أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - إشكالية الحداثة في تجسيدها للواقع الما بعدي















المزيد.....

إشكالية الحداثة في تجسيدها للواقع الما بعدي


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4585 - 2014 / 9 / 26 - 23:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نشأت الحداثة وهي تعاني إشكالية تجسيدية تتعلق بالواقع أولا وبمحددات الزمان والمكان,هذه الإشكالية خارجة عن ذاتية الفكر أصلا وهي تتعامل مع الخارج على أنه فراغ يجب أن تحتويه الرؤية الحداثية,فهي وان كانت انقلابا على الموضوعي المعاش كونه مصاب بالموت أو عدم قدرته على العيش مع الحداثة في تصور الحداثيين لكنه من خلال كونه واقع يجب أن يفرض شروطه الذاتية لحين إعلان انتصار الحداثة.
وهذا ما لم يحصل يقينا فبقيت الرؤية الحداثية أسيرة الواقع ولم تتجاوزه بالرغم من كل الإرهاصات والتجارب والتطبيقات التي عجزت من إعلان انتصارها الحقيقي بل والجهر بالخوف من قيم الحداثة واشتراطاتها التي تتميز بها لذلك نجد النظرة النقدية وان تستر عليها الحداثيون لكنها في الحقيقة جلية في نصوصهم ورؤاهم((يندغم في تحليلات هيدجر بشكل رفيع تشخيص الجوهر الفكري والفلسفي للحداثة مع التفكيك النقدي لمكوناتها، لدرجة توحي معها بأن خطابه الفلسفي يتجه إلى نقد الحداثة بل إلى رفضها، وهو الشيء الذي نفاه هيدجر مرارا مبينا أنه لا يدعو إلى الارتداد عن الحداثة أو العودة الرومانسية إلى الطبيعة والتخلي عن الآلة، بل فقط إلى تبيين مخاطر التقنية المتمثلة لا في التقنية ذاتها، بل في ماهيتها التي تحكم بصورة مزدوجة علاقة الإنسان بالكائن والكينونة، وعلاقته بماهيته ذاتها)) .
بل إن الكثير منهم قد أعلن وبكل وضوح عن أزمة حقيقية تقود إلى نقض أسس الحداثة ومقوماتها التكوينية ,إن العلم إذن تقني في جوهره. والتقنية هي إطار الحداثة، بل هي جوهر الحداثة ذاتها لدرجة أن فهم الحداثة يتطلب التأمل في ماهية التقنية من حيث هي العنصر المحدد لها تحديدا شاملا.
وبعبارة ابعد مدى إن العلم هو جوهر الحداثة وإطارها التكويني الصيروري وهذا العلم والتقنية المعاصرة المتضخمة كما ونوعا تشكل تهديدا للإنسان وتحوله إلى ما يطلق عليه بالبهيمة المعملية وتسلبه حق التحكم والسيطرة عليه((وما يميز التقنية الحديثة عن التقنيات القديمة، هو انقلاب العلاقة بين الإنسان ومصنوعاته التقنية. كانت التقنيات القديمة جملة أدوات في يد الإنسان، يتحكم فيها، يستعملها كما يشاء، ويوجهها كما يشاء. لكن التقنية الحديثة مجموعة قدرات ضخمة، وقوى هائلة تخضع لمنطقها الداخلي، وتتطور بفعل حاجاتها نفسها لا وفق رغبة الإنسان،وتهدد الإنسان باستمرار بالانفلات النهائي من قبضته، بل بالارتداد عليه.لقد حولت التقنية الإنسان إلى لعبة بين يديها، لعبة قابلة للتسخير، مثلما حولته إلى "بهيمة شغل"، وقذفت به في عالم كل ما فيه تقني (Technocosme). قالبة رأسا على عقب علاقة الإنسان بالكائن عامة، وعلاقته بماهيته ذاتها على وجه الخصوص)) .
