أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فواد الكنجي - الاخلاق و ثقافة العنف في العراق















المزيد.....


الاخلاق و ثقافة العنف في العراق


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 4411 - 2014 / 4 / 1 - 03:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لماذا اختلت منظومة العلاقات الاجتماعية والقيم العراقية خلال السنوات القليلة الماضية بوتيرة متسرعة وبشكل غريب ومثير للدهشة ؟ أين تكمن المشكلة ؟ هل اتت نتيجة الحروب التي خاضها العراق منذ عام 1980 وما زالت مستمرة الى يومنا هذا ؟ ام نتيجة الحصار الذي فرض على شعبنا منذ عام 1990 ومازال مستمرا ؟ ام دخول المحتل أراضي الوطن عام 2003 وفرض إرادة خارجية لإدارة الحكم في البلاد ؟ ام سياسة التهميش والإقصاء التي مارستها الأحزاب الدينية التي سيطرة على ملف أدارة الدولة ؟ ام فقدان السيادة وانتشار ظاهرة حمل السلاح وعدم احترام القانون ؟ ام الدستور الذي كتب على عجالة ولم يعالج كل المواضيع بشكل حاسم ؟ للأسف الشديد ان كل هذه المسببات اشتركت و تداخلت معا ليتم تفكيك أرادة الدولة في السيطرة على مقومات السيادة والسيطرة على الشارع العراقي ليشهد انفلات امني لا مثيل له في عموم المنطقة ، قتل على الهوية ، سلب ونهب للممتلكات العامة والخاصة ، خطف وتهديد وترحيل ونزوح جماعية ، تخريب شامل للمصانع والمعامل ونهب أنتاج البترول من قبل مؤسسات ومنظمات وهمية ، وتدني مستوى المعيشة إلى مستويات خطيرة .. و.. و.. وهنالك آلاف من هذه التفاصيل المؤلمة، فكيف لا تختل منظومة القيم الاجتماعية في العراق... ! ؟ فان كانت التكنولوجيا سبيلا لاستنهاض قدرة الدولة لتحسين الأوضاع المعيشية ، فان العراق يمتلك قدرات إنتاجية هائلة من خام النفط ما يجعل أيراد الفرد الواحد ما يفوق احتياجاته أضعاف ما يحتاجه ، وهذا لا يأتي ألا بإرادة قوية ورجال ينذرون أنفسهم لخدمة الشعب، و بان يضعوا نصب أعينهم في مشروع نهضة العراق بكل ما آتيه من القوة والقضاء على مسببات ما أصاب و يصيب البلد وما يشهده من الانفلات الأمني الواسع والشامل في كل مرافق الدولة العراقية ، ومن ثم التوجه نحو بناء الديمقراطية بناءا هندسيا مدروسا ومن طبيعة البيئة التي يراد إنشاء فيها هيكلها وبكل ما تقتضيه عملية البناء من شروط ومستلزمات ، وان لا تكون الديمقراطية مرتبطة بمعيار أي إيديولوجيا محددة سلفا لان أمكانية أقامة الديمقراطية ممكنه بدون اختزالها وفق منظور سياسي معين بكون جوهرها ذو قيمة عليا في الأخلاق والتي تتجلى قيمها في الحرية ، والمساواة ، والعدالة ، والاختلاف ، والتعددية ، والتسامح ..الخ ، وبصيغة أكثر وضوحا، وعلى نحو ذلك أيضا ضرورة الاعتراف، بأن نمو التيارات العقدية يعبر عن مشاكل واقعية وحقيقية وليست مفتعلة، تستوجب أخذها بعين الاعتبار، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها بدل الاكتفاء بإدانتها ، لان المشاكل التي تتفاقم في المجتمع ما لم تعالج جذريا وبحسن نية ستتفاقم وتزداد لتتحول إلى معضلة يصعب مع مرور الأيام حلها، ومن هنا تكمن ضرورة دراسة أوضاع دول سبق لها ان مرت بتجارب مريرة وذاقوا ويلات الحروب أبشع من أوضاعنا وقد نجحوا في معالجة أوضاعهم ومعاناتهم لذ يتطلب منا تشخيص ذلك بإمعان ومن ثم وضع مناهج عمل للمباشرة بالعلاج ، فالنموذج الروسي حيث الإقطاع وسلطة (قيصر) التي كانت تنخر بجسد روسيا سنين طوال ، ولكن بعزيمة الثورة وقيادة (لينين) استطاعوا القضاء على الإقطاع والمحتكرين والمتلاعبين باقتصاد الدولة فتم بناء الاتحاد السوفيتي بقوة عظيمة و بفترة قصيرة ، وعلى نحو ذلك نموذج ألمانيا التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مثقله بجراحات عميقة، ملايين من قتلى و بلاد ممزقة ، مصانع مدمره ، جوع وتشرد للملاين ، لكن بإرادة الشعب تم خروج ألمانيا من أزمتها لكي تكون اليوم من طليعة الدول المتطورة والمزدهرة ، وعلى نحو ذلك نموذج اليابان اثر ضربها بالقنابل النووية ولكن أرادة الشعب لم تنهار بل واصلت البناء لتكون اليابان من طلائع الدول الصناعية ازدهارا ونموا ، وكذلك نموذج الفيتنامي، أكثر من ثلاثون عام من الحرب الشاملة التي كانت أمريكا تشنها بكل وحشية وقتل ودمار لتحطيم أرادة الشعب الفيتنامي ولكن لم تنهار الدولة الفيتنامية بل واصلت مساعيها لبناء الدولة واستقرارها ، وعلينا دراسة كل ذلك بإمعان لكي نأخذ منها منهاجا لمعالجة أوضاعنا المتفاقمة .
فالساحة العراقية تشهد تفاقم خطير للأوضاع الأمنية والسياسي والاجتماعية والاقتصادية ، وتخريب شامل للبنى التحتية والفوقية للبلد ، ومن تفكك منظومة الوحدة الوطني والاجتماعية بمفاهيم الطائفية السياسية والعرقية القومية العلنية والمبطنة، أي أشد النماذج تخريبا للفكرة الوطنية و التعايش السلمي المشترك لمكونات المجتمع العراقي حيث التميز الطائفي المقيت متفشي في كل مرفق من مرافق الدولة والحياة العامة. هذه الحقيقة المرة ، لم نقلها نحن ، وإنما جاءت من خلال التقارير الدولية التي صدرت متناولة الوضع الاجتماعي في العراق بعد 2003 والتي كان آخرها تقرير صدر نهاية شهر نيسان 2010 من معهـــد الديمقراطية التابع للحكومة الأمريكـــية والمســـتند إلى تقرير منظــــمة العــــمل ومنظمة حقوق الإنسان بعنوان (أصبح العراق مركز الخطف والدعارة وقطاع الطرق في الشرق الأوسط) في هذا التقرير أرقام ونسب وسرد لحقائق مخيفة عن العراق تتعلق بالفقر والبطالة والدعارة وخطف وبيع الأطفال والأيتام والاتجار بالأعضاء البشرية واستعراض لعصابات تهريب الأطفال تدار من قبل ممرضين تم كشفهم في أكثر من مستشفى حكومي ، وهنالك أيضا أرقام تشير إلى بطالة بنسب مرعبه بين الشباب وبطالة مقنعة تشير إلى معدل عمل في دوائر الدولة بأقل من ساعتين في اليوم أو أقل وان أكثر من نصف من الشعب العراقي يعيش تحت مستوى الفقر بمعدل لا يتجاوز فيه دخلهم دولارين باليوم وانه يحتل المرتبة 12 من بين 16 دولة عربية بالمنطقة من حيث الوضع الاقتصادي بالرغم من ثروته النفطية الهائلة ناهيك عما تشير إليه تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان من سوء أوضاع السجناء والمعتقلين وتعرضهم لأفظع وسائل التعذيب والقهر.. ، الخطورة في هذا التقرير ليست في كارثة العنف والبطالة والفقر فحسب فالعراق يمتلك من الثروة والقدرات والإمكانيات ما سيؤهله تجاوز كل هذه المحن لو صلحت فيه الإدارة والسلطة، ولكن الأكثر خطورة من ذلك هو أن تخترق وتستهدف فيه منظومة القيم والأخلاق والأعراف والتقاليد إلى هذا الدرك الأسفل من طبيعة الجرائم والممارسات التي أسس لها ثقافة الحروب التي شهدها العراق ما بعد عام 1980 والى يومنا هذا . ومن هنا تأتي أهمية التربية الأخلاقية وبناء مفهوم المواطنة الصالحة، فالتربية الأخلاقية هي المقياس الصادق الذي تقاس به خطواتُ الشعوب نحو التقدم والازدهار ونهضة الأمم، بل هي الأساس المتين الذي تبنى عليه عظمة الأمم وارتقاؤها، فما ارتقت أمة في العالم القديم أو الحديث إلا وكان سببُ ذلك سمو أخلاقِ أفرادها، وقناعتَهم، واقتصادَهم، وحبَّهم وإخلاصَهم في العمل لوطنهم، وانتشار روح النشاط والإقدام بينهم، وبعدهم من الفخر والرياء، والدسائس والفتن، ونفورهم من الانقسام والمخاصمة.
