أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواد الكنجي - ديوان الشعر الحر دراسة جماليات في الشعر الحديث















المزيد.....



ديوان الشعر الحر دراسة جماليات في الشعر الحديث


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 4404 - 2014 / 3 / 25 - 08:22
المحور: الادب والفن
    


لا يمكن ان نفهم الحداثة في الشعر دون دراسة شامله لمجمل مجريات الاحداث والتطورات التي عصفت العالم ،لان أي حديث عن الحداثة والتحديث لا يمكن فهمها دون الغوض في واقع الذي افرز مبررات تحديث الواقع وبتغير نمط واسلوب الحياة النمطية ليتم مواكبة متغيرات الحاصلة في مفاهيم المجتمع ليواكب عصرنه العصر الذي نعيشه ، وبدا فقد تم تداخل العلاقات الاجتاعية وذالك بانفتاحها على الاخر ، وبتوسيع محيط المحلية الى الاقليمية ومن ثم دخولنا عالم العولمة بعد ان شهد العالم انفجار الثورة العلمية والتكنولوجيا الهائلة في اساليب الاتصالات والمعلومات ، فالشرق ، الحضارة والتاريخ ، و باهميته وبمحيطه الاستراتيجي لم ينفصل عن العالم ، في الاخذ والعطاء معه، والانسان- بالمجمل - طبيعته محبا لتغير والتجديد لذا واكب العصرنة بكل مداخلاتها وشعابها فلون اسلوب الحياة بفكرها وعلومها وادابها وفنونها وعلى نحو ذلك ، نحو كل مفاصيل الحياة ، فالتغير لم يحدث الا باردة حره حيث صاعدت تورة الحرية التي حمل مشاعلها الانسان الثوري لتحرر ذاته وانسانيته من العبودية والاستغلال ، فكانت ثورة الحرية بمثابة زلزالا هزة مفاهيم المجتمع وحررت الانسان من العبودية ليمضي حرا بارادته ، غاية في ذاته، لا عبد لسلطان او سلطة خاشمة ، مكبلا لا قيمة للانسانية الانسان ، محكوما بارادة الاخرين ، حبيس قيم .. وعادات .. وحاكم اجير ، تابعا ذليل يباع ويشترى .. حيثما شاء الاخريين .
لقد ثار الانسان ثورة حقيقية واحدث تغيرا شاملا لنمط الحياة ، كل الحياة التي كان يعيشها ، ثورة كانت .. وستكون حرة محدثة بحداثة التغير وكسر طوق النمطية البالية، هو احساس رد لذات الانسان وعية وكقوة سحرية ثارت على كل شي ، ومن كل شي ومن اجل كل شي، هذه الأرادة عينها هي التي تقفز اليوم لتكون جسرا بين واقع الإنسان المادي العلمي وبين الروح والقوى الغيبية ، بين عالمنا المكشوف وعالم الإنسان المخفي خلف منعطفات الخيال والذاكرة، ومن هنا كانت الحداثة .
فالحداثة اصطلاحاً و مفهوماً عاماً ، هي منهجاً و فكراً يشمل جميع مناحي الحياة و يقوم هذا الفكر على التمرد على كل القيم و المعتقدات، و هي في الأدب لا تعترف بأي قيود أخلاقية أو عَقائدية ، فالذين تبنوا الفكر الحداثي يهتمون بالجنس الأدبي أياً كان من حيث الشكل و بغض النظر عما يحمله من أفكار قد تتنافى مع العقائد و الشرائع و الأخلاقيات وتعرف الحداثة بأنها ( حركة ترمي إلى التجديد، ودراسة النفس الإنسانية من الداخل ، معتمدة في ذلك على وسائل فنية جديدة..) ، فأمامنا الثورة على ما هو مألوف..، بكون الحداثة، منهج فكري ونظرية ذات فلسفة ولا تقتصر على الجانب الأدبي فقط ، وإنما تعم وتشمل كافة الجوانب الحياتية الاجتماعية كانت أم معرفية، أم صناعية....الخ .. ، حيث تقوم على العقل والعقلانية وتهدر كل ما لا يدركه العقل المتحرر من اية سلطة او ارادة الاخر ، وبالتالي فهي ترفض جميع العقائد والتصورات وأشكال التنظيم الاجتماعي التي لاتستند إلى أسس عقلية ، أو علمية ، فان جذور الحداثة ومصادرها اتت من الفلسفات اليونانية والرومانية وما انطوت عليه من عقائد وأفكار وثنية ، ومذاهب إباحية ، ومن الشيوعية المتضمنة للمادية الجدلية ، والصراع بين المتناقضات، وكثير من الحداثيين هم من أتباع هيجل وانجلز وماركس ودارون وفرويد ومن المذاهب التي ثارت على الكنيسة في اوربا ، وتمردت على جميع الأديان ، ومن الفلسفة الوجودية، ورائدها جان بول سارتر، حيث سلك سبيله كثير من الحداثيين، الذين دعوا إلى الفرار من الحياة عن طريق الأحلام والخيالات وتقديس وجود الانسان وذاته ، وكذلك من عبادة العقل أو الطبيعة أو التجربة أو الجنس أو الذات ونحو ذلك مما أفرزته الأزمات الفكرية والسياسة والنفسية والاجتماعية التي عاشوها هناك، ثم إن عبادة تلك الأشياء لم تنجح في إسعاد المجتمع الغربي فتولد من ذلك كله الحداثة الثائرة ، ومن هنا فاننا حينما نتحدث عن الحداثة الشعرية علينا ان نتقصاه من منظورات عدّة متباينة ، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بتحديد ما هو جوهري فيها ، أم ما هو عرضي ، إذ يخيل للمرء أن الشعر المعاصر لم يكد يترك جانباً من جوانب الحداثة ، من دون ان يتناوله الشعر. وواقع الحال أن ذلك قد أسهم إسهاماً فعالاً في تحديد الحداثة الشعرية وبلورة أطروحاتها الفنية والجمالية. ولا يرتبط الأمر بما هو نظري وحسب، بل بما هو تطبيقي- تحليلي أيضاً .
فالشعر الحديث ليس ثورة على الشكل وحسب - وان كان كذلك - لكان فقد مبرراته ، فالشعر العربي الحديث ليس مجرد تغيير طرأ في أشكال الشعر فبعثر عمود الخليل وأزال القافية وسخر من فنون البديع والبيان المعروفتين ، واي تفسير بهذا الاجاه نكون قد أخطأنا في فهم هذه الحركة ، لان موقف الشعر الحديث يختلف جذريا عما فهمناه سابقا بكونه موقفه من العالم موقف مختلف ، لان الشعر العربي القديم كان متفرجا على العالم لذ اكتفى الشاعر بوصف ظواهره وحاكا انعكاساتها السطحية فحسب ، لم يكن الشعر عنده مغامرة تطمح إلى أن تفسر العالم وتغيره كما يرى جبران خليل جبران و بدر شاكر السياب ، وعبد وهاب البياتي او محمود درويش او الى أن تجعل ما يفلت من الإدراك العقلي مدركا أو أن تكشف عن عالم مجهول لم يعرف بعد كما يرى أدونيس و ماغوط و يوسف الخال وانس الحاج و محمود درويش وخليل حاوي .. او الى احساس ومشاعر حب لا خير كما يرى نزار القباني ، رسالة الشعر اليوم غيرها بالأمس ، انها الثوره على كل مفاهيم القيم الانسانيه والفكريه والسياسيه وحتى الادبيه ، فهي رؤيه للتغير الاجتماعي والفكري الذي أحدثه الزمن على اختلاف عصوره ، هي التمرد على الواقع بكل جبهاته السياسيه والاقتصادية والاجتماعيه والفكريه ، مفاهيم خطيرة ، اخذ أمتدادهما الى الادب العربي المعاصر ، ليخلقا نوعا من التمرد أقوى بخطورته من العولمة والماركسيه والرأسماليه في تأثيراته ، فالكاتب هنا يزرع أفكاره السوداويه أو أفكاره التحرريه أو المنقلبه على الوضع الاجتماعي عبر ما يكتبه من شعر أو روايه أو نص نثري وبمعنى اخر انه تجاوز محاكات الطبيعة ليمضي بالغور نحو واقع الشاعر النفسية والاجتماعية والحضارية ومدها بالقيم الجمالية مستخدما الوسائل الفنية الابداعية في توضيح القيمة الفكرية لكتاباته حائكا أدوات وتعبيره ووسائله الفنية باللحظة التي يحياها وبأسلوب وبطريقة التعبير واستخدام الرموز والأساطير ، كما جائت في اشعار بدر شاكر السياب و جبران خليل جبران ، على سبيل الميثال وليس الحصر ، فالتمرد على صناعة الادب اصبحت سمة الحداثة والكتابة المعاصره ، ليسافر الكاتب محلقا بخياله في كل الاتجاهات وحتى بدون اتجاهات ، ليخلق نمطا جديدا من الادب حيث اختلطت الثقافة الغربيه بالثقافة العربية لما شهده العالم من ثورة معلوماتية هائلة ليظهر الادب المعاصر كثقافات تحررية ناشئة من روح عصر التحرر الذي شهده العالم وكانقلاب على الواقع ككل وبكل قيمه وفكره ، حيث الأفكار مشبعه بثورة الادب المعاصر دون تحديد اكان شرقيا ام غربيا فالادب العرب اخذ يحاكي الاساطير لاغريقية الى جنب الاساطير الشرقية ، ولما كانت اللغة هي الوسيلة المعبره فاننا نجد ان الحداثة داهمت مفردات اللغة لتواكب المعاصرة في السرد و نقل الافكار و في قوالب جديدة لم نجدها في الشعر القافية ، على اعتبار ان اللغة هي جسر الفكر الحقيقي ، فالبحث عن أساليب مبتكره وجديدة الابتكار، مفردات ورموز وجمل قصيرة وطويلة ، أدت الى تنوع النصوص المقدمه ورد روح الحياه في هذه النصوص ، وهذا ما ادى الى ظهور الشعر الحر حيث غابت القافيه والتفعيله المنتظمه التي كانت تقيد الشاعر بنمط معين من الاوزان في الشعر العربي القديم وحتى المفردات والجمل ، وأصبح الشاعر بحاجة الى تطوير اللغة لتتناسب وروح العصر الحديث ، من حيث طريقه الكتابة والتراكيب لذ اتجه الشاعر الى المفرده ورموز وجمل التي تمتاز بالبساطه والبعد عن الزخرفه والتكلف والاطناب في الكلام ، فالبساطه في التراكيب اصبحت سمة الشعر الحر ، كما نجد ذلك في اشعار محمد الماغوط و بدر شاكر السياب ، بكونها تتطلب استخدام المفردات التي تحاكي العقل قبل أن تحاكي العاطفه. فاللغة في الخطاب الشعري هي غاية في حد ذاتها ، بكون الدور الأساس للكلمات هنا هي أن تكون الخيوط التي يتألف منها نسيج القصيدة ، ومعنى الكلمة في الخطاب الشعري غير محدد سلفاً في داخلها، وإنما يشعّ منها من خلال تفاعلها مع مجاوراتها في التركيب النحوي، ومن خلال صوتها وإيقاعها وانسجامها مع المناخ العام للنص، ومما تختزنه من شحنات انفعالية متولدة من رحلتها الطويلة في الزمان والمكان ، ومن خلال العلاقة الشخصية الشاعر بمحيطه ، فأهم سمات الادب الحديث الا ينزوي الكاتب خلف قناع مزيف ، بل عليه أن يتكلم بلا تكلف تاركا نفسه تتحدث على سجيته كما نجد ذلك في نصوص الشاعر انس الحاج ويوسف الخال وادونيس وماغوط ودرويش ، فالكاتب هنا كان الخط الفاصل بين الحقيقه والخيال السرد الواقعي يمثل نوعا من التواطؤ بين واقع الكاتب وبين كتاباته فهو لن يستطيع أن يمثل الواقع سوداويا ولا ان يمثله مليئا بالمثل والقيم ، اظهار الواقع ظالما ومظلوما ، وتمثيل القيم على أساس انها غليظه ورقيقه في أن واحد وبين الاحباط مليئا بالفشل و بالبرود والى تحلق في نشوة الانتصار واللذه حيث يضخم السعاده حينا ويضخم الالم حينا أخر ، لسرد منطقي وغير منطقي لكل من الاحلام والمعاناه