هذا التخوف له ما يبرره عمليا ووجوديا على أرض الواقع,فلا إمكانية إلى تفادي المخاطر إلا من خلال عقلنة العلم وانسنة المعرفة وفق رؤية شمولية وجودية تنبع من حقيقة فهم كلي للحقائق الصالح منها والرديء وخاصة في مجال الدين ,فالقيم الدينية المنحرفة لا تعبر حقيقة عن قيم السماء الأصلية ولا عن المصلحة الوجودية الشاملة وعلينا محاكمة كل القيم التي لا تؤمن بالإنسان ومصلحته على أسس النفعية الكلية المرتبطة بالمصلحة الوجودية الشاملة ومن ضمنها الحرية واكتشاف الذات لا رفض القيم الدينية كلها فهي الوعاء الأصلي الذي ولدت منه المعرفة والفلسفة والعلم الذي هو جوهر الحداثة وإطارها التكويني كما استنتجنا من بحثنا.
الرجوع إلى رحم التكوين وتتبع مسيرة القيم منذ صيرورتها قيم وحتى اكتشاف الغائيات الكلية منها يصحح من مسيرة العلم ويضع أسس السيطرة العقلانية على مجتمع متعقل تقوده المصلحة الوجودية الشاملة لا الفوضى الخلاقة كما يتناول اليوم كمولد للوعي القادم والقادر بالفوضوية أن يقود العالم إلى الانضباطية أحادية المركز والتوجه وهذا محال منطقيا ويرفضه العلم.
أما لو أردنا الخوض في أزمة التجسيد للحداثة في واقعنا العربي فلابد من الالتفات إلى المقومات التاريخية للحداثة الأوربية نفسها لكي نجيز لنفسنا إسقاط أو عدم إسقاط المحددات الفكرية للحداثة في واقعنا العربي,فمخاض الحداثة الأوربية لم يكن سهلا على الإطلاق ولم يولد من رحم التأملات الفلسفية المجردة ولا من اجتهادات تخيلية مبتكرة بل كان ولادة على قواعد تحكم فيها العامل الزمن مع العامل الكيفي مع الذاتية الخاصة بالمجتمع الأوربي كلها تعاملت مع حقائق وجودية مسيطرة وفارضة نفسها على الواقع الاجتماعي والسياسي وقبله المنهج العلمي الذي في كل هذه التشابكات ولد عقيدة تراكمية امتدت من أرسطو وأفلاطون ومرورا بالمسيحية البيزنطية ثم الفكر الكنسي الكهنوتي ثم الفكر الإصلاحي الاجتماعي المتولد من الحروب الدامية في أوربا نفسها وحركة الاكتشافات الجغرافية والترجمة والتبادل الحضاري مع الأخر المماثل السريان في الشرق أو المخالف في العقيدة والفكر كالإسلام والديانات الشرقية مرورا إلى ما قبل فجر الثورة الصناعية في انكلترا.
هذا المفاعل المعرفي هو الذي أنتج الحداثة كحل قد يبدو أخلاقيا في بعض جوانبه أو مشروعا وجوديا انواريا عند البعض الأخر فالإسقاط لابد له كتجربة من توفر حدود دنيا من هذه التفاعلات والمقدمات لكي نتمسك بهذا الإسقاط ونعمل به,فالمجتمع العربي كمجتمع متخلف عن قيم مادية وعلمية أساسية في المجتمع الأوربي لا يمكن معه استنبات الحداثة على انه المشروع الثوري الانقلابي الذي يخرج هذا المجتمع من دائرة التخلف والجهل إلى دائرة الأنوار والتقدم والازدهار ببساطة متناهية من خلال تطبيق النتائج دون وجود المقدمات التاريخية اللازمة.
