أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مزوار محمد سعيد - الدوق: الأخلاق هي محرك الشرق بلا وقود















المزيد.....

الدوق: الأخلاق هي محرك الشرق بلا وقود


مزوار محمد سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 4371 - 2014 / 2 / 20 - 17:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



يمتدّ الشرق على كلّ ما هو ليس بغربي، هي معادلة صاغها الأقوياء، و اختلف حولها الضعفاء من البشر، حول كونها كانت ذات مصدر أيديولوجي أو تعصب أو من منطلق الهيمنة الغربية على العالم، و بالتالي على الباحث في أغوار الشرق، أن يتأمّل متدبرا في أحوال محركات أفكاره و ممارساته، و بعيدا عن إشكالية بداية الفلسفة ما بين الشرق-غرب، فإنّ هناك أمورا تخفى على المتأمّل في مثل هذه القضايا، و هنا أنا أفتح قوسا لأقول: رغم أنني أجد بداية الفلسفة المنظمة في بلاد الإغريق، لأكون صريحا معكم، إلاّ أنني وجدت في قضايا الشرق أفكارا تتجدد على طول مسار الحقب و الأزمنة، فعلى الرغم من أنّ بعضها يقتات من الخرافات التي يرفضها عقلي، إلاّ أنّ بعضها هو لا يزال صامدا في وجه الرياح الغربية، و بعيدا عن الحنين الذي يحفّز أغلب أبناء الجزائر و خاصة طلبة الجامعات في هذا البلد الجديد القديم، لأنْ ينسبوا الإنجازات العظيمة إلى الشرق، فأنا في هذا المقام أحيي أبناء أرض بلادي، و محاولاتهم التي تنمّ عن عاطفة لا علاقة لها بالعقل الفلسفي، و أبناء الشرق عموما، لكنّ منهجي في التحليل على الطريقة الأميركية هو الذي جعلني أكتشف عراقة الشرق الجافة، لكن مع القليل من الرطوبة التي تكفل حياتها، تلك التي تتجسد في التزام الشرقيين بأخلاقهم.
من هنا يمكنني طرح الآتي:
ما معنى الأخلاق في الشرق؟ و بالتحديد: ما معنى الأخلاق في آسيا؟ و على وجه الدقة: ما معنى الأخلاق في عقل كونفوشيوس؟

".... لي (Li): هي قواعد اللياقة أو آداب المجتمع التي تحكم العادات و المراسيم و العلاقات المعترف بها بفعل ممارسات الناس عبر العصور. و قد قال كونفوشيوس: (أن يسيطر المرء على نفسه و أن يعود إلى آداب المجتمع "لي" تلك هي الإنسانية "جين"). و عليه فالمعرفة في تصوّر كونفوشيوس، قلّت أو كثرت ليست هي الجانب الأهم في المجتمع بل الأخلاق فالشعب لا يقاد بالمعرفة، بل بالأخلاق التي تنعش الحياة و بالفضائل الاجتماعية يصبح الفرد رجلا أي أن الـــ "لي" تحقق تربية الجميع تربية دائمة. و من دون هذه التربية تصير فضائل الصراحة سماجة، و الشجاعة عصيانا، و الإنسانية بهيمية و الحكمة عدم اتساق..."
(محمد جديدي: الفلسفة الإغريقية، ص 48).

1. قواعد اللياقة أو آداب المجتمع التي تحكم العادات و المراسيم و العلاقات المعترف بها بفعل ممارسات الناس عبر العصور
بكلمة واحدة هي: التقاليد، و هي التي تمدّ الفرد الإنساني بكلّ ما يلزم للانخراط في مجتمعه في نظر هذا الزعيم الصيني المحترم، بحيث أن الفرد عند تمسكه بتقاليده التي ورثها عن الأجداد، بداية من تربيته من قبل والديه و بيئته الاجتماعية، يصبح يسيرا عليه أن يحوّل تقاليده هذه إلى لياقة، و هذا المفهوم يأخذ صيغة أخلاقية حين يرتبط بالآداب التي تعبّر عن قيمة المبدأ الذي خرج من العادة، و يأخذ صيغة سياسية عندما يرتبط بالمرسوم، ليتحول من ملتزم إلى مطيع لأوامر الحاكم، كما أنّه لا يخرج عن جادة الفعل البشري الذي استأثر تمكنه من تثبيت كينونته في أعماق الفرد المنحدر من الشرق، مما أذهل العالم الغربي ذلك الانضباط الذي يعرف به ابن الشرق، و إن قلتُ الصين، فأنا أقصد ابن أو حفيد كونفوشيوس.

2. قال كونفوشيوس: (أن يسيطر المرء على نفسه و أن يعود إلى آداب المجتمع "لي" تلك هي الإنسانية "جين")
في هذا القول للحكيم كونفوشيوس أجد أنّه لخص مبدأه المسمى بـ: الأخلاق العامة، و هو مبدأ استعصى عن التحوّل، و بقي في مجال الاشتقاق القائم على القيم، و بالتالي: إنّ الفرد عند الحكيم الصيني هو أولى حلقات المجتمع، و سيطرة هذا الفرد على نفسه هو ضمان انسجامه مع مجتمعه، و هذه "السيطرة" على النفس حسب هذا الحكيم الصيني، لا تكون سوى بالعودة إلى آداب المجتمع، أي إلى الأخلاق التي أسست التقاليد المركزية في المجتمع الصيني، كما أنّه يضع غاية من هذا كلّه، حين حدده بقوله: الإنسانية.

3. المعرفة في تصوّر كونفوشيوس، قلّت أو كثرت ليست هي الجانب الأهم في المجتمع بل الأخلاق فالشعب لا يقاد بالمعرفة
في هذا الموقع يعود الزعيم الصيني ليوضح أنّ المعرفة ليست هي العصا السحرية التي تقود الشعب، كما أنني لاحظت بأنه استعمل في هذا المقام كلمة "الشعب" و هو تصوّر سياسي للجماهير، و معنى ذلك أنّ الحاكم لا يمكنه السيطرة على الشعب (المحكومين) بالمعارف و الأفكار، لسبب واضح، و هو أنّه ليس كلّ أفراد الشعب هم يملكون معرفة، و إنما هناك منهم الجاهل أيضا، في حين أنّ الزعيم الصيني أوجد بديلا عن المعرفة، تلك التي لخصها في: الأخلاق، لأنّه كل الأفراد يملكون خُلقا، و إنْ أُعتمد عليه، فإنّه سيصبح بمثابة القضيب الذي يتحكم بمسار القطار الاجتماعي.

4. بالأخلاق التي تنعش الحياة و بالفضائل الاجتماعية يصبح الفرد رجلا أي أن الـــ "لي" تحقق تربية الجميع تربية دائمة
الأخلاق في رأي الحكيم الصيني هي ضمانة حياة الفرد، و هي القادرة على إعطاء صفة البلوغ للفرد الصيني، و عندما يتمسك الفرد بالأخلاق، يصبح حاملا لبذرة التربية، التي يتشارك عند غرسها في نفسيته والديْه و المجتمع على حد سواء، هذه العملية تجعل من الفرد الإنساني حاميا للفضائل الاجتماعية، و تضمن للقواعد التي تسيّر المجتمع الاستمرارية، و هذا ما يفسّر تماسك المجتمعات الشرقية، و انسجامها في ما بينها، أو مع الآخرين.

5. و من دون هذه التربية تصير فضائل الصراحة سماجة، و الشجاعة عصيانا، و الإنسانية بهيمية و الحكمة عدم اتساق
في هذه الحالة يضع الحكيم الصيني احتمالات فشل المربي، أو المجتمع في إكساب الفرد نوعا أو جملة من الأخلاق، و هي في الأساس مجموعة من الكوارث الإنسانية منها:
أ‌. تحوّل الصراحة إلى سماجة: أي يفقد المجتمع عنصر الثقة، و هذا ما يهدد الكيان البنائي للمجتمع، حيث أنّ القيمة تفقد قيمتها، و تتحوّل إلى ذرائع تبرر المخالف للقواعد، أو تجعل من الممنوعات مباحة.
ب‌. الشجاعة عصيانا: و معناها وقوع الفرد الشجاع في دائرة سوء استخدام هذه الميزة الحميدة، فيجعلها عنوانا لوسيلة ظالمة، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي.
ت‌. الإنسانية بهيمية: و هذا التحوّل هو الأخطر على وجه عام، أيّ أنّ تحوّل الإنسانية إلى ضدّها هي ما يجعل الفرد حيوانا، و هنا يمكنني القول انّه ما من كارثة تصيب الإنسان أخطر من تخليه عن صفاته الإنسانية.
ث‌. الحكمة عدم اتساق: أي خروج الحكمة عن إطارها، و دخولها معترك دائرة الثرثرة، كما هو حادث في بلدان كثيرة، عندما تتحوّل الأكاديمية من لباسها الجليل إلى كلمات تنمق على شاكلة الشعر أو الارتجالية بدون معان مفيدة للذات قبل الآخرين.

ما يمكنني الوصول إليه هو أنّ الفرد في الشرق ينظر إلى الأخلاق على أنها معيار نجاحه في الحياة، و لو عدتُ إلى غريزتي العقلية، التي تجعلني أنظر بعيون غربية إلى شتى المواضيع، فإمكاني القول بأنّ أخلاق الفرد في الشرق هي بنفس مستوى القانون لدا الغرب، و بغض النظر عمّا فلت من قراءتي هذه للأخلاق في الشرق، إلاّ انّه بإمكاني استنتاج بأنّ ما حذّر منه كونفوشيوس هو واقع في عدة بلدان في شمال أفريقيا.

"... و بأقصى تلخيص نقول إذا كان (العلم دون ضمير ما هو إلّا خراب الروح)، فالسياسة من دون أخلاق ما هي إلا خراب الأمة)...."
(مالك بن نبي: بين الرشاد و التيه، ص80)

لقد فهم الشرق جيّدا المنظور الأخلاقي و أهميته في الحياة، فهم دور القواعد الأخلاقية في ترشيد الوجهة العامة للفرد في الشرق، خاصة السياسية منها، فعندما تتحد السياسة بالأخلاق فإنّ هذه الأمّة تنهج مسارا واضحا و بخطوات جادة، و لعل هذا ما يفسّر سياسة الهند ما بعد غاندي، أو سياسة الصين الشعبية ما بعد ماو تسي تونغ، أو سياسة اليابان بعد الاستسلام أو سياسة إيران ما بعد الثورة الإسلامية بقيادة ولي الفقيه، و الأمثلة كثيرة في آسيا، و ما اقتران الأخلاق بالسياسات في الشرق سوى انعكاس لزواج الأخلاق بالحياة لدا هذه الجماهير.



#مزوار_محمد_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدوق
- القاعة المغلقة بلا مفتاح
- لحظات مع البقرة
- الجاهلية المعاصرة
- الخدعة المتكررة و المعوّق المثقف
- قشور الفول و زهور الحكمة
- صقيع التعصب و نفاق الحب
- ما لم يعلم
- صاحب الرداء الأسود
- القيصر
- سمعتُ أنين قيصر آخيا من الجزائر
- -عالمية الفكرة- عند مالك بن نبي - الثقافة نموذجا-
- مَتْنُ الصدّيق الفلسفي (دراسة حول -الظاهرة القرآنية-)
- ضمير تساليا الجزائرية
- سيارة الإسعاف و الهواري سائقا
- أسيادهم على مرّ الزمن
- يوجد موطن الإنسان أينما توجد راحته
- فلسفة اللآلئ المتوسطية (المدينة: المكونات الفكرية)
- لا بديل عن الإنسان
- الجزيرة


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مزوار محمد سعيد - الدوق: الأخلاق هي محرك الشرق بلا وقود