فالشاعر يحاول اخفاءه الكثير من معاناته وراء خياله ليحذف العديد من التفاصيل ويضيف العديد من التفاصيل وصولا الى الهدف المرجو والمشهد المطلوب وابستخدام رموز ومفردات غريبة وربما ليس لها معنا بقدر اعتماده على الصوت الذي تعطيه المفرده كما فعل بدر شاكر السياب باتخدامه كلمة ("صليل" ، صليل الاف العصافير فوق الشجر ) هذا على سبل الميثال وليس الحصر، فهناك ايضا مفردات اودونيس التي لا حصر لها ، نعم قد يكون هناك ربط بين ظاهرة الغموض بطبيعة الرؤية الجديدة التي طبعت ولازمت القصيدة المعاصرة وبين النص الشعري المعاصر بحيث يبقى منفتحا على كل الاحتمالات المعرفية والحدسية والخيالية - ان صح التعبير- التي تجمع بين تناقضات الرؤية ومحاسن اللغة وتعدد الرمزية باشكالها المختلفة وفقا لمقدرة الشاعر وتوجهه . فالشاعر المعاصر يعبّر عن حساسية حضارية واسعة اساسها القلق النفسي ، ظاهرة العصر الحديث والبحث عن اللامحدود ، وعليه اصطبغت الرؤية الشعرية لديه بلهجة شديدة الغموض والتعقيد بحيث اصبح الشاعر المعاصر شاعر المفاجأة والرفض اذ تمر القصيدة بمتاهات طويلة ضيقة فلا يـبقـى عنده غير الإبداع فيفجره في جميع الاتجاهات كيفما شاء و مسارات هذا الانفجار يختلف بين شاعر واخر في انتقاء الرمز او انتقاء الكلمة المعبرة ذات المغزى المبهم ، ومن ان يميل الى الرمزية الواضحة او القريبة الماخذ ، بحيث يحسبها المتلقي نوعا من التمثيل البلاغي أي الرمز القريب الى نفسية الشاعر في حدود معرفة المتلقي وان كان الرمز مبهما فانه أي المتلقي سيحاول ايجاد اكثر من ضوء ليكشف الابهام والغموض كي لا يبقي مجالا للعتمة . ومع ذلك فان الشاعر حينما يلجا الى استخدام الرمزية بشكل مفرط – لاسباب خاصه - الى حد الابهام والغموض فانه يدرك ما سيواجه المتلقي للنص ، و لكي لا يضعه في ظلام حالك لذا فانه أي ( الشاعر) يضع في نصه الشعري فجوة او فجوات ليمر النور من خلال بناء القصيدة في اللغة والاسلوب والمقصد الشعري فيضفي اليه مجالا يمكن للمتلقي من الابحار فيها وتحري مقاصدها وما يروم اليه الشاعر فيشد المتلقي اليها ، بدلا من تركه لاهثا متعبا في ايجاد ملمس ليحل رموز المعاني او المقاصد المبتغاة وهذه الفسحة هي التي يحسن الشاعر هندستها بما أوتي من قدرة لغوية وشاعرية فذة وينفذ من خلالها الى نفسية القارىء او المتلقي وحتى الناقد والتاثير فيه و سحبه اليها سحبا جميلا وبذلك يحقق طموحات نفسه التواقة الى الرفعة والسمو .
فاستخدم الرمزية في الشعر لم يكن وليد الحداثة وانما اذا رجعنا الى تاريخ الشعر وجدنا الرمزية لها وجودها في الشعر القديم ايضا ، اذ كان الشعراء لا يصرحون ببعض الامور التي لايرغبون ان يعرفها الاخرون في قصائدهم ومن هنا قيل ( المعنى في قلب الشاعر ) فالغموض في الشعر ليس معضلة تأويلية جديدة إذ أن طبيعة أي عمل فني يفترض على من يتعامل معه أن يجد سبلا لمعان متعددة ومتضاربة ويقاس هذا بامكانية الشاعر وقدرته وقابليته الفنية .
ان الرمز في التعبير الشعري يلازم اللغة الشعرية الخيالية القائمة على المجاز والمفارقة للغة العقل والمنطق ، فهو من افضل و أنسب المسالك للتعبير عن الذاتية النفسية وسبر اغوارها لأن جوهر الشعر الذي يعبر عن عمق التجربة قد لا يبدو واضحا او محدد المعالم . فالغموض بصورة عامة صفة مشروعة من صفات الحداثة حين يصدر من أعماق تجربة ذاتية تحافظ على عمق الرؤية الفنية والخيالية الشعرية عندها تكون بعيدة عن النثرية او الحالة التي تحول بالفعل الخطاب الشعري إلى كلام عادي اقرب الى النثر منه الى الشعر على ان يكون قوامه العقل والمنطق والوضوح . اذ اعتمد اغلب الشعراء - شعراء قصيدة النثر- الرمزية الغامضة في قصائدهم بشكل مفرط على نحوٍ تجسَّدت فيه جملةٌ من تحولات مفردات القصيدة الشعرية ، وفي تحولاتها الموضوعية والجمالية وأساليب التعبير في التجربة الشعرية - ان صح التعبير - بحيث تباينت مواقف الشعراء وتفاعلهم إزاء موضوعات جديدة في الشعر هي اقرب للفلسفة منها للشعر مثل الموت والحياة و الوجود و الحقيقة ، كقصائد لسياب وجبران ، وادخل هذه التشكيلات في بنية نصوصه الشعرية على مستويات متماثلة هي اصلا من اساسيات الشعرية منها اللغة والدلالة والايقاع والصورة .
نعم اقولها بك صدق .. لقد أولع شعراء قصيدة النثر بالرمزية الى حد الغموض حيث يرون في الرمز جمالا لا يتحقق الا في المعاني الخفية وكان للرموز والأساطير التي أولعوا بها منذ سبعينات القرن الماضي ولحد الان اثر كبير في غموض القصائد الشعرية ، الامر الذي طرح نوعية التوصيل مع المتلقي ومدى صعوبته أحيانا ، نتيجة ما وراء هذا الغموض من فلسفة فنية وحياتية يشوبها نوع من الغرابة في استعمال اللغة والعبارات الغامضة و المفردات المكسوه بالخيال واللا واقعية وان كانت تهدد اللغة العربيه وتهدد واقع الكتابة السردية لدخول الحداثة بمفاهيمها المتناقضة لتغزو مفاهيمها الفكر الانسان برمته ، الا انها في المجمل لها قيمتها الابداعية بكون الغاية هي التعبير عن مكونات النفس للشاعر فتظهر قصائدهم كأنها التطبيق الممكن لتبنيهم موجات الحداثة ، ولقدرتهم الثقافية على إحتواء الافكار والنظريات والفلسفات التي تعاصرهم لا وبل الى تنظيراته التي يجمع فيها الفكر والفلسفة و الفن، ولا نبالغ إذا ما ذهبنا إلى أن الحداثة قد أنجزها الشعراء إبداعاً. ولما كان الشعر هو نتاج الوعي الجمالي السائد والمشروط بالبنية المجتمعية العامة ، وهو ما يعني أن الشعر لا يمكنه أن يتبدّل ، ما لم يكن ثمة تبدل في الوعي الجمالي ، وهذا لا يحدث بمعزل عن التبدلات الحاسمة في تلك البنية المجتمعية ، أي أن الشعر ليس انعكاساً مباشراً للواقع ، بل هو انعكاس للوعي الجمالي و الفكري المشخّص تاريخياً من جهة ، والمشخص فردياً من جهة ثانية، وتأسيساً على ذلك ، فقد نظرنا إلى الحداثة الشعرية على أنها حداثة في الوعي الجمالي أولاً واخيرا ، ولا يمكن لنا فهم الاختلاف والتميز بين النص الحداثي من جهة، والنص الكلاسيكي والتقليدي المعاصر من جهة أخرى، ما لم نأخذ بالاعتبار الاختلاف والتميز بين الوعي الجمالي لكلّ منهما ، ولكن إذا ما كان الوعي الجمالي هو المنطلق في تبيان الحداثة ، فإن هذا لا يؤدي بنا إلى إغفال الشكل الفني والوعي الجمالي الحداثي هو أحد تلك الصور الذهنية التي راحت تتشكل في ذهن القارء بفعل المستجدات المتعددة والمختلفة التي بدأت بالبروز منذ أوائل القرن العشرين ، ومن هنا فإن تبيان هذا الوعي هو في أساسه تبيان للخلفية الناظمة للحداثة الشعرية ، ويتميز الوعي الجمالي في الحداثة الشعرية العربية من الوعي الكلاسيكي العربي بعدة سمات تجعله وعياً جديداً بكل ما تعنيه الكلمة ، لقد طرح شعر الحديث أنماطاً عدة ، والتي هي نوع من الابداع والوعي الجمالي من الرموز الفنية التي تمكنت من تكثيف تجربته الجمالية، في علاقته بالواقع الاجتماعي التاريخي ، الذي راح يتنامى فيه ، بحيث جاءت هذه الرموز بوصفها معادلاًت فنية و موضوعية في ان واحد ، للهواجس الاجتماعية والفردية التي برزت مع بروز الحداثة الشعرية ، ومن دون أخذ ذلك بعين الاعتبار ، يصعب أن نفهم شيوع رموز الخصب والانبعاث والاسطورة في القرن العشرين ، مثلما يصعب أن نفهم شيوع رموز اليباب والاغتراف والاغتراب ، ومن البدهي أننا لا نربط بشكل ميكانيكي بين الرمز الفني والهاجس الاجتماعي ، وإنما نسعى إلى تأكيد أن كثيراً من الرموز يصعب فهمها ، بمعزل عن الهاجس الاجتماعي ، ولا سيما الرموز العامة أو الخاصة منها ، فإن للطبيعة النفسية والروحية للمبدع أثراً حاسما ً، في إنتاجها ، فالنموذج الفني الراقي هو المشخص بمدى توازن الهارمونك ما بين الشكلا والمضمون و و بتلاعب بين المفردات والرموز وتداخلها ، وهي من أهم الأساليب التقنية جماليا التي استخدمها شعر الحداثة العربية ، في تعبير الشاعر عن وعيه الجمالي الذي تتصف به قصيدة الشعر الحر من جهة وفي تعبيره عن الواقع الإنساني من جهة أخرى ، إذ إن إنتاج النموذج الفني بهذا الشكل اعطى للقصيدة ابعادها المعاصر بكل ما تعني كلمة المعاصرة بكونها لم تبني قصيدة الا وقد سبق البناء معالجة فنية لأوسع مساحة ممكنة في القصيدة ، من الواقع بعلاقاته ، و من الفلسفات الفكرية ، ولهذا فإن دراسة هذه التقنية هي في أحد مستوياتها دراسة بناء التجربة الشعرية في شعر الحداثة ، فان إنتاجها ينهض ، أساساً ، من محاولة الشاعر الحداثي ، في استيعاب الواقع الإنساني استيعاباً فلسفيا ، يتمكن به من تملك العلاقة الجدلية بين الذاتي والموضوعي ، بين الأنا والآخر ، و طريقة للنظر في الحياة ، والاسلوب الشعري هو انتاج ماتدركه الازمنة العقلية المنشديه من أفكار وتصورات عن العالم ، وهو يمثل قيم مرحلته ، فلكل مرحلة قيمها الجمالية وطرق إعرابها عنها ، فالحب .. والبغض .. والحرب .. والبطولة .. والتسامح .. ومفاهيم القوة .. والضعف .. تختلف من عصر الى اخر، وتختلف بالضرورة زمنيا زوايا النظر الى طرق التعبير عن تلك القيم .
ومن خلال هذه المقدمة الموجزه ، ساختار هنا بعض نماذج - وليس كل النماذج - وربما اذ اسعفنا العمر سيكون هذا الوجيز مدخلا لكتاب يحمل نفس عنوان هذه الدراسة ، و القصائد المختارة هنا وجدت فيها تميزا خاص بما فيها من اساليب حديثة لقصيدة الشعر الحر ومدى قدرة الشاعر في تسخير قصيدته الشعرية ، لتحاكي النفس البشرية في كل زمان ومكان ، لكون أبعاد القصائد المختاره الجمالية والفنية والدلالية نصوصا متجددة في كل وقت وفي كل زمان ، حيث تحس أن للقصيدة عالمها الخاص والمنفصل عن أي ارتباط مكاني أو زمني مؤقت ، فنحن عندما نقرأ هذه القصائد لا نجد بأنها تحيطنا بسياج ضيق ينتهي عند حدود معينه ، بل نجد أن نصها مفتوح الأفق على قيم جمالية وعاطفية وفكرية تلتمس القلب بكل شفافية ووضوح .