يقول الأستاذ محمد سبيلا في بحثه الوعي الفلسفي بالحداثة عن إشكالية الإسقاط ومشاكله ومعوقاته في مجتمعنا العربي ما يؤيد ما ذهبا إليه فيقول((إن الحداثة التي داهمتنا فجأة وأخذتنا على حين غرة هي أولا حداثة برانية،وليست جوانية،بمعنى أنها لم تنشأ في تربيتنا العربية،حتى وإن كانت الحضارة العربية في أوج ازدهارها إلى حدود القرن العاشر الميلادي، قد ساهمت في الإعداد لها، بل هي حداثة دخلت مع الاستعمار، ومن ثمة غربتها وغرابتها وغربيتها واغترابها. وهي ثانيا حداثة عنيفة في طريقة حلولها وحصولها،وفي الفعل ألتفكيكي الذي مارسته على كل البنيات الاجتماعية والفكرية التقليدية،محدثة شروخا في الوعي،والذاكرة،واللغة والخيال،وطرق الإدراك. وهي ثالثا حداثة يخلط فيها بشكل رفيع التحرر بالسيطرة، فهي تحرر من ثقل التراث ومن تثاقلاته وأشكال عطالته،ومن صور العالم القديمة، تحرر الفرد من ربقة التقليد ومن ثقل الماضي، وتزوده بحث الاختيار وبقسط أكبر من الحرية، ومن المسؤولية، وتفتح أمامه طيف ألوان من الاختيارات، لكنها تعود لتلتف على هذه الحرية بأشكال وأساليب لتكيفه وتشرطه وتشذب أبعاده النقدية مبقية على بعد واحد هو بعد الامتثال وأحادية البعد، وهي رابعا حداثة كاسحة لا تستأذن. فهي تنتشر عبر كافة أشكال الوجود الاجتماعي بأساليب متنوعة مدخلة المجتمع في صراع بين القديم والجديد، وبين التقليدي والعصري. تقتحم الحداثة العالم التقليدي، بكياناته الجوهرية وتراتباته الأنطولوجية وماهياته الخالدة زاجة به في تفاعل صراعي قاتل داخل مصاهرها محدثة أشكالا غريبة من التلاحقات والتفاعلات والامتزاجات الهجينة على مستوى صورة العالم واللغة والتقنيات والمؤسسات السياسية والقيم الأخلاقية. تنتشر الحداثة عبر وسائل متعددة، عبر التجارة، والأسفار، والهجرات والاستعمار، أحيانا بعنف، وأخرى بلطف ودماثة. فهي تدغدغ الرغبة وتداعب الخيال وتستثمر وهم القوة سارية في النفوس سريان النار في الهشيم، مستخدمة الإغواء والإغراء تارة، والعدوى والعنف تارة أخرى متسببة في حدوث ارتطام اصطلح على تسميته بصدمة الحداثة وفي إحداث شرخ عميق في الوعي التقليدي، وفي النظرة التقليدية للعالم)) .
لقد أدى شيوع ظاهرة التحديث في الحياة العربية والإسلامية وإنتشار المفردات العملية والفكرية التي لها صلة في نظريات الحداثة والتجديد مع تطورات الحاجات وتغلغل الإستعمال التقني والتقنية ودخولها بتأثيراتها في الدقيق من التفاصيل اليومية,إلى الشعور المضطرد بالتسليم بالكثير من المفاهيم الحداثية وإعتبار الكثير منها يتعارض مع التقليد التراثي والذي لم يعد قادرا بمفرده من الوقوف أمام ظاهرة التحديث.
أصبحت هذه التقاطعات في عالم اليوم في طرحها كأنه حاجة ملحة لنفض غبار الماضي ومسلماته ومرتكزاته ومحاولة من البعض للطفر على أساسيات من الثابت الفكري والعقدي في حياتنا للتخلص من الشعور بالعجز والتعجز ورمي كل أسباب التخلف ومعرقلات النمو بأتجاهين.
الأول التراث الفكري وما نتج منه من قواعد الدين والأعتقاد والممارسات ومقدماتها القيمية,والأتجاه الأخر أسس التفكير ومنهجية التعاطي به ومعه,وكلا الأتجاهين فيه وعليه مبررات سواء بالأثبات أو تجنب الأخذ بالمفاهيم الحداثية في معالجة جوانب من تلك الأزمة,وهذا ما سنتاوله في البحثين القادمين.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الفهم الديني وإشكاليات القراءة ح1
- أزمة الفهم الديني وإشكاليات القراءة ح2
- الولادة الفكرية وأزمة التكوين ح2
- الولادة الفكرية وأزمة التكوين ح1
- الحداثة وفلسفة تجديد الحياة ح1
- الحداثة وفلسفة تجديد الحياة ح2
- سلعو وشنه , قصة قصيرة
- التجديد الفكري واعادة قراءة الفهم الديني
- الكتب والصحف في النص القرآني
- مفهوم التناقض والتضاد
- الحاجة والضرورة اختلاف مفاهيم ودلالات
- النظام الأثري وقيمه
- التنظير و النقد الفكري
- مصطلح الأثرية
- الحوار ومبدأ التواصل ح1
- الحوار ومبدأ التواصل ح2
- عن حوار الجدران ح1
- عن حوار الجدران ح2
- المادية الفكرية والنتيجة المستخلصة ح1
- المادية الفكرية والنتيجة المستخلصة ح2


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - إشكالية الحداثة في تجسيدها للواقع الما بعدي