خرافات إسلامية: أين ضاعت آيات رضاعة الكبير أيّها الأحبّاء المسلمون؟

مالك بارودي

الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 20 - 20:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

-----------------
(يمكنكم الإطلاع على بقيّة مقالاتي على المدوّنة: http://utopia-666.over-blog.com )
-----------------


في صحيح مُسلم (كتاب الرّضاع، باب التّحريم بخمس رضعات)، نقرأ الحديث التّالي: "حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرّمن ثم نُسِخْنَ بخمسٍ معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ فيما يُقرأ من القرآن". ونقرأ أيضا: "حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى وهو بن سعيد عن عمرة أنّها سمعت عائشة تقول وهى تذكر الذي يُحرِّم من الرّضاعة قالت عمرة فقالت عائشة نزل في القرآن عشرُ رضعاتٍ معلوماتٍ ثمّ نزل أيضا خمسٌ معلوماتٌ". وقال مُسلم بن الحجّاج النّيسابوري لتأكيد الحديث: "وحدّثناه محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة أنها سمعت عائشة تقول بمثله".
إذن، كانت هناك في زمن محمّد بن آمنة آية في القرآن تُبيحُ إرضاع الكبير بعشر رضعات ثمّ نُسخت بآية تقلّص عدد الرّضعات إلى خمس فقط. آيتان مفقودتان تتحدّثان عن رضاعة الكبير... فهل تمّ نسخهما؟
لكن، قبل كلّ شيء، ما معنى "رضاعة الكبير"؟ وما سبب وجود هذه الآية؟
لمعرفة ذلك، سنعود إلى كتاب "صحيح مسلم"، حيث نقرأ: "وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن أبي عمر جميعا عن الثقفي قال بن أبي عمر حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن بن أبي مليكه عن القاسم عن عائشة ان سالما مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم فأتت تعني ابنة سهيل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ارضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة فرجعت فقالت إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة." (صحيح مسلم، كتاب الرّضاع، باب رضاعة الكبير). ونِعْمَ الأخلاق من رسول الأخلاق!
وفي "مسند الإمام أحمد" نجد نفس الأحاديث ومنها: "حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عثمان بن عمر قال أنبأنا مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أبي حذيفة فأرضعت سالما خمس رضعات فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة". (مسند الإمام أحمد، كتاب مسند الروايات، باب السيدة عائشة رضي الله عنها) كما نجد في "سنن أبي داود" ما يلي: "حدثنا أحمد بن صالح ثنا عنبسة حدثني يونس عن بن شهاب حدثني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم سلمة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبني سالما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه حتى أنزل الله في ذلك «ادعوهم لآبائهم» إلى قوله «فإخوانكم في الدين ومواليكم» فردوا إلى آبائهم فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري وهى امرأة أبي حذيفة فقالت يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلا وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس". (سنن إبن داود، باب في رضاعة الكبير)
إذن، سالم، مولى أبي حذيفة، تبناه أبو حذيفة على عادة العرب قديمًا كما تبني محمّد بن آمنة زيدا بن حارثة، وأخذه صغيرًا، هاجر أبو حذيفة وامرأته سهلة بنت سهيل ومعهم سالم وهذه الأسرة هاجرت الهجرتين، وهم من السابقين الأولين ونما معهم سالم حتى كبر. وكان وقت أصبحت سهلة ترى فيه بعض الكراهة على وجه زوجها من وجود سالم في البيت منفردًا مع امرأته. فذهبت سهلة إلى محمّد بن آمنة وأخبرته بالموضوع طالبة منه حلا للمشكلة، فأمرها محمّد بأن تُرضعه لكي يذهب ما في وجه أبي حذيفة. إستنكرت سهلة هذا الأمر لأنّ سالما كان رجلا كبيرا ذا لحية فقال لها أنّه يعلم ذلك فأرضعت سهلة سالما خمس رضعات فذهب ما في وجه أبو حذيفة من كراهة، أو هذا ما يزعمه من روى عنه مسلم النّيسابوري. لكنّ الأدهى أنّ عائشة زوجة محمّد كانت "تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يُرضعن