فالضرورة تتحتم علينا تحن العراقيين ببناء أخلاق للقضاء على المجرمين والمستغلين والمحتكرين الذين يتلاعبون بمقدرات الدولة و القضاء على تجار الحروب والساسة المتلاعبين بالأوضاع الأمنية بغية النهب والسلب وتخريب الاقتصاد الدولة كنمط من الإرهاب السياسي والتي دوما يكون المواطن هو الضحية الأولى والأخيرة ، لان الأخلاق هي التي تتحكم بسلوك الفرد أو جميع أفراد مجتمع ما، وتوجهه بالاتجاه البعيد عن الإيذاء والشر، وتطلعه للعيش بسعادة وسلام مع الآخرين، وتحقيق رغباته بشكل مقبول لا يثير غضبهم، كما أنها تستمد شرعيتها من الاتفاق الاجتماعي عليها بكون الأخلاق من وجهة نظر علم النفس هي ("مجموعة من المفاهيم والقيم الاجتماعية الهادفة اٍلى تشكل نظم سلوكية ثابتة تحدد استجابات الفرد نحو الآخرين، في مواقف محددة بغية السيطرة على الدوافع الشريرة والمؤذية عند الإنسان من خلال إلزامه بنماذج سلوكية خيرة غير ضارة ")، اْي هي بالأساس نماذج سلوكية تهدف لتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، بما يمنع الضرر ويعمم الخير.
إذا الحال في العراق ببساطة شديدة مرعب ليس بسبب حجم الدمار الذي ألحقه حرب الخليج الأول والثاني والثالث ، بلبنى التحتية والفوقية للدولة ، فهذه الأمور يمكن معالجتها ان صدقت النوايا بالنظر لما يمتلكه العراق من ثروات مادية وطبيعية وبشرية هائلة، لكن المرعب هو الانهيار ألقيمي والأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع العراقي الذي يمر ألان بمرحلة عصيبة ومظلمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، فالبلدان لا تنتهي بالدمار الذي تسببه الحروب على الأرض لكنها تنتهي وتنهار عندما تفقد مجتمعاتها أركان وعناصر ضبطها الاجتماعي والتي هي منظومة متكاملة من القيم والأخلاق والتقاليد والأعراف المتوارثة جيلا بعد جيل.
