أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - دين الحب














المزيد.....

دين الحب


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 4616 - 2014 / 10 / 27 - 18:14
المحور: الادب والفن
    



حروف هذا العنوان ليست مني، وليست حديثة أيضا، فقد نسجها الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي قبل عقود زمنية طويلة، أشعل بها قناديل فكره، وشمخت بها علاقته مع الآخر بقدر عال من المحبة والتسامح، بإعطائه العلاقات الإنسانية ما بين البشر دفقا روحيا بقوافي شعرية صوفية راقية، تعبر عن رقة عاطفته المنسابة في احترام الآخر وقبوله وضبط علاقات تصالح وإخاء مميزة معه، أحوج ما نكون لها الآن في الزمن المعاصر.

ولهذا يعتبر الشيخ محيي الدين بن عربي حسب إجماع المصادر "من أشهر رجال التصوف وعلم من أعلام أصحاب الحقيقة وقطب من أقطاب أهل الطريقة، رأى أن العالم كله يقوم بحقيقة الإنسان الكامل، ولم يضع حدا في مفهومه للإنسان لأي فرق بين من هم أبناء دين واحد ومن هم خارجه، كما أعاد الاعتبار للمرأة كطرف أساسي كالرجل في هذا المفهوم ."

وبهذا تجاوز ابن عربي كل ما يمُت للأهل والقبيلة والملة والطائفة، ورفضَ كل أشكال التمييز بين البشر في المعتقد أو الجنس، وزاوج في فكره ما بين التعاليم الروحية والتأملات وأساليب التفكير العلمي الفلسفي، واعتبر أن المعرفة هي معرفة قلبية بالدرجة الأولى، فالقلب هو الدليل، وهو الرمز الأكبر للذات الإنسانية، وهو الروح والعقل والنفس والجسم، وفيه تتبدى الحقيقة.

لم يكن ابن عربي في التراث الصوفي مجرد عالم لامع فحسب، بل كان متفردا بين علماء عصره بشاعرية قل نظيرها في الفكر التأملي، عبر عنها برهافة عن تسامحه مع عقائد الآخرين وإيمانه بوحدة الوجود وصحة الأديان كلها، والتسامي فوق الفوارق ما بين البشر، والبحث دوما عن سبل التقارب الجامعة لهم على أساس من المودة والمحبة والتسامح، وقد عبر عن كل هذا في قوله:

عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه

والعنوان المبين أعلاه في بداية هذه السطور، هو عنوان أبيات شعرية لابن عربي، يتسع قلبه فيها لكل العقائد، المسيحية والإسلام واليهودية والوثنية معا، سجلها في ديوان شعره الشهير الموسوم "ترجمان الأشواق"، ردد فيها في مساحة واسعة من الوضوح والشفافية قائلاً:

لقد صار قلبي قابلا كل صورة

فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف

وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت

ركائبه فالحب ديني وإيماني

لا ريب أن هذه الكلمات، تحجب الضغينة والحقد والانغلاق على الذات، وتُلغي أيضا صراع الحضارات، وتبني أعمدة للمحبة والعلاقات الإنسانية بين البشر، لأن الحب يتسع لكل صور العبادات، سواء ترددت تلك الشعائر في الأديرة أو المساجد أو في غيرها من المعابد.

ولد ابن عربي في شرقي الأندلس، وقام برحلات عديدة بين المغرب ومصر والعراق و سورية وفلسطين، حتى استقر في دمشق، ووافته المنية فيها في عام 1240م، ودفن في سفح جبل قاسيون، وتسمى الآن المنطقة التي فيها ضريحه باسمه "الشيخ محيي الدين".

ثمة إجماع على أن ابن عربي لم يكن مؤلفا عاديا مثل غيره من المؤلفين، وانه كان يتميز عن غيره من الناحيتين الكمية والكيفية، ويعتمد في مؤلفاته على احترامه للإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه، ويعتبره النقاد من "أخصب المؤلفين عقلا وأخصبهم خيالا". وكانت أفكاره محط اهتمام العلماء والفلاسفة، في أيامه وبعد رحيله، وثمة دلائل تشير إلى استفادة الشاعر الإيطالي دانتي في العصور الوسطى من مؤلفات ابن عربي، وعلى الأخص من كتابه "الفتوحات المكية" الذي يضم بين دفتيه أربعة آلاف صفحة، وألفه خلال فترة تقرب من أربعين عاما.