بدر شاكر السياب ... قصيدة (النهر و الموت)

بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قرار البحر
الاء في الجرار و الغروب في الشجر
و تنضح الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
بويب يا بويب
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
أود لو عدت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النّذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرّة التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
و يملأ السّلال
بالماء و الأسماك و الزهر
أود لو أخوض فيك أتبع القمر
و أسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر
و السمك الساهر هل ينام في السّحر
و هذه النجوم هل تظل في انتظار
تطعم بالحرير آلافا من الإبر
و أنت يا بويب
أود لو عرفت فيك ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه و الشّجر
ما تنضح النجوم و القمر
و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
فالموت عالم غريب يفتن الصّغار
و بابه الخفي كان فيك يا بويب
عشرون قد مضين كالدّهور كل عام
و اليوم حين يطبق الظلام

و أستقرّ في السرير دون أن أنام
و أرهف الضمير دوحة إلى السّحر
مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
أحسّ بالدّماء و الدموع كالمطر
ينضحهنّ العالم الحزين
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصة يشق ثلجها الزّؤام
أعماق صدري كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحين
أشدّ قبضتيّ ثم اصفح القدر
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
و أبعث الحياة إن موتى انتصار
لأحمل العبء مع البشر
و أبعث الحياة إن موتى انتصار



جبران خليل جبران ... قصيدة (اعطني الناي)

الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ اذا جُبروا
و الشرُّ في الناسِ لا يفنى وإِن قُبروا

وأكثرُ الناسِ آلاتٌ تحركها
أصابعُ الدهر يوماً ثم تنكسرُ

فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
ولا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ

فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
صوت الرعاة و من لم يمشِ يندثر

• * *

ليس في الغابات راعٍ
لا ولا فيها القطيعْ

فالشتا يمشي و لكن
لا يُجاريهِ الربيعْ

خُلقَ الناس عبيداً
للذي يأْبى الخضوعْ

فإذا ما هبَّ يوماً
سائراً سار الجميعْ
* * *
أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا يرعى العقولْ

وأنينُ الناي أبقى
من مجيدٍ و ذليلْ

* * *

و ما الحياةُ سوى نومٍ تراوده
أحلامُ من بمرادِ النفس يأتمرُ

و السرُّ في النفس حزن النفس يسترهُ
فإِن تولىَّ فبالأفراحِ يستترُ

و السرُّ في العيشِ رغدُ العيشِ يحجبهُ
فإِن أُزيل توَّلى حجبهُ الكدرُ

فإن ترفعتَ عن رغدٍ وعن كدرِ
جاورتَ ظلَّ الذي حارت بهِ الفكرُ

* * *

ليس في الغابات حزنٌ
لا و لا فيها الهمومْ

فإذا هبّ نسيمٌ
لم تجىءْ معه السمومْ

ليس حزن النفس الاَّ
ظلُّ وهمٍ لا يدومْ

و غيوم النفس تبدو
من ثناياها النجومْ

* * *

أعطني الناي و غنِّ
فالغنا يمحو المحنْ

و أنين الناي يبقى
بعد أن يفنى الزمنْ

* * *

و قلَّ في الأرض مَن يرضى الحياة كما
تأتيهِ عفواً و لم يحكم بهِ الضجرُ

لذاك قد حوَّلوا نهر الحياة الى
أكواب وهمٍ اذا طافوا بها خدروا

فالناس إن شربوا سُرَّوا كأنهمُ
رهنُ الهوى وعَلىَ التخدير قد فُطروا

فذا يُعربدُ إن صلَّى و ذاك إذا
أثرى و ذلك بالأحلام يختمرُ

فالأرض خمارةٌ و الدهر صاحبها
و ليس يرضى بها غير الألى سكروا

فإن رأَيت أخا صحوٍ فقلْ عجباً
هل استظلَّ بغيم ممطرٍ قمرُ

* * *

ليس في الغابات سكرٌ
من خيال أو مدام

فالسواقي ليس فيها
غير إكسير الغمامْ

إنما التخدير ُ ثديٌ
و حليبٌ للانامْ

فإذا شاخوا و ماتوا
.بلغوا سن الفطامْ

* * *

أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا خير الشرابْ

و أنين الناي يبقى
بعد أن تفنى الهضاب

* * *

و الدينُ في الناسِ حقلٌ ليس يزرعهُ
غيرُ الألى لهمُ في زرعهِ وطرُ

من آملٍ بنعيمِ الخلدِ مبتشرٍ
و من جهولٍ يخافُ النارَ تستعرُ

فالقومُ لولا عقابُ البعثِ ما عبدوا
رباًّ و لولا الثوابُ المرتجى كفروا

كأنما الدينُ ضربٌ من تجارتهمْ
إِن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا
* * *
ليس في الغابات دينٌ
لا ولا الكفر القبيحْ

فاذا البلبل غنى
لم يقلْ هذا الصحيحْ

إنَّ دين الناس يأْتي
مثل ظلٍّ و يروحْ

* * *

أعطني الناي و غنِّ
فالغنا خيرُ الصلاة

و أنينُ الناي يبقى
.بعد أن تفنى الحياةْ

* * *

و العدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
بهِ و يستضحكُ الاموات لو نظروا

فالسجنُ و الموتُ للجانين إن صغروا
و المجدُ و الفخرُ و الإثراءُ إن كبروا

فسارقُ الزهر مذمومٌ و محتقرٌ
و سارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطرُ

و قاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
و قاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ

* * *

ليس في الغابات عدلٌ
لا و لا فيها العقابْ

فاذا الصفصاف ألقى
ظله فوق الترابْ

لا يقول السروُ هذي
بدعةٌ ضد الكتابْ

انَّ عدلَ الناسِ ثلجُ
إنْ رأتهُ الشمس ذابْ

* * *

أعطني الناي و غنِ
فالغنا عدلُ القلوبْ

و أنين الناي يبقى
بعد أن تفنى الذنوبْ

* * *

و الحقُّ للعزمِ و ألارواح ان قويتْ
سادتْ و إن ضعفتْ حلت بها الغِيرُ

ففي العرينة ريحٌ ليس يقربهُ
بنو الثعالبِ غابَ الأسدُ أم حضروا

و في الزرازير جُبن و هي طائرة
و في البزاةِ شموخٌ و هي تحتضر

و العزمُ في الروحِ حقٌ ليس ينكره
عزمُ السواعد شاءَ الناسُ أم نكروا

فإن رأيتَ ضعيفاً سائداً فعلى
قوم إذا ما رأَوا أشباههم نفروا

* * *

ليس في الغابات عزمٌ
لا و لا فيها الضعيفْ

فاذا ما الأُسدُ صاحت
لم تقلْ هذا المخيفْ

انَّ عزم الناس ظلٌّ
في فضا الفكر يطوفْ

و حقوق الناس تبلى
مثل اوراق الخريفْ

* * *

أعطني الناي و غنِّ
فالغنا عزمُ النفوسْ

و أنينُ الناي يبقى
بعد أن تفنى الشموسْ

* * *

و العلمُ في الناسِ سُـبْـلٌ بانَ أوَّلها
امَّا أواخرها فالدهرُ و القدرُ

و أفضلُ العلم حلمٌ إن ظفرتَ بهِ
و سرتَ ما بين أبناء الكرى سخروا

فان رأيتَ أخا الأحلام منفرداً
عن قومهِ و هو منبوذٌ و محتقرُ

فهو النبيُّ و بُردُ الغَدّ يحجبهُ
عن أُمةٍ برداءِ الأمسِ تأتزرُ

و هو الغريبُ عن الدنيا وساكنِها
و هو المهاجرُ لامَ الناس أو عذروا

و هو الشديد و إن أبدى ملاينةً
و هو البعيدُ تدانى الناس أم هجروا

* * *

ليس في الغابات علمٌ
لا و لا فيها الجهولْ

فاذا الأغصانُ مالتْ
لم تقلْ هذا الجليلْ

انّ علمَ الناس طرَّا
كضبابٍ في الحقولْ

فاذا الشمس أطلتْ
من ورا آلأفقِ يزولْ

* * *

أعطني النايَ وغنِّ
فالغنا خير العلومْ

و أنينُ الناي يبقى
بعد أن تطفى النجومْ

* * *

و الحُرُّ في الأرض يبني من منازعهِ
سجناً لهُ و هو لا يدري فيؤتسرُ

فان تحرَّر من أبناءِ بجدتهِ
يظلُّ عبداً لمن يهوى و يفتكرُ

فهو الأريب و لكن في تصلبهِ
حتى و للحقِّ بُطلٌ بل هو البطرُ

و هو الطليقُ و لكن في تسرُّعهِ
حتى الى أوجِ مجدٍ خالدٍ صِغرُ

* * *

ليس في الغابات حرٌّ
لا ولا العبد الدميمْ

انما الأمجادُ سخفٌ
و فقاقيعٌ تعومْ

فاذا ما اللوز ألقى
زهره فوق الهشيمْ

لم يقلْ هذا حقيرٌ
وأنا المولى الكريمْ

* * *

أعطني الناي و غني
فالغنا مجدٌ أثيلْ

و أنين الناي ابقى
من زنيمٍ و جليلْ

* * *

و اللطفُ في الناسِ أصداف و إن نعمتْ
أضلاعها لم تكن في جوفها الدررُ

فمن خبيثٍ له نفسان واحدةٌ
من العجين و أُخرى دونها الحجرُ

و من خفيفٍ و من مستأنث خنثِ
تكادُ تُدمي ثنايا ثوبهِ الإبرُ

و اللطفُ للنذلِ درعٌ يستجيرُ بهِ
ان راعهُ وجلٌ او هالهُ الخطرُ

فان لقيتَ قوياًّ ليناً فبهِ
لأَعينٍ فقدتْ أبصارها البصرُ

* * *

ليس في الغابِ لطيفٌ
لينهُ لين الجبانْ

فغصونُ البان تعلو
في جوار السنديانْ

و اذا الطاووسُ أُعطي
حلةً كالارجوانْ

فهوَ لا يدري أحسنٌ
فيهِ ام فيهِ افتتان

* * *

أعطني الناي و غنِّ
فالغنا لطفُ الوديعْ

وأنين الناي ابقى
من ضعيفٍ و ضليعْ

* * *

والظرفُ في الناس تمويهٌ وأبغضهُ
ظرفُ الأولى في فنون الاقتدا مهروا

من مُعجبٍ بأمورٍ وهو يجهلها
و ليس فيها له نفعٌ ولا ضررُ

و من عتيٍّ يرى في نفسهِ ملكاً
في صوتها نغمٌ في لفظها سُوَرُ

و من شموخٍ غدت مرآتهُ فلكاً
و ظلهُ قمراً يزهو و يزدهرُ

* * *

ليس في الغابِ ظريف
ظرفهُ ضعف الضئيلْ

فالصَّبا و هي...عليل
ما بها سقمُ العليلْ

انّ في الانهار طعماً
مثل طعم السلسبيلْ

و بها هولٌ و عزمٌ
يجرفُ الصلدَ الثقيلْ

* * *

أعطني الناي و غنِّ
فالغنا ظرفُ الظريفْ

وأنين الناي ابقى
من رقيق وكثيفْ

* * *

و الحبُّ في الناس أشكالٌ و أكثرها
كالعشب في الحقل لا زهرٌ ولا ثمرُ

و أكثرُ الحبِّ مثلُ الراح أيسرهُ
يُرضي و أكثرهُ للمدمنِ الخطرُ

و الحبُّ ان قادتِ الاجسامُ موكبهُ
الى فراش من اللذّات ينتحرُ

كأنهُ ملكٌ في الأسر معتقلٌ
يأبى الحياة و أعوان له غدروا

* * *

ليس في الغاب خليعٌ
يدَّعي نُبلَ الغرامْ

فاذا الثيران خارتْ
لم تقلْ هذا الهيامْ

إنَّ حبَّ الناس داءٌ
بين حلمٍ و عظامْ

فاذا ولَّى شبابٌ
يختفي ذاك السقامْ

* * *

أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا حبٌّ صحيحْ

وأنينُ الناي ابقى
من جميل ومليحْ

* * *

وإن لقيتَ محباً هائماً كلفاً
في جوعهِ شبعٌ في وِردهِ الصدرُ

و الناسُ قالوا هوَ المجنونُ ماذا عسى
يبغي من الحبِّ او يرجو فيصطبرُ

أَفي هوى تلك يستدمي محاجرهُ
و ليس في تلك ما يحلو و يعتبرُ

فقلْ همُ البهمُ ماتوا قبل ما وُلدوا
أنَّى دروا كنهَ من يحيي و ما اختبروا

* * *

ليس في الغابات عذلٌ
لا و لا فيها الرقيبْ

فاذا الغزلانُ جُنّتْ
اذ ترى وجه المغيبْ

لا يقولُ النسرُ واهاً
إن ذا شيءٌ عجيبْ

إنما العاقل يدعى
عندنا الأمر الغريبْ

* * *

أعطني الناي و غنِّ
فالغنا خيرُ الجنون

و أنين الناي ابقى
من حصيفٍ و رصينْ

* * *

و قل نسينا فخارَ الفاتحينَ و ما
ننسى المجانين حتى يغمر الغمرُ

قد كان في قلب ذى القرنين مجزرةٌ
و في حشاشةِ قيسِ هيكلٌ وقرُ

ففي انتصارات هذا غلبةٌ خفيتْ
و في انكساراتِ هذا الفوزُ و الظفرُ

و الحبُّ في الروح لا في الجسم نعرفهُ
كالخمرِ للوحي لا للسكرِ ينعصرُ

* * *

ليس في الغابات ذِكْرٌ
غير ذكر العاشقينْ

فالأُلى سادوا ومادوا
و طغوا في العالمين

أصبحوا مثل حروفٍ
في أسامي المجرمينْ

فالهوى الفضّاح يدعى
عندنا الفتح المبينْ

* * *

أعطني الناي و غنّ
و انس ظلم الأقوياء

إنما...الزنبق كأسٌ
للندى لا للدماء

* * *

و ما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
يُرجى فإن صارَ جسماً ملهُ البشرُ
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً
حتى اذا جاءَهُ يبطي و يعتكرُ
لم يسعد الناسُ الا في تشوُّقهمْ
الى المنيع فان صاروا بهِ فتروا
فإن لقيتَ سعيداً و هو منصرفٌ
عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ
* * *
ليس في الغاب رجاءٌ
لا و لا فيه المللْ
كيف يرجو الغاب جزءا
وعلى الكل اشتملْ

* * *

وغايةُ الروح طيَّ الروح قد خفيتْ
فلا المظاهرُ تبديها و لا الصوَرُ

فذا يقول هي الأرواح إن بلغتْ
حدَّ الكمال تلاشت و انقضى الخبرُ

كأنما هي...أثمار إذا نضجتْ
و مرَّتِ الريح يوماً عافها الشجرُ

و ذا يقول هي الأجسام ان هجعت
لم يبقَ في الروح تهويمٌ و لا سمرُ

كأنما هي ظلٌّ في الغدير إذا
تعكر الماءُ ولّت ومَّحى الاثرُ

ضلَّ الجميع فلا الذرَّاتُ في جسدٍ
تُثوى و لا هي في الارواح تحتضرُ

فما طوتْ شمألٌ أذيال عاقلةٍ
إلا ومرَّ بها الشرقي فتنتشرُ

* * *

لم أجدْ في الغاب فرقاً
بين نفس و جسدْ

فالهوا ماءٌ تهادى
و الندى ماءٌ ركدْ

و الشذا زهرٌ تمادى
.و الثرى زهرٌ .جمدْ

و ظلالُ الحورِ حورٌ
ظنَّ ليلاً فرقدْ

* * *

أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا جسمٌ وروح

وأنينُ الناي ابقى
من غبوق وصبوحْ

* * *

و الجسمُ للروح رحمٌ تستكنُّ بهِ
حتى البلوغِ فتستعلى و ينغمرُ

فهي الجنينُ وما يوم الحمام سوى
عهدِ المخاض فلا سقطٌ و لا عسرُ

لكن في الناس أشباحاً يلازمها
عقمُ القسيِّ التي ما شدَّها وترُ

فهي الدخيلةُ والأرواح ما وُلدت
من القفيل و لم يحبل بها المدرُ

و كم عَلَى الارض من نبتٍ بلا أَرجٍ
و كم علا الأفقَ غيمٌ ما به مطرُ

* * *

ليس في الغاب عقيمٌ
لا و لا فيها الدخيلْ

إنَّ في التمر نواةً
حفظت سر النخيلْ

و بقرص الشهد رمزٌ
عن فقير و حقولْ

انما العاقرُ لفظ
صيغ من معنى الخمولْ

* * *

أعطني الناي و غنِّ
فالغنا جسمٌ يسيلْ

و أنينُ الناي أبقى
. من مسوخ و نغولْ

* * *

و الموتُ في الأرض لابن الارض خاتمةٌ
و للأثيريّ فهو البدءُ و الظفرُ

فمن يعانق في أحلامهِ سحراً
يبقى و من نامَ كل الليل يندثرُ

و من يلازمْ ترباً حالَ يقظتهِ
يعانقُ التربَ حتى تخمد الزهرُ

فالموتُ كالبحر , مَنْ خفّت عناصره
يجتازه , و أخو الاثقال ينحدرُ

* * *

ليس في الغابات موتٌ
لا و لا فيها القبورْ

فاذا نيسان ولىَّ
لم يمتْ معهُ السرورْ

إنَّ هولَ الموت وهمٌ
ينثني طيَّ الصدورْ

فالذي عاش ربيعاً
كالذي عاش الدهورْ

* * *

أعطني الناي وغنِّ
فالغنا سرُّ الخلود

و أنين الناي يبقى
.بعد أن يفنى الوجود

* * *

أعطني الناي وغنِّ
وانسَ ما قلتُ و قلتَ

انما النطقُ هباءٌ
فأفدني ما فعلتَ

هل تخذتَ الغاب مثلي
منزلاً دون القصورْ

فتتبعتَ السواقي
و تسلقتَ الصخورْ

هل تحممتَ بعطرٍ
و تنشفت .بنورْ

و شربت الفجر خمراً
في كؤُوس من أثيرْ

هل جلست العصر مثلي
.بين جفنات العنبْ

و العناقيد تدلتْ
كثريات الذهبْ

فهي للصادي عيونٌ
و لمن جاع الطعامْ

وهي شهدٌ و هي عطرٌ
و لمن شاءَ المدامْ

هل فرشتَ العشب ليلاً
و تلحفتَ الفضا
زاهداً في ما سيأْتي
ناسياً ما قد مضى

و سكوت الليل بحرٌ
موجهُ في مسمعكْ

وبصدر الليل قلبٌ
خافقٌ في مضجعكْ
ا

أعطني الناي و غنِّ
و انسَ داًْ و دواء

إنما...الناس سطورٌ
كتبت...لكن بماء

ليت شعري أي نفعٍ
في اجتماع وزحامْ

و جدالٍ و ضجيجٍ
واحتجاجٍ وخصامْ

كلها أنفاق خُلدٍ
و خيوط العنكبوتْ

فالذي يحيا بعجزٍ
فهو في بطءٍ يموتْ
* * *

العيشُ في الغاب و الأيام لو نُظمت
في قبضتي لغدت في الغاب تنتثرٌ

لكن هو الدهرُ في نفسي له أَربٌ
فكلما رمتُ غاباً قامَ يعتذرُ

و للتقادير سبلٌ لا تغيرها
و الناس في عجزهم عن قصدهم قصروا


ادونيس ... قصيدة ( اوراق في الريح )