وإذا كنا نحن العراقيين نعاني من ظاهرة العنف في الشارع ، فقد أصبح العنف ظاهرة تتكرر في المنازل وميادين العمل والنشاط ، وطال شخصيات تنتمى إلى مؤسسات مرموقة في الجامعات ومراكز البحث العلمي ، وهذه الظاهرة أسفرت عن حوادث قتل واختطاف واغتصاب وسرقات وضرب واعتداءات متكررة ، و زرع عبوات ناسفة وتفخيخ السيارات وتفجيرها في اشد مناطق ازدحاما بالسكان ، في الأسواق ومناطق السكنية الفقيرة ، وهكذا تصاعدت حدة أعمال العنف و الجرائم الإرهابية التي شهدها البلاد والتي وصلت ذروتها في السنين الأخيرة ، وبالنظر إلى الأضرار السياسية والاقتصادية والأمنية والبيئية التي ألحقها الإرهاب ببلادنا ، وما زالت تداعياتها وآثارها تفرض ظلالا ً ثقيلة على حاضر النظام السياسي الديمقراطي والاقتصاد الوطني والسلم الاجتماعي ، وعلى علاقات الدولة بمحيطه الإقليمي والعالمي ، أصبحت مواجهة هذا الخطر مهمة وطنية تستلزم مواجهة ً شاملة ً من قبل الدولة والمجتمع ، بعيداً عن المزايدات السياسية والحسابات الضيقة .اذ لم يعد الإعلان عن قبول الديمقراطية كافيا لدمج أي طرف سياسي في العملية الديمقراطية ، ما لم يتم التخلص من الجمود العقائدي والتعصب للماضي القريب او البعيد ، والتوقف عن الهروب من الإعتراف بالأخطاء ومراجعة التجارب والأفكار والمواقف تبعا ً للمتغيرات التي تحدث في العالم الواقعي، وتستوجب بالضرورة تجديد وسائل التفكير والعمل ، والبحث عن أجوبة جديدة على الأسئلة التي تطرحها متغيرات الحياة ، وإبداع أفكار جديدة وتصورات وحلول مبتكرة للقضايا والإشكاليات التي تفرضها علينا تحولات العصر والحضارة ولا يمكن معالجتها بوسائل وأفكار قديمة وبالية . صحيح أن ثمة تجاذبات حزبية وسياسية أحاطت بطرق تناول ثقافة العنف على وعي وسلوك كل من يتأثر بهذه الثقافة التي تجسدت في أشكال مختلفة من التعبئة الخاطئة لضحاياها . بيد ان هذه الثقافة المشوهة لا تنحصر فقط في الخطاب السياسي الذي تورِّط فيه بعض رجال الدين والدعاة المشتغلين في الحقل السياسي ، إذ ْ ان هؤلاء يمارسون نشاطا ً سياسيا ً وحزبياً بهذا الشكل او ذاك ، رغم محاولة التماهي مع مشروعية دينية لا تحظى بإجماع كافة قوى المجتمع المدني ، خصوصاً وإن الضالعين في توظيف الدين لأغراض سياسية بحتة ، يمارسونه من خلال أطر حزبية في ظل نظام ديمقراطي تعددي ، لا ريب في أن أطرافا ً سياسية بعينها تتحمل مسؤولية مباشرة عن الخطاب التكفيري التحريضي الذي أدّى الى انتشار التطرف لدى بعض المنفعلين بهذا الخطاب ، وأنتج من بين صفوفهم بعض القتلة والمجرمين والانتحاريين القساة ، ممن تورطوا في ارتكاب جرائم إرهابية . بيد أن الأمانة التاريخية توجب الإشارة الى أن رواسب ثقافة العنف والتطرف ، وبقايا نزعات الاستبداد والإقصاء والإلغاء والإنفراد والأحادية ، ليست حكرا ً على طرف سياسي دون آخر ، وأصبح العنف حولنا في الشارع في الدوائر في المنازل في المدارس ، فالمراجع المدعوم يعتدي على الموظف البسيط ، والطالب يعتدي على أستاذه ، والزوجة التي تقتل زوجها ليخلو لها الانفراد بعشيقها، والابن الذي يضرب أمه ويقتلها ليستولي على الشقة التي تقيم فيها ، والسرد يطول لذكر نماذج من هذه السلبيات بما يقشعر البدن .. وهكذا نرى أن العنف أصبح يمثل خطراً شديداً على أمن الجماهير واستقرارهم، وإذا تركنا هذه الظاهرة دون علاج حاسم وسريع فإننا سوف نفقد السمات والخصائص التي تميز المجتمع العراقي ، والتي كان من أبرزها التسامح والرحمة والرفق والأمن ، وحينما نمعن النظر لتفسير هذه الظواهر السلبية فإننا سنشير إلى أن العنف جاء إفرازا طبيعيا لتنشئة أسرية غير