ومن المثير أنَّ ثمة اهتماماً عالمياً كبيراً في الوقت الحاضر بالمنحى الشخصي والسيرة الذاتية لابن عربي، يتجسد بوجود جمعيات مرموقة تحمل اسمه في دول كثيرة، تعنى بنشر ودراسة وترجمة أعماله، لها أعضاء من الباحثين والكتاب والعلماء، و تعقد اجتماعات ومؤتمرات لاستيعاب التجربة الروحية التي تتجلى في أفكاره وأشعاره، وتعتبر هذه الجمعيات شهادة دامغة على المكانة المرموقة التي يحتلها في ساحة الحضارة الإنسانية.

و من أهم هذه الجمعيات، جمعية أسّست في أكسفورد عام 1977، تحمل اسم ابن عربي، لها فرع في سان فرنسيسكو، تنحصر أعمالها بإصدار مجلة باسمه وترجمة أعماله ونشرها، وعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات التي يشارك فيها أعضاء الجمعية وغيرهم من المهتمين.

والجديد في عصر الانترنت، وجود مواقع كثيرة باسم ابن عربي على الشبكة تعنى به وبفكره، وقد اطلعتُ أثناء كتابتي هذه السطور على عدة مواقع منها موقع مميز لجمعية أوكسفورد السابق ذكرها http://www.ibnarabisociety.org يكشف عن أنشطتها بكل ما فيها من أحداث ولقاءات واهتمامات يومية وإصدارات جديدة، ولاحظتُ وجود فرق موسيقية مختصة به، تغني أشعاره وتوزعها بأقراص مدمجة، وسمعت مقطوعة موسيقية للموسيقار اليوناني العالمي الشهيرYanni تحمل اسم "دين الحب لابن عربي" تنساب أنغامها بإيقاع جميل على وقع مناظر طبيعية تتقافز بأطياف لونية خلابة، وتظهر معها بلقطات متصلة أبيات الشعر السابق ذكرها مكتوبة بأحرف نافرة باللغة الإنجليزبة.

وختاما علي هنا إدراج استدراك مهم، ألا وهو أنّ حديثي عن ابن عربي لا يشكل تأييدا شاملا لنزعة التصوف التقليدية بطرقها المختلفة، بل إنّه يتضمن فقط جوانب تعريفية بالمعاني السامية لدين الحب الذي تبناه ابن عربي بكل ما يقتضيه من التزام بمبدأ المحبة الشاملة والإخاء ما بين البشر لخير الإنسانية جمعاء، بغض النظر عن اختلاف عقائدهم ومنابتهم العرقية، وهذا ما تحتاجه الدول العربية، في هذا الزمن الذي تتسع فيه تخوم التفرقة ما بين أبناء الوطن الواحد، وتنتشر فتاوى تكفير الآخر تارة، وتهميشه وتجاهله تارة أخرى، وعدم الاعتراف به أيضاً بسبب اختلاف الدين والمذهب.



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بمصابيح عكا يلمع القمر ُ
- حيفا تحلق في رحاب الذاكرة
- القدس
- لمنْ تدقُ الأجراسْ ؟
- الحطابة ام أسعد
- يوميات ابي عبد الله الصغير أخر ملوك الأندلس
- قراءة في كتاب : مسيحيون و مسلمون تحت خيمة واحدة
- سيد القوافي ... وداعاً
- طفلة من غزة
- جريدة الاتحاد الحيفاوية عرفتني على بعض جذوري في فلسطين
- أبو العلاء المعري رهين المحبسين
- قراءة في كتاب : مارغاروش ( ومضات من حيفا )
- المتشائل بين المسرح والرواية
- كلمات عن شعر حزين
- الأخوة بين أبناء الشعب الواحد
- مأساة الهنود الحمر
- قصيدة للرصافي في افتتاح الجامعة العبرية
- قصيدة غير وطنية للشاعر معروف الرصافي
- كتاب : رؤية معاصرة لحياة وأعمال المطران غريغوريوس حجّار
- أيام في جبال الأوراس


المزيد.....




- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - دين الحب