-1-
لأنني أمشي
أدركني نعشي.
-2-
أسيرُ في الدرب التي تُوصلُ اللهَ
إلى الستائر المُسدلَهْ
لعلّني أقدر أن أبدلَهْ.
-3-
قالَ خَطْوي وَرَدّتْ أبعادي:
"قد تكون الحياةُ أضيقَ من ثقبٍ صغيرٍ في كومةٍ من رمادِ".
-4-
كاللعبِ
تركض في مفاصلي
كلّ رياحِ التّعبِ ،
هل رُوّعتْ من لَهبي
فالتجأت لريشتي
واختبأتْ في كتبي ؟
-5-
حولي ، على وجه الضّحى ، صدَأٌ
يغفو على بابي
في شكل أظفار وأنيابِ
أرنو له بغدي وأغسلهُ
بدمي وأعصابي.
-6-
ألموعد المجهولُ في صمت العذابِ
إبرٌ تخيّط لي إهابي.
عَمِيتْ دروبي: أين وَجْهُ الأفْق يقرأ لي كتابي؟
-7-
وطني يُغَلْغِلُ في متاهٍ أجردِ
هذا غدٌ ؟ لا لستُ من هذا الغدِ.
-8-
نهر العالم ارتوى
من سراديب رجسهِ
أرضه، منذُ كوّنت
أَطفأتْ شمعة الغدِ ،
قال عنه تجدّدي:
"أنا أجري بعكسهِ".
-9-
لكي تقول الحقيقَهْ
غيِّر خطاكَ ، تهيّأْ
لكي تصيرَ حريقهْ.
-10-
كلّ العالم فِيّ جديدُ
حين أريدُ.
-11-
لأنّه روّى من دمِه قولَهْ
لأنّه أسمى
من كلّ مَن حولَهْ،
قالوا له: "أعمى"
وانتحلوا قولَهْ.
-12-
حتى الخطيئهْ ،
تتلبّس الصُّور المضيئهْ
وتقول: "حدسيَ مطلقٌ بكرٌ ن وتجربتي بديئه".
-13-
يبتكرون الحياةَ بالعددِ
بواحدٍ جائعٍ بدون يدِ،
وآخرٍ نصْفهُ من الزّبدِ:
لا يُبدع الرّملُ أيّ أغْنيةٍ
ولا تُحسُّ الأشياءُ بالأبَدِ.
-14-
يطغى بي الحُلُمُ
فأضيعُ مِن شَغَفٍ،
وأكاد بالعَبثِ الفضيّ أرتطمُ.
-15-
لا ، لا . أحبّ ، أحبّ أن أثقا:
وبسطتُ أجنحتي ومنحتُها الأفُقا
فتناثرت مِزَقا...
-16-
بنثرةٍ من الملَلْ ،
أردم كلّ لحظةٍ
بُحيرةً من الأمَلْ.
-17-
في جانحيّ دليلٌ
يسير بي للطّريق
وفي الطّريق رمادٌ
يخبو ، ووهجُ حريق.
-18-
أمسحُ بانتظاري
عناكبَ الغُبارِ...
-19-
بغد غَدٍ أبني
بيتيَ بالأمسِ
وأمسِ كالرَمسِ:
وارحمةَ الشمسِ...
-20-
قال لي تاريخيَ الغارِسُ في الرفض جذورَهْ:
"كلما غبتَ عن العالم أدركتَ حضورَهْ".
-21-
ناضلْ حتى يصل الحجَرُ
للشمس - لِما لا يُنتظَرُ.
-22-
في الطّاقة الخَرزيّهْ
مازال خيطُ بصيصٍ
من الضحى، وبقيّه.
-23-
أصوغ من وساديَ المحجّرِ
أغنيتي وريشتي ودفتري.
-24-
لا، لم يُقطَفْ بعدُ الثّمَرُ
فهو جنينٌ مُنْتَظَرُ..
-25-
أجدرُ بالحاضرِ لو يُقَلَبُ:
لو كعبُهُ يحلمُ، أو يكتُبُ..
-26-
قال الربيعُ:
"حتى أنا في كل ثانيةٍ أضيّعها، أضيعُ".
-27-
أنا بيت الضّوء الذي لا يُضاءُ:
قلقي شعلةٌ على جبل التّيه
وحبّي منارةٌ خضراءُ.
-28-
في عروقي تغفو طواعيةُ الحلم، وتبكي قيثارة الأشياءِ:
ما على الفجر لو ترسّم خطوي
ما علي الشمسِ ، لو تسيرُ ورائي ؟
-29-
في بلادي تمشي أماميَ حُفْرَهْ
صُنِعت من دمٍ وعَسْفٍ ومكرِ،
في بلادي تُبنى السماء بشَعْرَهْ
وتُهدُّ الدنيا بلطْمة ظفْرِ.
-30-
رَقصت بين جفوني الخائِفَهْ
جثة الليل وحرْباءُ المدينَهْ،
فَتقنّعْتُ بعشتار الحزينَهْ
ورسمتُ العاصِفَهْ.
-31-
أمسِ ، فأرَه
حَفَرتْ في رأسيَ الضائعِ حُفْرَه ؛
ربما ترغب أن تَسكن فيهِ
ربما تطمح أن تملك فيهِ
كل تِيه
ربما ترغبُ أن تُصبحَ فكْرَه..
-32-
أَعْطِ للفأرة سوطاً
تتبختَرْ كالطُّغاةِ ،
رَحِمُ الفأرةِ مزحومٌ بذئبٍ وبِشاةِ.
-33-
شَدّ على لسانِه وكَمّا
فمات ، بعد برهةٍ ، أصمّا.
-34-
بدلّ حتى خطَاه
بِلألأهْ:
كيف يصوغُ مَبْدأهْ ؟
-35-
يا وجهَ الممكن ، وجهَ الأفُقِ
غيَرْ شمسَك ، أو فاحترقِ...
-36-
أعمقُ أن أغيبا
أن أسكنَ الغريبا ،
لكي أصوغَ شكلَ السؤال، أو أجيبا.
-37-
هذا الجيل الطالع بعدي مثلَ هدير الأشياءِ
هذا الجيل وقفتُ عليه كل غنائي
لم يُولد بعد، ولكن ها هو ينبض في أعماق الوطن
ها هو يحرق ثوب العفَنِ.
ها هو ينقب سدّ الأمسِ،
بيد الشّمسِ،
ذاك الجيل الطالع بعدي مثل الماءِ
مثل هدير الأشياءِ.
-38-
قلبت كرسيّ عرشي:
فحين أزهو وألهو
أصوغ، في السرّ ، نعشي
وحين أتعبُ ، أمشي.
-39-
تيْبسُ ، تيبسُ أعصابي
كالقَشِّ ، كفأس الحطّابِ :
أيّ دخيلٍ تحت إهابي ؟
-40-
لأنّه الأفْقُ صدىً كلُّهُ
قلبٌ من الآتي وتسبيحُ،
لا تهرمُ الريحُ.
-41-
أرقبُ اللهَ عن كثَبْ
بَصري نورُ شمععة
وحنايايَ من لهَبْ:
وحدَهُ ، يفهم التَعَبْ.
-42-
لا انحني
الا لاحضن موطني
انا صدر ام مرضع تحنو، وجبهة مؤمن

-43-
من يرى الموت مثله والحياة ،
يكتب الليل والنهار بعينيه
وتمحواوراقه الممحاة
-44-
لأنّه يحيا صدىً وأشتاتا ،
إحساسُه ماتا.
-45-
يتّكئْ السجنُ على قَملتينْ:
إحداهما حُبلى ، وتلك التي
ماتت ، تصبّ الأكل في قَصْعتينْ.
-47-
يا شمعةَ المستقبل البصيرَهْ ،
مالي أخاف الطّرُقَ القصيرَهْ ؟
-48-
أحسّ المغيّب ينبت قربي:
خطايَ اكتشافٌ
وسيريَ أبعدُ من كل دربِ .
-49-
قال الغد الحائرْ:
"إن طفر اللحنُ
من شفتيْ طائِرْ ،
لا يطربُ الغصنُ".
-50-
هذا العالمُ: من يبنيهِ
يرميه أكثرَ في التّيهِ.
-51-
رأسه تحت وجهه
والعصافير فوق رأسهِ
تتلهّى بيأسِه ،
والليالي تخثّرت
عَلَقاً مِلْءَ نفسِه.
خلف عينيه قصّةٌ
لم تُترجم حروفها
جذعها الشكّ والحذرْ
والمآسي قطوفها.
عمره شقُّ حفرةٍ
وسراديبُ تُبتكَرْ
هو دنيا طويلةٌ
برغيفين تُختَصرْ.
غده خلف أمهِ
وحانياه للتهرّؤِ والقي مشتلُ ،
كادت الأرض تجفلُ
حين همّت بلمسِه.
...
زمن الشمس في خطاه جليدٌ محجّرُ
والثواني تفسّخت عبثاً لا يُفسّرُ
في ينابيع حدسهِ.
...
قلبه خيط سنبلٍ
واختلاجاته قصبْ
رُبّ جفنين من حطبْ
رفْرفا عبر هجِه:
لا تقل مات يأسهُ
نبضه سرّ يأسِه.
-52-
بعد الموتِ،
لا صوتَ يجسِّدُ لي صوتي.
-53-
أتفهمني وأنا كالحياة عميقٌ بعيدُ؟
وكيف تحقّقتَ أني أحبّ وأني أريدُ
وفي رغبتي للرّياح مقرٌّ وقطبُ
وفوق لساني حديدُ؟
أتفهمني؟ لون عينيّ شمسٌ
ولونُ خطايَ جليدُ.
-54-
أَطعمِ الأيام زندَكْ،
تكبرِ الأشياء بعدَك.
-55-
أعمق ما يفسّر الأرضا
حشرجةُ المرضى.
-56-
أجيءُ مع الناس للكونِ حلماً
وأذهبُ حُلما
وحسبي ، أضيفُ لهذا الوجودِ
صباحاً ، ورفّةَ جَنْحين ، واسْما .
-57-
هُوذا ، يرفض أن يرقى
إلا حرْقا ،
فيه نارٌ لا تخبو
فيه القلبٌ.
-58-
نوافذُ من الدموع هاجرتْ
وجبلٌ من الزّنودِ غائِرٌ
يرصدُه الهواءُ والصَنوبرُ الحزينُ ، كلّ لحظةٍ.
وتينةٌ عتيقةٌ
جفونها من البكاء التصقت بساقِها
والصّمتُ سنَّ إبرَ النسيجِ:
خاطَ جَرساً من الحُفَرْ.
خُيِّلَ لي كأنني
أسمعُ لغوَ طفلةٍ تسمّرت على السرير كفُّها
وعَلِقت جفونُها بخاطرٍ تحسبه فراشةً
أو كرةً أو لعبةً لم تلمح السماءُ مثل لونها.
خُسِّل لي كأنني في سهَرٍ وفي سَمَرْ
أجلس مع سيدةٍ تظنني حفيدها
تأسرنا بالقصص الغريبِ كلّ ليلةٍ:
"جنّيةُ المياه في غلالةٍ من الدّجى
تبدو لنا شرارةً أو شبحاً
تحبّنا ، تأخذنا لأرضها،
تُلبسنا ثيابَها الريحيّة ، الخفيّة الخيوطِ .
وحارسُ القطيع في تلالِه
تقتله الذئابُ أو يقتلُها.
والفارس الجميلُ في هجومه
يقضي على غريمه بلفتةٍ
ويخطفُ الحبيبةَ الحلوة من خِبائها".
...
خُيّل لي كأنني
أُمسِكُ شعرَ الزمن المسافر الذي عَبَر
أجدله أُعيده نوافذاً
وطفلةً صغيرةً وجدّةً
وأستعيدُ ما غَبَرْ.
-59-
عِشْ ألَقاً وابتكر قصيدةً وامضِ:
زدْ سَعة الأرضِ





محمد ماغوط ... قصيدة ( حزن في ضوء القمر)



أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها
أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر
خذني إليها
قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر
فأنا متشرّد وجريح
أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده
من أعماق النوم أستيقظ
لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم
لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر
قل لحبيبتي ليلى
ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين
أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها
انني ألمح آثار أقدام على قلبي .
دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه
وأنا راقدٌ في غرفتي
أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره
من قلب السماء العاليه
أسمع وجيب لحمك العاري .
عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده
والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا
ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح
تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ
ورياحُ البراري الموحشه
تنقلُ نواحنا
إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس
ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ
نبكي ونرتجف
وخلف أقدامنا المعقوفه
تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه ...
وافترقنا
وفي عينيكِ الباردتين
تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله
أيتها العشيقةُ المتغضّنة
ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر
أنتِ لي
هذا الحنينُ لك يا حقوده !
. .
قبل الرحيل بلحظات
ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده
عن الليل والخريف والأمم المقهوره
وتحت شمس الظهيرة الصفراء
كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ
وأترك الدمعه
تبرق كالصباح كامرأة عاريه
فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه
وقربَ الغيوم الصامتة البعيده
كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره
تندفع في نهر من الشوك
وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه
تحدقُ بي
بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .
. .
يا نظراتِ الحزن الطويله
يا بقع الدم الصغيرة أفيقي
إنني أراكِ هنا
على البيارقِ المنكَّسه
وفي ثنياتِ الثياب الحريريه
وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام
تحت سمائك الصافيه
أمضي باكياً يا وطني
أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف
والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين
كامرأتين دافئتين
كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني
إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول
تحت أظافري العطريه
يقبعُ مجدك الطاعن في السن
في عيون الأطفال
تسري دقاتُ قلبك الخائر
لن تلتقي عيوننا بعد الآن
لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه
سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده
كالسحابةِ التي لا وطن لها .
. .
وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل
أيتها الشبابيكُ الارجوانيه
انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب
عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..
جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،
أودُّ أن أموتَ ملطخاً
وعيناي مليئتان بالدموع
لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر
فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه
في طفولتي ،
كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب
وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه
أما الآن
وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح
انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع
اشتهي جريمةً واسعه
وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،
إلى بلادٍِ بعيده ،
حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،
وفتاةٌ خلاسيه ،
تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطش




عبد الوهاب البياتي... قصيدة ( اولد و أحترق )



( 1 )
تستيقظ (لارا) في ذاكرتي: قطًّا تتريًّا, يتربص بي, يتمطَّى, يتثاءب
يخدش وجهي المحموم ويحرمني النوم. أراها في قاع جحيم المدن
القطبية تشنقني بضفائرها وتعلقني مثل الأرنب فوق الحائط مشدودًا في خيط دموعي.
أصرخ: (لارا) فتجيب الريح المذعورة: (لارا) أعدو خلف الريح وخلف
قطارات الليل وأسأل عاملة المقهى. لا يدري أحد. أمضى تحت الثلج
وحيدًا, أبكي حبي العاثر في كل مقاهي العالم والحانات.
( 2 )
في لوحات (اللوفر) والأيقوناتْ
في أحزان عيون الملكات
في سحر المعبودات
كانت (لارا) تثوي تحت قناع الموت الذهبي وتحت شعاع النور الغارق في اللوحات
تدعوني, فأقرب وجهي منها, محمومًا أبكي
لكن يدًا تمتد, فتمسح كل اللوحات وتخفي كل الأيقونات
تاركة فوق قناع الموت الذهبي بصيصًا من نورٍ لنهارٍ مات.
( 3 )
( لارا رحلتْ ...!)
(لارا انتحرت..!)
قال البوَّاب وقالت جارتها, وانخرطت ببكاءٍ حارْ
قالت أخرى: (لا يدري أحد, حتى الشيطان).
( 4 )
أرمي قنبلة تحت قطار الليل المشحون بأوراق خريف
في ذاكرتي, أزحف بين الموتى, أتلمس دربي في
أوحال حقولٍ لم تحرث, أستنجد بالحرس الليلى
لأوقف في ذاكرتي هذا الحب المفترس الأعمى, هذا
النور الأسود, محمومًا تحت المطر المتساقط
أطلق في الفجر على نفسي النارْ.
( 5 )
منفيًّا في ذاكرتي
محبوسًا في الكلماتْ
أشرد تحت الأمطارْ أصرخ: (لارا..)
أصرخ: (لارا..)
فتجيب الريح المذعورة: (لارا..).
( 6 )
في قصر الحمراء
في غرفات حريم الملك الشقراوات
أسمع عودًا شرقيًّا وبكاء غزال
أدنو مبهورًا من هالات الحرف العربي المضفور بآلاف الأزهار
أسمع آهات
كانت (لارا) تحت الأقمار السبعة والنور الوهاج
تدعوني فأقرب وجهي منها, محمومًا أبكي,
لكن يدًا تمتد, فتقذفني في بئر الظلماتْ
تاركة فوق السجادة قيثاري وبصيصًا من نور لنهارٍ ماتْ.
( 7 )
(لم تترك عنوانًا) قال مدير المسرح وهو يَمُطُّ الكلمات.
( 8 )
تسقط في غابات البحر الأسود أوراق الأشجارْ
تنطفئ الأضواء ويرتحل العشاق
وأظل أنا وحدي, أبحث عنها, محمومًا أبكي تحت الأمطار.
( 9 )
أصرخ: (لارا!) فتجيب الريح المذعورة: (لارا) في كوخ الصياد.
( 10 )
أرسم صورتها فوق الثلج, فيشتعل اللون الأخضر في عينيها والعسليُّ
الداكن, يدنو فمها الكرزيُّ الدافئُ من وجهي, تلتحم الأيدي بعناق
أبدي, لكن يدًا تمتدُّ, فتمسح صورتها, تاركة فوق اللون المقتول
بصيصًا من نورٍ لنهارٍ ماتْ.
( 11 )
شمس حياتي غابت. لا يدري أحد. الحب وجود أعمى ووحيد
. ما من أحدٍ يعرف في هذا المنفى أحدًا. الكل وحيدٌ. قلب العالم من حجرٍ في هذا المنفى - الملكوتْ


محمود درويش ... قصيدة ( لاعب النرد)


مَنْ أَنا لأقول لكمْ

ما أَقول لكمْ ؟

وأَنا لم أكُنْ حجراً صَقَلَتْهُ المياهُ

فأصبح وجهاً

ولا قَصَباً ثقَبتْهُ الرياحُ

فأصبح ناياً ...

أَنا لاعب النَرْدِ ،

أَربح حيناً وأَخسر حيناً

أَنا مثلكمْ

أَو أَقلُّ قليلاً ...

وُلدتُ إلي جانب البئرِ

والشجراتِ الثلاثِ الوحيدات كالراهباتْ

وُلدتُ بلا زَفّةٍ وبلا قابلةْ

وسُمِّيتُ باسمي مُصَادَفَةً

وانتميتُ إلي عائلةْ

مصادفَةً ،

ووَرِثْتُ ملامحها والصفاتْ

وأَمراضها :

أَولاً - خَلَلاً في شرايينها

وضغطَ دمٍ مرتفعْ

ثانياً - خجلاً في مخاطبة الأمِّ والأَبِ

والجدَّة - الشجرةْ

ثالثاً - أَملاً في الشفاء من الانفلونزا

بفنجان بابونج ٍ ساخن ٍ

رابعاً - كسلاً في الحديث عن الظبي والقُبَّرة

خامساً - مللاً في ليالي الشتاءْ

سادساً - فشلاً فادحاً في الغناءْ ...

ليس لي أَيُّ دورٍ بما كنتُ

كانت مصادفةً أَن أكونْ

ذَكَراً ...

ومصادفةً أَن أَري قمراً

شاحباً مثل ليمونة يَتحرَّشُ بالساهرات

ولم أَجتهد

كي أَجدْ

شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً !

كان يمكن أن لا أكونْ

كان يمكن أن لا يكون أَبي

قد تزوَّج أُمي مصادفةً

أَو أكونْ

مثل أُختي التي صرخت ثم ماتت

ولم تنتبه

إلي أَنها وُلدت ساعةً واحدةْ

ولم تعرف الوالدة ْ ...

أَو : كَبَيْض حَمَامٍ تكسَّرَ

قبل انبلاج فِراخ الحمام من الكِلْسِ

كانت مصادفة أَن أكون

أنا الحيّ في حادث الباصِ

حيث تأخَّرْتُ عن رحلتي المدرسيّة ْ

لأني نسيتُ الوجود وأَحواله

عندما كنت أَقرأ في الليل قصَّةَ حُبٍّ

تَقمَّصْتُ دور المؤلف فيها

ودورَ الحبيب - الضحيَّة ْ

فكنتُ شهيد الهوي في الروايةِ

والحيَّ في حادث السيرِ

لا دور لي في المزاح مع البحرِ

لكنني وَلَدٌ طائشٌ

من هُواة التسكّع في جاذبيّة ماءٍ

ينادي : تعال إليّْ !

ولا دور لي في النجاة من البحرِ

أَنْقَذَني نورسٌ آدميٌّ

رأي الموج يصطادني ويشلُّ يديّْ

كان يمكن أَلاَّ أكون مُصاباً

بجنِّ المُعَلَّقة الجاهليّةِ

لو أَن بوَّابة الدار كانت شماليّةً

لا تطلُّ علي البحرِ

لو أَن دوريّةَ الجيش لم تر نار القري

تخبز الليلَ

لو أَن خمسة عشر شهيداً

أَعادوا بناء المتاريسِ

لو أَن ذاك المكان الزراعيَّ لم ينكسرْ

رُبَّما صرتُ زيتونةً

أو مُعَلِّم جغرافيا

أو خبيراً بمملكة النمل

أو حارساً للصدي !

مَنْ أنا لأقول لكم

ما أقول لكم

عند باب الكنيسةْ

ولستُ سوي رمية النرد

ما بين مُفْتَرِس ٍ وفريسةْ

ربحت مزيداً من الصحو

لا لأكون سعيداً بليلتيَ المقمرةْ

بل لكي أَشهد المجزرةْ

نجوتُ مصادفةً : كُنْتُ أَصغرَ من هَدَف عسكريّ

وأكبرَ من نحلة تتنقل بين زهور السياجْ

وخفتُ كثيراً علي إخوتي وأَبي

وخفتُ علي زَمَن ٍ من زجاجْ

وخفتُ علي قطتي وعلي أَرنبي

وعلي قمر ساحر فوق مئذنة المسجد العاليةْ

وخفت علي عِنَبِ الداليةْ

يتدلّي كأثداء كلبتنا ...

