة كان عليك لزوم ما لا يلزم، أن تدفع، وكان عليه لزوم ما يلزم، أن يصاحبه، في البداية، البيانو (أداة موسيقية بورجوازية عقدة محمود درويش الأزلية)، ثم بعد ذلك العود والدربكة.

حللت مديح الظل العالي تحليلاً أكاديميًا وبشهادة محمود درويش كما لم يحلل أحد (الدراسة موجودة في موقع الحوار المتمدن)، لكني كنت واقعًا تحت تأثير الحرب في بيروت، فحمّلت النص أكثر مما يحتمل، وكانت الفائدة لطلابي من ناحية المنهج الذي اتبعته والأدوات النقدية التي استعملتها، وهذا اعتراف مني للإقرار بالكثير من الأشياء التي تقال لأول مرة:

ليكون الشعر شعرًا على الشعر أن يكون كالجواد الجموح صعب الترويض أو لا يمكن ترويضه، وللشعر الجموح شرط الجديد دائمًا وأبدًا، تكتبه قبل مائة عام، ألف عام، وتقرأه كأنه كتب اليوم، وكأن القصيدة لا زمن لها، وكأن الزمن جسد القصيدة. وبدوره، للجديد شرط الشعر الجموح، سلطته كلغة، لا يقدها الشاعر من أديم معجمه اللغوي، وهذه حال كل قصائد محمود درويش، وإنما يصنعها الهاجس الوجودي، فتوجِزُ الكلماتُ أسرارَ الحياة والموت، حتى وإن كان الحديث عن جديلة امرأة ملوثة بالمني، أو حبة تفاح تتعاظل فيها الديدان بالكلام. إنها تلك السلطة الغير المفسرة للغة، لغة ذات إشارات ودلالات ومعان تسقمنا، تتركنا مرضى أمام قوتها وصحتها وتجاوزها لكل طموحاتنا، لما تعتدي على هذه الطموحات، ولا تكفيها أو تدغدغها لتريحها أو تبسطها كما هي حال لغة محمود درويش.

الحكمة لدى محمود درويش تجدها في كل بيت مع كل استعارة –دعوتُهُ في مقال مزلزل أثناء حياته "بطل الاستعارة"- لكنها ليست حكمة الفوضى كما هي لدى رامبو، لدى شاعر عاش في قصيدته "حاضرًا لا يعاش، كما يقول هوبرت حداد، واتهم الغرب المسيحي، غرب الأوهام المميتة، وكأنه شرط الملاك -شرط رامبو- المربوط بجناحيه"، فتجاوز بتمرده كل حدة في ذكائه وإحساسه، وبقصيدته الشعر الروبابيكي، بينا هادن محمود درويش الشرق الإسلامي إلى حد التواطؤ، واخترع قصيدة "تمشي"، في الأسواق الرسمية، ليست الدهشة المتواصلة قوامها كما هي لدى رامبو، ليست الطريقة المستجدة، ليست الفكرة المتيقظة، فالكتابة لدى رامبو "تحرق اللغة والمعارف التي تعبرها دون أن تترك من ورائها شيئًا غير الرماد والانشداه"، كما يضيف هوبرت حداد.

كل القرن العشرين والقرن الحادي والعشرون إلى الغد سيقع فريسة "الجنون الطوعي" لما يدعوه رامبو عند الكلام عن قصائده "بعض وريقات من كراسِ ملعون"، وبالتالي كل الشعر في الكون، فماذا فعل محمود درويش بالقصيدة الكونية؟ ماذا فعل بالقصيدة العربية؟ ماذا فعل بالقصيدة الفلسطينية؟ جعل منها قصيدته الشخصية، تمامًا مثلما جعل ياسر عرفات من القضية الفلسطينية قضيته الشخصية (ليدمر هذا القضية الفلسطينية كما دمر ذاك القصيدة الفلسطينية)، فأناخ بالكلكلة على كل الشعراء الفلسطينيين، ومن حيث لا يدرون قلدوه (اقرأ قصائد طلعت سقيرق الأولى على سبيل المثال)، وتبارزوا بالسيف فيما بينهم، ليهبطوا بالشعر الفلسطيني إلى أحط المستويات، ولا يكون الشعر الفلسطيني شعر الحرية، ومن يقول شعر الحرية يعني الشعر قرضًا، تحت معنى الشعر فنًا، والفكر همًا، تحت معنى الفكر إدراكًا، وإذا ما خرج أحدهم عن الخط الدرويشي، هوجم أو حورب بالحط من أشعاره أو، وهذا أضعف الإيمان، تجاهلته كل الماكينة الإعلامية الرسمية المطبلة (الصحافيون والنقاد وأساتذة الجامعات وماسحو الأحذية)، وعملت على دفنه حيًا، وذلك للإبقاء على قصيدة منفوخة توهم بقيمتها بينما هي فارغة لا قيمة لها. محمود درويش كابن للسلطة، كابن مدلل للسلطة (تقول مطلقته ما معناه "لم أَرُقْ لعرفات لأني أخذت محمود منه")، لا يرى في النظام، النظام السياسي والنظام الأخلاقي وكل نظام، كما يرى بودلير، "نوعًا من اللعنة يدفعنا إلى الجحود الأزلي"، وبالتالي لم تكن قصيدته القصيدة الملعونة القصيدة الوثنية المحررة للإنسان من كافة القيود –في الحالة الفلسطينية الاحتلال أحدها-.