سوية خلال فترة الحروب العراق التي اليوم تجاوزنا ثلاثين سنه من سنوات الحرب والدمار و الحصار الذي سبق حرب الخليج الثالثة والذي استمر قرابة ثلاثة عشر عاما حيث كان الفرد العراقي يبذل جهدا كبيرا في محاربة الفساد في مختلف مناحي الحياة لما لها من آثار بليغة على النظام الاجتماعي وسلوك الأفراد ، وقد نجح إلى حد كبير في هذا المسعى ولكن ظل اثر الفساد والغش محدودا لكن الحال اختلف كثيرا بل انقلب رأسا على عقب بعد 2003 إذ انفلت زمام الأمور وصار الغش و الفساد سمة بارزة من سمات الإنسان العراقي المنهك والمنهوب ماله العام سرا وعلانية وما كان محرما ويحاربه المجتمع أضحى بين ليلة وضحاها عادة ، حيث الغش و الفساد من أعلى الهرم وحتى القاعدة يعيش أبهى أيامه فالحكومة ومن خلال وزاراتها الخدمية المختلفة تغش المواطن ولا توفر له شيء والمواطن لاسيما الموظف منه يقابلها بالمثل ولا يقدم شيئا يذكر حتى أضحى البلد في فوضى لم يشهد لها مثيلا من قبل وهذا كله أدى إلى زعزعة ثقة العراقي بمجتمعه، فقد اهتزت عند العراقيين ثقتهم بمجتمعهم ككل وأضحى العراقي اليوم ينظر إلى مجتمعه الذي يعيش فيه كمجتمع عاجز مفكك لا يملك أية أطر تعبر عن تطلعاته وطموحاته، ولا توجد أي إستراتيجية لترتيب علاقته بالدولة أو حتى نقل مطالبه للسلطة، مجتمع يرسخ فيه الانحلال والفساد، مجتمع أوكل أمره إلى قيادات تدعي إنها دينية والتي هي بدورها لا تخرج عن نمطية التفكير بطريقة تصرفات رجال الكنيسة في القرون الوسطى في أوربا عبر نظرتها للمجتمع والسياسة، وكل ذلك قسم المجتمع طائفيا وتحطمت حتى الصورة الهشة عن المواطنة في جامعها المشترك كأفراد في مجتمع له دولة.
أن أي عراقي اليوم على بساطته يحمل في الصورة الذهنية التي كونها عن مجتمعه انه مجتمع ضعيف وهش يعاني من انحلال كافة بناه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، ومن بين أشد القيم تضررا في منظومة قيم المجتمع العراقي هي انسلاخ الفرد أو المواطن العراقي عن دولته ومن ثم مواطنته ومجتمعه وذلك على خلفية تحكم العلاقات الطائفية والقومية والقبلية والفئوية حتى في خدمات الدولة حيث الأوضاع متداخلة ومختلطة في مختلف الوظائف المطلوبة من الدولة تأديتها لاسيما ما يخص الخدمة العامة، إذ يجد المواطن إن دولته منسلخة عن المجتمع لأنها لا تعبر إلا عن مصالح طائفة أو فئة اجتماعية محدودة بصورة مباشرة وضيقة ولا تتجاوزها إلى مجموع المصالح العليا للبلاد ونستطع القول ان جميع القوى السياسية والتيارات الفكرية وبدون إستثناء توّرطت بأشكال ومستويات مختلفة في إنتاج ثقافة العنف والتعصب عبر تسويق مشاريع سياسية شمولية ذات نزعة إستبدادية وإلغائية أضاعت فرصا ً تاريخية لتطور المجتمع ، وأهدرت طاقات وإمكانات هائلة ، وخلقت جراحاً عميقة وملاين من ضحايا الصراعات السياسية وأعمال العنف والحروب الأهلية والإغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية التي لم يتم تبريرها لا بهذا الشكل ولا ذاك .
يقينا ً أن ثقافة العنف والتعصب لا تنحصر في طرف سياسي بعينه أو فئة او طائفة معينة بل تتجاوز ذلك بالنظر الى أجندتها الإقليمية والدولية التي وجدت من البيئة الفكرية والثقافية والتعليمية والاجتماعية التي تعاني من تشوهات لا تُحصى في العراق، بما في ذلك السيولة التي تتجسد في انتشار واستخدام السلاح ، وما ترتب عليه من مخاطر لا تهدد فقط السلم الأهلي والوحدة الوطنية، بل أنّها تمتد لتفتح الأبواب واسعة لدخول المسلحين من شتى الجنسيات الى ارض الوطن لتنفيذ، أجندة طائفية ودينية مقيتة، جرائم قذرة بحق المواطن العراقي المغلوب على أمره.