ومشي الخوفُ بي ومشيت بهِ

حافياً ، ناسياً ذكرياتي الصغيرة عما أُريدُ

من الغد - لا وقت للغد -

أَمشي / أهرولُ / أركضُ / أصعدُ / أنزلُ / أصرخُ / أَنبحُ / أعوي / أنادي / أولولُ / أُسرعُ / أُبطئ / أهوي / أخفُّ / أجفُّ / أسيرُ / أطيرُ / أري / لا أري / أتعثَّرُ / أَصفرُّ / أخضرُّ / أزرقُّ / أنشقُّ / أجهشُ / أعطشُ / أتعبُ / أسغَبُ / أسقطُ / أنهضُ / أركضُ / أنسي / أري / لا أري / أتذكَّرُ / أَسمعُ / أُبصرُ / أهذي / أُهَلْوِس / أهمسُ / أصرخُ / لا أستطيع / أَئنُّ / أُجنّ / أَضلّ / أقلُّ / وأكثرُ / أسقط / أعلو / وأهبط / أُدْمَي / ويغمي عليّ /

ومن حسن حظّيَ أن الذئاب اختفت من هناك

مُصَادفةً ، أو هروباً من الجيش ِ

..

...

ويقول:

مَنْ أنا ؟

كان يمكن أن لا يحالفني الوحيُ

والوحي حظُّ الوحيدين

إنَّ القصيدة رَمْيَةُ نَرْدٍ

علي رُقْعَةٍ من ظلامْ

تشعُّ ، وقد لا تشعُّ

فيهوي الكلامْ

كريش علي الرملِ

لا دَوْرَ لي في القصيدة

غيرُ امتثالي لإيقاعها:

حركاتِ الأحاسيس حسّاً يعدِّل حساً

وحَدْساً يُنَزِّلُ معني

وغيبوبة في صدي الكلمات

وصورة نفسي التي انتقلت

من أَنايَ إلي غيرها

واعتمادي علي نَفَسِي

وحنيني إلي النبعِ

لا دور لي في القصيدة إلاَّ

إذا انقطع الوحيُ

والوحيُ حظُّ المهارة إذ تجتهدْ

كان يمكن ألاَّ أُحبّ الفتاة التي

سألتني : كمِ الساعةُ الآنَ ؟

لو لم أَكن في طريقي إلي السينما

كان يمكن ألاَّ تكون خلاسيّةً مثلما

هي ، أو خاطراً غامقاً مبهما

هكذا تولد الكلماتُ . أُدرِّبُ قلبي

علي الحب كي يَسَعَ الورد والشوكَ

صوفيَّةٌ مفرداتي. وحسِّيَّةٌ رغباتي

ولستُ أنا مَنْ أنا الآن إلاَّ

إذا التقتِ الاثنتان ِ :

أَنا ، وأَنا الأنثويَّةُ

يا حُبّ ! ما أَنت ؟ كم أنتَ أنتَ

ولا أنتَ . يا حبّ ! هُبَّ علينا

عواصفَ رعديّةً كي نصير إلي ما تحبّ

لنا من حلول السماويِّ في الجسديّ .

وذُبْ في مصبّ يفيض من الجانبين .

فأنت - وإن كنت تظهر أَو تَتَبطَّنُ -

لا شكل لك

ونحن نحبك حين نحبُّ مصادفةً

أَنت حظّ المساكين /

من سوء حظّيَ أَني نجوت مراراً

من الموت حبّاً

ومن حُسْن حظّي أنيَ ما زلت هشاً

لأدخل في التجربةْ !

يقول المحبُّ المجرِّبُ في سرِّه :

هو الحبُّ كذبتنا الصادقةْ

فتسمعه العاشقةْ

وتقول : هو الحبّ ، يأتي ويذهبُ

كالبرق والصاعقة

للحياة أقول : علي مهلك ، انتظريني

إلي أن تجفُّ الثُمَالَةُ في قَدَحي ...

في الحديقة وردٌ مشاع ، ولا يستطيع الهواءُ

الفكاكَ من الوردةِ /

انتظريني لئلاَّ تفرَّ العنادلُ مِنِّي

فاُخطئ في اللحنِ /

في الساحة المنشدون يَشُدُّون أوتار آلاتهمْ

لنشيد الوداع . علي مَهْلِكِ اختصريني

لئلاَّ يطول النشيد ، فينقطع النبرُ بين المطالع ،

وَهْيَ ثنائيَّةٌ والختامِ الأُحاديّ :

تحيا الحياة !



نزار القباني ... قصيدة ( سامبا )





غط ّقوسّهْ
في شرايين الشفقْ
خشبُ القوس احترقْ
حين مسَّهْ

*
وأشارا
فعلى ضلْع الكمنجَا
وترٌ يسفحُ وهْجَا
وشرارا ..
أيُّ رقصَهْ
ثرَّة الغُنجُ ، جَريئهْ
رضعتْ ثديَ الخطيَئهْ
فهي قِصَّه..

*
بالجوارحْ
أذرعٌ .. سُمرٌ .. وبيضْ
هزَّها الدفُّ النبيضْ
كمراوحْ

*
للمآزر
حينما تنشالُ بَحَّهْ
انَّ للمُخمَلِ صَيحَهْ ..
في الخواصِرْ
النساءْ
بحرُ طيبٍ وجواهِرْ
غرقَ البهوُ حرائرْ
وثراءْ

*

والجدائلْ
مثلُ باقاتِ السنابلْ
والفساتينُ مشاتِلْ
والغلائِلْ

*

أيُّ مِغزلْ ؟
حاكَ أكتافاً عرايا
هيَ في الليل مرايا ..
تتنقّلْ
للصنُوجْ
قهقهاتٌ عصبيَّهْ
فارسٌ ضمَّ صبيَّه
في مريجْ

*
والطبولْ
تحفر الاعصابَ حَفرا
وتُحيلُ الشَّوقَ جمرا
والميولْ

*
الصبايا
ساحباتٌ نَهْرَ ((تُولْ))..
والصباباتُ تجولْ ..
في الزوايا
ذاك قدُّ ..
كهضابي ، كبرياءَ
يغمُرُ الأرضَ عطاءَ ..
حينَ يعدو

*
وطَويلهْ
مثلما ينهضُ سيفُ ..
عُريُها .. نصفٌ .. ونصفُ
كالجميلهْ..

*
النَدامىَ
نفروا سِرْبا" .. فسِرْبا
ما وَنَوْا .. دَفعاً .. وجذبا
والْتحَاما..
والغّواني
كالفراشاتِ .. سباقْ
مُزِجتْ .. ساقٌ .. وساقْ
وفَمَانِ..

*

يالرنَّه
زلزلتْ أوساطهُنَّهْ
فالزنانيرُ .. مرِنَّهْ
حولَهُنَّه

*

أيُّ نَغمَهْ
أغرقتْ بالدَّم حَلْمّهْ ..
فارتوتْ من كلَّ ضمَّه..
ألفُ قِمَّهْ ..
في جواري
ناهدٌ شعبانُ .. عِزَّا
يجرحُ النجمةَ هزَّا..
والدراري

*

حَلْمتانِ ..
كاندفاعِ الهَودجَِ
فوقَ حُقَّيْ أرجِ ..
تطفرانِ ..

*

تلكَ غادَهْ
مثلَ ثعبانٍ تلوَّى
وهْو يطويها فُتطوى
كوِسادَهْ ..
ووسيمٍ ..
شكَّ في العُروْةِ ورْدَهْ
رفَّ ، في أنفسِ بُردَهْ
كالنسيمِ

*

حينَ أومَا
مثلتْ بين يديْهِ
رأسُها في رئتيهِ
راح يُغمى ..

*

بانفعالِ
نَهدَتْ كا لمُستْفزَّه
مثلما ، تنشكُّ .. أزَرهْ
في جبالي ..
وبشدَّه
لفَّّها .. وانعتَقَا ..
ليتَ هذا العُنقُا
لي مخدَّهْ ..

*

خلتُ لَّما
سلََّمتهُ الوَسَطا
كبَدينِ .. اختلطا
حينَ ضُمَّا ..

*

في ضُلوُعهِْ
غرَّزتْ .. سكَّين فضَّه ..
نبضُها ، أصبحَ نبضهْ
من وُلوعِهْ
منْ يمينِهْ
تخِذتْ زُنَّارَها
وأراقتْ نارَها
في جُفونِهْ

*

لا مفرُّ
ليسَ تسطيعُ خُلُوصَا
أكَلَ النهدُ القميصَا ..
فهوَ جَمرُ ..

*

قلتُ ذابا
مفصلاً في لصقِ مفصَلْ
وعظاماً تتغلغَلْ ..
وثيابا ..
من رآها ..
وهيَ في قبضةِ نَسْرِ ..
خصرُها .. أنقاضُ خصْرِ .
وقواها ..

*

ألفُ آهَهْ ..
تتندَّى .. ألفُ خلجَهْ
مهجةٌ تمتصُّ مُهْجَهْ
بشراهَهْ ..

*

يالنَهْدِ
نزِقِ المنقارِ .. أبيضْ
مثلَ عصفورٍ .. تنفَّض
بينَ وردِ ..
تلكَ سامبَا ..
نقلةٌ .. ثمَّ .. انحناءَهْ
فالمصابيح المضاءه
تتصبَّى ..

*

جرَّبيها ..
خطواتٍ أربَعَا ..
أبداً .. تمضي معا ..
وتليها ..

*

شِبهُ غَفوَهْ
فيميلُ الراقصانِ
وتغيبُ الشفتانِ
عَبَر نشَوهْ
دَمْدميها ..
أنتِ .. هذي الأغْنَيهْ ..
بدماء المعصَيهْ
كتبُوها

*

وسَقوْها
من أريجِ الأوديَهْ ..
وشُحُوب الأمسيَهْ
ما سَقَوْها

*

دَمْدمِي لي ..
بفمٍ .. حَبَّة لوزِ
أنا من سُكْرٍ .. وهَزَّ
كالقتيلِ ..
ما علينَا ؟
انْ رقصنْاها معَا ..
ودَفنَّا الأضلُعَا
وانطفَينَا

*

واخَتفيَنا
أنتِ .. في قرميدِ نجْمَهْ .
وأنا .. في قُطنِ غيَمَهْ ..
ما عَليَنا ؟

*

لو رَقَصنا ..
ليلَنا .. حتى التلاشي
وحُمِلنْا
كجنازاتِ الفَرَاشِ ..
....