ومن هذه الناحية، تقارع محمود درويش وسميح القاسم: شاعر كبير بالنسبة لشخصه لا لقصيدته، ولتمسحه بأعتاب السلطة، ولبيعه دين ماركس ودين يهوه ودين محمد لمن يشاء، هذا يتوقف على قانون الدفع والطلب، وما كان شعره لأنه مقاوم ولا حبًا بالمقاومة والنضال والكلام الفارغ، وهو الضابط الإسرائيلي القديم، وهو الشيوعي بقرار اتخذه الرفاق بخمس دقائق في سجن وجد سميح القاسم نفسه بالصدفة فيه، وهو من رواد شارع العاهرات كما وشى محمود درويش به في إحدى قصائده عنه، ولكن لأن قصيدة المقاومة ستشهره كما أشهرت محمود درويش، لأن قصيدة المقاومة كانت عالموضة، كأية تقليعة، لا كهاجس وجودي، كما كانت الرواية لدى سيلين، والكل يعلم من هو سيلين، ذو الميل النازي. حتى قبل مماته، اشترى ربوة –أو اشتروها له- ليُدفن عليها، لأن محمود درويش اشتروا له ربوة دفنوه عليها. سميح القاسم ترك من ورائه عشرات وعشرات الكتب تغطي بسطورها كل حيفا وكل يافا وكل اللد وكل الرملة، وليس منها سوى كتاب واحد يستحق القراءة "إلى الجحيم أيها الليلك" وثلاث قصائد أو أربع، والباقي يعرف القارئ أين من الجدير إلقاؤها. وعلى الرغم من ذلك، تجاهلتُ كونه نظامًا شعريًا دمره محمود درويش الوهم والسلطة والنفوذ، وراهنت على وثنية كنت أقول لم تزل تطارده مطاردة الفريسة للصائد، فحاولت معه ما لم أحاوله مع أحد، رجوته، وألححت في رجائي، ليكتب شيئًا يكون نادرًا بالفعل، عن درزيته، ووعدت نفسي برائعة لو فعل، إلا أنه فضل رقعة "شاعر العروبة" التي ألصقها بنفسه، وسيلصقها به ورثته –بلا حياء- إلى الغد، دون أن يأخذوا إذنًا من العرب، فماذا لو عرفوا ما يقوله العرب عن أبيهم في الأردن، في مصر، في سوريا، في لبنان، في كل مكان من هذا الوطن العربي البطيخي، وفي العراق؟ طبعًا كل من يكتب باللغة العربية هو آليًا شاعر عروبة، وكل من يعرض لقضية عربية هو فرضيًا شاعر عروبة، حتى الحديث عن فرج المرأة العربية، إذا كان المحدث شاعرًا فهو شاعر عروبة، وإذا كان إسكافيًا فهو إسكافي عروبة، فهل يكفي هذا الشعر؟ هل تكتفي بهذا الشاعرية؟


باريس الأربعاء 2014.11.19




#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستويات المعنى في قصيدة -الزورق العليل- لحميد كشكولي
- بنية الخبر في قصة -انتفاضة- لنبيل عودة
- العجوز النص الكامل نسخة مزيدة ومنقحة
- تحليل العجوز للمستعرب الكبير دانيال ريج
- العجوز الحلقة السابعة والعِشرون والأخيرة
- العجوز الحلقة السادسة والعِشرون
- العجوز الحلقة الخامسة والعِشرون
- العجوز الحلقة الرابعة والعِشرون
- العجوز الحلقة الثالثة والعِشرون
- العجوز الحلقة الثانية والعِشرون
- العجوز الحلقة الحادية والعِشرون
- العجوز الحلقة العِشرون
- العجوز الحلقة التاسعة عشرة
- العجوز الحلقة الثامنة عشرة
- العجوز الحلقة السابعة عشرة
- العجوز الحلقة السادسة عشرة
- العجوز الحلقة الخامسة عشرة
- العجوز الحلقة الرابعة عشرة
- العجوز الحلقة الثالثة عشرة
- العجوز الحلقة الثانية عشرة


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أدباء دمروا الأدب الفلسطيني محمود درويش