بوسعنا القول أن ثقافة الإستبداد في مجتمع العراقي امتلكت أجندتها من خلال إيديولوجيا طائفية ودينية بغيضة التي سعت و تسعى إلى السيطرة على وعي وسلوك الناس ، بغسل أدمغتهم ليتم صياغة طريقة تفكيرهم وتشكيل مواقفهم وإستعداداتهم وتحويل نمط حياتهم وفق أجندتهم، وهذه الصورة السلبية تقود المواطن أو الفرد بالضرورة إلى سلوكيات وممارسات تؤثر سلبا في النظام الاجتماعي كظواهر العنف من القتل والانتحار والخطف والاغتصاب أدى إلى شيوع الفساد الأخلاقي وقد وصل الحال إلى فلتأن امني واجتماعي خطير للغاية، وهذا ما دفع ويدفع الملايين من أبناء الشعب إلى الهجرة خارج العراق فاليوم تؤشر الدراسات بان أكثر من خمسة مليون أسرة نزحت العراق إلى دول الجوار ومنها إلى دول الغرب لتبدأ هنالك معاناتهم تتسع أكثر وأكثر باختلاف اللغة والبحث عن العمل بوظائف لا تناسب مؤهلاتهم العلمية بكون الغالبية المهاجرة هم من حملة الشهادات العليا .
فالحكومات التي تتوالى لإدارة الدولة بعد حرب الخليج الثالثة في نظر المواطن العراقي قد فشلت في ضمان الحد الأدنى من أمنه وسلامته وإقامة حد أدنى من حكم القانون والقضاء النزيه والعادل، بما نشهد من تجاوز عليه يتسع يوم بعد أخر ، حيث لا يكون الاعتداء على القانون ممنوعا، بل يكون خوفًا من العنف ، فالقانون لا يُفرَض إلا على مَن لا يمتلك القدرة على خَرْقِه ، اذ ليس هناك احترام للقانون ، بل رضوخ وإرغام ، وعليك أن تخترق القانون إذا استطعت أن تؤمن العقاب ، ومن يؤمن العقاب يسئ الأدب ، كما يقول المثل، فإن ضعفتْ سلطةُ القانون، وتراجعتْ قدرةُ المجتمع على فَرْضِه، ينفجر العنف انفجارًا مذهلاً، وتنفجر العدوانية الكامنة، دون مراعاة للمُواطَنة والجيرة والمشاركة أو الانتماء أو حقوق الإنسان. إلى جانب ممارسات طائفية والتميز التي اتسعت في الدولة لدرجة العنف عبر التعصب الطائفي أو العرقي أو الديني مما أدى بالمواطن الضعيف الإرادة انسلاخه عن مواطنته ويتجه نحو تصرفات عدوانية مؤذية للمجتمع هي في الأصل غريبة ودخيلة على الثقافة العراقية القائمة على التكاتف والتعايش السلمي في إطار المجتمع الواحد المتعدد الأطياف والأعراق والأديان ، فهذا هو هو بعينه الدمار الشامل في العراق فكيف لا تغير سلوكيات التنشئة الأسرية ، وأوضاع اقتصادية متدهورة، وعلاقات اجتماعية تكتنفها الكراهية والحقد، ولاعتبارات ثقافية يحكمها الجهل والتخلف والعدوانية والفهم غير الصحيح لما يدور على الساحة المحلية والإقليمية المضطربة والتي لم تكن على أحسن حال من العراق، أن خطورة هذه الأوضاع لابد من وضع حدا لعدم اتساعها أكثر وأكثر ، ولكي يتم لتحجيم هذه الظواهر ، والقضاء عليها لابد أن نبدأ من المنزل والتي يكتسب فيه الطفل المبادئ والقيم والمعارف والمفاهيم السليمة والإيجابية، ثم تأتي المدرسة، وروضات الأطفال التي تكمل ما بدأه المنزل، اذ تمثل عملية نمو الضمير عند الأطفال ، حيث تبدأ مؤشرات ظهور الضمير لدى الطفل في نهاية السنة الثانية، وذلك عندما يبدأ الطفل باستخدام الأوامر والنواهي الصادرة من الوالدين على سلوكياته، ومن هنا فإن نمو الضمير أو الأنا الأعلى يعتمد على المعايير الأخلاقية للوالدين وعلى طبيعة العلاقة بين الطفل ووالديه، فالولدان اللذان يمتلكان معايير أخلاقية ناضجة وغير متطرفة يسهمان بشكل كبير في نمو أنا أعلى ناضج وغير متطرف للطفل، وهنالك أيضا علاقة بين ظروف المعيشة ومعدلات التوتر والعنف العائلي حيث ترتفع معدلات التوتر في حالات الأسر التي تعيش حياة صعبة وبائسة وغير مريحة والتي يعاني أفرادها من البطالة وتدني مستوى الدخل وكبر حجم الأسرة وتدهور حالة السكن الذي يقيمون فيه وافتقاره إلى الضروريات ، فكلما ارتفع مستوى الطبقة الاجتماعية كلما تحسنت أوضاع الناس وقلت معدلات العنف، إلا أنه لا يؤدي عامل واحد إلى العنف العائلي فهذه الظاهرة تأتي نتيجة لعوامل أخرى كثيرة تعمل متكاتفة لإنتاج ظاهرة العنف، فالسلوك الإنساني لا يخضع للتكوين الداخلي للفرد فحسب، بل تُؤثر فيه العوامل الخارجية أيضاً، وتطبع آثارها الخلقية في نفسه وسلوكه حتى ينطبع بها، وقد أجمع علماء الأخلاق ("على أن الوراثة مع البيئة هما العاملان الأساسان في تكوين الأخلاق ولما كان الإنسان مدنياً بالطبع فهو محتاج إلى معاشرة الناس حتى تظهر محاسن أخلاقه وتنمو، فإن الشخص المنعزل لا يعرف الخُلُق..." )، وإلا فأين يمارس الإنسان الكرم، والحلم، والإيثار ونحوها من الأخلاق إذا لم يخالط الناس في وسط اجتماعي؟ ومن هنا فإن الجو الاجتماعي الصالح يساعد الفرد على معرفة الأخلاق الفاضلة، ويعينه على ممارسته، والتدريب عليها من خلال التفاعل مع الآخرين، حتى تصبح هذه الأخلاق طبعاً له، لا تنفك عنه ، هذا يعني أن ثمة مجموعة من العوامل تتضافر فيما بينها لإفراز العنف في المجتمع سواء كانت أسبابا اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية أو ثقافية، وهي كلها عوامل تهدد الأمن والسلم الاجتماعي لأن العنف يمثل عدوى تنتقل بين الأفراد والجماعات والمناطق المختلفة، وتؤثر بالسلب على منظومة الحياة ، وعلينا مواجه العنف ببذل الجهد في إصلاح الثقافة والتربية ، وآليات الحوار بين الثقافات، والتواصل بين المجتمعات وفي مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ليتم تجفيف منابع العنف من جذورها في المجتمع .



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديوان الشعر الحر دراسة جماليات في الشعر الحديث
- الفن التشكيلي في العراق وتحديات العصر
- واقع العمل الصحفي في العراق ما بعد 2003 بين حرية الصحافة وال ...
- المرأة بين النص الديني والقانون المدني
- قضية المرأة ، حريتها
- الصحافة العراقية في المواجهة


المزيد.....




- قطر.. حمد بن جاسم ينشر صورة أرشيفية للأمير مع رئيس إيران الأ ...
- ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟
- ملف الذاكرة بين فرنسا والجزائر: بين -غياب الجرأة- و-رفض تقدي ...
- -دور السعودية باقتحام مصر خط بارليف في حرب 1973-.. تفاعل بال ...
- مراسلتنا: مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في بلدة بافليه جنوبي ...
- حرب غزة| قصف متواصل وبايدن يحذر: -لن نقدم أسلحة جديدة لإسرائ ...
- بايدن يحذر تل أبيب.. أمريكا ستتوقف عن تزويد إسرائيل بالأسلح ...
- كيف ردت كيم كارداشيان على متظاهرة هتفت -الحرية لفلسطين-؟
- -المشي في المتاهة-: نشاط قديم يساعد في الحد من التوتر والقلق ...
- غزةـ صدى الاحتجاجات يتجاوز الجامعات الأمريكية في عام انتخابي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فواد الكنجي - الاخلاق و ثقافة العنف في العراق