انس الحاج ... قصيدة ( الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع)



يدي يدٌ لكِ ويَدُكِ جامعة.
حَسَرْتِ الظّلَّ عن شجرة النَّدَم
فغسل الشتاءُ نَدَمي وَحَرَقه الصّيف.
أنتِ الصغيرة كنُقطة الذهب
تفكّين السّحر الأسود
أنتِ السائغـةُ اللـّيـنـة تشابكتْ يداكِ مع الحُبّ
وكُلّ كلمةٍ تقولينها تتكاثف في مجموع الرّياح.
أنتِ الخفيفةُ كريش النعام لا تقولين تعال،
ولكنْ كُلّما صادَفْتُكِ كُلَّ لحظةٍ أعودُ إليكِ بعد غيابٍ طويل.
أنتِ البسيطةُ تبهرين الحكمة
العالمُ تحت نظركِ سنابل وشَجَرُ ماء
والحياةُ حياةٌ والفضاءُ عربات من الهدايا.
أيُّها الرّبُّ
إحفظْ حبيبتي
أيُّها الرّبُّ الذي قال لامرأة: يا أمّي
إحفظْ حبيبتي
أيُّها الرّبُّ إلهُ جنودِ الأحلام
إحفظْ يا ربُّ حبيبتي
مَهِّدْ أمامها
تَعَهَّدْ أيّامها
مَوِّجْ حقولها بعُشب الخيال
إجعلْ لها كُلَّ ليلة
ليلةَ عيدِ الغد
أيُّها الرّبُّ إلهُ المُتواعدين على اللّقاء وراء جسر الحُرّاس
أيُّها الرّبُّ إلهُ الخواتم والعُقود والتنهّدات
يلتمسون منكَ طعامهم
وألتمسُ منك لحبيبتي البَرَكة
يلتمسون منكَ لديارهم وما من ديارٍغير حبيبتي
شاطئي أطرافُ بَحْرِها وبحرُها أمان
يذهب الناس الى أعمالهم
ومن حبّها أذهبُ إليك
هي تعمل فتجري أنهاركَ في قِفاري
هي تنظر فأراكَ
هي تعمل فاتأمّل في معجزاتكَ
تنتهي لهم الأرض عند أعمدة البحر
وتنتهي لي بحدود قدميها.
يا حبيبتي
أُقسِمُ أنْ أكون لُعبتكِ ومغلوبكِ
أُقسِمُ أنْ أحاول استحقاق نجمتكِ على كتفي
أُقسِمُ أنْ أسمع نداء عينيكِ فأعصي حكمةَ شفتيكِ
أُقسِمُ أن أنسى قصائدي لأحفظكِ
أُقسِمُ أن أركض وراء حبّي وأُقسم أنّه سيظلّ يسبقني
أُقسِمُ أن أنطفىء لسعادتكِ كنجوم النهار
أُقسِمُ أنْ أسْكُن دموعي في يدكِ
أُقسِمُ أن أكون المسافة بين كلمتَي أُحبّكِ أحبّكِ
أُقسِمُ أن أرميَ جسدي الى الأبد لأُسودِ ضجركِ
أُقسِمُ أنْ أكون بابَ سجنكِ المفتوح على الوفاء بوعود الليل
أُقسِمُ أنْ تكون غرفةُ انتظاريَ الغَيْرة ودخوليَ الطاعةَ وإقامتي الذوبان
أُقسِمُ أنْ أكون فريسة ظلّكِ
أُقسِمُ أنْ أظلّ أشتهي أنْ أكون كتاباً مفتوحاً على رِكبتيكِ
أُقسِمُ أنْ أكون انقسام العالم بينكِ وبينكِ لأكون وحْدَتَه فيكِ
أُقسِمُ أنْ أُناديَكِ فتلتفت السعادة
أُقسِمُ أنْ أحمل بلاديَ في حُبّكِ وأنْ أحمل العالم في بلادي
أُقسِمُ أنْ أحبّكِ دون أن أعرف كم أُحبّكِ
أُقسِمُ أن أمشي الى جانبي وأُقاسمكِ هذا الصديقَ الوحيد
أُقسِمُ أنْ يطير عمري كالنّحل من قفير صوتكِ
أُقسِمُ أن أنزل من برقِ شَعْرِكِ مطراً على السهول
أُقسِمُ كُلّما عثرتُ على قلبي بين السّطور أن أهتف:
وَجَدْتُكِ! وَجَدْتُكِ!
أُقسِمُ أن أنحني من قمم آسيا لأعبدكِ كثيراً.
يا ليلُ يا ليل
إحملْ صلاتي
أصغِ يا ربُّ إليّ
أغرسْ حبيبتي ولا تَقْلَعْها
زوّدها أعماراً لم تأتِ
عزّزها بأعماريَ الآتية
أبقِ ورقها أخضر
لا تُشتِّت رياحها
أبقِ خيمتها عالية فعُلوُّها سهلٌ للعصافير
عَمِّرْها طويلاً كأرْزَة فتمرّ مواكب الأحفاد تحت يديها الشّافيتين
عَمِّرْها طويلاً كأرْزَة فتجتازأُعجوبتُها مراكزَ حدودٍ بعيدة
عَمِّرْها طويلاً كأرزةٍ فتتبعها مثل توبتي شُعوبٌ كثيرة
أبقِ بابها مفتوحاً فلا يبيتُ الرجاءُ في العراء
بارِكْها إلى ثلج السنين فهي تَجْمَعُ ما تَفَرَّق
أُحرسْ نجوم عينيها فَتَحْتَها الميلاد.
وها هو المَطَر
المداخنُ تَصعَد لاستقبال المجيء.
تُمطر من قُبلة.
السماءُ أطلّتْ
الأرضُ الصبيّة أرْبَتْ
المواسمُ تعلو
إسمعوا دقّة الحصاد
المملكةُ المُنقسمة اتّحدتْ
تاجُها الحُبّ سلامٌ للمملكة.
المُستحيل صار معيشة.
تُمطر من قُبلة
والمنفى ينهار
أُنفضوا على المنفى غُبارَ المنفى
وتعالَوا
من أعماق اليأس ومشارف الصقيع
من أطلال الأماني ورماد الصبر
تعالَوا
صِيروني كما صِرْتُكُم
أنا شفّافكم
أنا مَنْ سَقَطَكُم ومَنْ نَجَاكُم.
حبيبتي كَشَفَتْ عن الضائع
دلّتْ على المفقود
الرسولةُ فازتْ بعُذوبة
بشفَقة فازتْ على القُوّات
وتَشْهَدُ تُعلنُ العودة.
تعالَوا
المملكة مفتوحة
أسرابُ الحساسين عند باب المملكة تُسْرع للتحيّة
على بُعْد قُبلة تقفون من الباب
الكنوزُ وحيدة
الأرضُ وحيدة
الحياةُ وحيدة
تعالَوا
كلَّلوا رؤوسكم بذَهَب الدخول
وأحرقوا وراءكم
أحرقوا وراءكم
أحرقوا العالَمَ بشمس العودة.




يوسف الخال ... قصيدة (عيناك)

عيناكِ ، هل أَنا من يرود
عوالم الأَسرار وحدَهْ
ويجول حيراناً يرى
ما تطبق الأَجفان عنده:
سُوَرٌ من الآيات كم خلعت
على الأَكوان جِدَّه
فكأنما سكر الظلام
فمدٌ للأَنوار زنده
فتضاحكت زُهر النجوم
وعانقت للصبح نهده.
وكأنما جُنّ الرياض
فعدَّ مثل الشوك ورده
ولوى النخيلَ إلى الحضيض
فجرَّح العلَّيقُ خدَّه
ورمى الصنوبر بالخضوع
فطاول الريحان قدّه
وأَفاح من سَقْط النبات شذا،
وأَي شذا ، فبعده
خجل البنفسج ان يفوح
وخبأَ النسرين ندَّه.
وكأَنما في التلِّ تحتانٌ
وفي الوادي مودَّه
يتصافحان ، وكم شكا الوادي
قبيل اليوم حقده
وتحرَّقت أَنفاسه حسداً
وعاب عليه مجده.
وكأَنما حسر الزمان
جبينه وأَزاح بُرده
فإِذا الهنيهة عالمٌ
أَخفى عن الرغبات حدَّه
فبنى على الاغراءِ مخدعه
وفوق الحبِّ مهده.
..
هيهات كيف أَعيش؟
في عينيكِ مأْساة ووحده
وتشوُّقٌ لغدٍ تخاف الشمس
أَن تنهار بعده
وبقيَّةٌ من غابرٍ سكب
النعيم لديه رغده
ورؤى يضيق بها الخيال ،
فترتمي للغيب عبده.
أَوَّاه ! هل أَنا واهمٌ ن
أَتتيح لي عيناك عوده
للحبِّ ، أَمرغ جبهتي
بترابه وأَعيش عبده؟
لا يا حبيبةُ ، لست من
يرتاد في عينيك سعده :
لي خافق عبث الزمان
به ، ولم يبلغ أَشُدَّه
خبر الهوى زمناً ، فأَسكر
لبَّه وأَطار رُشده
وهوى به حتى أَصار
الليل مأْتمه ولحده.

خليل الحاوي ... قصيدة (حب وجلجلة)

وأَنا في وحشَة المَنفَى
مَع الداءِ الذي ينثرُ لَحْمي
ومع الصمت وإِيقَاعِ السُّعالْ،
أنفُض النومَ لَعلِّي أَتَّقي
الكابوسَ والجِنَّ التي تحتلُّ جِسْمي
وإِذا الليلُ على صدري جلاميدٌ،
جدارُ الليلِ في وجهي
وفي قلبي دخانٌ واشتعالْ،
آهِ ربِّي! صوتهم يصرخُ في قبري:
تعالْ!!
كيف لا أنفضُ عن صدري الجلاميدَ
الجلاميدَ الثقالْ
كيف لا أصرعُ أوجاعي ومَوتي
كيف لا أضرعُ في ذلٍّ وصمتِ:
"رُدَّني، ربي، إِلى أرضي"
"أعِدني للحياة"
وليكن ما كانَ، ما عانيتُ منها
محنةَ الصلب وأعيادَ الطغاة.
غير أني سوف ألقى كل من أحببتُ
مَنْ لولاهُمُ ما كان لي
بعثٌ، حنينٌ، وتمنِّي
بِي حنينٌ موجع، نارٌ تدوِّي
في جليد القبر، في العرق المواتْ،
بِي حنينٌ لعبير الأرضِ،
للعصفور عند الصبحِ، للنبعِ المغنِّي
لشبابٍ وصبايا
من كنوزِ الشمس، من ثلجِ الجبالْ
لصغارٍ ينثرونَ المرجَ
مِنْ زهوِ خطاهمْ والظِّلالْ
في بيوتٍ نَسيَتْ أَنَّ وراءَ
السور مرجًا وظلال.
أنتُمُ أَنتنَّ يا نسل إلهٍ.
دمُهُ يُنبت نيسانَ التِّلالْ
أنتُمُ أَنتنَّ في عمري
مصابيحٌ، مروجٌ، وكفاهْ
وأنا في حُبِّكمْ، في حبكنَّ
- وفِدى الزنبق في تلك الجباهْ -
أتحدَّى محنةَ الصَّلبِ،
أُعاني الموتَ في حبِّ الحياهْ



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن التشكيلي في العراق وتحديات العصر
- واقع العمل الصحفي في العراق ما بعد 2003 بين حرية الصحافة وال ...
- المرأة بين النص الديني والقانون المدني
- قضية المرأة ، حريتها
- الصحافة العراقية في المواجهة


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواد الكنجي - ديوان الشعر الحر دراسة جماليات في الشعر الحديث