من أحبّت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمسَ رضعاتٍ ثم يدخُل عليها". ونِعْمَ الأخلاق! وليت الأمر كان مقتصرا على بنات أخواتها وبنات إخوتها...! ففي كتاب "سنن أبي داود" نجد الحديث التّالي: "حدثنا حفص بن عمر ثنا شعبة ح وثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة المعنى واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل قال حفص فشقّ ذلك عليه وتغيّر وجهه ثم اتفقا قالت يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة فقال انظرن من إخوانكن فإنما الرّضاعة من المجاعة." (سنن إبن داود، باب في رضاعة الكبير) والسّؤال هنا: لو كانت عائشة وهذا الرّجل الذي زعمت أنّه أخوها من الرّضاعة في وضع عاديّ، ما الذي يُفسّر القول "فشقّ ذلك عليه وتغيّر وجهه"؟ والجواب المنطقي يقول أنّه ما كان لوجه محمّد أن يتغيّر لو لم يكن قد وجدهما في وضع أقلّ ما يمكن أن يُقال عنه أنّه مُخلّ ولاأخلاقي... كأن تكون مثلا بصدد إرضاعه هي الأخرى، أو فعل شيء آخر معه.
ثمّ لننظر إلى عمق الحديث. وبما أنّه "لا ينطق عن الهوى"، فلا بدّ أن يكون لحديث محمّد بن آمنة مغزى. رسول الإسلام يجد زوجته مع رجل ثان غريب عن الدّار فيتغيّر وجهه بسبب ما رآه. وعندما تقول له زوجته أنّه أخوها من الرّضاعة، يجيبها أنّ الرّضاعة من المجاعة، وهذا لفظ يستنكر الرّضاعة دون أيّ تحديد. فهل كان يتكلّم عن الرّضاعة بصفة عامّة؟ هل مغزى حديثه أنّه يستنكر كلّ أنواع الرّضاعة ويعتبرها من المجاعة؟ وماذا عن رضاعة الطّفل الصّغير؟ أم أنّه يستنكرُ الرّضاعة في الكِبَر فقط، بسبب شيء رآى زوجته تفعله أو أحسّ بأنّها كانت تفعله؟ ألم يكن يعلم أنّ الرّضاعة من المجاعة عندما أشار على سهلة بنت سهيل بإرضاع سالم؟ أم أنّه لا يستنكر رضاعة الكبير، بل ويأمر بها نساء المسلمين، مادامت لا تُطبّق في بيته ومن طرف زوجاته؟ أليس هذا نفاقا؟
لكن، لنترك مسألة الإنحطاط الأخلاقي الذي أرسى دعائمه محمّد بن آمنة وأهل بيته وصحابته ورسّخه في المجتمع الإسلامي، فذلك شيء واضح في مواضع كثيرة من القرآن وكتب الأحاديث والسّيرة وما على المسلم إلاّ أن يفتح كتب التّراث ليتأكّد، وهو شيء هامشيّ في موضوعنا الحاليّ... ولنسأل السّؤال الجوهري: أين هي تلك الآيات التي تحدّثت عنها عائشة؟ هل تجدونها في قرآنكم، أيّها المسلمون؟ بالطّبع لا. هل وقع نسخها؟ لا، لأنّ الحديث يقول: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنّ فيما يُقرأ من القرآن" (صحيح مسلم، كتاب الرّضاع، باب التّحريم بخمس رضعات) فهل ضاعت؟ نعم، وبشهادة عائشة نفسها حيث تقول في حديث لها أورده الإمام أحمد في مسنده ما يلي: "حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن ابن إسحق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لقد أنزلت آية الرجم ورضعات الكبير عشرا فكانت في ورقة تحت سرير في بيتي فلمّا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بأمره ودخلت دويبة لنا فأكلتها." (مسند الإمام أحمد، كتاب مسند الروايات، باب السيدة عائشة رضي الله عنها) ونجد نفس هذا الحديث في "سنن إبن ماجه" وقد حسّنه المحدّث الألباني، كما نجده في كتاب "نواسخ القرآن" لإبن الجوزي (المكتبة العصريّة، بيروت، 2001، ص 33). فالنّسخ لا يكون إلاّ في حياة محمّد بن آمنة، ولا نعلم أنّ هناك من "العلماء" من قال بأنّ النّسخ متواصل بعد هلاك رسول الإسلام، فإذا أتاك من يفسّر الأمر بهذا الشّكل فإعلم أنّه لا يمكن أن يكون إلاّ مدلّسا أو جاهلا...
إذن، فآية الرّجم وآية إرضاع الكبير كانتا موجودتين ومعروفتين وعُمل بهما في حياة محمّد، ولكنّ دابّة (شاة) أكلتهما بعد موته. فإذا لم يكن هذا ضياعا لجزء من القرآن، فكيف يكون الضّياع إذن؟ والضّياع، فوق ذلك كلّه، دليل قاطع على تفاهة الإدّعاء القرآني بأنّ القرآن محفوظ. فهل عجِز ربّ محمّد عن حفظ آية الرّجم وآية إرضاع الكبير من "شرّ" تلك الدّويبة؟
هل من أجوبة عقلانيّة ومنطقيّة ومدعومة بالأدلّة...؟

#مالك_بارودي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات