أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الغني سلامه - نظرة من البعيد .. إلى كوكب الأرض















المزيد.....

نظرة من البعيد .. إلى كوكب الأرض


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 4359 - 2014 / 2 / 8 - 09:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لو نظرنا للسماء في ليلة صافية غاب عنها القمر، سنرى في الأفق البعيد كوكبا لامعا متلألئاً يزيد حجمه عن رأس الدبوس بقليل، ذلك هو كوكب المشتري الذي يفوق حجمه حجم الأرض بِ 1300 مرة، ولو أبعدنا النظر قليلا في أي اتجاه سنرى نجوما مضيئة على شكل نقاط متناثرة هنا وهناك، تزين لنا سماواتنا في ليالي أنسنا، ربما تكون أصغر تلك النقط تفوق حجم الأرض بملايين المرات؛ فإذا كان المشتري الذي يبعد عنا ما يقارب ال 45 دقيقة ضوئية بدا لنا كرأس دبوس، فإن النجوم التي تبعد عنا آلاف السنين الضوئية ستبدو على غير حقيقتها: متناهية في الصغر .. وهذا ينطبق تماما على كوكبنا الذي نعيش فوقه.

فلو سافرنا في الفضاء الخارجي، وهبطنا على القمر سنرى أرضنا العزيزة بحجم بطيخة، ولو واصلنا المسير واقتربنا من حزام الكويكبات (على بعد كوكبين من الأرض) سنرى كوكبنا العظيم كما رأينا المشتري في تلك الليلة الصافية: بحجم رأس دبوس، ولو خرجنا من المجموعة الشمسية ستبدو لنا الأرض مجرد نقطة باهتة في الأفق البعيد، بالكاد نلمح منها وميضا خافتا .. ولو غصنا أكثر داخل مجرتنا (درب التبانة) سنرى مجموعتنا الشمسية بأكملها مجرد نقطة معلقة في فضاء مجهول، أما إذا خرجنا من مجرتنا وتهنا في الفضاء الفسيح ربما تبدو لنا مجرتنا بكل عظمتها وبهائها مجرد نقطة أصغر من ذرة منثورة على شاطئ بحر .. ذلك هو الكون الذي نعيش فيه، يضم مائة مليار مجرة، في كل مجرة ما لا يقل عن مائة مليار نجم .. حدود خرافية لا متناهية في العظمة والاتساع .. ولو أدخلنا بطريقة ما إنساناً إلى هذا الكون الواسع؛ فإن احتمال أن يجد نفسه على كوكب الأرض بالصدفة سيكون احتمال يقل عن واحد من مائة ترليون احتمال.

تلك الأرض التي تبيَّن لنا مدى ضآلتها، عمرها 4.7 مليار سنة، عاشت مقفرة جدباء بلا أي حياة معظم سنينها، حيث ظهر الإنسان في الثانية الأخيرة من يومها الطويل، ما يعني أن تاريخ البشر بكل ما احتوى من حروب وصراعات، وما شهده من منجزات وحضارات ما هو إلا ومضة بالكاد تذكر من تاريخ الأرض.

ومع كل ما سبق، ورغم ضآلة حجم الأرض، وضآلة تاريخ الإنسان فوقها، إلا أن هذا الإنسان هو بالنسبة لنا كل شيء .. فهو الكائن الوحيد الذي يعي هذا الكون، وما زال رافضا الاستسلام أمام اتساعه وعظمته.
أمام هذه العظمة والبهاء لا يسع المرء إلا أن يقول بخشوع: سبحان الخالق العظيم. لكن التسبيح لا يمنع طرح الأسئلة، ولا يمنع التفكير، ولا يمنع المحاولة لحل لغز الإنسان، ولغز الكون الأعظم ..

الآن، لنعد أدراجنا إلى حدود مجموعتنا الشمسية، لنلقي نظرة من هناك على كوكب الأرض، رغم أننا لن نرى سوى نقطة زرقاء باهتة متناهية في الصغر (كما وصفها كارل ساجان) .. بالكاد يظهر منها وميض طفيف، لكنها في حقيقة الأمر كوكب الأرض؛ موطننا، حيث يوجد عليه كل ما نتوق إليه وما نخشاه، ما نعرفه ونجهله، ما سمعنا عنه، وما لم يخطر ببالنا قط، حيث أفراحنا وأحزاننا، وأشواقنا وخيباتنا، وحيث مئات الأديان والأيديولوجيات والنظريات الفلسفية، حيث كل قتيل ينتظر قاتله، وكل مبدع أو مدمر، وكل ظالم مستبد أو فقير بائس، وكل عاشق ومعشوقه، وكل قديس وآثم، وكل أم تسهر على ابنها وتعده للنجاح، حيث الموهوبين والمرضى، وكل ثائر أو وزير فاسد أو فنان مشهور، وحيث المجمعات السياحية وأحزمة البؤس .. جميعهم يقطنون ويتزاحمون على هذا الكوكب .. على تلك الذرة من الغبار المعلقة على شعاع شمس ..

كل أنهار الدماء التي أراقها الجنرالات والأباطرة، والأعمال الوحشية التي اقترفها بنو البشر، والمنجزات العظيمة التي بناها المهندسون، والأحلام الكبيرة التي عاشها الفقراء، وصرخات الثكالى، وخوف المشردين من الجوع، وقلق الطامحين من الفشل، وأطماع الأثرياء وجشعهم، والدول المتصارعة، والمدن الزاخرة، والصحارى الشاسعة .. جميعها معلقة على كسرة ضئيلة من تلك الذرة .. بصعوبة بالغة نميزهم عن بعضهم ..

هذه النقطة الضئيلة جدا، (كما وصفها "ساجان") تقف وحيدة معزولة وسط غلاف من الظلام الدامس الذي يلف الكون بأكمله .. في وسط هذا الاتساع اللامتناهي لا نسمع أي حفيف صوت قادم من البعيد، ولا تبدو لنا أي إشارة أو حتى مجرد تلميح، إلى أن مساعدة ما ستأتي من مكان آخر لإنقاذنا من أنفسنا، ومن غبائنا، أو لإقناعنا بأن على هذا الكوكب ما يكفي الجميع، وأن مخاوفنا وحروبنا الأهلية وأحقادنا وأعمالنا الشريرة يمكن لنا أن نبددها ببساطة، وأن نتعايش معاً بأمن وسلام .. لكن كوكبنا يأخذنا في تياره الجارف، وينسينا حتى أنفسنا، ولا يبقي بيننا متسعاً للرحمة، أو حتى فسحة للتأمل .. والمشكلة أنه لا كوكب قريب يصلح للهجرة ..

في تلك النقطة النائية يعيش من يعتقد أن كل هذا الكون المترامي الأطراف إنما وُجد من أجل الجنس البشري، لا بل وُجد لخدمته، وحده دونا عن العشرة ملايين نوع من الكائنات الحية التي تقاسمه الحياة على كوكب الأرض، لا بل يعتقد آخرون أن هذا الكون إنما خُلق من أجل عيون عرق معين، أو طائفة ما، أو قبيلة متفوقة ..

والآن، لنتخيل أن كوكبا آخر مأهولا بالسكان يقع في الطرف الآخر من الكون، وأن هذا الكوكب بطريقة ما أرسل لنا إشارة مفادها أن الكون بأجمله قد خُلق من أجلهم .. فإلى أي مدى سنأخذ مزاعمهم على محمل الجد ؟ بعد أن عشنا كل هذي السنين مؤمنين وواثقين بأننا وحدنا مركز الكون !

مع العلم بأن هذا الكوكب الافتراضي قد يكون قد تفجر تماما قبل ملايين السنين، ولم يتبق منه سوى شعاع ضوء تاه في الفضاء سنين طويلة حتى وصل إلينا أخيرا .. وبالطبع فإن الأرض نفسها تقع ضمن نفس الاحتمال .. فمن المؤكد أنها ستنتهي بطريقة أو بأخرى بعد ردح من الزمان، لا أحد يعلمه على وجه اليقين، وبالتالي فإن كل حضارتنا ستغدو مجرد شعاع ضوء مسافر في رحاب الكون، قد تلتقطه أقوام أخرى في مناطق أخرى من الكون، وقد يظل مسافرا تائها لأبد الآبدين .. دون أن يعرف أي كائن عاقل عن كائنات كانت تسمى بني البشر، عاشت وعمّرت ذات يوم على كوكب كان اسمه الأرض.

فكل ما نراه من نجوم وأقمار وكواكب ومجرات إنما تنتمي للماضي، أي أنها تعود لأزمان ساحقة تعادل نفس المسافة التي تفصلها عنها، والتي يحتاج شعاع الضوء أن يعبرها بأقصى ما لديه من سرعة، وهي الآن على الأغلب مختلفة تماما عما كانت عليه.

أيها الإنسان، لا يصيبنّك الغرور، فما أنت سوى طيف عابر، أدنى من أثر فراشة حطت على ظهر الجبل، ستصبح ذكرى عمّا قليل، ثم لن يذكرك أحد. بل وربما لن يكون هناك أي أحد.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنون الاستبداد
- هكذا تُصنع الدكتاتوريات
- القتل باسم الشعارات الجميلة
- تنظيم القاعدة، هل هو صناعة أمريكية ؟!
- جدال على تخوم اليرموك .. من يحاصر المخيم ؟
- إنهم يحرقون الكتب
- معايير نظام العولمة
- حل الدولتين .. وحل الدولة الواحدة .. دراسة من جزئين، ج2 : أي ...
- حل الدولتين .. ماذا حلَّ به ؟ وإلى أين وصل ؟ دراسة من جزئين ...
- تأملات في خريف العمر
- كلاشنكوف
- على مشارف الخمسين
- هل خيارات الشعوب دائما صائبة ؟!
- الوجه الآخر لنيلسون مانديلا ..
- البعد الدولي وأثره على إخفاق الثورة الفلسطينية ..
- خواطر ثلجية
- تقلبات الزمن .. وتدافع الأجيال
- وما زالت الأرض تكشف أسرارها
- مواهب عربية
- حصاد ستة أعوام من حكم حماس في غزة - دراسة من جزئين 2/2


المزيد.....




- -سرايا القدس- تعلن مقتل 3 من عناصرها في قصف إسرائيلي على جنو ...
- أردوغان: فرص نجاح مبادرات السلام الأحادية دون مشاركة روسيا ض ...
- مصر: أفرجوا فورًا وبدون شروط عن الناشط السياسي البارز محمد ع ...
- إسرائيل تعلن مقتل -قائد القوة البحرية- لحماس
- مراسل RT: قصف مدفعي إسرائيلي في محيط المستشفى الكويتي وسط مد ...
- عشرات القتلى والجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مناطق في مدينتي ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي: قد يكون هذا الصيف -ساخنا- في الشمال ...
- -جداول الحياة-.. أداة جديدة تتنبأ بمدة حياة قطتك
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية قائد القوة البحرية التابعة لحماس ...
- ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الغني سلامه - نظرة من البعيد .. إلى كوكب الأرض